إنَّ المنهج الذي سار عليه عدد من المستشرقين في إنتاج معرفة استشراقية قائمة على مبدأ التشويه والإساءة للرسول (محمد ص) ارتكز على عوامل مهمة من ضمنها البعد الديني و تأثيره على المستشرق ، أو على الصراع الحضاري الذي جعل من المستشرقين يبحثون في كل شيء ممكن أن يكون عاملاً مساعداً في هدم الحضارة الإسلامية في الشرق ، أو على مبدا نشر المعلومات المضللة التي يبحث عنها العقل الغربي في كون الشرق هو بلاد العجائب والغرائب و الأساطير، وهذا المبدأ استخدمه عدد من المستشرقين في نشر الكثير من المعلومات البعيدة عن الواقعية التي كان عليها الشرق الاسلامي آنذاك، لذلك فقد انتجت المعرفة الغربية الاستشراقية منهجاً سار عليه عدد لا يستهان به "من المستشرقين كان ولا يزال حتى الآن تأكيد الصورة المشوهة و المنحرفة عن الواقع التاريخي التي تبلورت معالمها منذ العصر الأوروبي الوسيط وغدت حقائق لا تقبل المناقشة ، بل تقليد منهجي.(...) . لقد أخطأ المستشرقون حيث تكلموا عن سيرة الرسول ( ص) الشخصية والعقدية فشككوا في أصالته (ص) بتهم باطلة " (1) ليس لها أي حقيقة واقعية ، ومما ساعد في ذلك بعض ما نسب للرسول (ص) من أقوال وأحاديث ملفقة وغير حقيقية ، أصبحت فيما بعد مادة للطعن والتشويه و خير دليل على ذلك ما تناوله سليمان رشدي في (آيات شيطانية) و غيرها من نتاجات تمت بصلة إلى هذه الروايات الملفقة التي اكدها الاستشراق في معرفته وكتاباته عن الإسلام وعن الرسول (محمد )(ص)، إذ اصبح ومع الأسف كالدستور عند البعض في تناول هذه الشخصية، بل و أُسست طرائق عليها جعلها البعض طرائق مهمة لحركته الاستشراقية ، وخير مثال على أن الاستشراق ومن يقف خلفه ثبتوا هذه المنهج ، حسب ما يقوله (الاسقف دي ميسفيل) وكيل إدارة البعثات التبشيرية في الشرق بروما يما يأتي :" إنَّ الهدف الذي يتعين على المبشر تحقيقه. . هو تحطيم قوة التماسك الجبارة التي يتميز بها الإسلام – أو على الاقل – إضعاف هذه القوة ، وإنَّ على المبشر أن يدرس ويتفهم ( قران محمد) ليعرف كيف يذكر الناس في الشرق بأنه كانت هناك مدنية مسيحية " (2) لكنه نسي أن المدنية المسيحية في الجزيرة أو بعض اطرافها كانت محدودة في قبائل معينة بينما كانت ديانات أخرى و منها اليهودية التي لا تؤمن بالمسيحية ، وكذلك ديانات وثنية منتشرة تبيح العديد من التصرفات السيئة ، مثل وأد البنات والاغارة على الجار الآمن و استباحت الحرمات وغيرها ، فهل كانت هذه التصرفات وغيرها من المدنية المسيحية ؟وهل أن الدين الاسلامي أضاف وشرع أمور أخرى اساءة للديانة المسيحية ؟ أم أنه حفظ حقوق الديانات الأخرى بالعيش الكريم في الجزيرة العربية ؟ وفي هذا المجال الذي يمكن للمتتبع الموضوعي أن يدرس هل كانت هناك مدينة مسيحية وجاء الإسلام و رسوله (ص) و حوّل الحياة إلى همجية و أساء إلى كل ما هو سليم ؟ أم أن الإسلام شرّع للقيم الإنسانية في هذه المناطق واشاع روح التعايش السلمي ؟ وخير دليل على ذلك أن الإسلام ورسوله (ص) عندما انتصر في مكة لم يقتل أو ينكل بالمشركين الذين آذوا الرسول (ص) بل جعل بيوتهم و ديارهم آمنة ، كما في القول المعروف عن الرسول (ص) من (دخل دار أبي سفيان فهو آمن) و توجد العديد من الاحداث و الدلائل التي تبرأ الإسلام ورسوله من ادعاءات الاسقف (دي ميسفيل) التي تروج لأضعاف المسلمين ، بل هي اقوال لا وجود لها من الصحة و لا دليل قوي و منطقي عليها . وهذا المنهج (المسيفيلي) الذي اصبح من القواعد المهمة في الطعن بالرسول (ص) و دينه الإسلامي في الحملات التبشيرية والتي تبناها عدد من المستشرقين في المرحلة ذاتها .
إنَّ من الأمور الأخرى التي حاول القائمين على تشويه صورة الرسول محمد(ص) حتى يثبتوا بأن الشرق الاسلامي ليس له ديانات سماوية ، وأن فكرة الرسول لديهم ، ما هي الا كذبة جاء بها من أدعى الرسالة ، حسب زعمهم ، حتى يجعلوا من الذين يعتنقون الديانة المسيحية أكثر إيمان بأن الآخر المسلم قائم على ادعاءات باطلة في تفكيره و معتقده و في هذه المسالة المهمة في مسيرة التشويه ركز الفكر المعادي للشرق على استبعاد فكرة الرسالة السماوية عند المسلمين و خير دليل على ذلك ما جاء به المستشرق التبشيري (ثيوفاييس البيزينطي) (المتوفى 817م) في كتابه (حياة محمد) "و قد كتب في كتابه يقول : أن نبي الإسلام من علماء الشام المسيحين و اليهود ، وقد اعتبره اتباعه ايضاً (المسيح المنتظر)" (3). فإبعاد الرسول (ص) أولاً عن كونه نبياً رسولاً أولاً ، وثانياً جعل مرجعياته في بناء الدين الاسلامي هم علماء الديانتين اليهودية و المسيحية ، و ثالثاً ، ربطه بفكر كونه (المسيح المنتظر) ، مما يجعل كل ما لدى المسلمين من دولة وحضارة قائمة على هذه لا المرتكزات الثلاثة التي تجعل من معتقداتهم و ثقافتهم التي مركزها شخصية الرسول هو بعيد كل البعد عن الحقيقة التي يعتقدها القائمين على الديانة الغربية بشقيها اليهودي والمسيحي ، و كون هذه الأفكار خاطئة جعلوا من فكرة (المسيح المنتظر) هي مركز تفكير أتباع الرسول ، أي أن هذه الفكرة قد أتى بها العلماء المرتدين إلى قلب الفكر الاسلامي وتفكير أتباع محمد (ص) حسب اعتقادهم و كل هذه الادعاءات التي يعتقد بها أتباع الديانات في الغرب أصبحت أيضاً من المسلمات في النظرة للرسول (ص) و دين الإسلام و المسلمين في الشرق الاسلامي و تحديداً الشرق الاوسط مركز الدين الاسلامي. وليس بعيداً عن موضوع التشويه لصورة الرسول محمد (ص) وفي إشارة إلى أن الاسلام هو أداة انتقام بيد الرب ضد العلماء المتمردين و المنتقمين عن الكنيسة الأم ، لذلك فإن الإسلام بوجوده في الشرق هو أداة معاقبة و إبعاد لهؤلاء المتمردين عن جادة الصواب ، وهنا يعد هذا الراي الذي طرحه المستشرق البريطاني و المؤرخ (بريدو 1648-1724) في كتابه عن حياة الرسول محمد(ص) في صنة 1697 و الذي أتصف كتابه بالتعصب اللاموضوعي ، اذ يصف دين محمد(ص)بأنه "انتقاما من الرب بسبب انقسامات الكنيسة الشرقية على نفسها فالعرب (السراسين، اي سكان الصحراء) هم الأداة التي ارسلها الرب ليصب غضبه على المسيحيين" (4) الذين خرجوا على المسيحية ، و كأن الاسلام والرسول (ص) هو وسيلة انتقام لكل من خرج عن المسيحية بينما الرب الذي يصفه (بريدو) بأنه منتقم من المسيحية بالإسلام هو نفسه الرب الذي يصفه رسوله في القران الكريم بأوصاف مغايرة لوصف (بريدو) ففي (اية 107) من سورة (الانبياء) يقول الله جل جلاله "وما أرسلناك الا رحمة للعالمين"، فهل هذه الرحمة هي انتقام ؟ أم إنها تحمل في طياتها الهداية و التعبير نحو الافضل في بناء انسانية صالحة . نعم أنا اتفق مع (بريدو) بإن محمد(ص) أرسل من الرب لينتقم من الذين حرفوا الدين المسيحي السليم ، أي هو رحمة للذين مازالوا يعبدون الله بقلب سليم وفضح الذين زوروا الدين المسيحي و حرفوه عن مواضعه.
إن تصوير الاسلام بانه دين انتقام من المسيحية حسب وصف (بريدو) هو إبعاد صريحة للإسلام و للرسول (ص) عن رسالته النبيلة ، وهذه الدعوة يراد بها تأكيد أن من خرج عن المسيحية قد ابتلاه الله بداء اسمه الإسلام كانتقام و ليس رحمة ، وبالتالي فإن دين الإسلام هو وسيلة لإبعاد المرتدين ، وحسب زعم (بريدو) ، الذين خرجوا عن المسيحية ، ولا يعلم (بريدو) أنه في تفسير آخر أن من خرجوا عن المسيحية هم عملوا ذلك لشعورهم بأن مبادئ (المسيح عليه السلام) قد حُرفت وأن التحاقهم بالإسلام و الإيمان به ، وجدوا بأنه الدين القويم الذي يكمل ديانتهم الحقيقية الصالحة.
الهوامش
إنَّ من الأمور الأخرى التي حاول القائمين على تشويه صورة الرسول محمد(ص) حتى يثبتوا بأن الشرق الاسلامي ليس له ديانات سماوية ، وأن فكرة الرسول لديهم ، ما هي الا كذبة جاء بها من أدعى الرسالة ، حسب زعمهم ، حتى يجعلوا من الذين يعتنقون الديانة المسيحية أكثر إيمان بأن الآخر المسلم قائم على ادعاءات باطلة في تفكيره و معتقده و في هذه المسالة المهمة في مسيرة التشويه ركز الفكر المعادي للشرق على استبعاد فكرة الرسالة السماوية عند المسلمين و خير دليل على ذلك ما جاء به المستشرق التبشيري (ثيوفاييس البيزينطي) (المتوفى 817م) في كتابه (حياة محمد) "و قد كتب في كتابه يقول : أن نبي الإسلام من علماء الشام المسيحين و اليهود ، وقد اعتبره اتباعه ايضاً (المسيح المنتظر)" (3). فإبعاد الرسول (ص) أولاً عن كونه نبياً رسولاً أولاً ، وثانياً جعل مرجعياته في بناء الدين الاسلامي هم علماء الديانتين اليهودية و المسيحية ، و ثالثاً ، ربطه بفكر كونه (المسيح المنتظر) ، مما يجعل كل ما لدى المسلمين من دولة وحضارة قائمة على هذه لا المرتكزات الثلاثة التي تجعل من معتقداتهم و ثقافتهم التي مركزها شخصية الرسول هو بعيد كل البعد عن الحقيقة التي يعتقدها القائمين على الديانة الغربية بشقيها اليهودي والمسيحي ، و كون هذه الأفكار خاطئة جعلوا من فكرة (المسيح المنتظر) هي مركز تفكير أتباع الرسول ، أي أن هذه الفكرة قد أتى بها العلماء المرتدين إلى قلب الفكر الاسلامي وتفكير أتباع محمد (ص) حسب اعتقادهم و كل هذه الادعاءات التي يعتقد بها أتباع الديانات في الغرب أصبحت أيضاً من المسلمات في النظرة للرسول (ص) و دين الإسلام و المسلمين في الشرق الاسلامي و تحديداً الشرق الاوسط مركز الدين الاسلامي. وليس بعيداً عن موضوع التشويه لصورة الرسول محمد (ص) وفي إشارة إلى أن الاسلام هو أداة انتقام بيد الرب ضد العلماء المتمردين و المنتقمين عن الكنيسة الأم ، لذلك فإن الإسلام بوجوده في الشرق هو أداة معاقبة و إبعاد لهؤلاء المتمردين عن جادة الصواب ، وهنا يعد هذا الراي الذي طرحه المستشرق البريطاني و المؤرخ (بريدو 1648-1724) في كتابه عن حياة الرسول محمد(ص) في صنة 1697 و الذي أتصف كتابه بالتعصب اللاموضوعي ، اذ يصف دين محمد(ص)بأنه "انتقاما من الرب بسبب انقسامات الكنيسة الشرقية على نفسها فالعرب (السراسين، اي سكان الصحراء) هم الأداة التي ارسلها الرب ليصب غضبه على المسيحيين" (4) الذين خرجوا على المسيحية ، و كأن الاسلام والرسول (ص) هو وسيلة انتقام لكل من خرج عن المسيحية بينما الرب الذي يصفه (بريدو) بأنه منتقم من المسيحية بالإسلام هو نفسه الرب الذي يصفه رسوله في القران الكريم بأوصاف مغايرة لوصف (بريدو) ففي (اية 107) من سورة (الانبياء) يقول الله جل جلاله "وما أرسلناك الا رحمة للعالمين"، فهل هذه الرحمة هي انتقام ؟ أم إنها تحمل في طياتها الهداية و التعبير نحو الافضل في بناء انسانية صالحة . نعم أنا اتفق مع (بريدو) بإن محمد(ص) أرسل من الرب لينتقم من الذين حرفوا الدين المسيحي السليم ، أي هو رحمة للذين مازالوا يعبدون الله بقلب سليم وفضح الذين زوروا الدين المسيحي و حرفوه عن مواضعه.
إن تصوير الاسلام بانه دين انتقام من المسيحية حسب وصف (بريدو) هو إبعاد صريحة للإسلام و للرسول (ص) عن رسالته النبيلة ، وهذه الدعوة يراد بها تأكيد أن من خرج عن المسيحية قد ابتلاه الله بداء اسمه الإسلام كانتقام و ليس رحمة ، وبالتالي فإن دين الإسلام هو وسيلة لإبعاد المرتدين ، وحسب زعم (بريدو) ، الذين خرجوا عن المسيحية ، ولا يعلم (بريدو) أنه في تفسير آخر أن من خرجوا عن المسيحية هم عملوا ذلك لشعورهم بأن مبادئ (المسيح عليه السلام) قد حُرفت وأن التحاقهم بالإسلام و الإيمان به ، وجدوا بأنه الدين القويم الذي يكمل ديانتهم الحقيقية الصالحة.
الهوامش
- فوزي، فاروق عمر: الاستشراق والتاريخ الاسلامي، عمان الاهلية للنشر والتوزيع، 1998،ص67.
- الجبري، عبد المتعال محمد :الاستشراق وجه الاستعمار الفكري، القاهرة : مكتبة وهبه ،1995، ص124.
- زماني ، محمد حسن : الاستشراق والدراسات الاسلامية لدى الغربيين، ترجمة : محمد نور الدين عبد المنعم ، القاهرة : المشروع القومي للترجمة ، 2010،ص86.
- فوزي ، فاروق عمر :المصدر السابق ـ ص53.
- ينظر، شايب ،لخضر :المصدر السابق،ص265،ص266.