اختار الأديب والمترجم عودة القضاة مسرحية للشاعر والمسرحي الإنجليزي كريستوفر مارلو (1564-1593) ؛ كي يقدم ترجمة لها عن اللغة الإنجليزية بعنوان "الدكتور فاوستس: سيرته المأساوية وموته المُستحقّ" (عمان: دار البيروني، 2024م).
والمعروف أن عودة القضاة له ترجمات أدبية كثيرة: ففي مجال القصة القصيرة صدرت له أربع مجموعات، هي: "الطارة" 2005، و"الرعديد" 2010، و"أدب الطفل عند الشعوب: قصص من الأدب العالمي للأطفال" 2013، و"قناع الموت الأحمر" 2016. وفي مجال المسرح ترجم ثلاث مسرحيات قبل هذه المسرحية التي بين أيدينا، هي: "مكبث" 2008، و"تاجر البندقية" 2015 للشكسبير، و"يهودي مالطا" 2017 للشاعر الإنجليزي كريستوفر مارلو .
ومسرحية" الدكتور فاوستس.." صدرت أول مرّة بعنوان "التاريخ الفجائعي للدكتور فاوست وموته المُفجع"، وقد عُرضت على المسرح للمرة الأولى في عام 1588، ثم تكرر عرضها بين العامين 1594م و1597م. وطبعت بعد ذلك مرات ومرات.
وتقوم المسرحية على أسطورة ألمانية انتشر الحديث عنها في العصور الوسطى، عن عالم باع نفسه للشيطان من أجل الحصول على مزيد من المعرفة والتمتع بالحياة. وقيل إنه سُمع صراخه عند موته في الليل، ولم يعثر على جثته في الصباح فقد أخذها الشيطان.
ويقال إن الأسطورة حول فاوست انطلقت مع" كتاب فاوست" الذي صدر سنة 1587في فرانكفورت، وقد نشره جيسون كولافيتو، وورد فيه أن فاوست، درس اللاهوت في الجامعة، وبعد أن حصل على الدكتوراه سئم اللاهوت، وتحول إلى دراسة العلوم والرياضيات، ثم انتقل إلى الاهتمام بالتنجيم والسحر، واستحضار لأرواح، واستخراج أدوية من الأعشاب حتى تمكن من استحضار روح الشيطان ميفستوفيليس أشهر الشياطين في العصور الوسطى، واتفقا على أن يقوم ميفستوفيليس بتحقيق ما يطلبه فاوست مقابل أن يهبه روحه بعد أربعة وعشرين عامًا. ووقع فاوست بدمه الاتفاق. نفذ ميفستوفيليس ما تعهد به، وحقق لفاوست ما رغب فيه من شهرة ومعرفة، وعندما حان موعد تنفيذ فاوست ما تعهد به، بأن يأخذ ميفستوفيليس روحه حاول أن يتهرب من ذلك، وتوسل له أن يترك روحه، ولكنه رفض ومضى يعذب فاوست أشد أنواع العذاب، وشوه جسده بفظاعة.
لقد استفاد مارلو من الأسطورة مثل كثير من المسرحيين والفنانين والموسيقيين والروائيين، من أمثال الكاتب المسرحي الألماني يوهان فولفغانغ غوته، والموسيقار بيتهوفن، والرسام العالمي رامبرانت، والروائي الألماني توماس مان الذي اقتبس الحكاية الفاوستية في روايته الفلسفية "دكتور فاوستوس".
وفي الأدب العربي كان لشخصية فاوست تأثيرها في مسرحية "شهرزاد" لتوفيق الحكيم، ففيها يغدو شهريار شخصًا آخر بعد أن استمع إلى حكايات شهرزاد؛ فلم يعد متعطشًا لقتل الفتيات بعد الزواج منهن، إذ صار نهمًا للمعرفة، ويلجأ إلى السحر لتحقيق المزيد منها مثلما فعل فاوست.
في الحقيقة لم يغير مارلو من أحداث الأسطورة كثيرًا، وقدم فاوست بأنه عالم تفوق في علوم كثيرة، وتوصل إلى علاجات لأمراض، لكنه كان يرغب في مزيد من العلم والمعرفة. إنه مريض بالجوع المعرفي؛ لهذا لجأ إلى السحر والشعوذة، وأخيرًا باع روحه للشيطان من أجل ذلك.
ومسرحية مارلو هذه قريبة من المسرح الوعظي الديني، اهتم فيها مارلو بإظهار محاولة فاوست التخلص من تعهده للشيطان، بعد إحساسه بالندم، ولكنه فشل في ذلك؛ فكان يهم بالتوبة فيظهر له مفيستوفيلس ويهدده بالهلاك فيتراجع عن توبته إلى أن مات عاصيًا.
وفي المسرحية تمتزج التراجيديا والكوميديا كما هو حال المسرح الإليزابيثي في عصر شكسبير؛ فقد صورت بعض الرذائل بأنها أشخاص يغلب عليهم الأداء الكوميدي.
كان اختيار القضاة لهذه المسرحية اختيارًا موفقًا، فمع أن كثيرين من الأدباء اهتموا بشخصية فاوست إلا أن الفضل يعود إلى مارلو بأنه أول من منحها الحياة حين جسدها في عمل مسرحي مميز. ثم جاء بعد ذلك الأديب الألماني جان فلفانغ غوته (1749-1832) وجعل منها إحدى روائع الأدب العالمي ولا زال ما كتبه الاثنان مارلو وغوته من النماذج المتميزة التي تناولت شخصية فاوست.
كما تأتي ترجمة المسرحية منسجمة مع ترجمة القضاة السابقة لمسرحية مارلو "يهودي مالطا " فقد جاءت ترجمته هذه بعد أن فهم الأجواء التي يتحرك فيها مارلو، وبناء شخصياته وتعقيداتها.
فضلًا عن ذلك فإن عالم المسرحية جاء منسجمًا مع ما يدور في العالم اليوم بين قوى الشر وقوى الخير، ومثل في هذا الصراع الذي دار بين الشيطان الذي يمثل الشر، وبين الخير الذي يمثله أطياف الخير أو ملائكة الخير التي تحاول إقناع فاوست بعدم إبرام الصفقة مع الشيطان. ولكن للأسف كما في المسرحية ما زال الشر يتقدم على قوى الخير.
ولا يغيب عن بالنا أن نشير إلى أن هذا الاختيار من قبل الصديق عودة القضاة لينهض بترجمة مسرحية "الدكتور فاوستس.." قد سانده وساهم في أن يكون اختياره موفقًا قدرة المؤلف على تقديم النص الإنجليزي، على ما فيه من تعقيد، وتقديمه بلغة عربية سليمة، وشروحات عميقة تشي باطلاع واسع وثقافة عميقة.
من هنا نرى بأن هذه الترجمة أضافت كثيرًا إلى النص الإنجليزي؛ مما يجعلها ذات قيمة عظيمة، وليست مجرد إضافة عددية إلى ترجمات المسرحية الكثيرة.
والمعروف أن عودة القضاة له ترجمات أدبية كثيرة: ففي مجال القصة القصيرة صدرت له أربع مجموعات، هي: "الطارة" 2005، و"الرعديد" 2010، و"أدب الطفل عند الشعوب: قصص من الأدب العالمي للأطفال" 2013، و"قناع الموت الأحمر" 2016. وفي مجال المسرح ترجم ثلاث مسرحيات قبل هذه المسرحية التي بين أيدينا، هي: "مكبث" 2008، و"تاجر البندقية" 2015 للشكسبير، و"يهودي مالطا" 2017 للشاعر الإنجليزي كريستوفر مارلو .
ومسرحية" الدكتور فاوستس.." صدرت أول مرّة بعنوان "التاريخ الفجائعي للدكتور فاوست وموته المُفجع"، وقد عُرضت على المسرح للمرة الأولى في عام 1588، ثم تكرر عرضها بين العامين 1594م و1597م. وطبعت بعد ذلك مرات ومرات.
وتقوم المسرحية على أسطورة ألمانية انتشر الحديث عنها في العصور الوسطى، عن عالم باع نفسه للشيطان من أجل الحصول على مزيد من المعرفة والتمتع بالحياة. وقيل إنه سُمع صراخه عند موته في الليل، ولم يعثر على جثته في الصباح فقد أخذها الشيطان.
ويقال إن الأسطورة حول فاوست انطلقت مع" كتاب فاوست" الذي صدر سنة 1587في فرانكفورت، وقد نشره جيسون كولافيتو، وورد فيه أن فاوست، درس اللاهوت في الجامعة، وبعد أن حصل على الدكتوراه سئم اللاهوت، وتحول إلى دراسة العلوم والرياضيات، ثم انتقل إلى الاهتمام بالتنجيم والسحر، واستحضار لأرواح، واستخراج أدوية من الأعشاب حتى تمكن من استحضار روح الشيطان ميفستوفيليس أشهر الشياطين في العصور الوسطى، واتفقا على أن يقوم ميفستوفيليس بتحقيق ما يطلبه فاوست مقابل أن يهبه روحه بعد أربعة وعشرين عامًا. ووقع فاوست بدمه الاتفاق. نفذ ميفستوفيليس ما تعهد به، وحقق لفاوست ما رغب فيه من شهرة ومعرفة، وعندما حان موعد تنفيذ فاوست ما تعهد به، بأن يأخذ ميفستوفيليس روحه حاول أن يتهرب من ذلك، وتوسل له أن يترك روحه، ولكنه رفض ومضى يعذب فاوست أشد أنواع العذاب، وشوه جسده بفظاعة.
لقد استفاد مارلو من الأسطورة مثل كثير من المسرحيين والفنانين والموسيقيين والروائيين، من أمثال الكاتب المسرحي الألماني يوهان فولفغانغ غوته، والموسيقار بيتهوفن، والرسام العالمي رامبرانت، والروائي الألماني توماس مان الذي اقتبس الحكاية الفاوستية في روايته الفلسفية "دكتور فاوستوس".
وفي الأدب العربي كان لشخصية فاوست تأثيرها في مسرحية "شهرزاد" لتوفيق الحكيم، ففيها يغدو شهريار شخصًا آخر بعد أن استمع إلى حكايات شهرزاد؛ فلم يعد متعطشًا لقتل الفتيات بعد الزواج منهن، إذ صار نهمًا للمعرفة، ويلجأ إلى السحر لتحقيق المزيد منها مثلما فعل فاوست.
في الحقيقة لم يغير مارلو من أحداث الأسطورة كثيرًا، وقدم فاوست بأنه عالم تفوق في علوم كثيرة، وتوصل إلى علاجات لأمراض، لكنه كان يرغب في مزيد من العلم والمعرفة. إنه مريض بالجوع المعرفي؛ لهذا لجأ إلى السحر والشعوذة، وأخيرًا باع روحه للشيطان من أجل ذلك.
ومسرحية مارلو هذه قريبة من المسرح الوعظي الديني، اهتم فيها مارلو بإظهار محاولة فاوست التخلص من تعهده للشيطان، بعد إحساسه بالندم، ولكنه فشل في ذلك؛ فكان يهم بالتوبة فيظهر له مفيستوفيلس ويهدده بالهلاك فيتراجع عن توبته إلى أن مات عاصيًا.
وفي المسرحية تمتزج التراجيديا والكوميديا كما هو حال المسرح الإليزابيثي في عصر شكسبير؛ فقد صورت بعض الرذائل بأنها أشخاص يغلب عليهم الأداء الكوميدي.
كان اختيار القضاة لهذه المسرحية اختيارًا موفقًا، فمع أن كثيرين من الأدباء اهتموا بشخصية فاوست إلا أن الفضل يعود إلى مارلو بأنه أول من منحها الحياة حين جسدها في عمل مسرحي مميز. ثم جاء بعد ذلك الأديب الألماني جان فلفانغ غوته (1749-1832) وجعل منها إحدى روائع الأدب العالمي ولا زال ما كتبه الاثنان مارلو وغوته من النماذج المتميزة التي تناولت شخصية فاوست.
كما تأتي ترجمة المسرحية منسجمة مع ترجمة القضاة السابقة لمسرحية مارلو "يهودي مالطا " فقد جاءت ترجمته هذه بعد أن فهم الأجواء التي يتحرك فيها مارلو، وبناء شخصياته وتعقيداتها.
فضلًا عن ذلك فإن عالم المسرحية جاء منسجمًا مع ما يدور في العالم اليوم بين قوى الشر وقوى الخير، ومثل في هذا الصراع الذي دار بين الشيطان الذي يمثل الشر، وبين الخير الذي يمثله أطياف الخير أو ملائكة الخير التي تحاول إقناع فاوست بعدم إبرام الصفقة مع الشيطان. ولكن للأسف كما في المسرحية ما زال الشر يتقدم على قوى الخير.
ولا يغيب عن بالنا أن نشير إلى أن هذا الاختيار من قبل الصديق عودة القضاة لينهض بترجمة مسرحية "الدكتور فاوستس.." قد سانده وساهم في أن يكون اختياره موفقًا قدرة المؤلف على تقديم النص الإنجليزي، على ما فيه من تعقيد، وتقديمه بلغة عربية سليمة، وشروحات عميقة تشي باطلاع واسع وثقافة عميقة.
من هنا نرى بأن هذه الترجمة أضافت كثيرًا إلى النص الإنجليزي؛ مما يجعلها ذات قيمة عظيمة، وليست مجرد إضافة عددية إلى ترجمات المسرحية الكثيرة.