استدعاء الشواهد بكل أنواعها ومنازلها ضرورة عقلية، وقولية، ونصية، كآية ودليل وبرهان على صحة مايدركه العقل ويعتقده، وصواب ما ينطقه اللسان ويلفظه، وهو معيار المنطق العقلي الرياضي وقاعدة استدلالية يستند عليها، وبها يصدر حكمه ، ومخرجات قضاياه..
وقد تعددت الشواهد واختلفت، وتباينت درجاتها ومنازلها بين ( علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين).
فأما علم اليقين ما اعتقده العقل، وآمن به القلب وصدقه، وأما عين اليقين فهو ما باشره المرء، ورآه يقينا، وحق اليقين هو فناء العبد في الحق والبقاء به علما وشهودا.
وقد سجل لنا القرآن الكريم هذه التجارب بطريقة عملية مع أنبياء الله ومرسليه، لينقلهم وينقلنا معهم من علم اليقين إلى عين اليقين، ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة : 260] فمع إيمان سيدنا إبراهيم يقينا، إلا أنه أراد أن يرى ذلك عيانا بيانا ليطمئن قلبه، ويعلو بيقينه إلى درجة الاطمئنان القلبي.
وأيضا قوله سبحانه: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة : 259]
والشاهد هنا أيضا تجربة عملية أجراها الله أمام عيني أحد عباده المصطفين، لتثبت له يقينا قدرة الله سبحانه وتعالى على إحياء الموتى، فكانت إجابته بعلمه اليقيني بقدرة الله، ولكن كان في حاجة إلى معاينة ذلك لتثبت الفكرة عقليا لا وجدانيا.
والشاهد في حق اليقين قوله تعالى: {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف : 44].. وهو تحول علم اليقين إلى حق اليقين والوقوع فيه.
ولا شك أن الشاهد القرآني أقوى الأدلة العقلية في تثبيت فكرة معينة في الذهن، وأقواها في ترسيخ الإيمان وتوطينه في القلب، ولأنه كذلك معجزة لغوية، وأسلوبية، وبلاغية، كانت محط أنظار اللغويين والبلاغيين، فاستمدوا منه شواهدهم، ونَظَّروا لعلومهم، وجعلوه مصدرهم المحكم الرصين في استمداد حجتهم.
وتأتي سنة رسول الله ﷺ، وأحاديثه التي نقلت إلينا بالتواتر في المنزلة التالية مصداقا لقوله ﷺ ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي).. فمنها أخذ الشاهد والدليل على صحة ما يعتقد، ومن بيانه وفصاحته ــ وقد أعطي جوامع الكلم ـ تقويم اللسان وصياغة المعاني والأساليب.
ثم يلي ذلك أشعار العرب وتراثهم اللغوي والأدبي الذي نقل أيضا عن طريق الرواية الشفهية إلى أن تم تدوينه وتصنيفه في عصور لاحقة، فكان أيضا مصدرا أصيلا لأخذ الشاهد والدليل على صحة ما يقال لفظا، أو ما يعتقد عقلا وحكمة..
وانبثق عن هذا كله ما أنبرى وتبارى فيه علماء المسلمين من فنون مختلفة، وقفوا على شواهد راسخة، ومصادر واضحة ليكملوا ذلك الصرح المعرفي الذي اتخذته الحضارات المتعاقبة والمختلفة عرقا ودينا، شاهدا ونبراسا للبناء والتقدم.
وهذا ما دفع الكثيرون من علماء الغرب (المستشرقون) في الانكباب على ذلك التراث، وقتله بحثا، وتحقيقا لاستخراج مافيه من درر كامنة في أحشاء الكتب المخطوطة، والكنوز المدفونة في سراديب وخزائن البيوت العتيقة والمكتبات القديمة.. وعنه استشعر الغربيون خطر هذا التراث وقيمته في انعاش الشعوب الناهضة، فاستخدموها شاهدا للبناء تارة، ومعولا للهدم والتشكيك تارة أخرى.
فما أحوجنا إلى إبراز تلك الشواهد كدليل عقلي لا يقبل التفاوض أو المجادلة، و كبرهان قلبي ومحرك فاعل للارتقاء الإيماني والروحي، وبيان واضح لتقويم اللسان وصيانته من الوقوع في الزلل واللحن.
وقد تعددت الشواهد واختلفت، وتباينت درجاتها ومنازلها بين ( علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين).
فأما علم اليقين ما اعتقده العقل، وآمن به القلب وصدقه، وأما عين اليقين فهو ما باشره المرء، ورآه يقينا، وحق اليقين هو فناء العبد في الحق والبقاء به علما وشهودا.
وقد سجل لنا القرآن الكريم هذه التجارب بطريقة عملية مع أنبياء الله ومرسليه، لينقلهم وينقلنا معهم من علم اليقين إلى عين اليقين، ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة : 260] فمع إيمان سيدنا إبراهيم يقينا، إلا أنه أراد أن يرى ذلك عيانا بيانا ليطمئن قلبه، ويعلو بيقينه إلى درجة الاطمئنان القلبي.
وأيضا قوله سبحانه: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة : 259]
والشاهد هنا أيضا تجربة عملية أجراها الله أمام عيني أحد عباده المصطفين، لتثبت له يقينا قدرة الله سبحانه وتعالى على إحياء الموتى، فكانت إجابته بعلمه اليقيني بقدرة الله، ولكن كان في حاجة إلى معاينة ذلك لتثبت الفكرة عقليا لا وجدانيا.
والشاهد في حق اليقين قوله تعالى: {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف : 44].. وهو تحول علم اليقين إلى حق اليقين والوقوع فيه.
ولا شك أن الشاهد القرآني أقوى الأدلة العقلية في تثبيت فكرة معينة في الذهن، وأقواها في ترسيخ الإيمان وتوطينه في القلب، ولأنه كذلك معجزة لغوية، وأسلوبية، وبلاغية، كانت محط أنظار اللغويين والبلاغيين، فاستمدوا منه شواهدهم، ونَظَّروا لعلومهم، وجعلوه مصدرهم المحكم الرصين في استمداد حجتهم.
وتأتي سنة رسول الله ﷺ، وأحاديثه التي نقلت إلينا بالتواتر في المنزلة التالية مصداقا لقوله ﷺ ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي).. فمنها أخذ الشاهد والدليل على صحة ما يعتقد، ومن بيانه وفصاحته ــ وقد أعطي جوامع الكلم ـ تقويم اللسان وصياغة المعاني والأساليب.
ثم يلي ذلك أشعار العرب وتراثهم اللغوي والأدبي الذي نقل أيضا عن طريق الرواية الشفهية إلى أن تم تدوينه وتصنيفه في عصور لاحقة، فكان أيضا مصدرا أصيلا لأخذ الشاهد والدليل على صحة ما يقال لفظا، أو ما يعتقد عقلا وحكمة..
وانبثق عن هذا كله ما أنبرى وتبارى فيه علماء المسلمين من فنون مختلفة، وقفوا على شواهد راسخة، ومصادر واضحة ليكملوا ذلك الصرح المعرفي الذي اتخذته الحضارات المتعاقبة والمختلفة عرقا ودينا، شاهدا ونبراسا للبناء والتقدم.
وهذا ما دفع الكثيرون من علماء الغرب (المستشرقون) في الانكباب على ذلك التراث، وقتله بحثا، وتحقيقا لاستخراج مافيه من درر كامنة في أحشاء الكتب المخطوطة، والكنوز المدفونة في سراديب وخزائن البيوت العتيقة والمكتبات القديمة.. وعنه استشعر الغربيون خطر هذا التراث وقيمته في انعاش الشعوب الناهضة، فاستخدموها شاهدا للبناء تارة، ومعولا للهدم والتشكيك تارة أخرى.
فما أحوجنا إلى إبراز تلك الشواهد كدليل عقلي لا يقبل التفاوض أو المجادلة، و كبرهان قلبي ومحرك فاعل للارتقاء الإيماني والروحي، وبيان واضح لتقويم اللسان وصيانته من الوقوع في الزلل واللحن.
