عندما ترى فناناً يرسم علانية في قارعة الطريق .. في الحدائق أوالساحات العامة .. تثق عندها أنه يرسم فناً رخيصاً .. وهو يعرف ذلك
غاية تلك اللوحات الشوارعية أنّ الفنان يريد أن يأكل .. هو يستجدي ثمن خبزه .. شحاذ عصري! ..
عندما يرسم ذلك الرجل المعجب بنفسه ليرمي له في النهاية بضعة دراهم .. هذا إن أعجبته اللوحة .. هو نوع من التذلل الفني !
وقد ينسى ذلك الرجل لوحته التي تحمل رسمه ..لا يأخذها قصداً فهي رخيصة .. قد يتلفها ذوقاً في زاوية مجاورة حتى لا يجرح شعور الفنان المرهف .. قد يلفّها تحت إبطه كجريدة .. لم تعجبه فهو أجمل منها طبعاً
أما عندما يريد ذلك الفنان أن يرسمَ حقيقة .. فتراه يختلي بنفسه .. بأفكاره .. بأحلامه .. فيبدع لوحات (مَعَارضية).. وليست شوارعية .. ذلك الإبداع يُريحه ويحقق له النشوة .. كمن يمارس العادة السرية !
قال لي ذلك الفنان ما معناه .. أنه يستلذّ برسم محبوبته الغائبة أكثر من رسمها مصلوبة أمامه كالتمثال .. وكانت ريشته تنفعل أكثر .. تخلق ألواناً جديدة يراها بباطن أفكاره وهي غير موجودة أمام العيون العادية .. عندما يرسم بشكل سرّي يكبّر مفاتنها ويظهرها .. ويمحو عيوبها وينكرها ..
عندما يرسم بشكل سرّي يحدّثها بما لا يستطيع الجهر به .. يشتمها .. يعضّها.. يعاقبها بزيادة الظلال ويضيف لها سواد الألوان .. يكافئها فيبيّض صفحتها لو أراد ..إنه يرسم بسرّية .. وبحُرّية !.. لأنّ لوحته تلك ليست للعرض حالياً .. ليست للبيع .. إنه يرسم لنفسه .. ولنفسه فقط
عندما يرسم بشكل سرّي .. يستطيع فتح أزرارها خيالياً .. ورسم ماتحت الرداء . .يطيل الوقت ما شاء فلا أحد يراه .. يفرش الألوان بريشته على صدرها كما يشتهي .. يبرز نهودها .. وتدور الريشة دوائر ودوائر .. حتى يشعر بأن النهد خرج من اللوحة وقفز إليه .. عندها يشعر بالنشوة ويرتاح على كرسيه المهزوز متأمّلاً .. وبعد أن يفيق من غفلته .. يُلبِسَها قميصاً بضرَباتٍ مُستعجلة من ريشته
وقبل أن يغادر مرسمه المعزول.. يقلب تلك اللوحة على قفاها .. لا يريد لأحد أن يراها .. وحتى صاحبتها .. يخجل لو رآها أحد .. كخجل أي إنسان من العادة السرية .
تلك اللوحة غدت مع الزمن سميكة بطبقاتها اللونية .. فهو يعرّيها كل يوم .. ويعود فيلبسها .
هل سمعت عن الرسم بالسكين ؟
عندما يشتد انفعال الفنان .. لاتقوى الريشة عندها على إدراك عواطفه .. تصبح بطيئة بين يديه وألوانه شفافة وسطحية .. لا عُمقَ فيها .. فيلجأ للرسم بالسكين .. وهو الإغراق باللون الزيتي .. والشدّة في المزج .. والغلوّ في التجريد
هل تعلم أن (الموناليزا) لوحة سميكة ومتعددة الطبقات ؟ .. ورسَمَها (ليوناردو) عدة مرات وبزمن جاوز السنوات .. هل تعلم بأنها كانت عارية الصدر في إحدى طبقاتها ؟.. وأنّ ابتسامَتها المُبهمة كانت عريضة يوماً .. وخجلة في يوم آخر .. وقد أصلحها (دافنشي ) مرّات ومرات حتى غدت متعددة المعاني .. كان يريد أن يحتفظ بها لنفسه .. لكن إصرار صاحبها هو من أخرجها إلى النور .. لقد كان(ليوناردو) .. شئنا أم أبينا .. يمارس الفن بطريقة العادة السرية !
العادة السرية ليست جُرماً .. هي عمل اعتيادي بالتعريف لكنه في السرّ
قد تكون مقدّسة .. كراهبٍ اعتزل الكون وزهد به واختلى بنفسه وبربّه .. اعتاد الصلاة بشكل سرّي ...فصارت صلاته عادة سرّية.. لكنها مقدّسة !
وحتى لو التصقت بالجنس فلن تكون جرما ً .. فأنت لا تعتدي على أحد .. لا تغتصب .. لاتقذف المحصّنات .. أكثيرٌ عليك أن تختلي بمحبوبتك في الحلم ؟
هي إذن حقيقة جدلية يمارسها جميع سكان الأرض في وقت ما .. مهما كابروا وادّعوا غير ذلك .. هي صمّام الأمان للطاقات الجنسية المحتقنة وبدونها يتوحّش المجتمع ..
أما ممارسة الأدب كعادة سرية فهو أكثر بعداً ..هو ليس استمناءً على الورق .. كما يقول أحد النقاد ساخراً من أدب (إيروتيكي).. هو ينسى الغزل الصريح الذي يزخر به الأدب العالمي .. وينسى الكلمات الجنسية الصريحة التي قالها الجاحظ والفرزدق وامرؤ القيس وغيرهم .
تعالوا نسميه الأدب السري مثلاً .. أو المثير للعواطف ..
من يكتبه لا يصيد بالماء العكر .. ولا يعرض بضاعة رخيصة .. ولا يستجدي القراء الباحثين عن الجنس .. فالجنس الرخيص لديه أفلام وصور .. أما الأدب فهو أسمى وأرقى من كل كل مُدّعي العفة والطهارة .. لأنه صادقٌ وحقيقيّ يلامس عواطف القارئ التي قد تكون مكبوتة وملجومة
إنه تنفيسٌ للنفوس ولو لم يُنشر .. هو أشبه بأدب السجون لكنه أقل تمرداً وأقل تهجماً .. وأقلّ تذمّراً
الأدب الإيروتيكي يكتبه الأديب العربي – ومازال - متردداً خجلاً .. وكأنه يرتكب معصية .. فيستعمل أحباراً قابلة للتبخر وآيلة للضياع .. وعلى أوراقٍ تُطوى في الجيوب ويتلفها صاحبها لأنها تخاف النور .. وعندما ترسلها إلى موقعٍ أدبي (كالأنطولوجيا ) يضعونها في الصف الأخير .. لأنّ حرّاس الموقع أيضاً يخجلون من نشرها .. وللحديث بقية لكنها مشروطة بنشر ما سبق !!!
جورج سلوم
************************
غاية تلك اللوحات الشوارعية أنّ الفنان يريد أن يأكل .. هو يستجدي ثمن خبزه .. شحاذ عصري! ..
عندما يرسم ذلك الرجل المعجب بنفسه ليرمي له في النهاية بضعة دراهم .. هذا إن أعجبته اللوحة .. هو نوع من التذلل الفني !
وقد ينسى ذلك الرجل لوحته التي تحمل رسمه ..لا يأخذها قصداً فهي رخيصة .. قد يتلفها ذوقاً في زاوية مجاورة حتى لا يجرح شعور الفنان المرهف .. قد يلفّها تحت إبطه كجريدة .. لم تعجبه فهو أجمل منها طبعاً
أما عندما يريد ذلك الفنان أن يرسمَ حقيقة .. فتراه يختلي بنفسه .. بأفكاره .. بأحلامه .. فيبدع لوحات (مَعَارضية).. وليست شوارعية .. ذلك الإبداع يُريحه ويحقق له النشوة .. كمن يمارس العادة السرية !
قال لي ذلك الفنان ما معناه .. أنه يستلذّ برسم محبوبته الغائبة أكثر من رسمها مصلوبة أمامه كالتمثال .. وكانت ريشته تنفعل أكثر .. تخلق ألواناً جديدة يراها بباطن أفكاره وهي غير موجودة أمام العيون العادية .. عندما يرسم بشكل سرّي يكبّر مفاتنها ويظهرها .. ويمحو عيوبها وينكرها ..
عندما يرسم بشكل سرّي يحدّثها بما لا يستطيع الجهر به .. يشتمها .. يعضّها.. يعاقبها بزيادة الظلال ويضيف لها سواد الألوان .. يكافئها فيبيّض صفحتها لو أراد ..إنه يرسم بسرّية .. وبحُرّية !.. لأنّ لوحته تلك ليست للعرض حالياً .. ليست للبيع .. إنه يرسم لنفسه .. ولنفسه فقط
عندما يرسم بشكل سرّي .. يستطيع فتح أزرارها خيالياً .. ورسم ماتحت الرداء . .يطيل الوقت ما شاء فلا أحد يراه .. يفرش الألوان بريشته على صدرها كما يشتهي .. يبرز نهودها .. وتدور الريشة دوائر ودوائر .. حتى يشعر بأن النهد خرج من اللوحة وقفز إليه .. عندها يشعر بالنشوة ويرتاح على كرسيه المهزوز متأمّلاً .. وبعد أن يفيق من غفلته .. يُلبِسَها قميصاً بضرَباتٍ مُستعجلة من ريشته
وقبل أن يغادر مرسمه المعزول.. يقلب تلك اللوحة على قفاها .. لا يريد لأحد أن يراها .. وحتى صاحبتها .. يخجل لو رآها أحد .. كخجل أي إنسان من العادة السرية .
تلك اللوحة غدت مع الزمن سميكة بطبقاتها اللونية .. فهو يعرّيها كل يوم .. ويعود فيلبسها .
هل سمعت عن الرسم بالسكين ؟
عندما يشتد انفعال الفنان .. لاتقوى الريشة عندها على إدراك عواطفه .. تصبح بطيئة بين يديه وألوانه شفافة وسطحية .. لا عُمقَ فيها .. فيلجأ للرسم بالسكين .. وهو الإغراق باللون الزيتي .. والشدّة في المزج .. والغلوّ في التجريد
هل تعلم أن (الموناليزا) لوحة سميكة ومتعددة الطبقات ؟ .. ورسَمَها (ليوناردو) عدة مرات وبزمن جاوز السنوات .. هل تعلم بأنها كانت عارية الصدر في إحدى طبقاتها ؟.. وأنّ ابتسامَتها المُبهمة كانت عريضة يوماً .. وخجلة في يوم آخر .. وقد أصلحها (دافنشي ) مرّات ومرات حتى غدت متعددة المعاني .. كان يريد أن يحتفظ بها لنفسه .. لكن إصرار صاحبها هو من أخرجها إلى النور .. لقد كان(ليوناردو) .. شئنا أم أبينا .. يمارس الفن بطريقة العادة السرية !
العادة السرية ليست جُرماً .. هي عمل اعتيادي بالتعريف لكنه في السرّ
قد تكون مقدّسة .. كراهبٍ اعتزل الكون وزهد به واختلى بنفسه وبربّه .. اعتاد الصلاة بشكل سرّي ...فصارت صلاته عادة سرّية.. لكنها مقدّسة !
وحتى لو التصقت بالجنس فلن تكون جرما ً .. فأنت لا تعتدي على أحد .. لا تغتصب .. لاتقذف المحصّنات .. أكثيرٌ عليك أن تختلي بمحبوبتك في الحلم ؟
هي إذن حقيقة جدلية يمارسها جميع سكان الأرض في وقت ما .. مهما كابروا وادّعوا غير ذلك .. هي صمّام الأمان للطاقات الجنسية المحتقنة وبدونها يتوحّش المجتمع ..
أما ممارسة الأدب كعادة سرية فهو أكثر بعداً ..هو ليس استمناءً على الورق .. كما يقول أحد النقاد ساخراً من أدب (إيروتيكي).. هو ينسى الغزل الصريح الذي يزخر به الأدب العالمي .. وينسى الكلمات الجنسية الصريحة التي قالها الجاحظ والفرزدق وامرؤ القيس وغيرهم .
تعالوا نسميه الأدب السري مثلاً .. أو المثير للعواطف ..
من يكتبه لا يصيد بالماء العكر .. ولا يعرض بضاعة رخيصة .. ولا يستجدي القراء الباحثين عن الجنس .. فالجنس الرخيص لديه أفلام وصور .. أما الأدب فهو أسمى وأرقى من كل كل مُدّعي العفة والطهارة .. لأنه صادقٌ وحقيقيّ يلامس عواطف القارئ التي قد تكون مكبوتة وملجومة
إنه تنفيسٌ للنفوس ولو لم يُنشر .. هو أشبه بأدب السجون لكنه أقل تمرداً وأقل تهجماً .. وأقلّ تذمّراً
الأدب الإيروتيكي يكتبه الأديب العربي – ومازال - متردداً خجلاً .. وكأنه يرتكب معصية .. فيستعمل أحباراً قابلة للتبخر وآيلة للضياع .. وعلى أوراقٍ تُطوى في الجيوب ويتلفها صاحبها لأنها تخاف النور .. وعندما ترسلها إلى موقعٍ أدبي (كالأنطولوجيا ) يضعونها في الصف الأخير .. لأنّ حرّاس الموقع أيضاً يخجلون من نشرها .. وللحديث بقية لكنها مشروطة بنشر ما سبق !!!
جورج سلوم
************************