المهدي ضربان - هؤلاء هم في القلب.. مع القاصة والشاعرة التونسية هدى الهرمي... يرافقها إحتراق رصين و حرفا يلازم الكينونة

بقى تواصلي معها مستمرا نعيش معنى إرتسم من تفاصيل كنت أسردها تباعا لها من لحظة كانت والدتي الراحلة حمدي فطيمة زهرة رحمها الله.. تحكي لي عن رحلة جدتي الأولى
"جبانية " التي أحالتها على تاريخ رحلة من الشرق الجزائري تكون عائلتنا قد هاجرت من الحدود الشرقية المحاذية لدولة تونس الشقيقة ..حيث سمعت من أمي.. كيف بدأت الرحلة من مدينة " نفطة" و" توزر" التونسيتين ..هذا المعنى التاريخي تأسس بيني وبين تونسية ..تحب الجزائر وتعشق الابداع الجزائري عموما و بكل أصنافه ..تواترت المعاني الصداقية بيننا.. لتتشكل إرهاصا من تونسية كانت تقرأ لي وتعيش محطات حلقاتي هؤلاء هم في القلب ..
كذلك عايشت حرفها وتجربتها وتلك الدرجة العجيبة من حبها للجزائر ولمحطات كانت تصلها عبر صداقة مشتركة جسدت لها رؤية عبر كتابتي يوما في الشاعر الجميل عمار مرياش ..
كذلك عرفتها القاصة والشاعرة والإعلامية التونسية " هدى الهرمي " .. قالت لي :
" قرأت لك مقالا عن الشاعر الجزائري القدير عمار مرياش وراقني جدا أسلوبك الشفيف في الكتابة...نحن نتعلم منكم والله...نحن نتعاطى الخطاب الإنساني ونكابد من أجل الجمال و الفن والفكر..وبخصوص ما كنت تحكيه لي عن والدتك الراحلة ..فأنا لعلمك جدتي من جبال خمير على الحدود وحسب رواية والدي له جدّ جزائري ويجري في عروقنا دم جزائري ..وفي الجنوب التونسي هي المنطقة التي لي فيها أصول من والدتي ..فجدي من ولاية قبلي..أحيانا أبدو بربرية أمازيغية فينيقية..أصولي مخضرمة ..لكنني فخورة جدا أنني عربية مسلمة وأنتمي للإنسانية ككل وصراحة أنا لا أتقن الحديث عن نفسي .." ..
قالت لي الكاتبة هدى الهرمي :
أنا بإختصار ..كاتبة تتسلّق سور الشغف لتتحصّن بالأدب لاقتناص اللحظة المخاتلة بين الذات الإنسانية والأخيلة لرصد الجمال والبحث في كينونة الوجود من خلال اللغة.
بدأت هذا المشوار بكتابة الخواطر ثم الشعر أو (قصيدة النثر ) من سنة 2012، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي إنطلق صوتي العميق عبر المواقع الإلكترونية ثم المنتديات الأدبية. تنوعت تجربتي الأدبية بين النثر والقصة والمقال.
في رصيدي مجموعة شعرية "ظلال الأجنحة" 2018 ، ومجموعة قصصية "عميان المنطقة المحظورة"2023
إضافة الى مشاركات مهمة في كتب جماعية سردا ونثرا وملتقيات ثقافية..." ..
وكذلك كان يمنحني البحث في تجربة هدى الهرمي أن أعيش تجربتها وهاجسها ولمستها الإبداعية التي عايشتها من تفاصيل مضامين صفحتها ومن هاجس تشكل في ساحة البحث عن تجربتها حينما رصدتها محركات البحث.. تنثر عطر معانيها وتلامس شغفا راودها لتنصهر في عالم القصة والشعر وكذا ما رصدته كتاباها النقدية التي سمحت لنا محاولة رصدها..أن نعيش ذلك الهم الذي يسكنها تجربويا وينادينا كي نعيش تجربة برنين وصناعة إبداعية واعدة .. هي من صميم لغة بعث جادة من واحدة ..تعلمت جيدا هذا الهاجس الذي عادة ما لون نثرياتها وهاجسا من صور تصنعه قصصها وكذا حوارات تجريها مع الكثيرين كي تنشرها في صحف ومواقع لها ذلك الزاد المرجعي من كتابات ترتسم في الصفحات والمنابر والملاحق الثقافية خاصة في العراق والجزائر وفي الخليج حيث بقى إسمها يصنع الإضافات الواعدة ..
الكاتب المقتدر اليمني المعروف عبد الوكيل الأغبر السروري قال فيها ما كان يبهره من خطها التحريري الفني والإبداعي حينما قال منتشيا :
" يا ربي هذه الشاعرة المثقفة تربكني لغتنا النقدية ..تقرأ الكتابات بصورة مختلفة ..إنها هدى الهرمي ..تعي ما تقول تماما ..وقراءتها ليست رجما بالغيب ...فنانة كبيرة تستحق القراءة بصمت واحترام ..كل التقدير صديقتي .." ..
كذلك سافرت بنا وحلقت شاعرتنا في قصيدة لها بعنوان ( الحركة في دائرة الظلّ) :
الأمر ذاته يتكرّر
حين تركب القطار السريع
لتتشظّى أطياف المسافرين
كأشكال هندسيّة
تصنع حركة مُسترابة فوق الرصيف
فيلتقطها وجه غريب
عابر للحدود
يحوم جهة الظلٌ في المسرى
دون أن تنكشف أغراض الرحلة...
ما عدا ثلاث زهرات
وقعن من ثقب الذاكرة
فوق سطح المعنى
كأيّ شيء ناشف لا ظلّ يعتريه
حين يغادره الحنين
دون رجعة
و حاورها يوما الإعلامي " صدام الزيدي" في موقع " ضفة ثالثة" قال عنها وفيها وقالت هي عن نفسها :
" هدى الهرمي، شاعرة وكاتبة قصة وباحثة تونسية. عضوة برابطة الكاتبات التونسيات وحركة شعراء العالم. صدرت لها مجموعة شعرية "ظِلال الأجنحة" 2018 (تونس)، ومجموعة قصصية "عميان المنطقة المحظورة" 2022 (بلغاريا). ترجمت لها نصوص باللغة الفرنسية والإسبانية والكردية..." ..
قالت هدى الهرمي في حوارها لموقع ضفة ثالثة :
" أعتقد أن عالم الأدب يخوّل لنا تشكيل معنى لهذا الوجود شعرًا أو سردًا، ومن يمتلك اللغة قادر على سبك ذلك من خلال هذا العالم النابض والحيّ. والمبدع الحقيقي حسب رأيي لا يستقرّ على مرحلة ما أو تصنيف بعينه. لذلك أعتبر نفسي كاتبة بما أنني في مرحلة دائمة من التطور الإبداعي والذاتي. حتى أغلب الكتّاب في العالم تجاوزوا التصنيف الأدبي بانخراطهم في مساحة حرّة تُعنى بالإنسان وتتعلّق بإشكالياته وهمومه... سيظلّ الشعر إكسير الأدب والترياق الوحيد ضدّ التخبّط الروحي في عوالم اللغة. لكنه يتطلب ملكة فنيّة في ابتكار صور حسية عالية بمعنى الكلمة. وربما هذا ما جعلني أتوكأ على الفلسفة الشعرية في بداية مسيرتي لأنها تكرّس معنى الانعتاق رغم حالة التوحدّ مع الذات لكن برؤية متسعة ومخاتلة.
وكان لكلام هدى الهرمي ما رسم خلاصة تمنحنا رؤية عن تجربتها مع الكتابة حينما قالت :
أعتقد أننا بحاجة دومًا للبحث الأدبي ولحركة نقديّة بالتوازي مع الحركة الإبداعية، وبالرغم من أنني لا أصنف نفسي ناقدة وأعتبر أن الأمر ليس من اختصاصي بل هو مجال يتطلب معرفة أكاديمية ومناهج نقدية، لكن أعترف أنني كقارئة لست قادرة أن أظلّ محايدة أمام الأعمال الإبداعية، خصوصًا حين تلامس ذائقتي. وهذا أشبه باستنطاق للكيان الجمالي واستقراء للعالم الفكري، ويمكن القول إنه بمنزلة مرآة أستطيع من خلالها أن ألمح نفسي أيضًا على المستوى الأدبي والفكري المترتب على القراءة، هذه النافذة التي نعيد من خلالها النظر إلى العالم والآخر. كل هذا يجعلني مهتمة بمواكبة الحركة الثقافية والفكرية، وهو ما يحيلني إلى البعد الإنتقائي وما يصطحبه من أثر فنيّ يتجاوز عتبة الرصد السطحي المحض. والمهمّ في كل هذا أن أنطلق من قيمة أساسية تقودني إلى الكتابة في أكثر من نمط (مقال؛ قراءة نقدية؛ بحث أدبي) ومن ثمّ محاولة الوقوف على هويّة تتعلق بكل عمل فنّي تدفعني إلى إضاءة ما يتضمنه من قيم جمالية ودلالات فكرية..
لموقع قناة 218. قالت يوما هدى الهرمي ما يشكل خلاصة حياتية لواقع ثقافي تعيشه وتعايشه :
" المستقبل هو الهاجس، ووفق ما نعيشه الآن من تطاحن وخصومات وحروب، لا شك أن انعكاسه مخيف وهو معربد في حواسنا وعقولنا، وعلى الصعيد الشخصي ما يشغلني هو انحدار الذائقة الأدبية والفنية والانقسامات صلب الحراك الثقافي دون وجهة ولا بوصلة، وهو ما يؤثر بالضرورة على الفعل الإبداعي كرسالة لا كمحتوى متخبط وزخم هجين.." .
كنت عايشت أيضا محطاتها الأخرى حينما بدأت تجربة جديدة لها تخوضها بكل شغف وحب و تتمثل في تقديم مجموعة شعرية صدرت عن دار الدراويش بالمانيا بعنوان "زُرْقة لا تفنى ومِلح لا يبْلى" قطوف / شعر ...للشاعرة الجزائرية رزيقة بوسواليم وهي تجربة جادة ستمنح كاتبتنا هذا الوهج الذي يزكي تجربتها وكذا هوسا تلبسه منذ أن رافقها ذلك الاحتراق الرصين في ذاتها المتوهجة حرفا يلازم الكينونة ..
ينطبق هذا أيضا على تقديمها لرواية " زهرة الرمال" للروائية الجزائرية المتألقة إلهام بورابة .. حينما قالت فيها .. " انها تفاصيل السرد المتشابكة، لإعادة صياغة الماضي الذي رسم نماذج تاريخية مندفعة نحو مغامرة الحياة لحدّ التورّط في الصراع من أجل البقاء.." ..
وكان لزاما أن نعرج على رؤية عايشتها في كتابات هذه المبدعة هدى الهرمي من خلال كتاباتها الكثيرة حول القضية الفلسطينية و ينبع هذا من إعتقاد راسخ يمثل حبها لفلسطين وكذا الموقف الفعلي والرسمي للدولة التونسية والجزائرية حيال القضية الفلسطينية ..فبالنسبة للكاتبة ‏"فلسطين هي المعيار الأخلاقي لأي إنسان، فإذا أردت رؤية الجانب الأخلاقي في أي إنسان، أعرف موقفه من قضية فلسطين !!"
لتقول في ومضة أخرى : ‏" أيها المتفرجون.. ما يجري في غزة ليست مباراة بين فريقين نتابع من يتقدم أو من يفوز فيها .. إنها إبادة جماعية ... واثقون من لطف الله ونصر اخوتنا في كل شبر من فلسطين الصامدة، لكن لن يغفر أهل غزة خيانتكم وخنوعكم ولن يرحم التاريخ الصامتين والمتخاذلين والمتآمرين من العرب خصوصا !.." ..
كذلك عشت منذ سنوات تجربة ومحطات هذه الكاتبة القاصة والشاعرة والناقدة الإعلامية التونسية هدى الهرمي و التي أصنفها حبا ..أنها من عشيرتي.. ومن قبيلتي ..واحدة كما ترون ..هي فعلا.. في القلب...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى