(الحوار والنشاط الديبلوماسي والسياسي أقوى أسلحة الشعوب لاستعادة حقوقها، وذلك عبر هيئة الأمم المتحدة التي أقرت وكفلت سيادة واستقلال الشعوب على ترابها الوطني).
- الحوار والنشاط الديبلوماسي وال....
- والسياسي ...
- اه .. والسياسي أقوى اااا...
- أسلحة.. أسلحة...
- ايوه .. أقوى أسلحة ال...
- يوووه يا محمد ..اتعبتني .. ركز معي..
يسحب مني الكتاب، يفتحه مرتبكا، يبحث بسرعة عن الإجابة بعينين حائرتين، ألتقط نفسا عميقا لا حيلة لي غير كضمه هنيهة وإطلاقه بهدوء :
- هل عجز بطلي الصغير ؟
تلمع عيناه العسليتان بعناد لا تلبثا أن تخبوان، يغرق في صمت مكبوت.
يضج داخلي بقلق يزداد كل يوم بتمرده، وتوثب روحه، واتقاد حماسته، مع نضج فاق به بنية أخويه وأباه في شبابه، يتعاظم هاجس الفقد في قلبي، ويحدق بي خوف وأرق دائم من أن يأتي يوم لا أراه فيه، أو تغيبه سجون العدو كما فعلت بأخيه عاصم قبل عشرون عاما.. أحتضن وجهه بين كفي، أتأمل اخضرار ربيع شبابه الذي استهله بخط شارب أسود، وعذاران معشوشبان يحفا جانبي وجهه المدور كالقمر :
- محمد ..حبيب قلبي وروحي أريد أن تنتبه لدراستك.. أن تنجح .. علك تخرج من هذا السجن الذي يضاهي سنوات عمرك ..أو على الأقل أن يكون لك شأن كأخيك سالم.
يتطلع بامتعاض إلى صور أخيه المعلقة مع كبار السياسيين كونه أحد أعضاء لجان التفاوض، لا يلبث أن تنزلق عيناه يشيح بوجهه، ومع أذان العصر يكون الدرس قد انتهى.
ينهض بهمة ونشاط كطير فر من قفص،
يجتاز الشقة بخطوات واسعة، يصعد سلم البيت في قفزتين نحو السدة الضيقة التي اقتطعناها من بيت الدرج لتكون مخزنا نركم فيه الملابس القديمة وحطام الأثاث الذي غالبا ما يلجئنا تدهور الوضع إليها، يخرج أشياءه القليلة.. إطار سيارة، عصي خشبية، سلاسل، حبال... ينزل الدرج قفزا حيث ينتظره أصدقاؤه في الشارع.
يعود في المساء مرهقا قد تعفر بالتراب، وتجلل بالسخام، يفوح منه خليط العرق ورائحة الإطارات المشتعلة. غالبا ما ينجح في التسلل من أمام غرفة أخيه سالم الذي يحتل أكبر غرفة في البيت من أجل يتجنب تعنيفه الدائم له، لكن من النادر أن يصل إلى الحمام يغير ملابسه، وينظيف نفسه دون أن ترصده أذني وأنف أبيه القابع في الغرفة الصغيرة، والتي تفضي إلى صالة المعيشة حيث نأكل وننام أنا والبنات فيها.
- كم يهوديا قتلت اليوم؟
يبتسم محمد لتهكم أبيه، يقبل رأسه، ويتمدد إلى جواره منهكا يتأمل صورة عاصم بضحكته العريضة شاهرا إصبعيه السبابة والوسطى، وقصاصات الجرائد القديمة الملصقة على الحائط، والأقواس، وشرائط المطاط المكدسة فوق الدولاب التي علاها التراب بعد أن نجح سالم في إقناعه بعدم جدواها، لكنه لا يسأم من قص حكايات بطولاته، ومهاراته، التي كانت تتصدر أخبار الصحف في صناعة الأقواس، وكيف كان يقنص رؤوس العدو المحصنة تحت الخوذ... ولا ينهي قص إحدى حكاياته إلا ومحمد قد غرق في نوم عميق.
لكن ليلة الجمعة بدا مختلفا، إذ عاد مبكرا على غير عادته، خلع حذاءه، ألقاه بلا مبالاة أمام سالم الذي حدجه بازدراء:
- هاهو كمبارس بطل الأكشن..ما الذي جاء بك أيها الفاشل؟
يتجاهله، ويدخل مباشرة إلى غرفة أبيه ينصت إلى حكاياته باهتمام، يسأله حول تفاصيل تهتز لها ذاكرة الأب فتدفق على لسانه ألوانا من السرد، والدروس، والمواقف... ظل يسامره شطرا طويلا من الليل، ومع انبلاج ضوء النهار اكتشفت أنه لم يبت في فراشه.
لم أشعر - كعادتي - بالخوف أو القلق، ماعدى خاطر مبهم بأن ثمة شيء غير عادي سريعا ما قمعته بالدعاء، وطمئنة نفسي بأن الأمور طبيعية، زاد شروق شمس صباح سبت السابع من أكتوبر من تبديد هواجسي وأنا أتلقى أشعتها الذهبية الدافئة أثناء طريقي إلى السوق .
سمعت الناس يتناقلون أخبارا عن (عملية كبيرة)،رأيتهم يتجمهرون حول شاشات التلفزة القليلة التي تملكها بعض المحلات والمقاهي، هرعت عائدة إلى البيت ألفيت الجميع أمام الشاشة:
- خير .. ما الذي يحدث يا أولاد؟!
رد سالم بحنق ملوحا بقبضة يده :
- خير !! ومن أين سيأتي الخير ؟! هؤلاء السفهاء المراهقين.. خربوا عملنا.. سيضيعون قضيتنا.. أنظري ماذا يفعلون .
وقفت مذهولة غير مصدقة.. أشاهد رجالا يقتحمون السياج المحصن، يحطمون الجدار الأسمنتي والسواتر الفولاذية، يخترقون دفاعات العدو، يتدفقون راجلين وبالدرجات النارية والسيارات، منهم من يطير بطائرته الشراعية مرافقا الصواريخ المنهمرة، آخرون يخرجون من البحر إلى الشواطئ المنغمسة في الأمان والسكون يصلونها شواضا من نار...
اختلج قلبي وأنا أسمع كلمة (طوفان) تتردد مرارا وتكرارا فتلك إسم اللعبة التي كان يلعبها محمد مع أصدقائه.. نفس الحركات التي كنت أشاهدهم يقومون بها، نفس الصرخات غير أن البنادق حلت محل العصي، واستبدلت الحبال والسلاسل بالأسلاك الشائكة المكهربة، والدخان يتعالى من الدبابات والمدرعات بدلا من الإطارات... بينما ازداد هياج سالم فصاح أبيه غاضبا :
- تبا لك ولمفاوضاتك ..إخرس ودعنا ننصت إلى حناجر الرجال.
وفعلا كنا بحاجة إلى أن ننصت بخشوع وإجلال إلى مشاهد خطفت الكآبة من أرواحنا، ونزلت بردا وسلاما على قلوبنا، أخذت مقاطع الفيديو تترى علينا بالطيب تداوي الجروح، وتشفي الصدور...عمليات اختراق، وأسر بالجملة، اصطياد جنود العدو داخل الحمامات، والجحور، وتحت السيارات، وفي الأنفاق، و...و تجمدت فجأة ليقشعر جلدي، ويتفجر بالعرق البارد جسمي؛ إذ رصد قلبي فلذة كبدي يقفز من أحد السواتر، بدا متخفيا في بدلة سوداء، شاهرا سلاحه، مدججا بالذخيرة، ملثما... لكني عرفته فهو إبني.. أعرف حركة جسمه المبارك ولو سار بين مليار ونصف من العرب والمسلمين لميزته، أعرف لون بشرته، أعرف أنفاسه، وأكاد أشم رائحة عرقه مختلطة بالبارود...
- مممم محمد .. ولدي بطلي الصغير..حماك الله .
اقترب الجميع غير مصدقين يحدقون بالشاشة حيث أشير بأصابع مرتجفة وأنا أضحك وأبكي :
- هناهنا .. هذا جزء منه ..ظهر هناك .. هاهو يعود.. هو من يرتقي الدبابة مع رفيق له.. هاهما ينتزعان اليهودي من داخل الدبابة..انظروا ..
انظروا.. هاهو يقفز بغنيمته...
أطلقت إبنتي زغرودة بينما قفزت أختيها تحتضنا الشاشة، تمطراها بالقبلات ...
- أيها الأكشن الأحمق..أيها الوغد ..هذه ليست لعبة .. يجب أن يتوقف هذا الهراء.
- بل أنت الأحمق والوغد ياسالم .. أنت من يجب عليه أن يتوقف ..أخرج من هنا .
لم أشعر بانسحاب سالم إتقاء غضب أبيه، ولا بمغادرته البيت حين صفق الباب وراءه، فأنا مع محمد، أقفز معه ورفاقه، أجري معهم، أطلق النار، أسوق الأسرى، أهتف معهم : الله أكبر.. الله أكبر .. ولله الحمد..، أسجد شكرا لله مع زوجي الذي ينادي وهو يبكي: (قرب الفرج يا عاصم ..قرب الفرج يا حبيبي.
اختلط فرحي بنحيبي ودعائي بكلامي بصراخي..ماعدت أفقه من حالي شيئا، نهضت أزغرد مع بناتي، أنشد، أرقص، اغني : طالع لك يا عدوي طالع.. من كل بيت وحارة وشارع... وسيهزم وجه القوة.. لن يغلق باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلي...
شعرت بأن المكان لم يعد يسعني، هرعت نحو النافذة، فتحت مصراعيها، أردت أن يشارك الجيران فرحتي، ويشهد الناس قدر فخري وسعادتي، فإذا بي أجد الشارع أكثر فرحا وجنونا مني.
مع حلول المساء كنا بانتظار محمد داخل الغرفة الكبيرة التي نقلنا إليها ملابسه مع التلفاز، وكل العصي والسلاسل والحبال التي كانت في السدة، أصر أباه أن ننقلها إلى غرفته الجديدة، وكذلك الشرائط المطاطية، والأقواس، وصورة عاصم وقصاصات الجرائد أيضا، وخشية أن تأخذنا سِنة من تعب فنغفل، أو غفوة من وسن فنسهو لحظة وصوله أبقينا باب الشقة مفتوحا .
عبدالله عبدالإله باسلامه.
ذمار/ اليمن.
- الحوار والنشاط الديبلوماسي وال....
- والسياسي ...
- اه .. والسياسي أقوى اااا...
- أسلحة.. أسلحة...
- ايوه .. أقوى أسلحة ال...
- يوووه يا محمد ..اتعبتني .. ركز معي..
يسحب مني الكتاب، يفتحه مرتبكا، يبحث بسرعة عن الإجابة بعينين حائرتين، ألتقط نفسا عميقا لا حيلة لي غير كضمه هنيهة وإطلاقه بهدوء :
- هل عجز بطلي الصغير ؟
تلمع عيناه العسليتان بعناد لا تلبثا أن تخبوان، يغرق في صمت مكبوت.
يضج داخلي بقلق يزداد كل يوم بتمرده، وتوثب روحه، واتقاد حماسته، مع نضج فاق به بنية أخويه وأباه في شبابه، يتعاظم هاجس الفقد في قلبي، ويحدق بي خوف وأرق دائم من أن يأتي يوم لا أراه فيه، أو تغيبه سجون العدو كما فعلت بأخيه عاصم قبل عشرون عاما.. أحتضن وجهه بين كفي، أتأمل اخضرار ربيع شبابه الذي استهله بخط شارب أسود، وعذاران معشوشبان يحفا جانبي وجهه المدور كالقمر :
- محمد ..حبيب قلبي وروحي أريد أن تنتبه لدراستك.. أن تنجح .. علك تخرج من هذا السجن الذي يضاهي سنوات عمرك ..أو على الأقل أن يكون لك شأن كأخيك سالم.
يتطلع بامتعاض إلى صور أخيه المعلقة مع كبار السياسيين كونه أحد أعضاء لجان التفاوض، لا يلبث أن تنزلق عيناه يشيح بوجهه، ومع أذان العصر يكون الدرس قد انتهى.
ينهض بهمة ونشاط كطير فر من قفص،
يجتاز الشقة بخطوات واسعة، يصعد سلم البيت في قفزتين نحو السدة الضيقة التي اقتطعناها من بيت الدرج لتكون مخزنا نركم فيه الملابس القديمة وحطام الأثاث الذي غالبا ما يلجئنا تدهور الوضع إليها، يخرج أشياءه القليلة.. إطار سيارة، عصي خشبية، سلاسل، حبال... ينزل الدرج قفزا حيث ينتظره أصدقاؤه في الشارع.
يعود في المساء مرهقا قد تعفر بالتراب، وتجلل بالسخام، يفوح منه خليط العرق ورائحة الإطارات المشتعلة. غالبا ما ينجح في التسلل من أمام غرفة أخيه سالم الذي يحتل أكبر غرفة في البيت من أجل يتجنب تعنيفه الدائم له، لكن من النادر أن يصل إلى الحمام يغير ملابسه، وينظيف نفسه دون أن ترصده أذني وأنف أبيه القابع في الغرفة الصغيرة، والتي تفضي إلى صالة المعيشة حيث نأكل وننام أنا والبنات فيها.
- كم يهوديا قتلت اليوم؟
يبتسم محمد لتهكم أبيه، يقبل رأسه، ويتمدد إلى جواره منهكا يتأمل صورة عاصم بضحكته العريضة شاهرا إصبعيه السبابة والوسطى، وقصاصات الجرائد القديمة الملصقة على الحائط، والأقواس، وشرائط المطاط المكدسة فوق الدولاب التي علاها التراب بعد أن نجح سالم في إقناعه بعدم جدواها، لكنه لا يسأم من قص حكايات بطولاته، ومهاراته، التي كانت تتصدر أخبار الصحف في صناعة الأقواس، وكيف كان يقنص رؤوس العدو المحصنة تحت الخوذ... ولا ينهي قص إحدى حكاياته إلا ومحمد قد غرق في نوم عميق.
لكن ليلة الجمعة بدا مختلفا، إذ عاد مبكرا على غير عادته، خلع حذاءه، ألقاه بلا مبالاة أمام سالم الذي حدجه بازدراء:
- هاهو كمبارس بطل الأكشن..ما الذي جاء بك أيها الفاشل؟
يتجاهله، ويدخل مباشرة إلى غرفة أبيه ينصت إلى حكاياته باهتمام، يسأله حول تفاصيل تهتز لها ذاكرة الأب فتدفق على لسانه ألوانا من السرد، والدروس، والمواقف... ظل يسامره شطرا طويلا من الليل، ومع انبلاج ضوء النهار اكتشفت أنه لم يبت في فراشه.
لم أشعر - كعادتي - بالخوف أو القلق، ماعدى خاطر مبهم بأن ثمة شيء غير عادي سريعا ما قمعته بالدعاء، وطمئنة نفسي بأن الأمور طبيعية، زاد شروق شمس صباح سبت السابع من أكتوبر من تبديد هواجسي وأنا أتلقى أشعتها الذهبية الدافئة أثناء طريقي إلى السوق .
سمعت الناس يتناقلون أخبارا عن (عملية كبيرة)،رأيتهم يتجمهرون حول شاشات التلفزة القليلة التي تملكها بعض المحلات والمقاهي، هرعت عائدة إلى البيت ألفيت الجميع أمام الشاشة:
- خير .. ما الذي يحدث يا أولاد؟!
رد سالم بحنق ملوحا بقبضة يده :
- خير !! ومن أين سيأتي الخير ؟! هؤلاء السفهاء المراهقين.. خربوا عملنا.. سيضيعون قضيتنا.. أنظري ماذا يفعلون .
وقفت مذهولة غير مصدقة.. أشاهد رجالا يقتحمون السياج المحصن، يحطمون الجدار الأسمنتي والسواتر الفولاذية، يخترقون دفاعات العدو، يتدفقون راجلين وبالدرجات النارية والسيارات، منهم من يطير بطائرته الشراعية مرافقا الصواريخ المنهمرة، آخرون يخرجون من البحر إلى الشواطئ المنغمسة في الأمان والسكون يصلونها شواضا من نار...
اختلج قلبي وأنا أسمع كلمة (طوفان) تتردد مرارا وتكرارا فتلك إسم اللعبة التي كان يلعبها محمد مع أصدقائه.. نفس الحركات التي كنت أشاهدهم يقومون بها، نفس الصرخات غير أن البنادق حلت محل العصي، واستبدلت الحبال والسلاسل بالأسلاك الشائكة المكهربة، والدخان يتعالى من الدبابات والمدرعات بدلا من الإطارات... بينما ازداد هياج سالم فصاح أبيه غاضبا :
- تبا لك ولمفاوضاتك ..إخرس ودعنا ننصت إلى حناجر الرجال.
وفعلا كنا بحاجة إلى أن ننصت بخشوع وإجلال إلى مشاهد خطفت الكآبة من أرواحنا، ونزلت بردا وسلاما على قلوبنا، أخذت مقاطع الفيديو تترى علينا بالطيب تداوي الجروح، وتشفي الصدور...عمليات اختراق، وأسر بالجملة، اصطياد جنود العدو داخل الحمامات، والجحور، وتحت السيارات، وفي الأنفاق، و...و تجمدت فجأة ليقشعر جلدي، ويتفجر بالعرق البارد جسمي؛ إذ رصد قلبي فلذة كبدي يقفز من أحد السواتر، بدا متخفيا في بدلة سوداء، شاهرا سلاحه، مدججا بالذخيرة، ملثما... لكني عرفته فهو إبني.. أعرف حركة جسمه المبارك ولو سار بين مليار ونصف من العرب والمسلمين لميزته، أعرف لون بشرته، أعرف أنفاسه، وأكاد أشم رائحة عرقه مختلطة بالبارود...
- مممم محمد .. ولدي بطلي الصغير..حماك الله .
اقترب الجميع غير مصدقين يحدقون بالشاشة حيث أشير بأصابع مرتجفة وأنا أضحك وأبكي :
- هناهنا .. هذا جزء منه ..ظهر هناك .. هاهو يعود.. هو من يرتقي الدبابة مع رفيق له.. هاهما ينتزعان اليهودي من داخل الدبابة..انظروا ..
انظروا.. هاهو يقفز بغنيمته...
أطلقت إبنتي زغرودة بينما قفزت أختيها تحتضنا الشاشة، تمطراها بالقبلات ...
- أيها الأكشن الأحمق..أيها الوغد ..هذه ليست لعبة .. يجب أن يتوقف هذا الهراء.
- بل أنت الأحمق والوغد ياسالم .. أنت من يجب عليه أن يتوقف ..أخرج من هنا .
لم أشعر بانسحاب سالم إتقاء غضب أبيه، ولا بمغادرته البيت حين صفق الباب وراءه، فأنا مع محمد، أقفز معه ورفاقه، أجري معهم، أطلق النار، أسوق الأسرى، أهتف معهم : الله أكبر.. الله أكبر .. ولله الحمد..، أسجد شكرا لله مع زوجي الذي ينادي وهو يبكي: (قرب الفرج يا عاصم ..قرب الفرج يا حبيبي.
اختلط فرحي بنحيبي ودعائي بكلامي بصراخي..ماعدت أفقه من حالي شيئا، نهضت أزغرد مع بناتي، أنشد، أرقص، اغني : طالع لك يا عدوي طالع.. من كل بيت وحارة وشارع... وسيهزم وجه القوة.. لن يغلق باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلي...
شعرت بأن المكان لم يعد يسعني، هرعت نحو النافذة، فتحت مصراعيها، أردت أن يشارك الجيران فرحتي، ويشهد الناس قدر فخري وسعادتي، فإذا بي أجد الشارع أكثر فرحا وجنونا مني.
مع حلول المساء كنا بانتظار محمد داخل الغرفة الكبيرة التي نقلنا إليها ملابسه مع التلفاز، وكل العصي والسلاسل والحبال التي كانت في السدة، أصر أباه أن ننقلها إلى غرفته الجديدة، وكذلك الشرائط المطاطية، والأقواس، وصورة عاصم وقصاصات الجرائد أيضا، وخشية أن تأخذنا سِنة من تعب فنغفل، أو غفوة من وسن فنسهو لحظة وصوله أبقينا باب الشقة مفتوحا .
عبدالله عبدالإله باسلامه.
ذمار/ اليمن.