ياسر أنور - الدروشة الدينية والدروشة الليبرالية...

نشأ الخطاب الدرويشي للأمة مع تنامي حركة الفقه وتكون المذاهب الدينية في نهاية القرن الثاني وبداية ألقرن الثالث الهجري، حيث انشغل الناس بعلوم اللغة والشريعة على حساب علوم الطب وسائر العلوم (الطبيعية)، الأمر الذي لفت انتباه الإمام الشافعي من خطورة هذا التوجه، وشعر بالأسى و الحسرة على انصراف أبناء الأمة عن تعلم الطب وتركهم هذا المجال العلمي و الإنساني الضروري لغيرهم من أصحاب الأديان الأخرى. ولم يكن لحسرة الشافعي صدى يذكر بين طلاب العلم، فظلوا منشغلين بالعلوم النظرية وخلافات الفقهاء والمناظرات العبثية طوال عدة قرون حتى آفاق علماء الأزهر على مدافع بونابرت المدوية، فلم تستطع أوراق الفقه ان تصمد أمام قذائف البارود، ولم تستطع اللحى أن تواجه طلقات البنادق، ولم يكن لهم من سلاح يواجهون به ذلك الطوفان الناري سوي ترديد دعائهم الشهير :يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف. وفي الحقيقة فإن اوهام الدروشة لا يمكنها أن تصمد أمام جبروت العلم. وعندما سافر الطهطاوي إلى فرنسا، وفوجئ بالفارق الكبير بين دروشة الشرق و واقعية الغرب، أعاد حسرة الشافعي القديمة على طريقته في مقدمة كتابه تخليص الإبريز في تلخيص باريز. ومع ذلك ظلت دروشة المشايخ كما هي، و اصروا على ممارسة أكبر كهنوت ديني عبر التاريخ وهو ترك سلاح القوة، والاعتماد على دروشة الدعاء. وفي مواجهة ذلك التكلس الفكري، ظهر التيار الليبرالي في بداية القرن العشرين، فاستبشرت الأمة خيرا، فقد آن أوان أن تنهض من كبوتها على يد فريق الإصلاحيين والتنويرين، لكنها فوجئت أنها أمام نوع آخر من الدروشة الليبرالية، دروشة تعتبر أن الخطوة الأولى في مشروع النهضة يبدأ بالتخلص من الملابس الزائدة لدي المرأة ويبدأ بممارسة حرية التقبيل في الطريق العام. وبعد موجات مختلفة من التعري والتخلص من الملابس الزائدة، لم يتغير واقع الأمة في شئ، بل زادت حدة الكبوة الحضارية التي يصر دروايش الليبرالية على اننا يمكن أن نتجاوزها من خلال زجاجة البيرة التي يعتبرونها شعار الانطلاقة التنوير ية الجديدة، فهل ننتظر قرونا أخرى حتى نتخلص من دروشة الفريقين، و ندرك أن شروط النهضة الحضارية أمر يختلف عن تلك الشكليات العبثية؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى