رحمة حسام عبدالرحمن - الوقت المناسب

لم أنو كتابة هذا المقال..
جلست لأكتب، وكانت الخطة استكمال ما بدأته قبل ألف عام، ولا أعرف لإتمامه موعدًا: كتابة رواية وإعدادها للنشر.

لكن القدر كان له رأي آخر..
فكيف لعقلي أن يستجمع قواه الخيالية، بينما إزعاج صوت (فراس السواح) مُدّعيًا باغترار ”أنا أهم وأنت أهم من طه حسين“ يأبى إلا أن يلازمه، ويُعكّر مزاجه؟!
ولقد مرّ أمام عيني صورة يتوسطها (الحويني)، مكتوب عليها ”قريبًا.. تحصين“، ففهمت أن الرجل وبعض من هم على نهجه سيطلقون (تحصين) في مواجهة (تكوين)، فأشفقت على الخلق من تكالب الثقالة عليهم من اليسار واليمين، من كل حدب وصوب، وهم - كما قالت الممثلة التي لا أعرف اسمها - كانوا قاعدين (لوحدهم)، لا بهم ولا عليهم.

هل كان الناس -حقًا- جالسين وحدهم؟

في الحقيقة أنا أكذب، أو لعله الإفيه قد حكم؛ الخلق- وأنا معهم- لم يكونوا وحدهم..
وهم الآن ليسوا وحدهم، ولن يكونوا وحدهم، بل ستلازمهم الغصة على الدوام، طالما العدو البغيض القابع قرب حدودنا الشرقية باق عندها، وطالما لم يتوقف نزيف دماء الشهداء.

لسنا وحدنا يا ناس: معنا الوجع الكبير..
لا تنقصنا ثقالة الثقلاء.
***
جاء في المعجم:
”ثقيل الدم“: مَنْ لاَ يَفْهَمُ الأُمُورَ فِي بَسَاطَتِهَا.
”ثقيل الظل“: ثَقِيلُ الرُّوحِ.
وجاء:
”إذَا حَلَّ الثَّقِيلُ بِأَرْضِ قَوْمٍ.. فَمَا للِسَّاكِنِينَ سِوَى الرَّحِيلِ!“
***
”ربما لم يحن الوقت المناسب للانتهاء من هذه الرواية..“، تُحدّثني نفسي، فأغضب منها.
أصرخ فيها بقول حكيم لا أعرف من هو:
”إذا جلست في انتظار الوقت المناسب، فإنه لن يأتي أبدًا.“
يقصد الرجل أن يقول: أعملوا ولا تسوّفوا.
وفي المأثور عن الإمام الشافعي رضي الله عنه (ونسب البعض القول لآخرين):
سيروا إلى الله عرجًا ومكاسير!
***
الوقت المناسب!
لعله الزمان الحالي هو الوقت المناسب لأشياء كثيرة، لا يفطن إليها الثقلاء..
ذات مرة قال أحدهم:
”إن الإرهاب في العالم إسلامي، هل سمعت عن جماعة ملحدة إرهابية؟“
لو كان ممكنًا، لبُعث (ستالين) في قبره فقط ليقهقه على تلك البلاهة.
الفرصة اليوم ذهبية، لصاحبنا المتأزم، الضائق ذرعًا بكل ما يمت بصلة للتراث، ويراه السبب في إرهاب العالم، أن يتخفف من حمله، وينفّس عن ضيق صدره. فلو أنه رفع رأسه ونظر حوله، لرأى الإرهاب له دولة، تدعمها دولٌ أخريات.
دولة تسفك الدماء في عرض مستمر، منذ شهور، تدعمها أختها فيما ترتكب من إجرام وجناية، وهي التي لطالما أمطرت أسماعنا بوابل من أحاديث الحرية، وحقوق الإنسان، والسعي لإنقاذ دول العالم من الظلام.
العالم الذي لطالما استباحوه وانتهكوه، واحتلوه وحبسوه وعذبوه، وها هم اليوم يدعمون إبادته بالمال والسلاح والڤيتو، ويسطرون سطورًا جديدة في سجل أسفل سافلين.
الدولة الإرهابية، خرج رئيس وزرائها منذ شهور، معلنًا بكل فصاحة وصراحة، أنه سيمضي قدمًا لتحقيق نبوءة (سفر أشعياء). كما قال محدثًا شعبه:
” نحن أبناء النور بينما هم أبناء الظلام، وسينتصر النور على الظلام“
ولمن لا يعرف، تزف هذه النبوءة للي*ه*ود -بحسب اعتقادهم- بشرى خراب البلدان والأمم المذكورة في السفر عقابًا لهم، كما تتحدث عن تأسيس دولة اليهود الخالصة.
لأجل ذلك، هو يمضي قدمًا في الإبادة الجماعية، مدعومًا بالنبوءات، والمباركات لقتل الأطفال والنساء والرجال، وانتهاك الحرمات، وسرقة الأرض، في صورة من أرذل صور النهب المقدس!
الوقت مناسب، لأن العالم كله بات يرى..
ماذا عنك، ألا ترى؟
انظر حولك:
الأطفال يموتون.. جوعًا وعطشًا.. قصفًا وتفجيرًا..

الأشجار تُحرق..
الماء يلوّث دمًا وبارود..
إن العالم بأسره بات يشهد من هو المجرم الأعظم، والإرهابي الأظلم، في عالم اليوم.
***
الوقت مناسب لإظهار الحقائق..
أو لِنَقُل: تجلي الحقائق، من تلقاء نفسها، ساطعة كالشمس، لا يحجب نورها غمام التدليس.
على سبيل المثال، الوقت مناسب جدًا لتجلي معنى ”الوطن“.
صورة، رائحة، مذاق الوطن..
لأعين الثقلاء الذين لا ترى أعينهم نوره..
ألا يزال الثقيل يستنكر الكلمة؟
ألا يزال الوطن في عينيه حفنة تراب؟

لقد بات جليًا للعيان أن الوطن هو هو، هو أنت..
يُستباح الوطن، تُستباح..
يُقصف، تستشهد أو تُصاب..
ينهار، تنهار معه أحلامك..
يُهجَّر، تُشرَّد..
هو منك، وأنت منه.
لا حاجة للتفلسف هنا، ولا لتأليف المجلدات الضخام، والتنظير فيها، لإيهام الناس أن لا معنى لكلمة وطن..
وأنه جاهلية..
وأنه عصبية..
وأنه وهم..
بل الموهوم أنت!
الوقت مناسب لجلاء حقيقة الحب..
الحب لا يتعارض، إن صدق..
أحِبْ دينك، وأحب أرضك، وأحب أهلك، وأحب زهر الحقول، ونجوم السماء، وموج البحر، ورائحة الطمي، وقطط الشارع..
أحِبْ كل ما بدى في عينيك محبوب.
الحدود تراب؟
صدقت إن كنت تقصد أنها ليست سدود على قلبك تحجبه عن محبة القابع في آخر الأرض، أو حتى المحلق في السماء..
الحدود لا تحجبك عن نصرة الحق..
الحدود لا تحجبك عن محبة الخلق..
لكنك إنسان قاصر، تعجز قواك البشرية عن الذب عن كل عِرض، والدفاع عن كل أرض..
إذن تدافع عن أرضك، تلك التي تحدك من كل جانب؛ فإنك أول الخاسرين إن هي خَسِرت.
وقلبُك ينطوي فيه العالم، لكن الحقيقة أن العالم لم تعرفه أوّل ما عرفته إلا في صور وطنك..
تعريف البحر في مخيلتك: البحر الذي لعبت على شاطئه طفلًا.
تعريف القمر: مشهده من سطوح بيت جدك.
تعريف الهواء: رائحة شارعكم أوّل ما تدلف إليه عائدًا من المدرسة.
تعريف الفرح: صياح مرحك مع الأقارب والأصحاب.
تعريف الأمان: وجه أمك وأبيك.
تعريف الوطن: هو أقرب الأقربين، الأولى بالمعروف كما شرع الدين. وهو الذي لن ينكسر قلب على وجعه، كما ينكسر قلبك أنت.
***
الوقت مناسب للتفتح على آفاق جديدة..
لرؤية العالم من زاوية جديدة..
للبحث عن حلول جديدة..
وبالتأكيد لكتابة فصول جديدة، في الرواية التي لا تريد أن تنتهي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى