ياسر أنور - إدجار ألان بو و القرآن

أشهر أديب أمريكي يكتب عن الملاك إسرافيل و سورة الأعراف
كيف قدم إدجار ألان بو من القرآن (نظرية كونية) سبقت أينشتاين ولومتر

في السماء ثمة روح تأوي
لقلبه أوتار عود
لا أحد يغني بهذ الطريقة الساحرة
كالملاك إسرافيل
و النجوم الدائبة (كما تروي الأساطير)
تتوقف عن ترانيمها ، كي تحضر تعويذة صوته
الكل إذن صامت

إن هذه الكلمات ليست جزءا من قصيدة أحد شعراء الصوفية الكبار ، ولا لأديب إسلامي رومانتيكي ، بل هي جزء من قصيدة شاعر، وناقد و أحد رواد القصة القصيرة في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر ، وأحد الذين كان لهم تأثيرهم الكبير على أوروبا بشكل عام وفرنسا بشكل خاص، وهو الأديب الأمريكي الكبير إدجار ألان بو (1809-1849م)، والذي يعرفه الكثيرون في العالم العربي على أنه أحد رواد فن القصة القصيرة وخاصة أدب الرعب horror أو macabre والخيال العلمي science fiction ، و القصة البوليسية، لكن قليلين هم من يعرفون تأثر إدجار ألان بو بالقرآن الكريم ، والثقافة الإسلامية و التراث الشرقي بشكل عام ، و المقطع الذي أشرنا إليه هو جزء من قصيدة طويلة بعنوان إسرافيل Israfel والتي تبدأ بالمقطع الذي ترجمناه ، وهو في الأصل هكذا :

In Heaven a spirit doth dwell
“Whose heart-strings are a lute”;
None sing so wildly well
As the angel Israfel,
And the giddy stars (so legends tell),
Ceasing their hymns, attend the spell
Of his voice, all mute.
وفي هامش قصيدته يكتب إدجار ألان بو ملحوظة يعرف فيها القارئ الغربي بإسرافيل فيقول :
And the angel Israfel, whose heart-strings are a lute, and who has the sweetest voice of all God’s creatures. —KORAN
الملاك إسرافيل لقلبه أوتار كالعود ، وصوته أجمل أصوات مخلوقات الله، وقد جاء ذلك في القرآن على حد قوله، لكن ذلك لم يذكر صراحة في القرآن كما قال بو ، وإن كان موجودا في الأحاديث النبوية الشريفة. والصورة التي يقدمها بو عن إسرافيل تبتعد قليلا عن الصورة (المرعبة) في المخيلة الإسلامية حيث ينفخ في البوق فيفزع كل من في السموات و الأرض، بل هي صورة ملاك حسن الصوت، وعندما يشرع في الغناء، فالكون كله بملائكته ونجومة وحورياته ينصت إليه، وهي صورة تتفق مع بعض الروايات عن الأوزاعي وغيره، من أن إسرافيل هو أحسن الملائكة صوتا، وأنه ينشد في الجنة تسابيح يصغي إليها الجميع في انبهار و افتتان، ويمكن الجمع بين تلك الصورتين، بأنه يبدأ النفخ في البوق أو الصور بصوته الجميل، فتذهل المخلوقات و النجوم عن أداء مهامها الكونية، فتنتثر وتتبعثر الأجرام، والذي يعنينا في نهاية الأمر هو تأثر بو بترجمة القرآن الكريم التي غيرت كثيرا من الأفكار في أوروبا و العالم، وهي الترجمة الإنجليزية لجورج سيل عام 1734، والتي كان لها أثر كبير على رواد التنوير الغربي .
و لم بقتصر الأمر عند قصيدة إسرافيل، بل هناك قصيدة أخرى كتبها بو قبل قصيدة إسرافيل وهي قصيدة الأعراف التي(يدعي) فيها بو أنه كتبها في سن الخامسة عشرة من عمره ، وهو ما يعني أن القرآن كان أحد المصادر المهمة التي ساهمت في تشكيل فكر ووجدان بو ، وقصيدة الأعراف هي أطول قصائد بو ، وقد قوبلت ببعض الاستهجان النقدي لطولها وتراكيبها وصعوبتها. ولم يتوقف تأثير القرآن على بو عند الجانب الشعري أو القصصي ، بل وصل إلى الجانب العلمي كذلك. حيث قدم بو في قصيدته النثرية يوريكا Eureka تصورا عن نشأن الكون من جسم بدائي primordial particle ثم انفجر هذا الجسم ، ومنه خلق هذا الكون و الأكوان الأخرى الموازية ، ويظل هذا الكون في حالة اتساع، وهو الأمر الذي جعل بعض الباحثين يعيدون قراءة يوريكا من منظور تأثر بو بالقرآن ، وقد قدم الباحث الهولندي رينيه فان سلوتن Rene Van Slooten مقارنة بين ما جاء في يوريكا وبين آيات القرآن التي تناولت فكرة الخلق من جسيم بدائي واتساع الكون وتكاثف المادة ، وكانت هذه الرؤية التي قدمها بو في حياته مرفوضة من معاصريه، بل وتهجم الكثيرون على طريقة تفكيره المختل، لكنها أصبحت بعد ذلك نظرية علمية شهيرة هي نظرية الانفجار الكبير أو the big bang التي تبلورت على يد أينشتاين في نسبيته وجورج لومتر وفكرته عن اتساع الكون. وقد بالغ باحثون آخرون في القول بأن جورج لومتر نفسه وغيره من العلماء ربما تأثروا بما تشي به بعض الآيات القرآنية عن نشأة الكون و اتساعه، وخاصة إذا علمنا أن جورج لومتر كان كاهنا كاثوليكيا، ولا شك أنه كان مهتما بالقرآن و الأديان بشكل عام . لقد كان الشرق وتراثه و معتقداته وفلسفته و أدبه من أهم الروافد التي شكلت العقل الغربي والتي مهدت لعصر التنوير و النهضة الغربية. هذا التراث العريق يمكن أيضا أن يكون ملهما لانطلاقة حضارية جديدة بدلا من الهجوم عليه وتصيد بعض مثالبه و التركيز عليها، وهو المنهج الذي يتبعه بعض المثقفين العرب الدخلاء و المتطفلين على موائد الثقافة بدعوى التجديد والتنوير

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى