ماجد سليمان - مُؤهلات الناقد الأدبي

ما أسهل النقد، والتنظير، والهرطقة، وما أصعب إنتاج الأدب والمعرفة، وبناء شواهق الإبداع كافّة، وما أسهل التمسّح بالثقافة، وما أصعب الحَسْم في شؤونها، إذا أردت أن تكون ناقدا في فن، عليك أن تكون ممارساً له، محترفاً في صناعته حتى لا تكون ناقداً مجانيّاً وما أكثر المتكلمين في غير فنهم.​

لقد رَأَسَ النابغة الذبياني سوق عكاظ وجلس تحت قبّة حمراء ليُحكّم قصائد الشعراء ويُشير إلى مآخذ في قصائدهم، ويُعلن مراتبهم، وهنا تأصيلٌ يسير للحياة الأدبية، لذا لا يُحكّم ويُنظّر الشعر إلا شاعر، كذلك بقية الأجناس الأدبية، فمؤسفٌ جداً أن يأتي من لم يكتب غير منهج المادة على سبورة القاعة الجامعية، أو الفصل المدرسي، ليُحكّم كتاباً غنيّاً بالرسم الأدبي والخيال الخالص، النقد الأدبي لا يُنظّره إلا أديب، يُحسن الشعر، ويُبدع القصة، ويُجيد الرواية، ويُؤصّل المقالة، وأحسبه كذلك، فلا يُقنعني أن يخوض في نقد الأدب المتخصّص دراسيّاً لأنّه يدور في فَلَك المحاضرة، أو المتذوّق أدبيّاً لأنّه يُحكّم ذوقه الشخصي، أو المتعلّم ذاتيّاً لأنّه يُعوّل على مزاجه النفسي، أو المُحبّ للأدب بطبيعته، لأنّه باقٍ تحت تأثير الذوق العام.

فكلّ هؤلاء يُقدّمون انطباعاً وتأثّراً فقط، ولا يحرثون أرضاً للنقد، وبشكل أدقّ "النقد والإبداع، كالعربة والحصان"، فلا يمكن وضع الحصان خلف العربة لذا يبقى النقد يتبع الإبداع دائماً، قد يسألني هؤلاء: ما هي مؤهلات الناقد إذن؟ فأجيبهم بتواضع: أن يكون الناقد قد أَعمَلَ مِنجله في أرض الإبداع بعد أن كوّن حقله الأدبي، حيث تتوالد الرؤية الذاتية من داخل النص، وتتمخّض الملاحظات في مسارات نفسية كثيرة، لا تملكها العين النقدية المجرّدة من روح الإبداع الأدبي، ويُدركها المبدع عبر الحاسّة الأدبية الدقيقة الكامنة في نفسه، فالأدوات المعرفية والطريقة الإجرائية تُصبح مَسْخاً في غياب الحسّ الأدبي والتملّك النفسيّ للحالة الإبداعية المبذورة في المبدع.

لذا فالناقد الحقيقي: هو الخارج من رحم التجربة الإبداعية الأدبية المحضة، والمتمرّس في نسجها شعراً ونثراً، حتى يُؤمن جانبه النقدي، فالأدب يُنتجه الأدباء، وينقده من لا صِلة لهم به شعراً ونثراً، وعملاً وصناعة هم المشكلة، كالمتسمّين بالنقّاد والأكاديميين والمتطفّلين على مائدة الأدب، لأنّ التنظير دون ممارسة لنفس العمل، برهانٌ على زجّ النفس فيما ليس من صنيعها.

المبدعون المدلجون تحت سماء الإبداع هم أعلم بما يطؤون، ولننظر كيف أن النقد الأدبي يوزّع مجاناً ولا يُباع، فخلف كل جدار، وأمام كل متجر، وتحت كلّ وسادة مسخٌ من النقّادـ، مُهمتهم إشغال المشهد الأدبي، والاتجار بأعمال المبدعين.

وقد قُلتُ رحمني الله:
إذا رأيتم المرء مُنشغلاً بالنقد والتنظير في فنّ لم يَخُض مضماره ولم يُسرج مع أهله حصانه فأعلموا أنه مُتسوّلٌ جبان، فقبيحٌ أن يُنظّر في الأدب من لا نثر له فيه ولا شعر، كما أنّ أهمّ صفة يجب أن يتمتّع بها الأديب هي الاستقلاليّة، مُطمئناً لمبادئه وآرائه، لا أن يكون تحت تأثير آراء نقدية اعتباطية لا أكثرK فالـمُتسمّون بالنقّاد يفتعلون باستمرار سجالاً صداميّا مع الأدباء، لتكون لهم قضيّة يُشغلون بها المشهد ليضمنوا بقاءهم، ويصنعوا وجاهتهم الاجتماعية تحت مظلّة الأدب، لذا يُقال للمتسمّي بالناقد المجرّد: أرنا إبداعك بَدَلاً من أن تُمطرنا بوابل نصائحك وهرطقاتك الارتجالية، فالعمل الإبداعي هو المحك. فقد قيل: الناقد الأدبي، همّه الأول الحُكم والقضاء على ما يقرأ، لأن الحكم والقضاء يُضيفان الجاه، لا أن يَتَفَهّم وَيتَعَلّم.

يوليو 2014م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماجد سليمان، أديب سعودي
صدر له حتى الآن أكثر من 20 عملاً أدبياً
تنوَّعت بين الشعر، والرواية، والمسرحية، والقصة، وأدب الطفل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى