عاش مكسيم غوركي (1868-1936) الأديب والمفكر الماركسي الروسي ومؤسس الواقعية الاشتراكية في الأدب والفن التي تجلت في رواية" الأم" حياة مرة، في تطابق مع اسمه غوركي، الذي اختاره لنفسه، الذي يعني الإحساس بالمرارة بدلًا من اسمه الحقيقي أليكسي مكسيموفيتش بيشكوف.
ولد غوركي في مدينة نيجني نوفغورود وتوفي والده الذي كان يعمل نجارًا، وهو في الرابعة من عمره، ثم تزوجت أمه ثانية بعد وفاة والده، فتركته عند جده لأمه، وكان قاسيًا عليه يجلده أحيانا بخلاف جدته التي كانت رحيمة به، وتقص عليه الحكايات والأغاني الشعبية التي أثرت في حياته، وأفاد منها في أعماله الأدبية.
لقد ترك غوركي المدرسة؛ لإصابته بالحصبة ولما يتجاوز مستوى الصف الثاني الابتدائي، لكنه أولع بالقراءة، وتخرج في مدرسة الحياة. فمنذ العاشرة مارس أعمالًا كثيرة فعمل إسكافيًا، وأجيرًا في بقالة، وحارسًا ليليًا، وبستانيًا وطباخًا، وبائعًا متجولًا وحمالًا. ويَذكُر أنه سافر إلى مدينة قازان لينتسب إلى جامعتها؛ فقد تملكته رغبة عارمة في التعلم؛ لاعتقاده أن العلم يُقدّم إلى الراغبين مجانًا، لكن تبيّن أن الأمر ليس كذلك؛ ولهذا التحق بمخبز لصنع المعجنات مقابل روبلين في الشهر. وكان العمل هناك من أشق الأعمال التي مارسها في حياته. وفي التاسعة عشرة بعد موت جدته وتفاقم العوز والفقر أقدم على الانتحار بإطلاق النار على نفسه من مسدس أعده لهذه الغاية. أصابت الرصاصة أسفل الرئة، وعولج وشفيت جراحه.
في عام 1905 اعتقل في روسيا القيصرية بتهمة الانتماء إلى ثورة الديسمبريين، وانتقل إثرها إلى السجن، ثم أطلق سراحه بسبب الاحتجاجات التي نهض بها أصحاب العلم والثقافة الأوروبيون، أمثال: الأديب الفرنسي أناتول فرانس، والعالمة مدام كوري، والنحات رودان. بعد خروجه من السجن ذهب إلى أمريكا حيث كتب فيها بين العامين (1906/1907) رواية "الأم" التي تعتبر من النصوص الممهدة للثورة البلشفية. لكن السلطات الأمريكية طردته لأن المرأة التي كانت تعيش معه ليست زوجته الشرعية، إنها عشيقته الممثلة الروسية ماريا، فذهب الى إيطاليا وأمضى في كابري الإيطالية ثماني سنوات، وعاد الى روسيا عام 1914 بعد أن أصدرت السلطات القيصرية العفو العام.
وفي عام 1917 قامت الثورة البلشفية، وكان غوركي صديقًا لزعيمها لينين غير أنه نشر مجموعة مقالات في صحيفة "نوفايا جيزن" تحت عنوان"أفكار في غير وقتها" وجمعها في كتاب صدر عام 1918 ولم تصدر طبعة جديدة منه إلا في عام 1990. انتقد في هذه المقالات قيام الثورة قبل الأوان، وانتقد البلاشفة الذين قاموا بها، ووصفهم بالمتعصبين العميان وبالمغامرين، وهاجم العنف والقتل والاعتقالات، ودعا المثقفين إلى توعية الشعب للخلاص من الظلم والفوضى.
وكان الخلاف يشتد بينه وبين لينين، فكان يرى أن الدين يخص الفرد نفسه، ولا ضرورة لإبعاد الناس عن الدين غصبًا؛ أما لينين فكان يرفض دخول الدين المجتمع الاشتراكي. ولكن الخلاف بينهما لم يصل الى حد القطيعة؛ إذ كان الحزب البلشفي يحتاج إلى سلطة غوركي المعنوية الكبيرة في روسيا وأوروبا. وكان غوركي يعتقد بأن الحزب البلشفي هو الوحيد الذي يستطيع إحداث التغيير في روسيا.
لقد استخدم غوركي سلطته المعنوية للوقوف إلى جانب المثقفين، وتقديم الخدمات لهم، فاستطاع أن ينتشل بعضهم من النفي أو الإعدام أو الاعتقال لكنه لم يستطع أن ينقذ زوج الشاعرة آنّا أخماتوفا الشاعر غوميلوف من الإعدام، ولم تنجح وساطته في السماح للشاعر الكساندر بلوك بالعلاج في ألمانيا، وترك ليموت من المرض.
ضاق لينين ذرعًا بصديقه غوركي فنصحه عام 1921 بالذهاب إلى الخارج للعلاج، وهي نصيحة في باطنها التهديد إذا لم يرحل؛ فغادر إلى أمانيا ثم إلى إيطاليا، التي كتب فيها ثلاثية سيرته الذاتية: "طفولتي" و"بين الناس" و"جامعياتي". وجاء غوركي في زيارة الى روسيا عام 1928بعد أربع سنوات من وفاة لينين. ورحب به كثيرًا واحتفل بالذكرى الستين لمولده، وانتخب عضوًا في الأكاديمية الشيوعية.
وفي عام 1933 عاد بطلب من ستالين، الذي عرض عليه بأن ينظم الحياة الثقافية في روسيا، ويجمع التيارات الأدبية في منظمة واحدة. لكن غوركي لم يكن يفكر في السيطرة على النشاط الثقافي، لكنه أشرف على إصدار مجلتين: "إنجازاتنا" و"الدراسات الأدبية"، وسلسلة من الكتب بعنوان "مكتبة الشاعر"، وشارك في المؤتمر التأسيسي لأتحاد الكتّاب السوفييت عام 1934.
لم يرق لستالين ما قام به غوركي، كما رأى في سلطته المعنوية القوة التي تحاول الحد من طغيانه الدموي. ولهذا بدئ بمعاقبته؛ ففي عام 1935 توفي ابنه مكسيم فجأة بالذبحة الصدرية، ولم يصدق غوركي نفسه ذلك، وبعد أشهر فُرضت عليه الإقامة الجبرية في القصر الذي خصص له في موسكو، ولم يعد يزوره أحد إلا بإذن من السلطات الروسية، ورُفض طلبه بالسفر إلى الخارج.
وفي عام 1936 أعلن عن موته بالتهاب رئوي، وقيل إنه مات مسمومًا كما ابنه بتدبير من ستالين نفسه. وقد تم دفن رماد جثته في جدار الكرملين مع أنه أوصى بدفنه بجوار ضريح ابنه في مقبرة نوفي ديفيجي في موسكو.
هكذا رأينا أن الحياة التي عايشها غوركي بائسة طافحة بالحزن والألم. فقد عانى مرارة اليتم والفقر والتشرد ثم السجن في العهد القيصري، ثم الغربة والنفي في عهد الرفاق البلشفيين، وانتهى به المطاف إلى القتل مسمومًا هو وابنه بتدبير من ستالين. لقد ذهب غوركي وبقيت رواياته ومسرحياته ومقالاته التي ظهرت فيها ملامح حياته الشخصية ومواقفه الإنسانية التي تدعو إلى الثورة على الظلم، ورفض السيطرة على حرية الفرد والجماعة.
ولد غوركي في مدينة نيجني نوفغورود وتوفي والده الذي كان يعمل نجارًا، وهو في الرابعة من عمره، ثم تزوجت أمه ثانية بعد وفاة والده، فتركته عند جده لأمه، وكان قاسيًا عليه يجلده أحيانا بخلاف جدته التي كانت رحيمة به، وتقص عليه الحكايات والأغاني الشعبية التي أثرت في حياته، وأفاد منها في أعماله الأدبية.
لقد ترك غوركي المدرسة؛ لإصابته بالحصبة ولما يتجاوز مستوى الصف الثاني الابتدائي، لكنه أولع بالقراءة، وتخرج في مدرسة الحياة. فمنذ العاشرة مارس أعمالًا كثيرة فعمل إسكافيًا، وأجيرًا في بقالة، وحارسًا ليليًا، وبستانيًا وطباخًا، وبائعًا متجولًا وحمالًا. ويَذكُر أنه سافر إلى مدينة قازان لينتسب إلى جامعتها؛ فقد تملكته رغبة عارمة في التعلم؛ لاعتقاده أن العلم يُقدّم إلى الراغبين مجانًا، لكن تبيّن أن الأمر ليس كذلك؛ ولهذا التحق بمخبز لصنع المعجنات مقابل روبلين في الشهر. وكان العمل هناك من أشق الأعمال التي مارسها في حياته. وفي التاسعة عشرة بعد موت جدته وتفاقم العوز والفقر أقدم على الانتحار بإطلاق النار على نفسه من مسدس أعده لهذه الغاية. أصابت الرصاصة أسفل الرئة، وعولج وشفيت جراحه.
في عام 1905 اعتقل في روسيا القيصرية بتهمة الانتماء إلى ثورة الديسمبريين، وانتقل إثرها إلى السجن، ثم أطلق سراحه بسبب الاحتجاجات التي نهض بها أصحاب العلم والثقافة الأوروبيون، أمثال: الأديب الفرنسي أناتول فرانس، والعالمة مدام كوري، والنحات رودان. بعد خروجه من السجن ذهب إلى أمريكا حيث كتب فيها بين العامين (1906/1907) رواية "الأم" التي تعتبر من النصوص الممهدة للثورة البلشفية. لكن السلطات الأمريكية طردته لأن المرأة التي كانت تعيش معه ليست زوجته الشرعية، إنها عشيقته الممثلة الروسية ماريا، فذهب الى إيطاليا وأمضى في كابري الإيطالية ثماني سنوات، وعاد الى روسيا عام 1914 بعد أن أصدرت السلطات القيصرية العفو العام.
وفي عام 1917 قامت الثورة البلشفية، وكان غوركي صديقًا لزعيمها لينين غير أنه نشر مجموعة مقالات في صحيفة "نوفايا جيزن" تحت عنوان"أفكار في غير وقتها" وجمعها في كتاب صدر عام 1918 ولم تصدر طبعة جديدة منه إلا في عام 1990. انتقد في هذه المقالات قيام الثورة قبل الأوان، وانتقد البلاشفة الذين قاموا بها، ووصفهم بالمتعصبين العميان وبالمغامرين، وهاجم العنف والقتل والاعتقالات، ودعا المثقفين إلى توعية الشعب للخلاص من الظلم والفوضى.
وكان الخلاف يشتد بينه وبين لينين، فكان يرى أن الدين يخص الفرد نفسه، ولا ضرورة لإبعاد الناس عن الدين غصبًا؛ أما لينين فكان يرفض دخول الدين المجتمع الاشتراكي. ولكن الخلاف بينهما لم يصل الى حد القطيعة؛ إذ كان الحزب البلشفي يحتاج إلى سلطة غوركي المعنوية الكبيرة في روسيا وأوروبا. وكان غوركي يعتقد بأن الحزب البلشفي هو الوحيد الذي يستطيع إحداث التغيير في روسيا.
لقد استخدم غوركي سلطته المعنوية للوقوف إلى جانب المثقفين، وتقديم الخدمات لهم، فاستطاع أن ينتشل بعضهم من النفي أو الإعدام أو الاعتقال لكنه لم يستطع أن ينقذ زوج الشاعرة آنّا أخماتوفا الشاعر غوميلوف من الإعدام، ولم تنجح وساطته في السماح للشاعر الكساندر بلوك بالعلاج في ألمانيا، وترك ليموت من المرض.
ضاق لينين ذرعًا بصديقه غوركي فنصحه عام 1921 بالذهاب إلى الخارج للعلاج، وهي نصيحة في باطنها التهديد إذا لم يرحل؛ فغادر إلى أمانيا ثم إلى إيطاليا، التي كتب فيها ثلاثية سيرته الذاتية: "طفولتي" و"بين الناس" و"جامعياتي". وجاء غوركي في زيارة الى روسيا عام 1928بعد أربع سنوات من وفاة لينين. ورحب به كثيرًا واحتفل بالذكرى الستين لمولده، وانتخب عضوًا في الأكاديمية الشيوعية.
وفي عام 1933 عاد بطلب من ستالين، الذي عرض عليه بأن ينظم الحياة الثقافية في روسيا، ويجمع التيارات الأدبية في منظمة واحدة. لكن غوركي لم يكن يفكر في السيطرة على النشاط الثقافي، لكنه أشرف على إصدار مجلتين: "إنجازاتنا" و"الدراسات الأدبية"، وسلسلة من الكتب بعنوان "مكتبة الشاعر"، وشارك في المؤتمر التأسيسي لأتحاد الكتّاب السوفييت عام 1934.
لم يرق لستالين ما قام به غوركي، كما رأى في سلطته المعنوية القوة التي تحاول الحد من طغيانه الدموي. ولهذا بدئ بمعاقبته؛ ففي عام 1935 توفي ابنه مكسيم فجأة بالذبحة الصدرية، ولم يصدق غوركي نفسه ذلك، وبعد أشهر فُرضت عليه الإقامة الجبرية في القصر الذي خصص له في موسكو، ولم يعد يزوره أحد إلا بإذن من السلطات الروسية، ورُفض طلبه بالسفر إلى الخارج.
وفي عام 1936 أعلن عن موته بالتهاب رئوي، وقيل إنه مات مسمومًا كما ابنه بتدبير من ستالين نفسه. وقد تم دفن رماد جثته في جدار الكرملين مع أنه أوصى بدفنه بجوار ضريح ابنه في مقبرة نوفي ديفيجي في موسكو.
هكذا رأينا أن الحياة التي عايشها غوركي بائسة طافحة بالحزن والألم. فقد عانى مرارة اليتم والفقر والتشرد ثم السجن في العهد القيصري، ثم الغربة والنفي في عهد الرفاق البلشفيين، وانتهى به المطاف إلى القتل مسمومًا هو وابنه بتدبير من ستالين. لقد ذهب غوركي وبقيت رواياته ومسرحياته ومقالاته التي ظهرت فيها ملامح حياته الشخصية ومواقفه الإنسانية التي تدعو إلى الثورة على الظلم، ورفض السيطرة على حرية الفرد والجماعة.