لعبة بسيطة وهي إهراق سوائل ملونة فوق دوارقها، وهذا ما نحتاجه في حياتنا، أي أن تكون سلسة كهذه اللعبة. أن نلونها بما يحلو لنا من ألوان. ظللت أكره السلطة منذ طفولتي وحتى اليوم، وهذا ما جعلني أكثر قدرة على ملاحظة تعنتها وصلفها وقيودها على الإنسان الذي من المفروض أنه خُلق حُراً. وظلت مؤسسات السلطة بكافة أنواعها: السياسية والرأسمالية والثقافية والاجتماعية، تستنزف عمر الفرد في إجراءات الخضوع. إن الإنسان كائن مقاوم بطبعه للخضوع، ولذلك تستعيد الثورات روحه التي روضتها السلطة الظاهرة اي السياسية والرأسمالية، أما السلطات الخفية وهي الثقافية والاجتماعية فكانت غالباً ما تتميز بالجهل، وأقول بأنها (تتميز) لأن هذا الجهل هو ما كان يجعلها تبقى لحقب طويلة، لذلك فإن الوعي ليس فقط أكبر عدوٍ للسلطة الظاهرة بل هو عدو كذلك للسلطة الخفية. وهذا الجهل هو نفسه ما جعل السلطتين الظاهرتين تتمكنان من السيطرة على السلطتين الخفيتين وتحريكهما في الاتجاهات التي تحمي مصالحهما. كان ذلك كله يعني موت الإنسان باعتباره كائناً ولد حُراً. إن الإجراءات هي التي تخضعنا للسلطة، وهي نفسها التي من المفترض أن تحمينا، ولذلك فنحن نقبل بالخضوع لنحمي أنفسنا. وهكذا كان كل أعداء الإنسان يتحالفون ضد الإنسان وكان الإنسان نفسه يتحالف معهم ضد نفسه. عبر حقب طويلة متعاقبة تشكلت السلطات، وظل عُودها يقوى أكثر وأكثر حتى أصبحت أمراً واقعاً، نولد ونحن نعتقد بأنها تملك الحق في تقليص حرياتنا. وكان الليبراليون أنفسهم أكثر من آمنوا بالسلطة، ولذلك كانوا يسقطون بعنف حين يبدأون في تجذير فلسفي لوضع الليبرالية (كسلطة) هي نفسها. ففي تصوراتهم لا يمكن للإنسان أن يكون ذرة رمل سابحة في الهواء، لقد ظلت الكثبان أمهم دائماً، حيث يجب أن يعودوا إلى حضنها ولو طال السفر. وكما لاحظ دولوز بذكاء أن الهروب المستمر هو تحرر مستمر، كان آدم اسميث وفريدريك باستيا وستيوارت ميل وغيرهم يتحدثون كسلطويين أكثر من كونهم ليبراليين. إذ يبدو أنهم كانوا غير قادرين على التخلص من تجذر السلطوية كحقيقة في نفوسهم. ولذلك فكان كل نتاجهم عوداً على بدء.
إننا لا نستطيع أن نضع السوائل الملونة بسلاسة، لأنه حتى هذا السوائل تخضع لسلطة الطبيعة، وأولها أشكال واحجام الدوارق التي ستسكب فيها.
إننا لا نستطيع أن نضع السوائل الملونة بسلاسة، لأنه حتى هذا السوائل تخضع لسلطة الطبيعة، وأولها أشكال واحجام الدوارق التي ستسكب فيها.