ماجد سليمان - ذروة الطفولة، وفتنة الـمراهقة

في طفولتي وبداية مراهقتي، كان العالم الأول لنا هو عالـم الرسم والألوان، العالـم القريب من روح الطفل وجنون الـمراهق، والـمساحة الـهائلة التي نُطلق فيها مـخيلتنا لتعدو حيث شاءت، والأرض اليباب التي عزمنا أن نسكنها بـما أوتينا من فن الرسم، وأن نـحرثها بـخطوطنا الـخاصة، وإن كانت مـحدودة الأدوات، ومقتصرة على نطاق خاضعٍ لـما هو متاح وقريب من اليد وقتها.
تلك الـمرحلة كانت غنية بالـمبدعين من أبناء مدينة السّيح، والـمدارس حينذاك بيئة حاضنة لـهم، وَفَّرت لـهم الـمسرح الذي أوجدوا على خشبته وجدرانه ما ألـهم وأبـهر القلوب قبل الأعين، كما هُيئت لـهم الأدوات التي تعينهم على تنفيذ أعمالـهم الفنية، كنا ننتظر بشغف معلم التربية الفنية، ليملي علينا درسه، ويأمرنا بتنفيذه خلال 45 دقيقة هي مدة الدرس، وما أن أُنـهي ما طلبه حتى أقفز من الكرسي صائحا:"انتهيت يا أستاذ"، فيطلبها مني ليخط عليها عبارات الأب لأبنائه الطلبة، كنت انتظر الـخروج من الـمدرسة لأشرع في رسـمة جديدة أبطأت فكرتـها تـختمر في نفسي مذ قرع جرس الـحصة الأولى صباحاً، وأنا أجاهد هذه الفكرة وأُمنيّها بالوعد بـمجرد العودة إلى البيت، وبعد أعوام توقفت تـماماً عن الرسم بعدما جاوزت به طفولتي ومراهقتي، فقد تـحولت الوسيلة إلى الرسم بالكلمات كما قال نزار قباني رحـمه الله، وكان الشعر أول هذه الرسومات، قبل أن تتطور التجربة وتتدرج وتأخذ شكلها الـحالي.
هي بعض ما احتفظت به من تلك الـمرحلة، أو بالأدق ما بقي حيّاً من تلك الـمرحلة الفاتنة الـهادئة الدقيقة، التي لـم نعد نعيشها الآن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماجد سليمان، أديب سعودي
صدر له حتى الآن أكثر من 20 عملاً أدبياً
تنوَّعت بين الشعر، والرواية، والمسرحية، والقصة، وأدب الطفل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى