الحسين الهواري - لكي لا ننسى ذوقا من عصر ما قبل التكنولوجيا

وصفة القديد الأصلية من عصر المرينيين كما ذكرها التجيبي وابن جناح في عصر المرابطين باسم (نمكسود) في كتاب تفسير الأدوية .
قبل اختراع الثلاجة و المبرد المجمد و أدوات الحفظ عامة كان الناس يتدبرون أمورهم لحفظ الفائض من اللحم بعد نحر اكباش العيد وغيرها من اللحوم لكي لا تفسد و تتعفن باللجوء إلى طرق بدائية وتسخير الموارد الطبيعية من أشعة الشمس و الرياح وغيرها مما توفره الطبيعة لتجفيف اللحم و الخضار والفواكه لإعادة استهلاكها لاحقا على طول السنة لما ينقص المحصول أو عند الشدة وحتى في أزمنة الرخاء ما دامت هذه المنتجات المعالجة أصبحت داخلة في قائمة الأطعمة و الوجبات السائدة بفعل ممارستها لآلاف السنين ما اعطاها قبولا و الأهم أنها اكتسبت شعبية وأصبحت عادة وتقليد سنوي لا يستغنى عنه في المغرب منذ القديم وربما قبل آلاف السنين لكن ما وصلنا من تاريخ مدون و مكتوب ( والتاريخ حجته هو ما دونه وكتبه المؤرخون ) نجد توافقا بين وصفتين مختلفتين لهذا النوع من اللحم المجفف أحدها أوردها الطبيب ابن جناح في كتابه الكبير تفسير الأدوية تحت اسم ( نمكسود ) وهو نوع من القديد كان شائعا في القرن الثاني عشر الميلادي الذي يوافق عصر المرابطين وقد نبه ابن جناح إلى دور هذا الطعام في الصحة و في التغذية النافعة وأعطى وصفة له. أما الوصفة الثانية وهي التي التقطت لها صورة من كتاب إبن رزين التجيبي فضالة الخوان من مكتبتي. وإني أرى أن نفس الوصفة الأصلية لا زالت قائمة ومستمرة حتى يومنا هذا في المغرب و أن جداتنا و أمهاتنا حافظن عليها وعلى استمراريتها منذ عشرات القرون دون تغيير باستثناء بعض المواد التي لم تعد متداولة ومتوفرة مثل ( المري الذي عوضته الشرمولة في المغرب ) ولهذا فإن نقل هذه الوصفة الأصلية إلى الأجيال القادمة بكل تفاني هو واجب وطني ومسؤولية لإنقاذ التراث الحضاري المغربي الأصيل من الضياع و النسيان و الانقراض لأنه رغم التطور العلمي والتكنولوجي لا يجب أن نهمله فهو يشكل هويتنا الحضارية و ما ثقافة الطعام وتاريخه إلا إمتداد حضاري للأمة المغربية .. #houari_hossin
من كتاب إبن رزين التجيبي فضالة الخوان في طيبات الطعام و الألوان وهذا المؤلف عاصر كلا الحقبتين الموحدين و المرينيين قال المؤلف في الفصل الحادي عشر ( في عمل القديد ) :
يقطع اللحم شضايا طويلة ( شراءح ) أرق ما يمكن وتوضع في معجنة ( قصعة ) ويوضع عليه ما يكفيه من خل ثقيف ( غير ممزوج بماء ) وملح نقي مدروس ويحرك ساعة بعد ساعة من غدوة إلى وقت الظهر ، ثم يذر عليه فلفل و كزبرة و كمون وكرويا و مري نقيع ويضرب الجميع و يحول حتى يستوفي حقه من الابازير ، ويذاق فإن نقصه شيء من الملح أو غيره زيد فيه، ويترك على حاله بقية اليوم و الليلة، ثم يعلق حبل للشمس ويترك في الحبل إلى بعد الظهر ، و يزال من الحبل و يغطى في غربال بشيء خفيف ، ثم يعاد إلى الحبل للشمس في اليوم الذي بعده، يعمل به كذلك أياما حتى يتم تجفيفه وتيبسه وتذهب رطوبته، ويرفع في موضع لا يمسه فيه شمس ولا نداوة. وقد يعمل بالماء و الملح خاصة ويجفف للشمس . #هواري
وأردف إبن رزين قائلا ( ولقد وقفت في كتاب تفسير الأدوية لابن جناح على نوع سماه بالنكسمود، وهو نوع اللحم المملح بالملح والفرق بينه وبين القديد أن النكسمود يعمل من الكبش الصحيح أو المقسوم بنصفين ويبقى اللحم رطبا دسما اذا مسسته تودكت يدك ، ويمضي فيه السكين كما يمضي في اللحم الطري ولا يقطع كما يقطع القديد .. ) ..

يتبع بقلم الهواري الحسين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى