أحفاد زاينة Zayna وكيف وصل الكسكس المغربي إلى البرازيل وأمريكا اللاتينية. سيدات مينييو البرتغاليات يفتخرن باللباس السوسي .الساليو مغاربة البرتغال وجليقية وشنترين sintra لشبونة و ماديرا .الساليو saloio ( السلاويون) Salé .
أثناء كتابتي لجزء من تاريخ الكسكس cuscuz في البرتغال والبرازيل وأمريكا الجنوبية وما وراء البحار ( صدر الكتاب عن جامعة لشبونة) كنت اصطدم دائما بأسماء مغربية وألفاظ ومصطلحات مغربية وقد أثار استغرابي واهتمامي إسم زاينة و أمثالها من الأسماء لكنها تميزت عنهن وكذلك زوجها نقاش الحجر ( ريما كان مزخرف أو بناء) و عائلاتهم الذين امتهنوا حرفا يدوية وسموا بها مثل صاحب الطاحونة و غيره وهم من بقايا المغاربة الذين عاشوا في وسط وشمال البرتغال أثناء الحملات المغربية على شمال ايبيريا ومملكة ليون على طريق الحج إلى كاتدرائية سان جاك دو كومبوستيل
La cathédrale Saint-Jacques-de-Compostelle
لقد انصب بحثي عن بقايا المغاربة الذين عاشوا في وسط و شمال البرتغال منذ عصر الموحدين لما تواجدوا هناك بعد حصار شنترين وموت الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف وتشتت آلاف المغاربة والجنود في تلك الأقطار ( يقول صاحب الروض المعطار إنه كان يضم أربعين ألفاً من أنجاد الفرسان، ومن الموحدين والجنود والمطوعة وفرسان الأندلس ما ينيف على مائة ألف فارس ، وإذن فقد كان هذا الجيش الذي أعد لغزو البرتغال كبيرا، وما أضيف إليهم لاحقا من الموريسكيين الفارين من حملات الطرد التعسفي والتطهير في الأندلس بعد نهاية القرن الخامس عشر لما طرد الموريسكيين من الجزيرة الايبيرية و بقت كثير من الأسماء المغربية العربية الأمازيغية شاءعة الاستعمال إلى جانب مفردات ومصطلحات مغربية متجدرة في تلك المنطقة لا سيما على طريق الحج الكبير إلى جليقية .
السالويو De çaloio أو السلاوي يطلق اليوم في البرتغال على الخبازين من أصول مغربية( الموريين boulangers maures) في منطقة لشبونة كما ذكر تفاصيلها في المعاجم اللغوية البرتغالية.
De çaloio , le nom ar. d'un hommage rendu par les boulangers maures à Lisbonne)
أمازيغ لشبونة الساليو saloio ( وهو مصطلح كثير الانتشار في البرتغال و البلدان الناطقة باللغة البرتغالية وقد ذهب الباحث المغربي أشرف بن قدور إلى اعتبار هذا اللفظ مشتق ومتحور عن الكلمة( شلوح Chleuh باللغة المغربية بمعنى الأمازيغ ) لكن بحثي في القواميس والمراجع البرتغالية القديمة افادنني بأن المصطلح ساليو Saloio مشتق من الكلمة سلا Salé المدينة المغربية العريقة وهم السلاويون و المنطق يعزز هذا لكون هذه المدينة الساحلية عرفت قوة وازدهارا كبير في تلك الحقبة التاريخية.
يتساءل ابن قدور : هل غادر المسلمون فعلا أراضيهم في البرتغال بعد ظهير الطرد لسنة 1496؟... الحقيقة ان المراجع التاريخية لم تنقل إلينا أية هجرة كبيرة لمدجني و موريسكيي البرتغال ... لا إلى الجارة الشرقية اسبانيا بممالكها المختلفة (التي كانت في ذلك الوقت تحتفظ بجاليتها المدجنة الكبيرة دون أن تجبر أحدا على التنصر ...و لو أن الضغوط الاقتصادية و الاجتماعية ..كانت كفيلة بالفعل بتقليص حجم تلك الجالية ) ... و لا إلى مملكة غرناطة المسلمة ...و لا إلى المغرب الجار الجنوبي ... و الواقع أن الشهادات التي امكن الحصول عليها تتحدث عن ذهاب مدجنين من المناطق الناءية في البرتغال إلى قشتالة للزواج من سيدات و فتيات مسلمات و العودة بهن إلى الديار ... و لا يستطيع أحد أن ينفي أن منطقة صالويو saloio القروية قد شهدت نزوحا كبيرا لمسلمي لشبونة الهاربين من بطش الصليبيين الذين اجتاحوا لشبونة سنة 1147 تحت زعامة افونصو هنريكش afonso henriques ...
و بالأحرى فالاسم صالويو saloio هو اسم السكان القرويين للمنطقة المحيطة بالاشبونة .... و هذا الاسم بصيغته هذه او الأخرى çaloio كان يطلق على المسلمين هنا سابقا بالنظر إلى ممارستهم للصلاة çala (؟؟ ؟؟ ) على الطريقة الإسلامية... مما يؤكد الطرح القاءل بأصول المنطقة المسلمة ... و التي لم تعد اليوم قروية كما كانت ... ففيها العديد من المراكز الحضرية كاوديفلاش odivelas لورش loures شنترة sintra امادورة armadora مافرة mafra العنقير Alenquer و غيرها .. و لم تعد تختلف عن لشبونة كثيرا ... لشبونة التي منع فيها الملك ضون مانويل طرد المسلمين من الفراشين و صناع الزرابي .
و بالرجوع إلى تسمية صالويو saloio التي عرف بها سكان القرى في منطقة الاشبونة .. فإن بعض البرتغاليين يقترح اصلا آخر لها ...مرتبطا بالاسم الذي عرف به أمازيغ الجنوب المغربي ...و هو الشلوح ( ؟؟؟؟) و هو الاسم الذي كان يطلق على الأمازيغ ...بالنظر الى رمزيته التي تشير على الأغلب إلى سكان قرويين او جبليين ..على هوامش المدن... تماما مثل اولءك الساكنين على هوامش لشبونة ... و لعل تشابه اللباس بين سيدات السوس المغربي جنوبا و سيدات المينييو minho البرتغالي شمالا يقترب بالملاحظ من قبول هذا الأمر . #houari_hossin
يدعي بعض الباحثين البرتغاليين و الامريكيين الجنوبيين أن الكسكس وصل إلى القارة الأمريكية عن طريق الأفارقة العبيد الذين حملهم البرتغاليين ابان الغزو البرتغالي لإفريقيا ابتداءا من القرن الخامس عشر واغلبهم من السنغال وبوركينا فاسو والبلدان الأخرى حول نهر السنغال و نهر النيجر لكن الأدلة والحجج المتوفرة التي توصلت إليها ودحض هذا فلا يزال طبق الكسكس المغربي يحضر في البرتغال والبرازيل وأمريكا الجنوبية ولا زالت التقاليد المغربية العريقة سائدة في البرتغال( و الصورة لسيدات برتغاليات يلبسن اللباس والحلي والزينة المغربية لا زلن يحافظون على هويتهم المغربية الأمازيغية في كثير من المهرجانات .
الحيثيات التاريخية حول وصول المغاربة إلى لشبونة في البرتغال لمن أراد التعمق في الدراسة التاريخية بداية من
حصار شنترين Sintrin ( لشبونة ) و موت الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف كما رواها مؤرخون عاصروا حقبة الموحدين وهم شهود عيان وأهمهم إبن صاحب الصلاة صاحب المن بالإمامة مرافق الحملة الموحدية و مؤرخها الذي شارك فيها وتوفي لاحقا في معركة دير العقاب و عبد الواحد المراكشي صاحب المعجب في تلخيص تاريخ المغرب و عموما نجد تلخيص تلك الحملة عند عبد المنعم الحميري صاحب الروض المعطار في خبر الأقطار وعند ابن زرع صاحب روض القرطاس لقد مات الخليفة الموحدي بسبب خطأ في التنظيم الحربي متوفيا بجراحه بين أطباءه ابن زهر وابن طفيل.
(( في يوم الثلاثاء 8 أبريل 1184 ( 580 هـ) غادر الخليفة أبو يعقوب مدينة فاس في موكبه، حتى وصل إلى ثغر سبتة فأقام به بقية شهر المحرم. وأمر في أثناء ذلك ببدء الجواز إلى الأندلس فجازت قبائل العرب أولا، ثم قبائل زناتة، فالمصامدة، فمغراوة وصَنهاجة و أوربة وغيرهم من بطون البربر ، ثم جازت جيوش الموحدين. فلما كمل جواز الجيش عبر الخليفة فيمن بقى من طوائف العبيد والحرس، وكان عبوره في 17 مايو ونزل بجبل طارق، ثم سار منه إلى الجزيرة الخضراء، ثم إلى إشبيلية عن طريق أركش وشريش، فوصل إليها في عساكره في اليوم 25 مايو ، وخرج أهل الحاضرة الأندلسية إلى لقائه والسلام عليه، وفي مقدمتهم قاضيهم ابن الجد . ويقول ابن صاحب الصلاة ، إنه قام بالسلام على الخليفة مع من تقدم إليه من الطلبة، وأنه لم يستطع الكلام لشدة الزحام، وأن الخليفة نزل بقصره داخل حدائقه الواقعة خارج باب قرمونة. وفي اليوم التالي لوصوله أمر بتمييز العساكر وتوزيع السلاح والعتاد عليهم. ووزعت ألف فرس من عتاق الخيل على أشياخ الموحدين والعرب وكبار الجند. وأمر قائد الأسطول أبو العباس الصقلي بإعداد سفن الغزو وما يلزمها من الآلات والمعدات. وكانت أجناد الأندلس، تتلاحق خلال ذلك من أوطانها وقواعدها إلى إشبيلية، لتنضم إلى جيش الغزو.
وأقام الخليفة بإشبيلية أسبوعين. سبق أن الخليفة لم يحدد هدف هذه الغزوة منذ البداية بصورة قاطعة، بل لم تتحدد وجهة الحملة الموحدية إلى شبه الجزيرة الأندلسية إلا حينما وصل الخليفة إلى سلا. ولكن اختيار مدينة شنترين Sintarin بالذات هدفاً للغزوة الموحدية يرجع إلى أسباب عديدة، مادية ومعنوية. فقد كانت البرتغال في عهد أبي يعقوب أول مملكة نصرانية في شبه الجزيرة ناصبت الموحدين العدوان، وكانت مدينة شنترين بالذات أهم قواعد هذا العدوان، فمنها خرجت الحملات العدوانية المتوالية التي شنها الفارس المغامر جيرالدو سمبافور على بلاد ولاية الغرب وحصونها في قطاع بطليوس، وهي ترجالُه وقاصرش، ومنتانجش وشربة، وجلمّانية. ثم كانت بعد ذلك قاعدة لمهاجمة ملك البرتغال وجيرالدو سمبافور لمدينة بطليوس ذاتها، واستيلائهما عليها، ولو لم يتعاون فرناندو ملك ليون مع الموحدين على إنقاذ المدينة، لبقيت في أيدي البرتغاليين. وكانت شنترين أخيراً مركزاً للحملات المخربة التي شنها البرتغاليون في أحواز إشبيلية، والتي وصلت في سيرها مرة إلى طُريانة، وأخرى إلى الشّرف ومدينة شلوقة، وعلى الجملة فقد كانت شنترين هي المركز الرئيسي لعدوان البرتغاليين على قواعد ولاية الغرب وأراضيها، وقد اضطلع فرسانها وجندها بأعظم دور في هذه الحملات العدوانية، والغزوات المخربة، وكان الخليفة وقادته يرون أن الاستيلاء على شنترين يلحق بالبرتغاليين وملكهم ألفونسو هنريكيز ضربة شديدة، ويقضي على أهم مراكز العدوان في البرتغال، ومن ثم كان اختيارها هدفاً للغزوة الموحدية الكبرى.
ومما هو جدير بالذكر أن الخليفة أبا يعقوب، لم ينس خلال هذه المشاغل الحربية برنامج منشآته العظيمة بمدينة إشبيلية، وهو الذي بدأه حين إقامته الأولى بإشبيلية قبل ذلك بنحو خمسة عشر عاماً، بإنشاء المسجد الجامع والقصور الموحدية، وقنطرة طريانة. ومشاريع الري والسقاية .
في صبيحة يوم الخميس 7 يونيه 1184 تحركت الجيوش الموحدية وعلى رأسها الخليفة أبو يعقوب يوسف، من مدينة إشبيلية، نحو الشمال. فوصلت بعد تسعة أيام إلى حصن العرجة في طريق بطليوس، وهنالك تم اجتماع الجيوش الموحدية، وتقلد الجند كامل أسلحتهم من السيوف والدروع والقسي وغيرها، ثم استأنفت الجيوش سيرها، حتى وصلت إلى مدينة بطليوس، فأمر الخليفة بالنزول في ظاهرها، وأن يجرى تمييز الجند، واستكملت الجيوش ما كان ينقصها من الزاد والميرة.
وكان الموقف بالنسبة للممالك النصرانية قد تغير قبل ذلك بأعوام، وانقطعت كل مهادنة بينها وبين الموحدين، وجنحت كلها إلى العدوان، وإلى غزو أراضي الأندلس كل من الناحية التي تليها. وكان فرناندو ملك ليون قد نبذ محالفة الموحدين حسبما تقدم، وقطع زميله ملك قشتالة على نفسه مثل هذا العهد (يونيه 1183). وكان في الوقت الذي عبرت فيه الجيوش الموحدية إلى شبه الجزيرة، يقوم بغزوة جديدة لأراضي الأندلس، وكان الخليفة الموحدي يعلم بأمر هذا التحالف الجديد بين قشتالة وليون. وكان الذائع بين الملوك النصارى أن الجيوش الموحدية الغازية، قد تغزو أي الممالك النصرانية، إذ كانت جميعاً سواء في موقفها العدواني من الموحدين، وفي الإغارة على أراضي الأندلس. حينما علم فرناندو ملك ليون بسير الجيوش الموحدية نحو بطليوس واقترابها بذلك من مواقعه، بادر برفع الحصار عن قاصرش، وعاد إلى حاضرته مدينة ردريجو، وأخذ يرقب سير الحوادث.
في يوم الخميس 10 ربيع الأول غادر الخليفة في قواته مدينة بطليوس، وسار نحو الشمال الغربي مخترقاً الناحية اليسرى من وادي التاجُه، ثم أمر الجند الموحدين أن يتقدموا صوب شنترين، فعبروا نهر التاجُه بقيادة السيد أبي إسحاق والي إشبيلية، ثم تلاهم بقية الجند وعلى رأسهم الخليفة، ونزلت الجيوش الموحدية جميعها بالتل المرتفع المشرف على شنترين من ناحيتها الشرقية والجنوبية، وكان ذلك في يوم الأربعاء 27 يونيه 1184 وفقاً لقول الرواية الإسلامية المعاصرة . وتضع الرواية النصرانية مقدم الجيوش الموحدية إلى شنترين قبل ذلك بثلاثة أيام في اليوم 24 يونيه وهو يوم القديس خوان. وتنوه معظم الروايات الإسلامية بضخامة هذا الجيش الموحدي، ووفرة حشوده يقول صاحب الروض المعطار إنه كان يضم أربعين ألفاً من أنجاد العرب الفرسان، ومن الموحدين والجنود والمطوعة وفرسان الأندلس ما ينيف على مائة ألف فارس ، وإذن فقد كان هذا الجيش الذي أعد لغزو البرتغال، وافتتاح شنترين أضخم من الجيش الذي سار من قبل عند جواز الخليفة الأول إلى الأندلس، إلى حصار وبذة، وتنوه الرواية النصرانية أيضاً بضخامة الجيش الموحدي، وذلك بما تذكره من أرقام خسائره.
الحصار
ما كادت القوات الموحدية تصل إلى ظاهر شنترين، حتى أمر الخليفة بأن يتقدم الجند حتى أبواب المدينة، وأن يضربوا حولها الحصار، ونزل الموحدون في الربض الواقع في جنوبها الشرقي والممتد على طول النهر وضربت به قبة الخليفة، وكان البرتغاليون وعلى رأسهم ملكهم ألفونسو هنريكيز، قد احتشدوا داخل شنترين وقصبتها وجدوا في تحصينها، واتخذوا أعظم أهبة للدفاع عنها ، وكان المدافعون عن الربض الخارجي قد أقاموا حواجز يستطيعون الاعتصام بها، والدفاع منها. فاقتحم الموحدون الربض وهدموا أحياءه المتصلة بالسور، وهدموا الكنيستين اللتين به، وقتل كثير من المدافعين عنه، وارتد الباقون إلى القصبة، واعتقد القادة الموحدون أن السبيل ممهد لاقتحام المدينة وأخذها، وأعدت بالفعل السلالم اللازمة لاقتحام الأسوار. وفي يوم الجمعة 29 يونيه (19 ربيع الأول)، هاجم الموحدون الأسوار، واشتبكوا مع قوة من النصارى خرجت لقتالهم فهزموها وردوها صوب القصبة. وفي صبيحة اليوم التالي - السبت - تجدد القتال بين الموحدين وبين النصارى، واستمر القتال بين الفريقين حتى يوم الاثنين 2 يوليه (21 ربيع الأول). ونشبت بينهما خلال ذلك عدة معارك عنيفة. وتقدم الروايات النصرانية عن هذه المعارك صوراً مختلفة، ويقول بعضها إن المعارك لبثت تضطرم بين النصارى والموحدين في الربض الخارجي للمدينة خمسة أيام، وأن الموحدين بالرغم من خسائرهم لبثوا يجددون هجماتهم، حتى حطمت سائر الحواجز والتحصينات بالربض، وأضحى الموقف مستحيلا، واضطر النصارى إلى اللجوء إلى ناحية القصبة. وهذه الرواية تقترب في جملتها من أقوال الرواية الإسلامية. بيد أن الرواية المنسوبة إلى الحبر الإنجليزي راؤول دي ديستو، وخلاصتها أن الموحدين وصلوا إلى شنترين في يوم القديس خوان، أي في يوم 24 يونيه، وحاصروها، وأنهم بعد ثلاثة أيام وثلاث ليال من القتال المستمر، نجحوا في اقتحام المدينة من ثلمة أحدثوها. ولكن وصل في اليوم التالي أسقف بورتو وابن الملك وقتلوا من الموحدين خمسة عشر ألفاً، وسدوا تلك الثلمة بجثثهم. وفي اليوم الذي يليه وصل أسقف شنت ياقب ومعه عشرون ألف مقاتل، وفي الفجر قتلوا ثلاثين ألفاً من الموحدين. بيد أنه وقفت في اليوم الختامي لهذه المعارك، وهو يوم الاثنين 2 يوليه بالعسكر الموحدي مفاجأة مذهلة، وهي صدور أمر الخليفة بالكف عن القتال، وكان الأمر قد صدر في نفس الوقت بتحرك الجيش من موضع نزوله إلى موضع آخر، أو من شرقي شنترين إلى غربها وشمالها حسبما يقول صاحب روض القرطاس. فعجب الناس لذلك، ولم يفقهوا له سبباً، بل إن في هذا التعليق ذاته ما ينم عن إنكار الشيوخ والقادة الموحدين لهذا الأمر الفجائي الذي لم يدرس، ولم تتضح مبرراته. فما الذي حدث في المعسكر الموحدي، وكيف ولِم وقع هذا التحول الفجائي في حركة الجيش الموحدي، ولمّا يمض على مقدمه إلى شنترين سوى ستة أيام؟ إن الرواية الإسلامية لا تقدم في هذا الموطن أي شرح واضح أو أي تعليل مقنع لهذا الارتداد الفجائي لجيش ضخم غازٍ يربى عدده على المائة ألف، عن مدينة مرهقة بالحصار وقد سقطت أرباضها في أيدي الغزاة، ولا تدافع عنها سوى حامية محلية، قد أنهكتها المعارك المتوالية مع الغزاة، ولجأت في النهاية إلى القصبة ترقب المصير المحتوم، ولم يقل ابن صاحب الصلاة، وهو مرافق الحملة ومؤرخها، شيئاً سوى التعليق على أمر الارتحال بقوله:
«فتعجب الناس من هذا الرأي في الانتقال والارتحال، وتعطلت في النفوس جميع الآمال، وظهر الخلل في جميع الأحوال.»
ثم يقول إنه قد حدث في هذا اليوم -أي يوم صدور الأمر بالارتحال- على عسكر أهل مرسية حادث مروع، وذلك أنهم خرجوا للإغارة في بسائط النصارى، فخرجوا عليهم وهزموهم هزيمة شنيعة فارتدوا إلى المحلة منهزمين، وبات الناس في المحلة على حذر، ومن الوجل في ألم وضرر. ويقول مؤرخ موحدي آخر كان مرافقاً للحملة أيضاً هو القاضي أبو الحجاج يوسف بن عمر:
«إن الخليفة أبا يعقوب حينما قصد مدينة شنترين أمنع بلاد ابن الرنك، وأكثرها أجناداً، وأقواها استعداداً، فزع النصارى وروعت نفوسهم لما رأوه من ضخامة الجيش الموحدي وتفوقه العظيم. وكان القصد محاصرة المدينة وإرهاقها.»
ثم يقول دون أي إيضاح آخر:
«فلما استراءت من جهاتها الأنباء، وطال لغير طائل الثواء، عزم أمير المؤمنين على الارتحال، وترويح الجيوش والنفوس من السآمة والكلال، فأمر بالرحيل ليلا. »
وفاة أبو يعقوب يوسف
من المحقق أن الخليفة ومعاونيه كانوا يقصدون أن يكون الارتداد وفق خطة منظمة، تقي الجيش المنسحب كل اضطراب وكل عثار. وهذا ما يؤكده القاضي أبو الحجاج يوسف بن عمر في روايته حين يقول:
«إن ثقات الخليفة تطوفوا أول الليل على الرؤوس والجموع، وأوعزوا إليهم، ترتيب التحرك وكيفية القلوع، وأن يكون كل قبيل من جهتهم ثابتين مرصدين حتى ترحل الحمولة والأثقال، وتتخلص إلى السعة من المضايق والأوحال.»
بيد أن الذي حدث هو العكس تماماً. وهو الفوضى المروعة، والاختلال المطبق. يقول أبو الحجاج يوسف، وهو شاهد العيان:
«فاضطرب إقلاع الناس اضطراباً شنيعاً، وكثر الضجيج، واختلاط الأصوات، وتهولت المحلات، وأخذ العموم على شتى المسالك، فلا ترى سميعاً ولا مطيعاً.»
وكان أشنع ما في ذلك، هو ما حدث من غموض في فهم أوامر الخليفة، وتسرع في تنفيذها. ذلك أن كثيراً من الأشياخ ورؤساء القبائل فهموا أنه يجب الارتداد فوراً وفي جوف الليل، فهرعت طوائف غفيرة من الجند إلى الارتداد. وعبور النهر، ووقع الارتداد في مناظر مروعة من الاختلال والضجيج والفوضى. يقول الراوية شاهد العيان:
«حضرت يوم هذا الإقلاع وليله، فما رأيته في تاريخ قبله، ولا يحصر واصف هوله»
وأقلع السيد أبو إسحاق ولد الخليفة نفسه في جنده عند الفجر قاصداً إشبيلية، واعتقد كثير أن الخليفة نفسه قد أقلع في السحر، واستمر عبور الجند على هذا النحو تباعاً، حتى عبر معظم الجيش، كل ذلك والخليفة غافل عما حدث. فلما أسفر الصبح، ظهرت الحقيقة المروعة، ولم يبق حول الخليفة الموحدي سوى الساقة، فعندئذ أمر الخليفة بضرب الطبول، فاجتمعت الفلول الباقية، وانحدر الخليفة صوب النهر، وبقى ابنه يعقوب المنصور مع بقية الساقة، في موضع المحلة مستعداً للقاء النصارى وردهم وحماية أبيه ومن معه.
ولكن نصارى شنترين أدركوا عندئذ ما وقع في المعسكر الموحدي، من إقلاع وارتداد، فبادروا بالخروج من المدينة، وهجموا على القوات المنسحبة بشدة، وأدركوا ساقة الخليفة، ودافعت الفلول الموحدية بمنتهى البسالة، وسقط خلال ذلك عدد من أكابر الموحدين والأندلسيين، ووصل النصارى إلى مقر الخليفة نفسه بعدوة الوادي، وأصابه بعضهم بجراح خطيرة. وعلى أثر انتهاء المعركة أمر الخليفة بتفرق الجموع، ورجوع كل جندي إلى قبيلته، وأمر بتخريب الوادي، وانتساف زروعه، وقطع أشجاره وهدم ضياعه، وتغوير مائه، وحرق كل ما يمكن حرقه، كما أمر بتقسيم السرايا في نواحي الوادي لتحصيل الأقوات، وانتزاع السبي والغنائم. كل ذلك الخليفة الجريح ملتزم فراشه، ومن حوله أطباؤه ابن زهر وابن طفيل وابن قاسم، وهو يزداد ضعفاً على ضعف، ثم أمر الخليفة بالرحيل، وهو محمول في محفة، حتى تم اجتياز وادي التاجُه، وما كاد الموكب يقطع بضعة أميال أخرى، حتى أسلم الخليفة الروح، وذلك في 29 يوليه 1184 (18 ربيع الآخر 580 هـ).
بقلم الهواري الحسين
أثناء كتابتي لجزء من تاريخ الكسكس cuscuz في البرتغال والبرازيل وأمريكا الجنوبية وما وراء البحار ( صدر الكتاب عن جامعة لشبونة) كنت اصطدم دائما بأسماء مغربية وألفاظ ومصطلحات مغربية وقد أثار استغرابي واهتمامي إسم زاينة و أمثالها من الأسماء لكنها تميزت عنهن وكذلك زوجها نقاش الحجر ( ريما كان مزخرف أو بناء) و عائلاتهم الذين امتهنوا حرفا يدوية وسموا بها مثل صاحب الطاحونة و غيره وهم من بقايا المغاربة الذين عاشوا في وسط وشمال البرتغال أثناء الحملات المغربية على شمال ايبيريا ومملكة ليون على طريق الحج إلى كاتدرائية سان جاك دو كومبوستيل
La cathédrale Saint-Jacques-de-Compostelle
لقد انصب بحثي عن بقايا المغاربة الذين عاشوا في وسط و شمال البرتغال منذ عصر الموحدين لما تواجدوا هناك بعد حصار شنترين وموت الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف وتشتت آلاف المغاربة والجنود في تلك الأقطار ( يقول صاحب الروض المعطار إنه كان يضم أربعين ألفاً من أنجاد الفرسان، ومن الموحدين والجنود والمطوعة وفرسان الأندلس ما ينيف على مائة ألف فارس ، وإذن فقد كان هذا الجيش الذي أعد لغزو البرتغال كبيرا، وما أضيف إليهم لاحقا من الموريسكيين الفارين من حملات الطرد التعسفي والتطهير في الأندلس بعد نهاية القرن الخامس عشر لما طرد الموريسكيين من الجزيرة الايبيرية و بقت كثير من الأسماء المغربية العربية الأمازيغية شاءعة الاستعمال إلى جانب مفردات ومصطلحات مغربية متجدرة في تلك المنطقة لا سيما على طريق الحج الكبير إلى جليقية .
السالويو De çaloio أو السلاوي يطلق اليوم في البرتغال على الخبازين من أصول مغربية( الموريين boulangers maures) في منطقة لشبونة كما ذكر تفاصيلها في المعاجم اللغوية البرتغالية.
De çaloio , le nom ar. d'un hommage rendu par les boulangers maures à Lisbonne)
أمازيغ لشبونة الساليو saloio ( وهو مصطلح كثير الانتشار في البرتغال و البلدان الناطقة باللغة البرتغالية وقد ذهب الباحث المغربي أشرف بن قدور إلى اعتبار هذا اللفظ مشتق ومتحور عن الكلمة( شلوح Chleuh باللغة المغربية بمعنى الأمازيغ ) لكن بحثي في القواميس والمراجع البرتغالية القديمة افادنني بأن المصطلح ساليو Saloio مشتق من الكلمة سلا Salé المدينة المغربية العريقة وهم السلاويون و المنطق يعزز هذا لكون هذه المدينة الساحلية عرفت قوة وازدهارا كبير في تلك الحقبة التاريخية.
يتساءل ابن قدور : هل غادر المسلمون فعلا أراضيهم في البرتغال بعد ظهير الطرد لسنة 1496؟... الحقيقة ان المراجع التاريخية لم تنقل إلينا أية هجرة كبيرة لمدجني و موريسكيي البرتغال ... لا إلى الجارة الشرقية اسبانيا بممالكها المختلفة (التي كانت في ذلك الوقت تحتفظ بجاليتها المدجنة الكبيرة دون أن تجبر أحدا على التنصر ...و لو أن الضغوط الاقتصادية و الاجتماعية ..كانت كفيلة بالفعل بتقليص حجم تلك الجالية ) ... و لا إلى مملكة غرناطة المسلمة ...و لا إلى المغرب الجار الجنوبي ... و الواقع أن الشهادات التي امكن الحصول عليها تتحدث عن ذهاب مدجنين من المناطق الناءية في البرتغال إلى قشتالة للزواج من سيدات و فتيات مسلمات و العودة بهن إلى الديار ... و لا يستطيع أحد أن ينفي أن منطقة صالويو saloio القروية قد شهدت نزوحا كبيرا لمسلمي لشبونة الهاربين من بطش الصليبيين الذين اجتاحوا لشبونة سنة 1147 تحت زعامة افونصو هنريكش afonso henriques ...
و بالأحرى فالاسم صالويو saloio هو اسم السكان القرويين للمنطقة المحيطة بالاشبونة .... و هذا الاسم بصيغته هذه او الأخرى çaloio كان يطلق على المسلمين هنا سابقا بالنظر إلى ممارستهم للصلاة çala (؟؟ ؟؟ ) على الطريقة الإسلامية... مما يؤكد الطرح القاءل بأصول المنطقة المسلمة ... و التي لم تعد اليوم قروية كما كانت ... ففيها العديد من المراكز الحضرية كاوديفلاش odivelas لورش loures شنترة sintra امادورة armadora مافرة mafra العنقير Alenquer و غيرها .. و لم تعد تختلف عن لشبونة كثيرا ... لشبونة التي منع فيها الملك ضون مانويل طرد المسلمين من الفراشين و صناع الزرابي .
و بالرجوع إلى تسمية صالويو saloio التي عرف بها سكان القرى في منطقة الاشبونة .. فإن بعض البرتغاليين يقترح اصلا آخر لها ...مرتبطا بالاسم الذي عرف به أمازيغ الجنوب المغربي ...و هو الشلوح ( ؟؟؟؟) و هو الاسم الذي كان يطلق على الأمازيغ ...بالنظر الى رمزيته التي تشير على الأغلب إلى سكان قرويين او جبليين ..على هوامش المدن... تماما مثل اولءك الساكنين على هوامش لشبونة ... و لعل تشابه اللباس بين سيدات السوس المغربي جنوبا و سيدات المينييو minho البرتغالي شمالا يقترب بالملاحظ من قبول هذا الأمر . #houari_hossin
يدعي بعض الباحثين البرتغاليين و الامريكيين الجنوبيين أن الكسكس وصل إلى القارة الأمريكية عن طريق الأفارقة العبيد الذين حملهم البرتغاليين ابان الغزو البرتغالي لإفريقيا ابتداءا من القرن الخامس عشر واغلبهم من السنغال وبوركينا فاسو والبلدان الأخرى حول نهر السنغال و نهر النيجر لكن الأدلة والحجج المتوفرة التي توصلت إليها ودحض هذا فلا يزال طبق الكسكس المغربي يحضر في البرتغال والبرازيل وأمريكا الجنوبية ولا زالت التقاليد المغربية العريقة سائدة في البرتغال( و الصورة لسيدات برتغاليات يلبسن اللباس والحلي والزينة المغربية لا زلن يحافظون على هويتهم المغربية الأمازيغية في كثير من المهرجانات .
الحيثيات التاريخية حول وصول المغاربة إلى لشبونة في البرتغال لمن أراد التعمق في الدراسة التاريخية بداية من
حصار شنترين Sintrin ( لشبونة ) و موت الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف كما رواها مؤرخون عاصروا حقبة الموحدين وهم شهود عيان وأهمهم إبن صاحب الصلاة صاحب المن بالإمامة مرافق الحملة الموحدية و مؤرخها الذي شارك فيها وتوفي لاحقا في معركة دير العقاب و عبد الواحد المراكشي صاحب المعجب في تلخيص تاريخ المغرب و عموما نجد تلخيص تلك الحملة عند عبد المنعم الحميري صاحب الروض المعطار في خبر الأقطار وعند ابن زرع صاحب روض القرطاس لقد مات الخليفة الموحدي بسبب خطأ في التنظيم الحربي متوفيا بجراحه بين أطباءه ابن زهر وابن طفيل.
(( في يوم الثلاثاء 8 أبريل 1184 ( 580 هـ) غادر الخليفة أبو يعقوب مدينة فاس في موكبه، حتى وصل إلى ثغر سبتة فأقام به بقية شهر المحرم. وأمر في أثناء ذلك ببدء الجواز إلى الأندلس فجازت قبائل العرب أولا، ثم قبائل زناتة، فالمصامدة، فمغراوة وصَنهاجة و أوربة وغيرهم من بطون البربر ، ثم جازت جيوش الموحدين. فلما كمل جواز الجيش عبر الخليفة فيمن بقى من طوائف العبيد والحرس، وكان عبوره في 17 مايو ونزل بجبل طارق، ثم سار منه إلى الجزيرة الخضراء، ثم إلى إشبيلية عن طريق أركش وشريش، فوصل إليها في عساكره في اليوم 25 مايو ، وخرج أهل الحاضرة الأندلسية إلى لقائه والسلام عليه، وفي مقدمتهم قاضيهم ابن الجد . ويقول ابن صاحب الصلاة ، إنه قام بالسلام على الخليفة مع من تقدم إليه من الطلبة، وأنه لم يستطع الكلام لشدة الزحام، وأن الخليفة نزل بقصره داخل حدائقه الواقعة خارج باب قرمونة. وفي اليوم التالي لوصوله أمر بتمييز العساكر وتوزيع السلاح والعتاد عليهم. ووزعت ألف فرس من عتاق الخيل على أشياخ الموحدين والعرب وكبار الجند. وأمر قائد الأسطول أبو العباس الصقلي بإعداد سفن الغزو وما يلزمها من الآلات والمعدات. وكانت أجناد الأندلس، تتلاحق خلال ذلك من أوطانها وقواعدها إلى إشبيلية، لتنضم إلى جيش الغزو.
وأقام الخليفة بإشبيلية أسبوعين. سبق أن الخليفة لم يحدد هدف هذه الغزوة منذ البداية بصورة قاطعة، بل لم تتحدد وجهة الحملة الموحدية إلى شبه الجزيرة الأندلسية إلا حينما وصل الخليفة إلى سلا. ولكن اختيار مدينة شنترين Sintarin بالذات هدفاً للغزوة الموحدية يرجع إلى أسباب عديدة، مادية ومعنوية. فقد كانت البرتغال في عهد أبي يعقوب أول مملكة نصرانية في شبه الجزيرة ناصبت الموحدين العدوان، وكانت مدينة شنترين بالذات أهم قواعد هذا العدوان، فمنها خرجت الحملات العدوانية المتوالية التي شنها الفارس المغامر جيرالدو سمبافور على بلاد ولاية الغرب وحصونها في قطاع بطليوس، وهي ترجالُه وقاصرش، ومنتانجش وشربة، وجلمّانية. ثم كانت بعد ذلك قاعدة لمهاجمة ملك البرتغال وجيرالدو سمبافور لمدينة بطليوس ذاتها، واستيلائهما عليها، ولو لم يتعاون فرناندو ملك ليون مع الموحدين على إنقاذ المدينة، لبقيت في أيدي البرتغاليين. وكانت شنترين أخيراً مركزاً للحملات المخربة التي شنها البرتغاليون في أحواز إشبيلية، والتي وصلت في سيرها مرة إلى طُريانة، وأخرى إلى الشّرف ومدينة شلوقة، وعلى الجملة فقد كانت شنترين هي المركز الرئيسي لعدوان البرتغاليين على قواعد ولاية الغرب وأراضيها، وقد اضطلع فرسانها وجندها بأعظم دور في هذه الحملات العدوانية، والغزوات المخربة، وكان الخليفة وقادته يرون أن الاستيلاء على شنترين يلحق بالبرتغاليين وملكهم ألفونسو هنريكيز ضربة شديدة، ويقضي على أهم مراكز العدوان في البرتغال، ومن ثم كان اختيارها هدفاً للغزوة الموحدية الكبرى.
ومما هو جدير بالذكر أن الخليفة أبا يعقوب، لم ينس خلال هذه المشاغل الحربية برنامج منشآته العظيمة بمدينة إشبيلية، وهو الذي بدأه حين إقامته الأولى بإشبيلية قبل ذلك بنحو خمسة عشر عاماً، بإنشاء المسجد الجامع والقصور الموحدية، وقنطرة طريانة. ومشاريع الري والسقاية .
في صبيحة يوم الخميس 7 يونيه 1184 تحركت الجيوش الموحدية وعلى رأسها الخليفة أبو يعقوب يوسف، من مدينة إشبيلية، نحو الشمال. فوصلت بعد تسعة أيام إلى حصن العرجة في طريق بطليوس، وهنالك تم اجتماع الجيوش الموحدية، وتقلد الجند كامل أسلحتهم من السيوف والدروع والقسي وغيرها، ثم استأنفت الجيوش سيرها، حتى وصلت إلى مدينة بطليوس، فأمر الخليفة بالنزول في ظاهرها، وأن يجرى تمييز الجند، واستكملت الجيوش ما كان ينقصها من الزاد والميرة.
وكان الموقف بالنسبة للممالك النصرانية قد تغير قبل ذلك بأعوام، وانقطعت كل مهادنة بينها وبين الموحدين، وجنحت كلها إلى العدوان، وإلى غزو أراضي الأندلس كل من الناحية التي تليها. وكان فرناندو ملك ليون قد نبذ محالفة الموحدين حسبما تقدم، وقطع زميله ملك قشتالة على نفسه مثل هذا العهد (يونيه 1183). وكان في الوقت الذي عبرت فيه الجيوش الموحدية إلى شبه الجزيرة، يقوم بغزوة جديدة لأراضي الأندلس، وكان الخليفة الموحدي يعلم بأمر هذا التحالف الجديد بين قشتالة وليون. وكان الذائع بين الملوك النصارى أن الجيوش الموحدية الغازية، قد تغزو أي الممالك النصرانية، إذ كانت جميعاً سواء في موقفها العدواني من الموحدين، وفي الإغارة على أراضي الأندلس. حينما علم فرناندو ملك ليون بسير الجيوش الموحدية نحو بطليوس واقترابها بذلك من مواقعه، بادر برفع الحصار عن قاصرش، وعاد إلى حاضرته مدينة ردريجو، وأخذ يرقب سير الحوادث.
في يوم الخميس 10 ربيع الأول غادر الخليفة في قواته مدينة بطليوس، وسار نحو الشمال الغربي مخترقاً الناحية اليسرى من وادي التاجُه، ثم أمر الجند الموحدين أن يتقدموا صوب شنترين، فعبروا نهر التاجُه بقيادة السيد أبي إسحاق والي إشبيلية، ثم تلاهم بقية الجند وعلى رأسهم الخليفة، ونزلت الجيوش الموحدية جميعها بالتل المرتفع المشرف على شنترين من ناحيتها الشرقية والجنوبية، وكان ذلك في يوم الأربعاء 27 يونيه 1184 وفقاً لقول الرواية الإسلامية المعاصرة . وتضع الرواية النصرانية مقدم الجيوش الموحدية إلى شنترين قبل ذلك بثلاثة أيام في اليوم 24 يونيه وهو يوم القديس خوان. وتنوه معظم الروايات الإسلامية بضخامة هذا الجيش الموحدي، ووفرة حشوده يقول صاحب الروض المعطار إنه كان يضم أربعين ألفاً من أنجاد العرب الفرسان، ومن الموحدين والجنود والمطوعة وفرسان الأندلس ما ينيف على مائة ألف فارس ، وإذن فقد كان هذا الجيش الذي أعد لغزو البرتغال، وافتتاح شنترين أضخم من الجيش الذي سار من قبل عند جواز الخليفة الأول إلى الأندلس، إلى حصار وبذة، وتنوه الرواية النصرانية أيضاً بضخامة الجيش الموحدي، وذلك بما تذكره من أرقام خسائره.
الحصار
ما كادت القوات الموحدية تصل إلى ظاهر شنترين، حتى أمر الخليفة بأن يتقدم الجند حتى أبواب المدينة، وأن يضربوا حولها الحصار، ونزل الموحدون في الربض الواقع في جنوبها الشرقي والممتد على طول النهر وضربت به قبة الخليفة، وكان البرتغاليون وعلى رأسهم ملكهم ألفونسو هنريكيز، قد احتشدوا داخل شنترين وقصبتها وجدوا في تحصينها، واتخذوا أعظم أهبة للدفاع عنها ، وكان المدافعون عن الربض الخارجي قد أقاموا حواجز يستطيعون الاعتصام بها، والدفاع منها. فاقتحم الموحدون الربض وهدموا أحياءه المتصلة بالسور، وهدموا الكنيستين اللتين به، وقتل كثير من المدافعين عنه، وارتد الباقون إلى القصبة، واعتقد القادة الموحدون أن السبيل ممهد لاقتحام المدينة وأخذها، وأعدت بالفعل السلالم اللازمة لاقتحام الأسوار. وفي يوم الجمعة 29 يونيه (19 ربيع الأول)، هاجم الموحدون الأسوار، واشتبكوا مع قوة من النصارى خرجت لقتالهم فهزموها وردوها صوب القصبة. وفي صبيحة اليوم التالي - السبت - تجدد القتال بين الموحدين وبين النصارى، واستمر القتال بين الفريقين حتى يوم الاثنين 2 يوليه (21 ربيع الأول). ونشبت بينهما خلال ذلك عدة معارك عنيفة. وتقدم الروايات النصرانية عن هذه المعارك صوراً مختلفة، ويقول بعضها إن المعارك لبثت تضطرم بين النصارى والموحدين في الربض الخارجي للمدينة خمسة أيام، وأن الموحدين بالرغم من خسائرهم لبثوا يجددون هجماتهم، حتى حطمت سائر الحواجز والتحصينات بالربض، وأضحى الموقف مستحيلا، واضطر النصارى إلى اللجوء إلى ناحية القصبة. وهذه الرواية تقترب في جملتها من أقوال الرواية الإسلامية. بيد أن الرواية المنسوبة إلى الحبر الإنجليزي راؤول دي ديستو، وخلاصتها أن الموحدين وصلوا إلى شنترين في يوم القديس خوان، أي في يوم 24 يونيه، وحاصروها، وأنهم بعد ثلاثة أيام وثلاث ليال من القتال المستمر، نجحوا في اقتحام المدينة من ثلمة أحدثوها. ولكن وصل في اليوم التالي أسقف بورتو وابن الملك وقتلوا من الموحدين خمسة عشر ألفاً، وسدوا تلك الثلمة بجثثهم. وفي اليوم الذي يليه وصل أسقف شنت ياقب ومعه عشرون ألف مقاتل، وفي الفجر قتلوا ثلاثين ألفاً من الموحدين. بيد أنه وقفت في اليوم الختامي لهذه المعارك، وهو يوم الاثنين 2 يوليه بالعسكر الموحدي مفاجأة مذهلة، وهي صدور أمر الخليفة بالكف عن القتال، وكان الأمر قد صدر في نفس الوقت بتحرك الجيش من موضع نزوله إلى موضع آخر، أو من شرقي شنترين إلى غربها وشمالها حسبما يقول صاحب روض القرطاس. فعجب الناس لذلك، ولم يفقهوا له سبباً، بل إن في هذا التعليق ذاته ما ينم عن إنكار الشيوخ والقادة الموحدين لهذا الأمر الفجائي الذي لم يدرس، ولم تتضح مبرراته. فما الذي حدث في المعسكر الموحدي، وكيف ولِم وقع هذا التحول الفجائي في حركة الجيش الموحدي، ولمّا يمض على مقدمه إلى شنترين سوى ستة أيام؟ إن الرواية الإسلامية لا تقدم في هذا الموطن أي شرح واضح أو أي تعليل مقنع لهذا الارتداد الفجائي لجيش ضخم غازٍ يربى عدده على المائة ألف، عن مدينة مرهقة بالحصار وقد سقطت أرباضها في أيدي الغزاة، ولا تدافع عنها سوى حامية محلية، قد أنهكتها المعارك المتوالية مع الغزاة، ولجأت في النهاية إلى القصبة ترقب المصير المحتوم، ولم يقل ابن صاحب الصلاة، وهو مرافق الحملة ومؤرخها، شيئاً سوى التعليق على أمر الارتحال بقوله:
«فتعجب الناس من هذا الرأي في الانتقال والارتحال، وتعطلت في النفوس جميع الآمال، وظهر الخلل في جميع الأحوال.»
ثم يقول إنه قد حدث في هذا اليوم -أي يوم صدور الأمر بالارتحال- على عسكر أهل مرسية حادث مروع، وذلك أنهم خرجوا للإغارة في بسائط النصارى، فخرجوا عليهم وهزموهم هزيمة شنيعة فارتدوا إلى المحلة منهزمين، وبات الناس في المحلة على حذر، ومن الوجل في ألم وضرر. ويقول مؤرخ موحدي آخر كان مرافقاً للحملة أيضاً هو القاضي أبو الحجاج يوسف بن عمر:
«إن الخليفة أبا يعقوب حينما قصد مدينة شنترين أمنع بلاد ابن الرنك، وأكثرها أجناداً، وأقواها استعداداً، فزع النصارى وروعت نفوسهم لما رأوه من ضخامة الجيش الموحدي وتفوقه العظيم. وكان القصد محاصرة المدينة وإرهاقها.»
ثم يقول دون أي إيضاح آخر:
«فلما استراءت من جهاتها الأنباء، وطال لغير طائل الثواء، عزم أمير المؤمنين على الارتحال، وترويح الجيوش والنفوس من السآمة والكلال، فأمر بالرحيل ليلا. »
وفاة أبو يعقوب يوسف
من المحقق أن الخليفة ومعاونيه كانوا يقصدون أن يكون الارتداد وفق خطة منظمة، تقي الجيش المنسحب كل اضطراب وكل عثار. وهذا ما يؤكده القاضي أبو الحجاج يوسف بن عمر في روايته حين يقول:
«إن ثقات الخليفة تطوفوا أول الليل على الرؤوس والجموع، وأوعزوا إليهم، ترتيب التحرك وكيفية القلوع، وأن يكون كل قبيل من جهتهم ثابتين مرصدين حتى ترحل الحمولة والأثقال، وتتخلص إلى السعة من المضايق والأوحال.»
بيد أن الذي حدث هو العكس تماماً. وهو الفوضى المروعة، والاختلال المطبق. يقول أبو الحجاج يوسف، وهو شاهد العيان:
«فاضطرب إقلاع الناس اضطراباً شنيعاً، وكثر الضجيج، واختلاط الأصوات، وتهولت المحلات، وأخذ العموم على شتى المسالك، فلا ترى سميعاً ولا مطيعاً.»
وكان أشنع ما في ذلك، هو ما حدث من غموض في فهم أوامر الخليفة، وتسرع في تنفيذها. ذلك أن كثيراً من الأشياخ ورؤساء القبائل فهموا أنه يجب الارتداد فوراً وفي جوف الليل، فهرعت طوائف غفيرة من الجند إلى الارتداد. وعبور النهر، ووقع الارتداد في مناظر مروعة من الاختلال والضجيج والفوضى. يقول الراوية شاهد العيان:
«حضرت يوم هذا الإقلاع وليله، فما رأيته في تاريخ قبله، ولا يحصر واصف هوله»
وأقلع السيد أبو إسحاق ولد الخليفة نفسه في جنده عند الفجر قاصداً إشبيلية، واعتقد كثير أن الخليفة نفسه قد أقلع في السحر، واستمر عبور الجند على هذا النحو تباعاً، حتى عبر معظم الجيش، كل ذلك والخليفة غافل عما حدث. فلما أسفر الصبح، ظهرت الحقيقة المروعة، ولم يبق حول الخليفة الموحدي سوى الساقة، فعندئذ أمر الخليفة بضرب الطبول، فاجتمعت الفلول الباقية، وانحدر الخليفة صوب النهر، وبقى ابنه يعقوب المنصور مع بقية الساقة، في موضع المحلة مستعداً للقاء النصارى وردهم وحماية أبيه ومن معه.
ولكن نصارى شنترين أدركوا عندئذ ما وقع في المعسكر الموحدي، من إقلاع وارتداد، فبادروا بالخروج من المدينة، وهجموا على القوات المنسحبة بشدة، وأدركوا ساقة الخليفة، ودافعت الفلول الموحدية بمنتهى البسالة، وسقط خلال ذلك عدد من أكابر الموحدين والأندلسيين، ووصل النصارى إلى مقر الخليفة نفسه بعدوة الوادي، وأصابه بعضهم بجراح خطيرة. وعلى أثر انتهاء المعركة أمر الخليفة بتفرق الجموع، ورجوع كل جندي إلى قبيلته، وأمر بتخريب الوادي، وانتساف زروعه، وقطع أشجاره وهدم ضياعه، وتغوير مائه، وحرق كل ما يمكن حرقه، كما أمر بتقسيم السرايا في نواحي الوادي لتحصيل الأقوات، وانتزاع السبي والغنائم. كل ذلك الخليفة الجريح ملتزم فراشه، ومن حوله أطباؤه ابن زهر وابن طفيل وابن قاسم، وهو يزداد ضعفاً على ضعف، ثم أمر الخليفة بالرحيل، وهو محمول في محفة، حتى تم اجتياز وادي التاجُه، وما كاد الموكب يقطع بضعة أميال أخرى، حتى أسلم الخليفة الروح، وذلك في 29 يوليه 1184 (18 ربيع الآخر 580 هـ).
بقلم الهواري الحسين