ميمون حِرش - "كلمني عنه"- الجزء الثالث

السلسلة الحوارية: "كلمني عنه"- الجزء الثالث – الحلقة الأولى
الكلام عن الكاتب، والقاص، والناقد، والباحث، والمسرحي، والمترجم عبد الله زروال

"عبد الله زروال قاص وكاتب وناقد، وباحث، ومهتم بالمسرح، ومترجم.. هو في كل هذه العوالم «مايسترو" بامتياز، لا يقرب من تخومها إلا إذا آمن بأنه سيترك أثراً، يبهرك باختياراته في الكتابة، بشكل عام؛ حتى وهو يحاورك "بهدوئه الصاخب" لا يتكلم إلاّ ليقول أشياء مهمة، وذكية، ولافتة.
الدكتور عثمان عفاني " شبه مجموعته القصصية " في تلك الحارات" بلعبة البازل/ Puzzle التي تكمن جمالياتها في قدرة ومهارة اللاعب على تركيب قطعها الصغيرة، فتتحقق المتعة في عملية التركيب قبل أن تحصل دهشة الشكل النهائي.

هذه الدهشة تتحقق ليس في السرد فقط ، إنما في كل أعماله، سواء كتبَ قصة، أو ترجم نصاً، أو علق، أو حاور، أو ألف نصاً مسرحياً ...إنه يبدع ، ليدهشنا، ويفيدنا، ويمتعنا.
عبد الله زروال فنان حقيقة، له حظوة مستحقة ، داخل المغرب ، وخارجه " ميمون حرش .

دعونا نستمع ، ونستمتع بأجوبته.


  • موقف طريف حدث لك في الأسرة، أو في المدرسة، أو في الحياة بشكل عام.
ما أكثر المواقف الطريفة في حياتي! ومنها موقف في غاية الطرافة حدث قبل أن أحال على التقاعد النسبي بثلاث سنوات إذا لم تخني الذاكرة. كنت في إحدى الحصص الدراسية بصدد الحديث عن الشاعر أحمد شوقي، وإذا بتلميذ يجلس في المقعد الأخير يسألني: أستاذ، هل مات؟ عجبت، كما عجب زملاؤه التلاميذ من تدخله؛ فقد كان متعثرا في دراسته، دائم الشرود، أجبته بالإثبات مترحما على أمير الشعراء، واستأنفت الحديث، لتنفجر ضحكة من آخر الفصل، نظرت فإذا بالذي يجلس إلى جانبه يحاول حبس ضحكه، اقتربت منه، لأتبين السبب؛ إذ لا بد للضحك من سبب، وإلا صار من قلة الأدب، ثم إنه كان تلميذا نجيبا، مثابرا، هادئ الطبع، لم يسبق له أن صدر عنه مثل ذلك السلوك، أجابني وهو يغالب الضحك:

- لقد تأثر حتى كاد يبكي عند ما أخبرته بأن أحمد شوقي مات؛ لقد التبس عليه الأمر بين أحمد شوقي الشاعر والمغني الشاب أحمد شوقي.

في الحقيقة لم أكن حينئذ أعرف مغنيا بهذا الاسم، وحين رأيت أحمد شوقي المغني لأول مرة على شاشة التلفاز، ضحكت، وتذكرت ما كان من قصة تشابه الأسماء.
  • طقس الكتابة لديك، كيف تتم، ما خفي منها خاصة رجاء.
بالنسبة لكتابة المقالات، والترجمة ليست لدي طقوس محددة في الاشتغال؛ أما بالنسبة للكتابة الإبداعية، وأعني هنا الكتابة القصصية، فغالبا ما أسير لمسافات طويلة منقبا عن بذرة القصة الجديدة؛ أي النواة التي ستكون منطلقا لبناء عوالم القصة، ولما أظفر بالتقاط هذه البذرة أنشغل كل الانشغال باستدعاء العناصر القصصية مشتتة من الذاكرة، من الواقع، من المقروء، من الخيال، من البحث؛ كل ذلك يحدث ذهنيا ودون أن أدون كلمة واحدة. وعندما أبلغ ذروة الامتلاء، أعكف على عملية انتقاء العناصر وتركيبها في بناء فصصي منسجم ومتناسق، لأتفرغ بعدها إلى عملية التنقيح؛ هذه العملية التي قد تستغرق وقتا طويلا.
  • "الحرج" من ورطة وقعت فيها، وكيف تخلصت منها.
حدث أن دخلت مرحاض الكلية، في وقت قد خلت من الطلاب، فانغلق علي الباب، نظرت، فاكتشفت بأن قفل الباب معطل، والمقبض الداخلي مكسور، يا لها من ورطة! حاولت أن أعالج الأمر في البداية، لكن بلا جدوى، صرخت بملء الصوت، دققت الباب بما أوتيت من قوة لعل سامعا يهرع لإنقاذي، لكن لا مجيب، فما كان لي سوى أن أتسلق وأقفز من الفتحة التي تعلو الباب، ولولا اللياقة البدنية التي كنت عليها آنئذ أسعفتني للبثت في المرحاض أشم تلك الروائح، وأنتظر وأتحسس داخلا قد يأتي وقد لا يأتي.
  • أجمل وأغرب تعليق عن إبداعاتك سمعته من أحد وجها لوجه، أو قرأته مكتوبا.
كثيرة هي التعاليق المثيرة الجميلة التي حظيت بها نصوصي القصصية، وسأذكر منها هذا التعليق على سبيل التمثيل لا المفاضلة، أذكره لأن صاحبه نبه إلى سر من أسرار الكتابة القصصية في مجموعة "في تلك الحارات":

"ختاما إن المجموعة القصصية "في تلك الحارات" عمل أدبي يشبه لعبة البازل/ Puzzle التي تكمن جمالياتها في قدرة ومهارة اللاعب على تركيب قطعها الصغيرة، فتتحقق المتعة في عملية التركيب قبل ان تحصل دهشة الشكل النهائي. وقارئ "في تلك الحارات" يحلق أيضا في رحاب العوالم الإنسانية، فيسافر في رحلة تقوده نحو الجديد والمثير الذي يجعله يستمتع بفعل القراءة فلا يستعجل بلوغ نهاية القصة وإن بلغها فسيدرك ان السارد قد القى به في بحر قصص لا تومن بالنهايات لأنها قصص الزمن المتحول الذي لا ثابت فيه."

هذا المقطع هو بمثابة خلاصة تركيبية في غاية التركيز والدلالة للتقديم الذي تطول به الدكتور فؤاد عفاني لمجموعتي القصصية، وقد أدرج هذا التقديم ضمن كتاب لجماعة من المؤلفين حول منجزي القصصي، يحمل عنوان " القيتارة والعازفون" قراءات في التجربة القصصية لعبد الله زروال، صدر هذا الكتاب ضمن منشورات جمعية العلامة الجمالية بوجدة، بدعم من المديرية الجهوية للثقافة والشباب والرياضة، قطاع الثقافة.
  • أمر تكشفه لأول مرة، وتميط اللثام عنه، لمحبيك.
أكشف لكم حصريا بلغة السبق الإعلامي، هذا الأمر الذي لا تعرفه إلا فئة قليلة من أصدقاء الدراسة. قبل أن أزاول مهنة التعليم، اشتغلت بالتجارة؛ كان ذلك في جل أوقاتي الفارغة، في نهاية الأسبوع، في الإجازات المدرسية، بين الحصتين الصباحية والمسائية في فترة محددة، في المساء. والمثير أن بعض الزبائن كانوا يظنون أنني ابن صاحب المتجر، وكنت أتركهم على ظنهم، إلا إذا اقتضى الموقف أن أعترف لهم بأنني مجرد تلميذ أو طالب أجير.
في الواقع كان تجربة غنية استفدت منها أشياء وأشياء، وكان المتجر نافذة واسعة أطللت منها على أمور وأمور...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى