الحسين الهواري - الغم و اليأس و الحنين في عصر النكبة الأطعمة في عصر الوطاسيين من قصيدة قاضي القدس إبن الأزرق صاحب( مسلك الملك )

الغم و اليأس و الحنين في عصر النكبة
الأطعمة في عصر الوطاسيين من قصيدة قاضي القدس إبن الأزرق صاحب( مسلك الملك ) شاهد عيان يصف سقوط الدول العربية و حنينه إلى الماضي و أطعمة بلده و قد كانت غصته كبيرة بسقوط غرناطة آخر قلاع الأندلس و هجرها إلى العدوة الثانية أي بلده الثاني المغرب و الذي كان يحترق في تجادب المرينيين و الوطاسيين يغدي ناره حكام ما تبقى من طوائف الأندلس لتمزيقه فقد كان يعرف صراعا قاتلا بين حكام بني مرين و اقرباءهم الوطاسيين المدعومين من بني الأحمر في غرناطة لإسقاط حكم المرينيين و قد وجد نفسه ضمن هذه الصراعات السياسية و أراد أن يهرب فقصد مصر المملوكية فوجد أنها كذلك ترزح تحت حكم الاستانة والاحتلال العثماني و تكالب الأعداء على الأمة الإسبان و البرتغال و الأتراك و توالت النكبات فطلب من صديقه الخليفة المريني آخر سلطانهم أن ينجده فأرسله إلى القدس سفيرا و قاضيا و هو الذي عاش حياته في القضاء بين غرناطة و فاس، لكن المقام في فلسطين لم ينسيه ذكريات جميلة عاشها في المغرب و كتب قصيدته الطويلة من ماءة بيت يستذكر فيها تلك الأيام الخوالي و ينذب تعاسته و ما حل بالاوطان من جراح و حروب لا سيما إنهيار سلطان بني مرين الذي عرف عصرا ذهبا قل أن تجود بمثله الحياة و كانت قصيدته الطويلة أشبه برثاء لكل ما ضاع الأندلس و المغرب و المشرق ولأن القصيدة طويلة فساقتبس منها جزءا قصيرا لا سيما حنينه إلى أطعمة وطنه كما قال و بلده طبعا هو المغرب الذي اواه حيث يردد أسماء تلك الأكلات الدسمة و الشعبية اللذيذة و الحال أنه مل أكل وشرب اللبن و كأني به يسيل لعابه كلما ذكر نوعا من تلك الوجبات التي افتقدها في هجرته و التي على كل حال لم تدم طويلا كانت حالته الصحية تتدهور تبعا لألم التغرب و تغير نمط العيش وإحساسه بالغربة وقد مات و دفن هناك بعد شهرين من إقامته في تلك الأرض المقدسة بين تلاميذه و أصدقاءه المغاربة حيث معروف أنه كانت جالية مغربية قديمة( يذكر باب المغاربة و حارتهم في القدس منذ القدم ) و رغم حسن الإستقبال و كرم الضيافة و حسن المعاملة من تلامذته الفلسطينيين كل ذلك لم يعوض عليه و ينسيه ذكريات جميلة عاشها في بلده المغرب يقول إبن الأزرق في قصيدته واصفا الأطعمة المغربية .
من القصيدة النونية لقاضي القدس إبن الأزرق أقتبس هذه الأبيات التي تفيض بمرارة الفراق و الشوق للأطعمة المغربية :
.. وليس لي من فرس = وليس لي من مسكن!
ياليت شعري و عسى = يا ليت أن تنفعني
هل للثريد عودة = إلي قد شوقني
و لي إلى الإسفنج = شوق دائم يطربني
و الأرز الفضل إن = تطبخه باللبن
و هات ذكر الكسكسو = فهو شريف و سني
لا سيما إن كان مصنوعا بفتل حسن
أرفع منه كوارا = بهن تدوي أدني
و إن ذكرت غير ذا = أطعمة في الوطن
فابدأ من المثومات = بالجبن الممكن
من فوقها الفروج قد = أنهي في التسمن
وتن بالعصيدة التي = بها تطربني
Houari Hossin histoire de la cuisine marocaine
سيخصص المقري صاحب نفح الطيب و كاتب بلاط السعديين جزءا كبيرا من كتابه للحديث عن ابن الأزرق فالمقري سيحصل له نفس مصير ابن الأزرق المحتوم و بدوره سيغادر أرض وطنه في اتجاه الشام أثناء العصر الأيوبي سيزور حلب و منها سيزور غزة و القدس في فلسطين و سيجمع أخبارا جمة و مفصلة عن حياة ابن الأزرق في لحظاته الأخيرة في تلك البلاد و مما كتبه سنعرف مغزى قصيدته .
يعتبر كثير من الباحثين كتاب إبن الأزرق مسلك الملك تتمة لمقدمة إبن خلدون بل منهم من يعتبره وريثه و مكمل منهجيتة في التاريخ و علم الاجتماع.
* ينحدر الوطاسيون من إحدى فروع قبلية زناتة الأمازيغية بالمملكة المغربية و كانت مواطنهم في الأجزاء الشمالية من الصحراء المغربية. في القرن 13 م بدأ ظهورهم مع المرينيين واقتسموا السلطة في المغرب حتى سقوط دولتهم أثناء فترة حكم محمد البرتقالي بين 1505 و 1540 ,ثم أبو العباس أحمد حتى 1550 واجه المغرب ضغوطا كبيرة أمام حملات البرتغاليين و الإسبانيين فقد المغرب نتيجتها العديد من المناطق الساحلية. إلا أن الخطر الحقيقي على الوطاسيين كان يمثله ظهور السعديين والذين بدؤوا في شن حملاتهم انطلاقا من الصحراء. سقط آخر السلاطين الوطاسيين سنة 1545 أثناء إحدى معاركه معهم...
بقلم الهواري الحسين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى