الحسين الهواري - دراسة أكاديمية جديدة... تاكلا والعصيدة والدشيشةوالبلبولة. أصل القمح المغربي ومتى تحولنا من استهلاك القمح إلى الشعير والعكس؟

دراسة أكاديمية جديدة
تاكلا والعصيدة والدشيشة والبلبولة. أصل القمح المغربي ومتى تحولنا من استهلاك القمح إلى الشعير والعكس؟ تاريخ الانتقال إلى الأغذية البديلة في المغرب والرد على برنار روزمبرغر . ليست جديدة فعلا هذه النقلة الحضارية فتاريخ تحول الأنماط الغذائية معروف منذ القديم و لأسباب كثيرة أهمها له علاقة بالمناخ السائد في المغرب وتموقعه الجغرافي زيادة على أسباب أخرى وراء ذلك سنناقشها كل على حدة.


(الجزء الأول

بقلم الهواري الحسين )

تأتي هذه الدراسة عن أصول الطبخ المغربي الأصيل التي أعمل عليها منذ مدة نتيجة اهتمامي بدراسات كثيرة تجرى حاليا في الولايات المتحدة الأمريكية و يقودها مجموعة من العلماء و الباحثين في المجال الزراعي والذين توصلوا إلى نتائج عكسية لما كان سائدا حتى يومنا هذا من حيث أن أصول نوع القمح المعروف ب bled المنتشر في بلدان أوروبا الغربية وامريكا والذي كان يعتقد أن جيناته الأولى وصلت إليهم من البلقان وخاصة من حوض الأناضول التركي وأرمينيا وانتقل بعد تطوره عند الإغريق الى الرومان ثم باقي البلاد الاوروبية فيما يرى علماء آخرون أن الفراعنة المصريون هم أول من زرعوه ونشروه في العالم، ويرى آخرون أن الجينات القديمة أتت من بلاد ما بين النهرين والهلال الخصيب عصر السومريين والبابليين ومنها انتقلت بواسطة الرومان الى العالم ولا هذا ولا ذاك صحيح. فالعلم أثبت خطأ كل تلك المزاعم، اليوم يثبت هؤلاء العلماء في المختبرات الأمريكية خطأ تلك الفرضيات والافتراضات التقديرية ويضحدون تلك الاقتراحات السابقة فقد تأكد علميا وبعد دراسات وأبحاث ميدانية شاملة أجرتها البعثة الأمريكية في المغرب وحول جبال الأطلس حيث لا زالت في البرية موطن بعض النباتات الماقبل تاريخية وأخذت عينات بدائية برية من أماكن نائية بوسائل تكنولوجية متطورة فخرجت النتيجة مذهلة بأن نوعية البذور المكتشفة في جبال الأطلس هي أصل أنواع القمح المزروع في أوروبا تم نقلها او انتقلت بفعل الطبيعة إلى ايبيريا ومنها إلى باقي مناطق أوروبا وقد حدثت هناك طفرة انتقالية من الشكل البدائي بعد تحول الخلايا الجذعية نتيجة تغير المناخ الملائم لذلك أي الانتقال من درجة حرارة مرتفعة إلى درجة حرارة مئوية أقل غير في الشكل، وهذه الدراسة الأمريكية وزعت على منظمات علمية في مجال الزراعة والفلاحة وسأنشرها إن شاء الله.
اذن يتضح لنا ومما لا شك فيه أن سكان المغرب الاوائل عرفوا أنواعا مختلفة من الحبوب و منها القمح أي أنه لم يستورد إلى المغرب و من الأدلة على ذلك ما جاء في تاريخ اب التاريخ هوميروس في الإليادة حول طعام هرقل في جبال الأطلس و ما ذكر وأشار اليه قديما الحكيم اليوناني ديسقريدس في معجمه الطبي Matrica Medica إلى نوع من الحبوب céréales يوجد فقط في جبال الأطلس المغربية ووصفه كعلاج لعدة أمراض هضمية، فهل فعلا تحققت نبوءة ديسقريدس اليوم و أثبت العلماء صحة نظريته
التي قال فيها أن هناك نوع من القمح دقيق الحجم صنفه بالعجيب وسماه باليونانية تشوتشو xοσκούς ولم يجد تصنيفا عند العلماء القدماء لبعد المسافة الجغرافية و ربما وحده بليني الأكبر في معجمه التاريخ الطبيعي حيث أشار إليه في اشارته إلى سكان جبال الأطلس الموريين من الجيتول والاثيوبيين البيض كما كان يسميهم وذكر طعامهم من دقيق ذلك القمح لكنه عرفه بالطعام القرطاجي لأن المغرب في تلك الحقبة التاريخية كان تحت حكم القرطاجيين و ربما أشار كذلك الجغرافي بطلومي إلى هذا النوع أو نوع مشابه له في وصفه لموريتانيا المورية .
بين طعام العصور البدائية " الايبروموريسة " الالتقاط cueillette إلى العصر الحلزوني Escargotier العصر الحجري الحديث " جبال الحلزون المكتشفة في فكيك و الانجاد عن دراسة سان جيزيل " والقفزة الكبرى إلى عصيدة الشعير Gruau و الجريش تاكلا Bouillie .
في البداية كان الإعتماد على دقيق الشعير يكاد يكون مهيمنا على كافة الأطعمة و الوجبات الأساسية إلى جانب أصناف من الحبوب المحلية ، لكن في القرون الوسطى سيحدف الشعير من موائد الطبقات الغنية و تشير المراجع إلى ( الخبز الأسود ) بازدراء بينما تشيد و ترفع من شأن (الخبز الأبيض) و خاصة دقيق الدرمك المسمى بالأبيض الصافي و سيعتبر الشعير طعاما للفلاحين و المزارعين و الطبقات الفقيرة و قد حصل ذلك بفعل النقلة الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المغرب في القرن الحادي عشر و خاصة في عصري المرابطين والموحدين و المرينيين الذي عرف ازدهارا و نموا اقتصاديا مطردا .
ومن المعروف أن الشعير منتوج الأراضي الصلبة القليلة التساقطات المطرية والاراضي الجافة ومع ذلك تمت عملية إنتقالية يمكن ربطها بالتطور الحضاري ، فقد بقي دقيق الشعير مستمرا استهلاكه في المغرب حتى القرون الوسطى وحسب كثير من المصادر والمراجع التاريخية نقلا عن الرحالة و المؤرخين فإن منطقة الشاوية و مناطق جبال الأطلس - وحتى يومنا - كانت ولا تزال تستهلك الشعير و هو مفضل عند السكان رغم توفرهم على حبوب بديلة . في كتاب وصف إفريقيا لابن الوزان و كذلك عند مارمول كاربخال و غيرهم فإن طعام دكالة و كثير من سكان المغرب في الجبال و القرى هو دشيشة الشعير و منه يصنعون الخبز و الكسكس و وجبات أخرى.
ونعود إلى الوراء في مقاربة تاريخية حول :
المسألة (اليونانية ) في الطبخ المغربي
- أو متى تم تحييد الهيلينية من النمط الغذائي المغربي ؟ التحول من الشعير اليوناني إلى القمح الرطب épeautre الروماني في شمال إفريقيا عبر قراءة في النصوص اللاتينية المتأخرة ، عند Procope و Corrupe و قبل ذلك لا ننسى مؤلفات بليني الأكبر Pline l'ancien و آخرين الذين كتبوا عن الحياة الاجتماعية و الغذاء خاصة في المغرب قديما و خلاصة حديث بليني عن الأطعمة القرطاجية السائدة في المغرب و شمال إفريقيا حتى بيتيكا وجزء من ابيريا و التي كانت متأثرة بالنمط القرطاجي في الشكل العام بحكم الجوار و الهيمنة قبل التغيير الذي نتج عن سقوط قرطاج إبان الحروب البونيقيية و ما تبعها من تحولات هائلة في النمط الغذائي المعيشي و المعروف بالرومنة .
الأسباب المؤكدة و العوامل ، -1 وصول و استقرار الرحل القادمين من الصحراء -2 سقوط الإمبراطورية الرومانية -3 الحروب الوندالية والبيزنطية . و قد حاولت في هذا الشأن توضيح فرضية طرحت في نص برنار روزمبرغر عن الأطعمة البديلة في المغرب ( و برأيي ان الاستاذ محمد حبيدة تاثر في كتابه " المغرب النباتي " بهذه المرجعية أو على الأقل أطلع على نص روزمبرغر
كما هو معروف فإن الشعير هو خاصية يونانية و مفخرة الهيلينيين بعكس الرومان الذين يعتزون بالقمح و هم أسياد الخبز و مهنة الخبازة على مر العصور ، و بما أن القمح كان حكرا على الرومان بينما الشعوب المستعمرة مجرد عمال او خاضعين منتجين فقد كان الشعير ( البزين عموما Gruau) هو غذاء هؤلاء المستضعفين ، قبل التحول إلى حبوب بلاد الغال céréale Gaulois فقد كانت روما تستحوذ على كل إنتاج القمح و توزعه مجانا على شعبها في روما وحولها ، و كذلك على بعض الأنواع الأخرى من الحبوب و الغلات مما استنزف البلدان الخاضعة لها و دفعها لاستهلاك الأنواع الغير المرغوب فيها عند الرومان ، و الآن و قد أفل نجم روما و سقطت عاصمتها تحت ضربات البرابرة الوندال و القوط و السلت و الجرمان و دكت معالم الحضارة العظمى التي أدلت كل شعوب حوض المتوسط و آسيا ، بقي الفائض الهائل من مخزون القمح مبعثر في الحقول و الموانئ و المخازن ، وهذه الشعوب المستعمرة المنتجة لم تتعود استهلاكه إلا نادرا فهي كانت فقط تنتجه للاقطاعيين الرومان و جنودهم داخل المجهود الحربي الكبير المتعارف عليه في التركيبة الرومانية او الانونة Anona إذ يشكل وزن من القمح أجر المحارب . و الآن وقد أصبح الفائض متاحا للجميع و مشاعا كالارض و فائضا لا يمكن تصديره ، فخلفاء الرومان من البيزنطيين كانوا أضعف من أن يحافظوا على مستعمراتهم المترامية الأطراف و سلا على سلوك و نظام الخاضعين لهم ، مما أعطى مكانا للفوضى العارمة في حوض المتوسط أكان ذلك في شمال إفريقيا و ايبريا و بلاد الغال و تبعا لهذه المونارشية العارمة كان ضروري ان تتبدل و تتحول الأنماط العامة و منها الأنماط الغذائية السائدة .* المقصود بارمينية ( أرمينيا الكبرى في العصر الروماني القديم )
في النصوص المقاربة عند قدماء المؤلفين نجد إشارات واضحة لذلك ، فمثلا عند Corripe في الجوهاندا وصف للنمط الغذائي للمور Maures و قد تحول بفعل التواجد الصحراوي الكثيف داخل خطوط اللميس Limes ، يخبرنا المؤلف البيزنطي عن اطالاس Atalas وشعبه من لواتة و غيرهم و عن نمط غذائهم البديل ، و كذلك Procope بالمثل و هو الذي عاش في شمال إفريقيا نجد عنده نفس الوصف ، إن التخلي عن النمط الهيليني لم يرق إلى التخلي الكامل عن كل الثقافة الهيلينية اليونانية طبعا ، بل مس فقط الناحية الغذائية ولا سيما الفائض الكبير من الحبوب التي كانت تزرع آليا للشعب الروماني و الحالة هذه و مع وفرة المنتوج و تكدسه فإن التحول الى النمط الروماني أصبح أمرا واردا ومؤكدا ، و لازالت حتى يومنا هذا أثار هذه المرحلة الإنتقالية سائدة في البلدان المغاربية ، و حتى وقت قريب كان الشعير يشكل أساس التغذية في مناطق شاسعة من شمال إفريقيا فتناول دقيق الشعير ليس ببعيد في الزمن ، سواء كخبز او دشيش او تاكلا او كسكس ، لكن هيمنة القمح مع التطور الزراعي و هيمنة الثقافة الأوروبية حول و أقصى الشعير وهو تحول في الذوق العام للمغاربة وللشعوب المغاربية أكثر منه تحول في المردودية .
لا يمكن استبعاد التأثير اليوناني القديم على النمط الغذائي المعيشي في المغرب قديما إلى جانب التأثير القرطاجي و الروماني طبعا ، فمن المعروف ان اغلب ملوك الأمازيغ كانوا يفتخرون بثقافتهم و تاثرهم بالثقافة اليونانية و تفضيلهم و تحصيلهم العلمي الأول كان اغريقي و الأبعد من ذلك أن أحد كبار الشخصيات الرفيعة و هو جوبا الثاني عبقري زمانه كتب مؤلفات كثيرة باللغة اليونانية و حسب بليني الأكبر في معجمه " التاريخ الطبيعي " الذي يورد اقتباسات من مؤلفات جوبا الثاني بل و يعتبره رافد من روافد الفكر اليوناني الهلنستي المتجدد و نفس الشيء بالنسبة لفرجيل و مفكرين لاتينيين غيرهم الذين اتخذوا مؤلفات جوبا مراجع أولية لهم في كتابة التاريخ المعاصر لهم ، و إن أحد أبناء جوبا الثاني من كليوباترا سيلين المصرية الملك الموري الشاب بطولوميوس Ptolemaeus de Maurétanie تجاوز النمط الروماني في إعادة استنباط النمط الهلنستي و نجد أن الإمبراطور الروماني كاليغولا لم يستسغ هذا التطاول على الثقافة الرومانية و يذكر المؤرخون القدماء أن هذا الإمبراطور و في نوبة غيرة وحسد أمر بقتل الملك الموري و هو في ضيافته في روما بسبب أناقة لباسه و طريقة تزيينه اللافتة للاهتمام و التي صدمت كثيرا من الرومان وحسب رواية لسوتونيوس ففي عام 40 ، تمت دعوته إلى روما من قبل الإمبراطور كاليجولا، ولكن أثار بطليموس عدم ثقة وغضب الأخير بارتداء معطف أرجواني اللون الإمبراطوري خلال عرض المصارعين وقد اغتيل ودمرت مملكته وضمتها روما. لم يتم تحديد مكان الإعدام من قبل المؤرخين القدماء ، و تم تحديد موقع الجريمة في لوكندوم من قبل المؤرخين المعاصرين حيث تواجد كاليجولا في ذلك التاريخ ..
إن التأثير الهيليني لا يمكن تحييده في هذه المسألة لا سيما وأن زوجته اليونانية-السورية gréco-syrien كان لها دور في مساره . على كل حال فإن هذه الرواية التي أسالت كثيرا من المداد و كثيرا من النقاش ستبقى وصمة عار في تاريخ الرومان و بسببه إنتهى حكم سلالة ملوك الأمازيغ والذي سيؤدي لاحقا إلى تقسيم موريتانيا الكبرى إلى موريتانيا الطنجية و موريتانيا القيصرية ..
لا يزال كثير من عشاق الشعير في شمال إفريقيا يأسفون لتلك الأيام الخوالي حيث كان الشعير هو سيد الموائد و يحنون إلى طعمه القوي النافذ ، فما احلى خبز الشعير و عصيدة الشعير بالزبدة البلدية الطرية و كسكس البلبولة …… يتبع الجزء الثاني .

بقلم الحسين الهواري


* التعريف الخاطئ و الساذج عن قمح بلاد الذي انتشر و تناقلته الكتب في الجامعات كان عبر معجم تريفو dictionnaire Treveau سنة 1771

تعريف قمح البلاد من نشر بلاير

1771 (Tome 1, p. 9)
BLÉ, ou BLED. s. m. Plante qui produit dans son épi un grain, dont on fait le pain, qui est la principale nourriture de l’homme ; & le grain que cette plante produit. Frumentum. Josph enrichit les Rois d’Egypte, en leur faisant faire des magasins de blé durant les années fertiles. Des terres à blé. Frumentarium solum, ou frumenti ferax ager. Blé mêlé. miscellum frumentum. Battre le blé. Terere. Scier les blés. Metere. On a vu dans la Suisse garder des blés jusqu’à cent ans, en les laissant dans l’épi. Quelques Naturalistes ont compté jusqu’à cent maladies, auxquelles les blés sont sujet.
Ce mot vient de bladus ou bladum, qui signifie fruit, ou semence, d’où est venu imbladare, pour dire, ensemencer, ou emblaver. Vossius & Somnerus le dérivent du Saxon blad, ou blada, signifiant la même chose ; ou du grec βλαστός, qui signifie germe. Les Italiens appellent encore biade, tous les légumes, fruits & moissons, excepté le froment. Selon les premières étymologies, il faut écrire bled ..
Hossin Houari

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى