بين نور و أور هوّة تيه... نقلة من نون إلى أَلِف وأَلْفُ حيرة وحيرة... كالّتي تحيل العربية عبرية؛ فتصيّر الحاء خاء و المستوطنة كيبوتس... تلك الحيرة التي تدفع نور بالبحث عن مريم المجدلية بقناع أزرق سماوي يمنح له الشرعية، في هيأة أور شابيرا...ليتّضح أنّ المجدلية ما هي إلاّ قناع آخر للنورانية والوجه الآخر للكولونيالية التي تتخفّى خلف قناع الاستشراق ونهب التاريخ واستنساخه من هويته و أرضه، فيلوذ عبر السماء لونا ورمزا إلى السماء اسما وحقيقة، ليلوذ بحقيقته عن وهمه ويشعّ بنوره في سماء الحقيقة سماء إسماعيل، ويكتشف أنّ هاته الأخيرة ما هي إلاّ إيحاء لمريم المجدلية النورانية التي فيها من خلاص يسوع ما خلّص نور من قناع أور المدنّس بالخطايا .
تأزّم الوضع بين نور و أور و هو يرتدي وجها آخر ، ويتحدّث بصوت غير صوته ، وتسلك حواسه مسلكا غير مسلكها الطبيعي، حتّى أصبح الخط الفاصل بين الواقع والوهم خيطا رفيعا وضبابيا... كاد يذوب فيه نور في سراب قناعه .
سقط القناع وعاد إلى ذاته. سقط القناع ورسخت القناعة... قناعة أن لا خلاص إلاّ بوجه الحقيقة، وأن لا ملاذ إلاّ بالأصل .
حول أحقية خندقجي في جائزة البوكر .
لا شك أن خندقجي اعتمد كثيرا على كتاب من جزأين لإدوارد سعيد "الاستشراق" و" نقد الامبريالية"، والذي قد يخالفه في كثير من المواقف وهو يمتطي الافتراض في هيأة بطل روايته مراد السجين، ليخرج برأي صلب حول الاستشراق وبناء على ذلك نقد دان براون في تناوله المجدلية في روايته شيفرة دافنشي...
وعلى الصعيد الشخصي وكقارئة مستقلّة بقناعاتي. أرى أن الرواية و بعيدا عن الرّاوي تستحق الجائزة ، ليس من أجل تفرّدها في الابداع الأدبي ، إنّما من حيث جرأة الطرح ، فمن غير الممكن أن نقرأ الرواية من أجل قصة حبّ بالكاد تبدأ بينه وبين سماء...فالرواية أعمق بكثر مما يبدو للقراء المتأدبين . فلا يمكن بأية حال من الأحوال أن تسلبنا لغة الكاتب الجميلة العذبة المتأصّلة الرفيعة عن إعمال الفكر والتحليل للقضايا الثقيلة التي أوردها في الرواية. فهي رواية الترف اللغوي والبذخ الثقافي والتحليل التاريخي الجغرافي والحس الفلسفي الرفيع و القيم الإنسانية العالية. لولا ما يعاب عليه من تقصير في استرسال السرد واستدعاء النفس الطويل في الحكي والوصف، فرغم ذلك فهو إذ يستعمل الأسماء فليس اعتباطا أو صدفة... إنّما رمزا وغاية... ويبدو أن تجربته لم تكن لتتطهّر بدون قرابين فقد دفع بحلم روايته عن المجدلية كقربان يحصل من ورائه على الحقيقة الخبيئة خلف زيف التاريخ ...
فمراد المتنكر للكولونيالية الصهيونية هو اسقاط لشخصية الكاتب ومراده هو التخلص من سجنه الصغير كي يتخلص من سجنه الكبير رفقة كل العرب... و الفتاة سماء هي رمز فلسطين الحرة التي يتوق نور التحليق حرا مشعا في سمائها .
إشكاليات عالجتها الرواية
ــــ الفكر الفلسفي بطرحه قضية الكولونيالية وما بعدها ، من خلال طرحه قضية التطاول على التراث و الآثار و الحفريات ....فيقول : لن أسمح لدان براون و كل الكؤوس المقدّسة التي شربت بصحة شيفرة دافنشي أن يتطاولوا على المجدلية ... و يسرقوا سيرتها مني .." ص11
برر أحقية الشعوب العربية والشرقية حقها في استجلاء تاريخها بما يناسب الحقيقة والمجتمعات ذاتها وتطلعاتها وليس بما يشتهيه الغربيون وكيفما أرادوا إظهار التاريخ العربي للعالم فقال : أشعلته قدرة الخيال الجبارة على الإطاحة بالتاريخ عن متن الحقيقة والمعقول ، فهل كان يتخيّل جان براون التاريخ أم كان يخاتله ، مالذي فعله بالمجدلية .....لماذا ينتزع كاتب أجنبي المجدلية من سياقها التاريخي الجغرافي الفلسطيني ليلقي بها في مهاوي الغرب ؟ لماذا ؟ ص24
" أتعاتبني يا صديقي على مسعاي المجدلي ، وتتهمني بالهروب من الواقع إلى دهاليز تاريخية مجهولة المصير ؟ ....فانت من قال لي في الرسالة السابقة أنّ الكولونيالية تفاصيل صغيرة ...أليست المجدلية جزءا من هاته التفاصيل ؟! أليس الاستشراق هو الذي قضى على أنفاس المجدلية في بلادنا و جعلها ترنّم وتبتهل وتصلي بالاتينية و اليونانية و الفرنسية ؟ ص25
ـــ البحث في التاريخ الرسمي والمسكوت عنه ص12
ـــ تبرير الاعتماد الإروتيكي في الرواية بحجة الإثارة والشدّ والتشويق وليس سعيا وراء الإباحة الساقطة .ص13
ـــ الاستشراق واجحافه في استجلاء التاريخ والحقاىق وتحويرها حيث تخدم الغرب وقضاياه .وقد ذكر إدوارد سعيد في الرواية. من خلال كتابيه " الاستشراق " و " ونبذ الامبريالية "
ـــ اعتماد المنهج التحليلي التاريخي النقدي ص50
ـــ النضال الذي أستمد شرارته من النضال الجزائري وقد ذكر فرانتز فانون ومالك بن نبي وكاتب ياسين ....فقال : "العبرية غنيمة حرب أقي بها نفسي ممن يتفوّهونها ..." مثلما قال كاتب ياسين عن الفرنسية .
ـــ الصراع السرمدي الجندري الذي ينتقص من شأن المرأة و يقلل من حيلها إذا تعلق الامر باعتناق قضية أو تمرير رسالة وقد طرح الصراع الذي كان بين المجدلية وبطرس وكيف قلل بطرس من شأنها كونها امرأة ولا يحقّ لها أن تمرر تعاليم يسوع للخلاص .
ـــ التسامح الديني للّذين يعتنقون الدين من أجل إصلاح الذات والمجتمع لا من أجل تأليه الذات و تجريم الآخر ...فيقول:" منذ ذلك المساء الكارثي الذي اعتقل فيه مراد ....تخلّى نور عن الالتزام بالصوم ..." ص21
كان يقيم ضيفا عند الشيخ مرسي الذي قدّم له الطعام في نهار رمضان وهم صيام ، فاستحى نور أن يتناوله ، فقال له الشيخ مرسي : كل يا ولدي نحن لم نخلق عابدين بل خلقنا بشرا خطائين ....نعبد كي نصلح أخطاءنا ....
إنّنا ومن خلال قراءتنا للرواية في نسختها الورقية بطبعة جزائرية ، نتوجّه بالشكر والامتنان لدار نوميديا للنشر والترجمة والتوزيع ،على سخائها في طباعة الرواية بغلاف و ورق ذي نوعية جيّدة . و السعي في توزيعها عبر خدمات التوصيل عبر أرجاء الوطن .
صدرت الرواية في طبعتها الأولى عام 2023 ، و في طبعتها الثانية عام 2024 عن دار نوميديا للنشر ، شارع قيطوني عبد المالك ــ قسنطينة ـ الجزائر .
ليلى تباني ... قسنطينة ... الجزائر
تأزّم الوضع بين نور و أور و هو يرتدي وجها آخر ، ويتحدّث بصوت غير صوته ، وتسلك حواسه مسلكا غير مسلكها الطبيعي، حتّى أصبح الخط الفاصل بين الواقع والوهم خيطا رفيعا وضبابيا... كاد يذوب فيه نور في سراب قناعه .
سقط القناع وعاد إلى ذاته. سقط القناع ورسخت القناعة... قناعة أن لا خلاص إلاّ بوجه الحقيقة، وأن لا ملاذ إلاّ بالأصل .
حول أحقية خندقجي في جائزة البوكر .
لا شك أن خندقجي اعتمد كثيرا على كتاب من جزأين لإدوارد سعيد "الاستشراق" و" نقد الامبريالية"، والذي قد يخالفه في كثير من المواقف وهو يمتطي الافتراض في هيأة بطل روايته مراد السجين، ليخرج برأي صلب حول الاستشراق وبناء على ذلك نقد دان براون في تناوله المجدلية في روايته شيفرة دافنشي...
وعلى الصعيد الشخصي وكقارئة مستقلّة بقناعاتي. أرى أن الرواية و بعيدا عن الرّاوي تستحق الجائزة ، ليس من أجل تفرّدها في الابداع الأدبي ، إنّما من حيث جرأة الطرح ، فمن غير الممكن أن نقرأ الرواية من أجل قصة حبّ بالكاد تبدأ بينه وبين سماء...فالرواية أعمق بكثر مما يبدو للقراء المتأدبين . فلا يمكن بأية حال من الأحوال أن تسلبنا لغة الكاتب الجميلة العذبة المتأصّلة الرفيعة عن إعمال الفكر والتحليل للقضايا الثقيلة التي أوردها في الرواية. فهي رواية الترف اللغوي والبذخ الثقافي والتحليل التاريخي الجغرافي والحس الفلسفي الرفيع و القيم الإنسانية العالية. لولا ما يعاب عليه من تقصير في استرسال السرد واستدعاء النفس الطويل في الحكي والوصف، فرغم ذلك فهو إذ يستعمل الأسماء فليس اعتباطا أو صدفة... إنّما رمزا وغاية... ويبدو أن تجربته لم تكن لتتطهّر بدون قرابين فقد دفع بحلم روايته عن المجدلية كقربان يحصل من ورائه على الحقيقة الخبيئة خلف زيف التاريخ ...
فمراد المتنكر للكولونيالية الصهيونية هو اسقاط لشخصية الكاتب ومراده هو التخلص من سجنه الصغير كي يتخلص من سجنه الكبير رفقة كل العرب... و الفتاة سماء هي رمز فلسطين الحرة التي يتوق نور التحليق حرا مشعا في سمائها .
إشكاليات عالجتها الرواية
ــــ الفكر الفلسفي بطرحه قضية الكولونيالية وما بعدها ، من خلال طرحه قضية التطاول على التراث و الآثار و الحفريات ....فيقول : لن أسمح لدان براون و كل الكؤوس المقدّسة التي شربت بصحة شيفرة دافنشي أن يتطاولوا على المجدلية ... و يسرقوا سيرتها مني .." ص11
برر أحقية الشعوب العربية والشرقية حقها في استجلاء تاريخها بما يناسب الحقيقة والمجتمعات ذاتها وتطلعاتها وليس بما يشتهيه الغربيون وكيفما أرادوا إظهار التاريخ العربي للعالم فقال : أشعلته قدرة الخيال الجبارة على الإطاحة بالتاريخ عن متن الحقيقة والمعقول ، فهل كان يتخيّل جان براون التاريخ أم كان يخاتله ، مالذي فعله بالمجدلية .....لماذا ينتزع كاتب أجنبي المجدلية من سياقها التاريخي الجغرافي الفلسطيني ليلقي بها في مهاوي الغرب ؟ لماذا ؟ ص24
" أتعاتبني يا صديقي على مسعاي المجدلي ، وتتهمني بالهروب من الواقع إلى دهاليز تاريخية مجهولة المصير ؟ ....فانت من قال لي في الرسالة السابقة أنّ الكولونيالية تفاصيل صغيرة ...أليست المجدلية جزءا من هاته التفاصيل ؟! أليس الاستشراق هو الذي قضى على أنفاس المجدلية في بلادنا و جعلها ترنّم وتبتهل وتصلي بالاتينية و اليونانية و الفرنسية ؟ ص25
ـــ البحث في التاريخ الرسمي والمسكوت عنه ص12
ـــ تبرير الاعتماد الإروتيكي في الرواية بحجة الإثارة والشدّ والتشويق وليس سعيا وراء الإباحة الساقطة .ص13
ـــ الاستشراق واجحافه في استجلاء التاريخ والحقاىق وتحويرها حيث تخدم الغرب وقضاياه .وقد ذكر إدوارد سعيد في الرواية. من خلال كتابيه " الاستشراق " و " ونبذ الامبريالية "
ـــ اعتماد المنهج التحليلي التاريخي النقدي ص50
ـــ النضال الذي أستمد شرارته من النضال الجزائري وقد ذكر فرانتز فانون ومالك بن نبي وكاتب ياسين ....فقال : "العبرية غنيمة حرب أقي بها نفسي ممن يتفوّهونها ..." مثلما قال كاتب ياسين عن الفرنسية .
ـــ الصراع السرمدي الجندري الذي ينتقص من شأن المرأة و يقلل من حيلها إذا تعلق الامر باعتناق قضية أو تمرير رسالة وقد طرح الصراع الذي كان بين المجدلية وبطرس وكيف قلل بطرس من شأنها كونها امرأة ولا يحقّ لها أن تمرر تعاليم يسوع للخلاص .
ـــ التسامح الديني للّذين يعتنقون الدين من أجل إصلاح الذات والمجتمع لا من أجل تأليه الذات و تجريم الآخر ...فيقول:" منذ ذلك المساء الكارثي الذي اعتقل فيه مراد ....تخلّى نور عن الالتزام بالصوم ..." ص21
كان يقيم ضيفا عند الشيخ مرسي الذي قدّم له الطعام في نهار رمضان وهم صيام ، فاستحى نور أن يتناوله ، فقال له الشيخ مرسي : كل يا ولدي نحن لم نخلق عابدين بل خلقنا بشرا خطائين ....نعبد كي نصلح أخطاءنا ....
إنّنا ومن خلال قراءتنا للرواية في نسختها الورقية بطبعة جزائرية ، نتوجّه بالشكر والامتنان لدار نوميديا للنشر والترجمة والتوزيع ،على سخائها في طباعة الرواية بغلاف و ورق ذي نوعية جيّدة . و السعي في توزيعها عبر خدمات التوصيل عبر أرجاء الوطن .
صدرت الرواية في طبعتها الأولى عام 2023 ، و في طبعتها الثانية عام 2024 عن دار نوميديا للنشر ، شارع قيطوني عبد المالك ــ قسنطينة ـ الجزائر .
ليلى تباني ... قسنطينة ... الجزائر