الرّأس الذي تقمّص ملامِح الخروف، جعل القطيع يخْتلِط بالقطيع، ولم نعُد نعرف الذّابح من المذبوح، وأغْشَت الأعين شحْمة العيد قبل شيِّها في الأضحى، بل ما عُدنا نعرف من العالِف ومن المعلوف !
الكُل يلغو بلغْوه ويختلق الأراجيف، والضحية هو المُواطن الضعيف الذي تتضاربه الأسواق بأسْعار نفاثة، وهنا نسأل أين الدولة من كل هذه الفوضى، ألم يكن الأجدر أن تنزل إلى أرض الواقع بلجن مراقبة تُسقِّف اللائحة بأثمنة معقولة، لقد ضاعت الحقيقة ولا أحد يفهم شيئا مما يقع في المجتمع، حتى بعض المنابر الإعلامية خصوصاً التيكتوكية أو اليوتوبية الله يتوب، تواطأت مع الإقطاعيين الذين يُقطِّعون الجيوب على طريقة الكريساج، إنهم المُضلِّلون الجُدد، وهيهات أن تنطلي ألاعيبهم على العقول، ولو أمْعَنت في رفع شعار الحقيقة في ثانية وليس فقط في دقيقة !
ما عاد في الرأس إلا خروف، ولا شيء يُغري بالمُتابعة وبعض المنابر الإعلامية تسْتنْسُخ بعضها حتى لا نقول ترضع من مصدرٍ واحد، فما يُنْشَر هنا يُنشر هنالك أبعد من هناك، ولن تستفيد برياضة النَّقْر على الحاسوب سوى زيادة في طول الأصبع، وليس العيب في الصحافي الذي يضْطرُّه الفراغ للاجتهاد ولو بإعادة صياغة الخبر، ولكن المسؤولية يتحمَّل وِزْرها من يملك معلومات سياسية واقتصادية وعسكرية تُحرِّكُ بخطورتها بِركة الواقع الراكدة، وحين تسأله بالنِّيابة عن الميكروفون، يبدأ ببادىء ذي بدء، ويلفُّ حول نفس الجملة كما لو يتدرَّب على طواف الكعبة، وبعد لَأْيٍ في لغة دون رأي، ينطق المسؤول الكبير بمعلومة لا يفوتني أن أسْتفتي غوغل قبل قلبي غير المطمئن، لأكتشف أن هذه المعلومة البالية قد غلَّبتْ منطق النقْلِ على العقل، ولم تخرج للعموم إلا بعد أن عَبَرَتْ من تحْت جلباب جحا لتكتسب عنصر التَّسْلية !
لا يتكتَّمُ على المعلومة التي تخْدم حركيَّة المجتمع قُدُماً، إلا من يخشى تطور الوعي في البلد، إلا من يبتغي أن يتسيَّد بجهل الناس أمداً بعيداً، إلا من يختمر في بطنه عجينٌ ولا يُريد أن يكتشف أحدهم ناراً جديدة تطهو سرَّه قبل الأوان، أوَ لم تعاقب آلهة الأساطير سارق النار، دعوني أولا اُشْعل من قبسه المسروق سيجارةً أخيرة قبل أن تُصْدِر الآلهة عفوَها !
ليْس الحديث هنا عن المعلومة التي يَعْمَدُ بعض الأفراد في أجهزة سياسية لتسْرِيب نصْفها جَسّاً لنبض البلد، وكل أملِ من سرَّبُوها تضليلاً للناس، أنْ تُقَابَل باللغط كدليلٍ على عدم فهْم ما يجري، أو بالصَّمت الذي يُعتبر في ثقافتنا علامة الرِّضى، إنَّما أقصد المعلومة الأشبه في كشْفِها بمُنْعطفٍ تاريخي وليس معطفَهُ الذي يريد بعض المُتلاعبين بالعقول أن نرتديه مقلوباً، فما أشدَّ دقة هذه المعلومة ومصداقية حُجَّتها المُتعلِّقة إما بالشخصيات في مواقع النفوذ أو الأجهزة الحكومية، وما أَحَدَّ مَضَاءَ المُتمكِّن منْ هذه المعلومة سواءً كان فردا أو موقعاً إعلامياً، وهو يزُجُّ كل البلد في عيادة نفسية على سرير وثير، كي يتحيَّن التوقيت السياسي المُناسب خارج كل الأجندات، ليلقي بحقيقة قد تبدو في شكلها البسيط مجرد فكرة.. وما هي بفكرة بل جمرة تكْتنف الصَّاعقة، وبقدْر ما تُثْلج النُّفوس تندلع في جثثٍ انتفخت بأكل المال العام كما تنتفخ الأكياس بالهشيم، وقد تنقلب المعلومة على من نشر تقاريرها بجرأة لفضح مَواطِن الخلل، فلا ينال الشُّهرة والمجْد إلا وهو مُضْطهَد !
يشْعر المرْء بالأسف وهو يَطَّلِعُ اليوم عبر الأنترنيت، على بعض المعلومات التي أخْلَفَتْ بِحَجْبِهَا عن تفكير الناس الموعدَ مع التاريخ، وترتبط في أحداثها وسِيَرِها التي كانت قبل نصف قرن أو أكثر، بشخصياتٍ بعض السياسيين والزعماء في العالم الذين لو تجاوزوا بالفِكر سقف السلطة، لأدركوا أن الاعتقاد بأحادية الحقيقة أو المعلومة وأنَّها ليست من حق الجميع، إنما يؤدي لظهور أفكار مُضادة أكثر تطرُّفاً، وهاهي ثورة المعلومات اليوم تحرِّر مناطق مضيئة في الذاكرة وكأنها تُحيي ما أُجْهِض من ثورات، وقد تجاوزت الربيع.. ربيع كل البلدان لتصنع أكثر من فصل في اليوم، وأصبح كل فرد ينتظر التوصُّل بدعوة من الغد دون أن يكلِّف رأسه النيِّء التَّخلُّص من عقلية الأمس، لذلك وفي غياب كل المعلومات التي تجعله يُدرك حقيقة أمره وآمره، فهو لا يعرف أَهُوَ الحاكم أم المحْكوم أو يُعاني فقط من مزاج سيِّء، ولكن يعلم أن رأسه يغلي وقد أنبت قرنين، وينتظر فقط إشارة من السماء للنّطْح !
..................................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 13 يونيو 2024
الكُل يلغو بلغْوه ويختلق الأراجيف، والضحية هو المُواطن الضعيف الذي تتضاربه الأسواق بأسْعار نفاثة، وهنا نسأل أين الدولة من كل هذه الفوضى، ألم يكن الأجدر أن تنزل إلى أرض الواقع بلجن مراقبة تُسقِّف اللائحة بأثمنة معقولة، لقد ضاعت الحقيقة ولا أحد يفهم شيئا مما يقع في المجتمع، حتى بعض المنابر الإعلامية خصوصاً التيكتوكية أو اليوتوبية الله يتوب، تواطأت مع الإقطاعيين الذين يُقطِّعون الجيوب على طريقة الكريساج، إنهم المُضلِّلون الجُدد، وهيهات أن تنطلي ألاعيبهم على العقول، ولو أمْعَنت في رفع شعار الحقيقة في ثانية وليس فقط في دقيقة !
ما عاد في الرأس إلا خروف، ولا شيء يُغري بالمُتابعة وبعض المنابر الإعلامية تسْتنْسُخ بعضها حتى لا نقول ترضع من مصدرٍ واحد، فما يُنْشَر هنا يُنشر هنالك أبعد من هناك، ولن تستفيد برياضة النَّقْر على الحاسوب سوى زيادة في طول الأصبع، وليس العيب في الصحافي الذي يضْطرُّه الفراغ للاجتهاد ولو بإعادة صياغة الخبر، ولكن المسؤولية يتحمَّل وِزْرها من يملك معلومات سياسية واقتصادية وعسكرية تُحرِّكُ بخطورتها بِركة الواقع الراكدة، وحين تسأله بالنِّيابة عن الميكروفون، يبدأ ببادىء ذي بدء، ويلفُّ حول نفس الجملة كما لو يتدرَّب على طواف الكعبة، وبعد لَأْيٍ في لغة دون رأي، ينطق المسؤول الكبير بمعلومة لا يفوتني أن أسْتفتي غوغل قبل قلبي غير المطمئن، لأكتشف أن هذه المعلومة البالية قد غلَّبتْ منطق النقْلِ على العقل، ولم تخرج للعموم إلا بعد أن عَبَرَتْ من تحْت جلباب جحا لتكتسب عنصر التَّسْلية !
لا يتكتَّمُ على المعلومة التي تخْدم حركيَّة المجتمع قُدُماً، إلا من يخشى تطور الوعي في البلد، إلا من يبتغي أن يتسيَّد بجهل الناس أمداً بعيداً، إلا من يختمر في بطنه عجينٌ ولا يُريد أن يكتشف أحدهم ناراً جديدة تطهو سرَّه قبل الأوان، أوَ لم تعاقب آلهة الأساطير سارق النار، دعوني أولا اُشْعل من قبسه المسروق سيجارةً أخيرة قبل أن تُصْدِر الآلهة عفوَها !
ليْس الحديث هنا عن المعلومة التي يَعْمَدُ بعض الأفراد في أجهزة سياسية لتسْرِيب نصْفها جَسّاً لنبض البلد، وكل أملِ من سرَّبُوها تضليلاً للناس، أنْ تُقَابَل باللغط كدليلٍ على عدم فهْم ما يجري، أو بالصَّمت الذي يُعتبر في ثقافتنا علامة الرِّضى، إنَّما أقصد المعلومة الأشبه في كشْفِها بمُنْعطفٍ تاريخي وليس معطفَهُ الذي يريد بعض المُتلاعبين بالعقول أن نرتديه مقلوباً، فما أشدَّ دقة هذه المعلومة ومصداقية حُجَّتها المُتعلِّقة إما بالشخصيات في مواقع النفوذ أو الأجهزة الحكومية، وما أَحَدَّ مَضَاءَ المُتمكِّن منْ هذه المعلومة سواءً كان فردا أو موقعاً إعلامياً، وهو يزُجُّ كل البلد في عيادة نفسية على سرير وثير، كي يتحيَّن التوقيت السياسي المُناسب خارج كل الأجندات، ليلقي بحقيقة قد تبدو في شكلها البسيط مجرد فكرة.. وما هي بفكرة بل جمرة تكْتنف الصَّاعقة، وبقدْر ما تُثْلج النُّفوس تندلع في جثثٍ انتفخت بأكل المال العام كما تنتفخ الأكياس بالهشيم، وقد تنقلب المعلومة على من نشر تقاريرها بجرأة لفضح مَواطِن الخلل، فلا ينال الشُّهرة والمجْد إلا وهو مُضْطهَد !
يشْعر المرْء بالأسف وهو يَطَّلِعُ اليوم عبر الأنترنيت، على بعض المعلومات التي أخْلَفَتْ بِحَجْبِهَا عن تفكير الناس الموعدَ مع التاريخ، وترتبط في أحداثها وسِيَرِها التي كانت قبل نصف قرن أو أكثر، بشخصياتٍ بعض السياسيين والزعماء في العالم الذين لو تجاوزوا بالفِكر سقف السلطة، لأدركوا أن الاعتقاد بأحادية الحقيقة أو المعلومة وأنَّها ليست من حق الجميع، إنما يؤدي لظهور أفكار مُضادة أكثر تطرُّفاً، وهاهي ثورة المعلومات اليوم تحرِّر مناطق مضيئة في الذاكرة وكأنها تُحيي ما أُجْهِض من ثورات، وقد تجاوزت الربيع.. ربيع كل البلدان لتصنع أكثر من فصل في اليوم، وأصبح كل فرد ينتظر التوصُّل بدعوة من الغد دون أن يكلِّف رأسه النيِّء التَّخلُّص من عقلية الأمس، لذلك وفي غياب كل المعلومات التي تجعله يُدرك حقيقة أمره وآمره، فهو لا يعرف أَهُوَ الحاكم أم المحْكوم أو يُعاني فقط من مزاج سيِّء، ولكن يعلم أن رأسه يغلي وقد أنبت قرنين، وينتظر فقط إشارة من السماء للنّطْح !
..................................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 13 يونيو 2024