عصري فياض - عشرون ساعة بين العذاب والموت...

الاحتلال يُنَكِّلْ بالسيدة ابتسام المصري والدة احد "المطلوبين" في جنين بطريقة وحشية
جنين : من عصري فياض:- واد برقين، تجمع بدوي للاجئين فلسطينيين يقع اقصى غرب مدينة جنين ومخيَّمها مكون من عشرات المنازل يقطن غالبيته عشيرة "النغنغية" التابعة لعشائر التركمان القادمين لجوءاً من منطقة حيفا، في هذا التجمع الذي يبتعد نحو نصف كليومتر عن مخيّم جنين، بيت يملكه الخمسيني محمد مصطفى المصري "ابو مصطفى"، ويعيش مع اولاده الثلاثة: مصطفى، وصالح، ويامن وبنتين، هذا البيت أَسْكَنَ فيه الاحتلال القلق والاضطراب والتهديد منذ الثاني والعشرين من شهر ايار الماضي بمداهماته العنيفة والوحشية بدعوة محاولة القاء القبض على ابن العائلة مصطفى (26) عام بدعوى عضويته في كتبية جنين ومقاومة الاحتلال.

المداهمة الاولى والثانية
بدون مقدمات، اقتحمت قوات الاحتلال مصحوبة بالوحدات الخاصة المنزل المذكور في الثاني والعشرين من ايار الماضي، وقامت بالتنكيل والعبث بمحتويات المنزل بحثا عن مصطفى، لكنها لم تعثر عليه، فقامت باعتقال شقيقه صالح (19) عام ونقله لمعسكر سالم وتعريضة للشبح والضرب والتهديد والتحقيق، كأسلوب ضغط على شقيقه ليقوم بتسليم نفسه، لكن صالح نفى معرفته بمكان شقيقه، وبعد يوم كامل من التعذيب والشبح والتهديد اطلق سراحه ليلا ليعود لمنزلهم بعد منتصف الليل، هذا الامر تكرر ايضا مع والد مصطفى بعد اقل من عشرة ايام من المداهمة الاولى،عندما عادت قوات الاحتلال وداهمت المنزل مرة اخرى وفعلت ما فعلت بالبيت في المرة الاولى، وقامت باعتقال الوالد هذه المرة لمدة اربع وعشرين ساعة رغم انه يعاني من مرض السكري والضغط، ولم تفرج عنه الا بعد منتصف الليلة الثانية تحت تهديده بالضغط على نجله مصطفى لتسليم نفسه، وإلا فإن الاعتقال القادم سيكون لوالدته.

إعتقال الام ورحلة التنكيل بها
عاد الاحتلال بقوة كبيرة الخميس الفائت الثالث عشر من حزيران في الساعة الرابعة فجرا وبعد احدى عشر يوما الى نفس المنزل ضمن حملة اجتياح واسعة للمخيّم والمدينة، حوصر البيت واقتحمه قوة عسكرية كبيرة وتم فصل الموجودين به، وقاموا باعتقال ابتسام المصري والدة المطارد الخمسينية مصطفى المصري والمريضة بالسكري والضغط ايضا، وتم تقييد يديها وتعصيب عينيها والزج بها في سيارة الجيب العسكرية، والتوجه بها الى اطراف المخيّم حيث تعمل هناك الجرافات ووحدات من قوات الاحتلال على الامعان في تعميق التدمير بالبنى التحتية، وكان العذاب الذي ينزل على تلك السيدة الصائمة تحريك سيارة الجيب بطريقة سريعة والتفافية من اجل خلق خضخضة عنيفة تدفع بها للاندفاع للامام فيصتدم رأسها بالجهة المقابلة، ومن ثم اقتراب السيارة العسكرية من مواقع العبوات الناسفة، وعندما تنفجر احداها، كانوا يهددونها بالموت من تلك العبوات حتى تعترف عن وجود ابنها، لكنها كانت ترفض، كما كانوا يتقدمون بها الى حيث تعمل جرافات "الدين اين" ويهدونها بها.

تحقيق ميداني
بعد ساعات على الاعتقال،فجأة توقفت السيارة العسكرية تقول ابتسام، احسست ان ضابطين من جنود الاحتلال صعدا سيارة الجيب وشرعا بالتحقيق معي تحقيقا ميدانيا، فقالوا لها انت موجودة هنا بسبب مصطفى ولكي يقوم مصطفى بتسليم نفسه، وابنك عضو في كتيبة جنين وموجود في المخيّم، وهو مطلوب امنيا، وتتابع ابتسام قائلا قلت لهم: -ابني ليس مطلوبا، وابني لم يفعل شيء،ولا اعرف اين هو، وانتم من حوَّل حياتنا الى جحيم، وحتى مهما فعلتم لن تخيفوني بهذا الاسلوب،فرد عليها احد الضباط قائلا "إذا تبقين قيد الاعتقال حتى يسلم ابنك نفسه"، ثم حاولا تقديم الماء لي فرضت تناول الماء، واعادوا ذلك ثلاث مرات وأنا ارفض بشدة.

الذهاب الى قباطية
بعد ساعتين من هذا التحقيق، سمعت من خلال اجهزة الاتصال التي معهم كلمات عربية لم افهم منها الا كلمة "قباطية"، عندها شعرت بحالة استنفار من حولي، وصعود سريع لسيارات الجب والتوجه السريع الى مكان اجهله، وبعد عشرة دقائق من السير السريع، اطلقت الرصاصات على سيارة الجيب التي تنقلني والسيارات والأخرى بغزارة، كما شعرت بتفجير عبوة ناسفة بسيارة الجيب العسكرية التي تقلني، فقام اجد الجنود بالرد على اطلاق النار من جانب رأسي وبدون مقدمات، ثم تابعت القوة سيرها، حتى وصلت منطقة يوجد فيها اشتباك مسلح، حاولت رفع العصبة عن عيني فرأيت اشجار الزيتون وسيارة الجيش وسيارة اسعاف عسكرية وسط اشتباك مستمر، فقام احد الجنود بضربي بعقب البندقة على راسي بشدة، وجرني الى بوابة الجب العسكري وقال لي :- "ليقتلك المخربين"، بقيت على هذه الحالة اكثر من ساعة ونصف، كان هذا المكان مكان الاشتباك الذي وقع بين قوات الاحتلال وعضوا كتبية جنين الشهيدين محمد العصري ومحمد ابو الجابر،وبعد انهاء العملية بعد ساعتين ونصف مع حلول الظلام تحركت السيارات العسكرية الى معسكر دوتان الاحتلالي (12 كم جنوب جنين)، وقاموا بوضعي وأنا مقيدة ومعصوبة العينين في ساحة خشنة في المعسكر، وبقيت على هذا الحال حتى الساعة العاشرة مساء عندما حضر ضابط وقام بنقلي الى جانب احدى القاعات المعسكر، وقام بفتح جهاز موبايل كان معه وقال لي :-
عليك الان الاستماع لحديث ضابط المخابرات يدعى " هادي" .

تهديد بتصفية مصطفى
ملخص ما قاله ذلك الضابط المذكور هو التالي، "انت تقدمين القهوة والشاي للمطلوبين، انت تعرفين أن مصطفى مختبئ في المخيّم مع "المخربين"، سلمي ابنك إذا بدك حياتك بسلام، وأنا أعطيك مهلة من الان لينتهي العيد، إذا ما اجى مصطفى وسلم حاله للمخابرات الاسرائيلية، راح ارسل القوات الخاصة لتقتله،انت روحي انت وأبوه وأخوه وابحثي عنه وين هو بالمخيَّم وإقنعيه، والا راح أنهي حياته"...رفضت ابتسام برباطة جأش كل ما قاله ذلك الضابط، فأعادوا شبحها في ساعة المعسكر لساعتين حتى انتصف ليل ذلك اليوم الطويل، وهي لم تتناول لا الماء ولا الطعام،فقام عدد من الجنود باقتيادها، وتركها أمام المعسكر بعد الساعة الثانية عشر والربع ليلا في منطقة مقطوعة موحشة.

العودة الى البيت
تقول ابتسام وهي تتذكر تلك اللحظات القاسية والمخيفة في تلك المنطقة المقطوعة والمخيفة، سرت مئات الامتار بعد ان اتصلت بزوجي وحتى وصلت مدخل بلدة يعبد، فقال لي زوجي لا تخافي، أوقفي أي سيارة تمر من هناك وأنا قادم إليك الان، اشرت لعدد من السيارات فلم تستجب، وزوجي لا زال معي على الهاتف، فقال لي قفي في منتصف الشارع وارفعي يديك مستنجدة لأي سيارة واعطني السائق لأتحدث معه، وفعلا مرت سيارة فتوقفت، وبعد ان اخبرت ام مصطفى عن حالها كونها كانت معتقلة، لبى السائق طلبها واركبها وتابع مع زوجها على الهاتف، وقام بنقلها لوسط بلدة كفيرت الى أن حضر زوجها وشقيقه بعد عشر دقائق، وتم نقلها للبيت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى