منقول - الحلوى العربية.. وجه حضاري يتطور مع الزمن

* لله در قطـائفٍ محشــــــوّة - من فستق رعت النواظر واليدا

* شبّهتها لما بَدَت في صحنِها - بحقــاقِ عاجٍ قد حُشينَ زبرجدا زين القضاة السكندري عن القطائف على الأقل ثمة متعة ذوقية واحدة ما عاد العرب المغتربون في رياح الدنيا الأربعة محرومين منها هي الحلويات العربية ـ أو الشامية ـ بمن فيهم مهاجرو أستراليا والأميركتين. فقد اتسع نطاق تصدير هذه الحلويات وتصنيعها محلياً لتلبية طلب الجاليات المغتربة، كما أسس العديد من أبناء العائلات ذات الخبرة والتقاليد العريقة فروعاً لمؤسساتهم أسهمت بتعريف الأجانب على فن عربي أصيل، عرف كيف يتطور ويتعايش مع العصر. وفي هذا السياق أدركت بعض هذه المؤسسات ميل كثيرين إلى الغذاء الصحي، وبالذات خفض استهلاك السكر والنشويات والدهون، فابتكرت وصفات خفيفة في منتجاتها. يشير الباحثون إلى أن العرب يحبون الحلويات ـ أو «الحلواء»، وهو الاسم الأفصح لغوياً ـ. ومما ينقل عن أبي عبيدة (معمر بن المثنى) أن العرب كانت تقول «كل طعام لا حلواء فيه، فهو خداج»، أي ناقص. ولقد كان من أهم محتويات الحلويات العربية القديمة التمر والزبدة (أو السمن) والعسل، الذي منه ومن الدقيق النقي كان يصنع الخبيص (أو الخبيصة). ومع امتداد الدولة الإسلامية ومن ثم احتكاكها بحضارات أخرى تعززت معرفة العرب بفنون الطعام وطرق تحضير الحلواء، فعرف العرب الفالوذج (بفتح الذال) المصنوع من الدقيق والماء والعسل، واللوزينج (بكسر الزاي وفتح النون) وهو شبيه بالقطائف مع دهن اللوز، والزلابية المعروفة حتى اليوم في معظم أنحاء العالم العربي، والقطائف والكنافة، وهما من أشهر امهات الحلويات العربية. وقد اشتهر الموسيقار زرياب بأنه من الذواقة الخبراء الذين أسهموا في إدخال الحلويات العربية إلى الأندلس، ودفعت شهرة الكنافة والقطائف جلال الدين السيوطي إلى جمع ما قيل فيها في كتاب سماه «منهل اللطائف في الكنافة والقطائف». ومما قيل عن الكنافة:

سقى الله أكناف الكنافة بالقطرِ وجاد عليها سكراً دائم الدرِّ وتبا لأوقات (المخلل) إنها تمر بلا نفع وتحسب من عمري أما شعر ابن الرومي عن قالي الزلابية فمشهور، وجاء فيه: ومستـقرٌّ على كـرسيهِ تعِـب روحي الفـداء له من منصب تعبِ رأيتـه سَحَـراً يقـلي زلابـيةً في رقة القشر والتجويف كالقصب يلقي العجـين لجيناً من أنـامله فتستحيـل شبابيـكاً مـن الذهـب لا شك في ان التفنن بطعام الإفطار في رمضان، وكذلك تنامي رقعة الدولة العربية والإسلامية واختلاط شعوبها وعاداتها وتطور مذاق أهلها وتنوع انتاجها، كانت من العوامل المؤثرة في إثراء صناعة الحلويات العربية التي صارت بلاد الشام من أهم مراكزها. ومن ثم انتقل صنّاعها منها إلى تركيا وشمال أفريقيا، وعموم أنحاء شبه الجزيرة العربية. ومع مرور الزمن وتطور العادات والإمكانيات المادية، صارت هناك حلويات منزلية وأخرى تشترى عموماً من السوق، وحلويات موسمية تؤكل في المناسبات وأخرى تؤكل على مدار السنة، وحلويات لها طابع إقليمي بسبب شهرة إنتاج معين في مكان ما وحلويات واسعة الشهرة والانتشار. الحلويات المنزلية لا تحتاج عموماً لتنويع كبير وجهد خاص من سيدات البيوت، وهي تشمل المربات والمهلبية والزلابية والأرز بالحليب وأم علي. ووفقاً لاهتمامات سيدة البيت وقدراتها، قد تصنع في المنازل مختلف أنواع القطائف والكنافة العوامات والمفتقة (المعروفة في بيروت بالذات) في حين تشتري حلويات أخرى من الأسواق، وهي تتراوح بين الحلويات البسيطة مثل راحة الحلقوم والمَلبن والسمسمية والفستقية، والحلويات الأدق صنعة والأكثر تميزاً مثل مختلف أنواع البقلاوة والمعمول والمفروكة. من أهم حلويات المناسبات حلويات رمضان، وفي بعض أنحاء بلاد الشام تعدّ من أشهر أطباق الإفطار الرمضانية، بصورة خاصة، القمر الدين والحدف والكلاج بالقشطة والنهش والمدلوقة والكربوج (بالفستق الحلبي والجوز) وورد الشام والعثمانية (أو البصمة) والجوزية والفيصلية. بينما تشتهر من الحلويات الرمضانية في العراق الزلابية والمحلبي، وفي تونس «الرفيسة» التي تعد من الرز المطبوخ بالتمر والزبيب، أو «المدموجة» (وهي ورقة من العجين المقلي مفتتة ومحشوة بالتمر والسكر)، و«العصيدة» بالدقيق والعسل والسمن، والفطائر بالزبيب. ومن المناسبات الأخرى التي لها حلوياتها في أماكن مختلفة من العالم الموالد التي يصنع لها الكعك والفستقية واللوزية في مصر، والولادات التي تقدم فيها أطباق المغلي، وظهور أسنان الأطفال التي تقدم فيها أطباق القِلبة أو «السنينية» (القمح المسلوق والمنقوع مع السكر والجوز والصنوبر وماء الورد وماء الزهر) بمناسبة ظهور أسنان الطفل في بلاد الشام.

أما على الصعيد الإقليمي، تبعاً للمواقع الجغرافية والمحاصيل المحلية، وكذلك المهارات والرغبات اشتهرت مدن وأماكن معينة عبر أجيال بإتقان صنع أصناف ارتبطت سمعتها بها. فالتمر وسمن جاموس الأهوار اللذان يتوفران بنوعية وكمية متميزتين في العراق يدخلان في «الكليجة» (بالتمر) والقيمر (سمن الجاموس الذي يؤكل محلى بالعسل). وفي بلاد الشام بالنظر لجودة الفستق الحلبي واليانسون الدمشقي والسمن الحموي والفواكه اللبنانية والفلسطينية، كالمشمش وقصب السكر والليمون (ومنه يستخرج ماء الزهر) والرمان والجوز واللوز والصنوبر التي تدخل في صنع عدد من الحلويات. وبالتالي طارت شهرة الحلويات الحلبية والطرابلسية والشامية والبيروتية والنابلسية في عموم العالم العربي ثم العالم كله. ولقد تميّزت حلب، بالذات، بالكرابيج الحلبية واتقنت صنع البلّورية والمبرومة، فيما اشتهرت دمشق بالآسية والفواكه المجففة والقمر الدين والبرازق والعوامات الشامية والمعروك. وطارت شهرة طرابلس بحلاوة الجبن (التي تعرف في سورية بالحلاوة الحمصية لبراعة أهل حمص في صنعها) والزفّير والكبّاد والبصمة، واتقنت كبريات معامل بيروت منذ القرن التاسع عشر أصناف البقلاوة والكنافة والمعمول والبرما، حتى أن أمير الشعراء أحمد شوقي لم يتحرج في الثناء على جودة ما تذوقه من حلويات في مؤسسة البحصلي (أسست عام 1870):

قالوا إذا جبت البلاد محدثاً عن حلو بيـروتٍ لأفخـر معمل أثنان حدّث بالحلاوة عنهما ثغر الحبيب وطعم حلو البحصلي وفي حين تركت نابلس واللاذقية بصماتهما على إنتاج أفخر الكنافة، ابتكرت صيدا نوعاً خاصاً هو «السنيورة» (من أنواع الغريّبة) الرقيقة المحشوة أو المفرغة، وكانت الأسرة التي أطلقتها أسرة السنيورة ومنها رئيس وزراء لبنان الحالي فؤاد السنيورة. وهكذا، بصفة عامة خرج من بلاد الشام عشرات بل مئات الأصناف من الحلويات المبتكرة يستند صنع بعضها إلى المعجنات ورقائق العجين وشعيرياته، ومن أشهرها على الإطلاق: الكنافة والبقلاوة ومشتقاتهما التي تشمل الكنافة بالجبن والعثمليّة (أو الكنافة العثمانية بالقشطة) والبقلاوة والكل واشكر والبلورية والبرما وعش البلبل والمدلوقة والشعيبيات. ثم هناك الحلويات السميدية (أي تلك التي أساسها السميد أو الدقيق الناعم، ويدخل في الكثير منها الجبن)، وتشمل المفروكة الطرابلسية والمفروكة بالفستق والمعمول بالأقراص والمعمول المد والنمورة والسفوف والبسبوسة وحلاوة الجبن وعيش السرايا والعصيدة وأنواع من القطائف. ثم تأتي الحلويات المقلية، وتشمل أنواعاً من القطائف والعوامات والزلابية والمعركون (المعكرون) والبرازق.

ثم المهلبيات، وتشمل المهلبية بالنشاء والمغلي (مغلي الأرز) والقشطلية والأرز بالحليب والبلوظة. ناهيك من حلويات أخرى منوعة لذيذة مثل الملبن والعراميش بالفستق والسمسمية والفستقية والجوزية والبندقية والصنوبرية والغريّبة والسنيورة وراحة الحلقوم والمربيّات والثمار المجففة والحلاوة الطحينية والقمر الدين وغزل البنات.

* أسماء شهيرة

* عبر الأجيال، اتقنت أجيال متعاقبة من بعض العائلات في بلاد الشام صنع الحلويات العربية، العديد منها استمر منذ القرن التاسع عشر وانتشرت معامله ومنتجاته داخل العالم العربي وخارجه. ومن أشهر الأسماء وأقدمها مؤسسات آل العُرَيسي (أسست عام 1844 وكانت المؤسسة المعتمدة لتوريد الحلويات للعرش العراقي خلال العشرينات) وآل الصمدي (1860) وآل البحصلي (1870) وكانت متعهدة توريد الحلويات لعرش الملك فؤاد الأول في مصر في بيروت. وآل الحلاب (1881) وآل العرجة في طرابلس. وآل السنيورة وآل البابا في صيدا. وآل الدويهي وفؤاد الجر الدويهي (1919) من زغرتا قرب طرابلس. وآل زلاطيمو (1860) في القدس. وآل ساق الله في غزة. وآل مهنا (1935)، وآل زنبركجي (1930)، وآل داوود، وآل أبو اللبن، وآل بوز الجدي، وآل عرفة (1932) في دمشق، وآل مستّت (انطلقت قبل أكثر من مئة سنة)، وآل مهروسة في حلب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى