محمود إسماعيل بدر - «اللّطائف في الكنافة والقطائف» للسيوطي.. يتغنى بحلويات رمضان

لم تخل صفحات الأدب العربي القديمة من النّماذج والنّصوص والمخطوطات التي ارتبطت بشهر رمضان، والشّعراء والكتّاب والأدباء لم يختلفوا عن عوام النّاس في رؤيتهم وتقديرهم لهذا الشّهر العظيم، فمنهم من رآه ضيفاً محبوباً يستقبل بشتّى مظاهر الابتهاج، ويودّع بالحزن على انقضائه، ومنهم من لم يمتنع عن الغزل فكتب وتفنّن في التّعبير عن جمال وحلاوة الأطعمة والأشربة خاصة المرتبطة منها بهذه الاحتفالية الدينية، ولم تخل صفحة الشّعر العربي من المديح والتّبجيل للشهر الكريم، فكان ابن الرّومي مثلاً، وهو من شعراء العصر العبّاسي يرهقه الصّيام ولا يقدر عليه، خصوصاً عندما أتى رمضان متزامناً مع شهر أغسطس، المعروف بطقسه الحار، فقال وقتها بيتيه الشّهيرين:

شهر الصّيام مبارك ما = لم يكن في شهر آب
خفت العذاب فصمته = فوقعت في نفس العذاب
أخبار ذات صلة
شبكة أبوظبي للإعلام.. تفوق استثنائي في السباق الرمضاني 2024
مي عمر.. «ورد على فل وياسمين»

في جانب ثان ارتبط شهر رمضان في الأذهان بالخير والبركة وتلاوة القرآن منذ عهد الصّحابة، ومع مرّ العصور والحقبات التّاريخية ارتبط أيضاً بطقوس لا تكاد تنفصل عنه، مثل الفوانيس ومدفع الإفطار والكنافة، وغيرها من المأكولات والحلويات، وليست هذه مجتمعة جديدة على هذا الشّهر، بل تكاد تصبح تراثاً ذا جذر ممدود في تاريخ مجتمعاتنا العربية منذ القدم، ومن أشهر الحلويات الرّمضانية التاريخية «القطائف والكنافة»، وكان من العقائد الموروثة أنّ للحلوى أثراً محموداً في ردّ قوة الصّائم إليه، وقد بلغت شهرة القطائف والكنافة حدّ أن العلاّمة والأديب الفقيه جلال الدّين السّيوطي – الملقب بـ«ابن الكتب» (القاهرة 849 هـ/ 1445 م - 922 هـ/ 1505م) صاغ فيهما كتاباً جمع فيه كل ما قيل عنهما أسماه «منهل اللّطائف في الكنافة والقطائف»، وضع فيه ما قيل فيهما من نثر وشعر، كرسالة مهمة، ضمنه أبياتا شعرية في تجربة مختلفة لا تخلو من ظرف وتفكّه، حيث جاء في القرن العاشر الهجري إثر شكوى رفعها المصريون منظومة شعراً إلى المحتسب، نقتطف منها:

لقد جاد بالبركات فضل زماننا
بأنــواع حلــوى نشــرها يتضـــــوّع
حكتها شفاه الغانيات حلاوة
ألم ترنـي من طعمهـا لسـت أشــبع
فكم ستّ حسن مع أصابع زينب
بهـا كــلّ ما تهــوى النفوس مجمّـع
وقد صرت في وصف القطائف
هائماً تراني لأبواب الكنافة أقرع
ما قاضيا بالله محتسباً عسى
ترخص لنا الحلوى نطيب ونرتع

وكما يبدو من هذا النّص لصاحب كتاب «الدّر المنثور في التّفسير المأثور»، فإن تجربته تستحق الاهتمام، ليس لإجادته في الصياغة والترتيب والمقارنات فحسب، بل للظرافة في التّعبير والاختيار والتّعليق الأدبي، ومهارته في الاستفادة من التّناص والمقاربة الأدبية، إلى الحدّ الذي يعترف فيه بأن «الكنافة والقطائف» قد حوّلته لشاعر لجمال مذاق وحلاوتها، كما عذوبته وهو يطلق لخياله العنان في أمور رمضان في بعض الأوقات والملاطفات بتأدب ملموس.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى