ليلى تبّاني - محمود شقير... كاتب عانق الأدب بِحنُوٍّ فلسفي

محمود شقير ... القاصّ الروائي المقدسي ، ابن جبل المكبر،الرّاسخ في قدسية فلسطين ،خرّيج قسم الفلسفة والاجتماع من جامعة دمشق 1965.
سكن القدس وسكنته ، الكاتب المتواضع بسمه الهيبة ،العزيز في غير كبر ،الذي يقاسمك المعارف بأبسط ما يمكن من لغة وبأمتع ما اهتدى إليه من أساليب ، يسعى في أعماله للمحافظة على الذاكرة الفلسطينية ،فالمتأمّل هذا القول يدرك أنّ الكاتب إذ يكتب للأطفال وللمراهقين وللكبار إنّما يستهدف كل فئات المجتمع يسعى إلى توسيع دائرة القرّاء بمختلف فئاتهم . وتمرير التاريخ الصحيح غير المغلوط منذ الطفولة .حتى يشبّ الفرد الفلسطيني وهو مشبع بقيم و شمائل تنبع من صميم مجتمعه ، وليس كما شاء المغتصب أن يدجّنه ... يذكرني هنا بالفيلسوف الفلسطيني " ادوارد سعيد " فكلاهما يعلنان أن التاريخ مغلوط وأن فلسطين للفلسطينين وفقط.
يعتمد أسلوبه على السلاسة والجمع بين الواقع والخيال الإبداعي ، و ما الخيال إلاّ انبثاقا فلسفيّا في الكتابة الأدبية ، وهو ما وسم كتاباته بالتفرّد والديمومة ، و كأنّي بكاتبنا في هذا السياق يمتثل لقول نتشه أديب فلاسفة الغرب :لا تحرموا الإنسان من خياله ، لا تدمّروا خرافاته ، لا تخبروه الحقيقة .... لأنه لن يتمكن من العيش من خلال الحقيقة ! .... أليست الرواية خيال ؟ أليست الفلسفة بحث عن الحقيقة الشاردة ؟ فالأدب الذي لا يتفلسف، والفلسفة التي لا تتأدّب يحملان مقومات الفناء العاجل . ولعلّ المتأمل في ذلك يدرك الغاية من تلك التوليفة في نصوصه ؛ فهو يسعى إلى الغور في صميم مجتمعه و معالجة مختلف مشكلات وهموم شعبه بأسلوب يستميل كلّ الفئات ولغة يدركها الجميع .يظهر ذلك على سبيل المثال لا الحصر من خلال روايته "أحلام الفتى النحيل" . " أنا وجمانة"...
كاتب غزير الكتابة وفير الإنتاج ، الأمر الذي يجلب القرّاء من جميع الفئات . يمرّر ماشاء من القيم الانسانية النبيلة في غير تصريح ، وقد يجعل شخصيات رواياته وقصصه مطيّة لبثّ القيم النبيلة بأسلوب تربوي ذكيّ يكرّس تعاليم التربية السليمة،ولعلّ روايته "أحلام الفتى النحيل" مجالا خصبا لاستجلاء ذلك ...هي رواية الواقع والخيال ورواية القيم الرفيعة من خلال استعراضه لطفولة مهند و مراهقته وميله الطبيعي إلى الجنس الآخر في غير ابتذال ولا مبالغة ليستدرك في الرواية أن ذلك الميل ماهو الاّ نزوة صبا و رغبة مراهقة، وأنّ الأبقى هو حبّ بعد نضوج ليمتثل لنصائح والديه وينتبه من دراسته ،
إن لغة الكاتب محمود شقير جدلية تجعلك ضائعا تتخبط بين أوهام بساطة الكلمة وعمق معناها و أبعاد غاياتها الدلالية ، و بين بساطة كلمات بعض أشباه الكتّاب التي هي أقرب من التفاهة بشكل من الأشكال . كما أنّ القراءة لمحمود شقير تجعلك تستشف من نصوصه رشاقة الكلمات وهي تنساب عذبة بسيطة ضمن دلالة عارفة واعية و أسلوب سلس رفيع في قالب القليل الدّال و السهل الممتنع .. يكتب ليلبس الواقع ثوب الخيال ،في غير تكلّف و لا ابتذال . تجعلك تدرك أنّه فنّان بالعقل والذائقة ،بسلاسة أسلوبه و رقي لغته ، وليس ذلك بالغريب عن إخواننا الفلسطينين .
ونحن إذ نضيء حول سيرة ومنجز الكاتب ، نبارك له فوزه بالجائزة العالمية للأدب الفلسطيني ، ونراه أفضل من يستحقّها .

ليلى تبّاني .... قسنطينة ـــ الجزائر .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى