د. أحمد الحطاب - لقد أصبحت المواطنة تتغيّر كأحوال الطقس أو ترتفع وتنخفض كأسهُمِ البرصة!

فما معنى أن نُشبِّهَ المواطنةَ بأحوال الطقس وبأسهم البرصة؟ لأنه لا يوجد يوم واحد طقسُه يشبه طقس الأيام الأخرى. كما أن قيماتِ الأسهم les actions تتغيَّر يوما بعد يوم في البرصة la ɓourse. إما أن ترتفعَ وإما أن تنخفضَ حسب الوضع الاقتصادي للبلاد.

فالمواطنة، التي، من المفروض، أن ينطلقَ منها فكرُ وعملُ السياسيين، والتي، من المفروض كذلك، أن تكون مترسِّخةً في وجدان هؤلاء السياسيين، أصبحت، هي الأخرى، تتغير عند هؤلاء السياسيين، وخصوصا، منهم أولئك الذين وصلوا إلى السلطة عن طريق الانتخابات، مثلها مثل أحوال الطقس أو أسهم البرصة.

وهكذا أصبحت المواطنة! إما أن يرتفعَ وجودُها في وِجدان السياسيين الذين وصلوا إلى البرلمان وإلى الحكومة، وإما أن تنخفض في نفس الوِجدان. وارتفاع قيمة المواطنة أو انخفاضها في الوِجدان، لهما ظروف خاصة بهما، كما هو الشأن للوضع الاقتصادي للبلاد بالنسبة للبرصة.

ولهذا، فالمواطنة، إما أن تصبح لها قيمة عالية في بُرصة السياسة، وخصوصا، أثناء الحملات الانتخابية. وإما قد تنخفض إلى أدنى المستويات في النقاشات البرلمانية وفي تصريحات بعض الوزراء السابقين والحاليين. هذا إن لم يتم نسيانُها بالكل حينما يدافع السياسيون عن مصالحِهم الشخصية. وقد تصل هذه التَّصريحات إلى درجة إهانة المواطنين بدون أدنى حياء. كأن يقول قيادي حزبي رفيع الميتوى أنه مستعدٌّ لإعادة "التْرَابِي" للمواطنين أو أن يصفَ وزيرٌ سابق المغاربة ب"الْمْدَاوِيخْ". والمتعارف عليه، هو أنه ليس هناك نصف مواطنة أو ربع مواطنة… بينما المواطنة المترسِّخة في الوِجدان، إما أن تكون وإما أن لا تكون.
إذن، أصبحت المواطنة، في عالم السياسة، من حيث القيمة، لا فرقَ بينها وبين أحوال الطقس وأسهم البرصة. إما أن ترتفعَ هذه القيمة وإما أن تنخفضَ إلى حد النسيان.

وما أقوله في شأن هذين الارتفاع أو الانخفاض ليس أمرا خياليا. بل إنه نابعٌ من تصريحات رسمية (إعادة تربية المواطنين، الْمٌدَاوِيخْ، لون التقاشر، جوج فرانك، أنا ماشي مواطن أنا وزير…) تفوَّهَ بها بعض القيادات السياسية والوزراء، السابقين منهم والحاليين، وما يُنشر عنهم في بعض الصحف و وسائل الاتصال الاجتماعية.

هذه التَّصريحات تدفعنا لطرح عِد.َّة أسئلة مُحيِّرة، منها ما يلي :

1.هل هذه التَّصريحات تعني أن أيَّ سياسي، عندما يمارس السلطة أو يصبحُ وزيرا يتجرَّد من مواطنته؟

2.وهل من شروط الاسْتِوزار أن يُخضِعَ الشخصُ مواطنتَه لحالة سُبات إلى حين (يضعها في ثلاجة إلى أن تنتهي ولايته)؟

3.وهل الاستِوزار يتنافى مع المواطنة؟

4.وهل عندما يصبحُ سياسي وزيرا يجب أن يتنكَّر لمواطنته؟

5.وهل هذا يعني أن الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام، بغض النظر عن عدد وزرائها، ليست مواطنة؟

كل ما يمكن قولُه هو أن هذا النوعَ من التَّصريحات ينسجم مع المقولة المغربية التي تقول : "حُوتَ وْحْدَ كِتْخَنّزْ الشْوارِي". بالفعل، إن الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام، لا يمكن وصفُها بالحكومات المُواطِنة إذا كان من بين أعضائها وزراء لا يحترمون لا أنفسهم ولا المواطنين. كل التّصريحات المُشينة التي أدلى بها عدد من الوزراء حول تدبير شؤون الوطن تسير في الاتجاه المُعاكس لما ينتظره المواطنون من ناس اختارهم الشعبُ لينوبوا عنه في تدبير شؤونهم العامة.

ثم هل يمكن تصوُّر مواطنةٍ بدون وطنٍ ومواطنينَ؟ وهل يمكن تصوُّرُ وطنٍ ومواطنين بدون مواطنة؟ بالطبع لا والف لا. لأن السياسةَ خُلِقت لتخدم الوطنَ. والوطن بدون مواطنين لا معنى له. والوزراء وكل شخص وصل إلى السلطة، هم أولا وقبل كل شيء، مواطنون. وإن لم يكونوا مواطنين، فهم غرباء عن وطنهم والوطن بريء منهم!
وهل فكَّرت الحكومات و وزراءئها أنها/أنهم ما كانت لتكون/ما كانوا ليكونوا لولا إرادة المواطنين؟ فواجب هذه الحكومات و وزرائها هو، أولا و قبل كل شيء، احترام دستور البلاد، ثم الاستجابة لإرادة المواطنين.

وهنا يُطرح سؤالٌ من الخطورة بمكان : هل الوطنُ والمواطنة والمواطنون مجردُ مَطِيَّةٍ يركبها السياسيون للوصول إلى السلطة وإلى المناصب العليا، الوزارية منها وغير الوزارية؟ على ما يبدو، المواطنة أصبحت تتغيّر كأحوال الطقس أو ترتفع وتنخفض كأسهم البرصة!
وخلاصة القول، إذا كان هناك مكان يجب أن تأخذ فيه المواطنة أهميةً بالغةً وأسبقية الأسبقيات، فهو البرلمانات والحكومات. فما الذي يجب أن يُحرِّك عملَ البرلمانات والحكومات إن لم تكن المواطنة؟ أهناك شيءٌ أغلى وأسمى من المواطنة؟ واللهِ لأمرها/لأمرهم عجيب هذه الحكومات وهؤلاء الوزراء!

أتعرفون ماذا ينقصهم (البرلمانات، الحكومات والوزراء)؟ تنقصهم الجرأة السياسية! لكنَّهم فضلوا المحافظة على كراسيهم وتركوا الجرأةَ لأجلٍ غير مسمى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى