بحسب علماء علم الإجرام criminology فإن للمناخات انعكاسها على الجريمة، فغالباً ما تزيد جرائم العنف الجسدي في الصيف وتقل جرائم السرقات في الشتاء وتقل الجرائم بصفة عامة في الربيع، وهكذا. ويبدو أن هناك ارتباط بين الإنسان والكون بحيث تؤثر كل التحولات والتغيرات الكونية على هرمونات البشر وبالتالي تتغير أمزجتهم تأثراً بتلك التغيرات والتحولات. فالانتقال بين موسمين قد يفضي إلى الاكتئاب وبالتالي يرفع ذلك الرغبة في الانتحار (يعتبر الشروع في الانتحار جريمة في بعض القوانين)، وسيلاحظ الكثير من الناس ذلك التأثير الكوكبي حينما يسافرون من من مكان إلى آخر فيتأثرون بتغير الساعة الزمنية والمناخ وما إلى ذلك فتحدث لديهم ربكة وضعف تكيف مع الواقع الجديد وبالتالي ينعكس ذلك على سلوكهم. لذلك فقد عدد علماء الإجرام أنواع المجرمين فهناك المجرم المعتاد على الإجرام، وهناك المجرم بالصدفة، ومؤخراً هناك المجرم الجيني (حيث هناك جينات تجعل العنف كامناً في الإنسان وبمجرد أن تتعرض لمحفزات يقترف المرء الجريمة) وهناك المجرم العاطفي الذي لا يستطيع التحكم في انفعالاته. ولقد تأملت في القضايا الجنائية فوجدت أغلبها ناتج عن الانفعالات غير الرشيدة، والعاطفة المعوجة، سواء كانت تلك العاطفة شعوراً بالإهانة أو العنصرية أو السخط من الواقع الاقتصادي للمجرم. غير أن علماء الإجرام نادراً ما يدرسون العاطفة الإيجابية للمجرم، أي عاطفة الحب وتأثيرها على الجريمة، وهذا ما يجعل إحصاءاتنا البحثية قليلة جداً حول تأثير الحب على السلوك العنيف أو الانحراف السلوكي عند الإنسان. لكن دعونا ننظر إلى إحصائيات النساء الذين يتعرضن للابتزاز كما أشار إليها رئيس هيئة الأمر بالمعروف في السعودية إلى أنها كالتالي:
"حيث تتصدر الفتيات اللاتي لم يتزوجن بنسبة 58% ثم المتزوجات بنسبة 26% ثم المطلقات بنسبة 8% ثم المخطوبات بنسبة 7% ثم الأرامل بنسبة 1%"
ويلاحظ أنه كلما كانت هناك عاطفة مشبعة قلَّ السلوك المتهور الذي يفضي بالمرأة إلى تعرضها للابتزاز من قبل المجرمين عبر الانترنت. فالتناسب بين العاطفة والتهور تناسب عكسي. ويمكننا في المقابل أن نقول بأن هناك سعي للإنسان للبحث عن الحب، وهذا السعي قد يفضي به إلى الوقوع في سلوك خاطئ يعرضه أو يعرض الآخرين للجريمة.
ولأن الحب عاطفة كامنة في الإنسان، ولا يمكن قياسها، فإن العلم التجريبي لا يملك أي مقاييس لتاثير الحب على الجريمة إلا عبر الزواج (كواقعة مادية يمكن استخدامها إحصائياً)، ولذلك اتجه العلماء على مدى العقود الثلاثة الماضية، إلى دراسة تأثير الزواج على السلوك العنيف للإنسان، وقد زعم علماء الإجرام أن الزواج يؤدي إلى انخفاض في الجريمة (سامبسون ولوب، 1993 ؛ سامبسون وآخرون، 2006 ؛ سكاردهمار وآخرون، 2015 ). وكان الافتراض هو أن الزواج هو نقطة تحول تؤثر على الأنشطة الروتينية للفرد وتؤدي إلى المزيد من الرقابة الاجتماعية غير الرسمية في حياته، مما يقلل من احتمالية ارتكابه للجرائم (سامبسون ولوب، 1993 ). وقد أطلق علماء الإجرام على ذلك مسمى "تأثير الزواج". (Jaakko Airaksinen Al, Associations Between Cohabitation, Marriage, and Suspected Crime: a Longitudinal Within-Individual Study, Journal of Developmental and Life-Course Criminology, 2023)
غير ان الزواج وحده غير كافٍ لفهم أهمية الحب في حياة الإنسان، أي وجود علاقة عاطفية عميقة بين الذكر والأنثى لملء الفراغ العاطفي وبالتالي التقليل من الشعور بالسخط على الواقع، أو رفضه أو جعل الجريمة مبرراً لمقاومة الظروف الاقتصادية للإنسان. وأعتقد أن للحب تاثيراً كبيراً على نسبة الجريمة، فالحب قد يكون دافعاً للجريمة كما في جرائم القتل بسبب الخيانة العاطفية (وليس الزوجية)، وقد اقتحمت هذه الصورة القضاء باستمرار طيلة العقود الماضية، فعلى سبيل المثال، عاد احد الجنود من المعسكر ورأى محبوبته مع شاب آخر وهما يتبادلان الغرام فما كان من هذا الجندي إلا أن رفع بندقيته وأفرغ رصاصاتها في جسد الحبيبة الخائنة وحبيبها الجديد ثم أطلق على رأسه رصاصة فخر صريعاً. وسنجد أن الغيرة العاطفية تفضي إلى الكثير من السلوك العنيف، ومن القصص العالمية يمكننا أن نستلهم انتحار روميو وجولييت بسبب حبهما المقموع من أسرتيهما، لكن هذا ليس موضوعنا الجوهري، فموضوعنا الأساسي هو أن وجود الحب في حياة الإنسان يؤدي إلى تقليل ميوله للعنف. غير أن أحد معوقات البحث في هذا الموضوع هو أنه سيحتاج إلى المقارنة بين من لا يرتكبون الجريمة مع أولئك الذين يرتكبونها، وهذه المقارنة ستكون غير منضبطة لأنه ليس بالضرورة أن يكون توفر الحب في حياة الإنسان هو فقط سبب عدم اقترافه للجريمة، فقد يكون ذلك مثلاً لأنه جبان، أو غير محتاج اقتصادياً، أو ليس لديه ميل للعنف بصفة عامة..الخ، في ذات الوقت لا نستطيع أن نسأل مجرماً إن كان سبب جريمته هو عدم وجود حب في حياته. كما لا يمكن دراسة الحب وهو شيء معنوي باطني بأدوات مادية. ولكن بصفة عامة فإن الملاحظ في العشاق هو انزواءهم في عالم العشق، وعدم اكتراثهم لما حولهم، ويجعل الحب الرجل منهمكاً في بناء ذاته ليتمكن من حماية حبه بالمال أو العمل أو العلم أو كل ذلك، كما أن الحب المستقر بالاعتراف المتبادل بين الحبيبين يقلل من النزوع إلى السلوك المتهور لهثاً وراء ايجاد الحب الحقيقي الذي تغنى له الشعراء ورواه الروائيون والمسرحيون وتجلى في لوحات الرسامين والنحاتين عبر آلاف السنين. وأياً ما كانت طبيعة الحب (حقيقيٌّ أم وهمي) فإنه موجود ومؤثر، وبغض النظر عن الجدل الفلسفي حول جذوره فإنه يلعب دوراً إيجابياً في حياة الإنسان، وجعل العالم وردياً في عينيه، وأقل حزناً مما هو عليه. وكل هذه المشاعر، تقلل من الميل إلى العنف وارتكاب الجريمة.
أمل الكردفاني
"حيث تتصدر الفتيات اللاتي لم يتزوجن بنسبة 58% ثم المتزوجات بنسبة 26% ثم المطلقات بنسبة 8% ثم المخطوبات بنسبة 7% ثم الأرامل بنسبة 1%"
ويلاحظ أنه كلما كانت هناك عاطفة مشبعة قلَّ السلوك المتهور الذي يفضي بالمرأة إلى تعرضها للابتزاز من قبل المجرمين عبر الانترنت. فالتناسب بين العاطفة والتهور تناسب عكسي. ويمكننا في المقابل أن نقول بأن هناك سعي للإنسان للبحث عن الحب، وهذا السعي قد يفضي به إلى الوقوع في سلوك خاطئ يعرضه أو يعرض الآخرين للجريمة.
ولأن الحب عاطفة كامنة في الإنسان، ولا يمكن قياسها، فإن العلم التجريبي لا يملك أي مقاييس لتاثير الحب على الجريمة إلا عبر الزواج (كواقعة مادية يمكن استخدامها إحصائياً)، ولذلك اتجه العلماء على مدى العقود الثلاثة الماضية، إلى دراسة تأثير الزواج على السلوك العنيف للإنسان، وقد زعم علماء الإجرام أن الزواج يؤدي إلى انخفاض في الجريمة (سامبسون ولوب، 1993 ؛ سامبسون وآخرون، 2006 ؛ سكاردهمار وآخرون، 2015 ). وكان الافتراض هو أن الزواج هو نقطة تحول تؤثر على الأنشطة الروتينية للفرد وتؤدي إلى المزيد من الرقابة الاجتماعية غير الرسمية في حياته، مما يقلل من احتمالية ارتكابه للجرائم (سامبسون ولوب، 1993 ). وقد أطلق علماء الإجرام على ذلك مسمى "تأثير الزواج". (Jaakko Airaksinen Al, Associations Between Cohabitation, Marriage, and Suspected Crime: a Longitudinal Within-Individual Study, Journal of Developmental and Life-Course Criminology, 2023)
غير ان الزواج وحده غير كافٍ لفهم أهمية الحب في حياة الإنسان، أي وجود علاقة عاطفية عميقة بين الذكر والأنثى لملء الفراغ العاطفي وبالتالي التقليل من الشعور بالسخط على الواقع، أو رفضه أو جعل الجريمة مبرراً لمقاومة الظروف الاقتصادية للإنسان. وأعتقد أن للحب تاثيراً كبيراً على نسبة الجريمة، فالحب قد يكون دافعاً للجريمة كما في جرائم القتل بسبب الخيانة العاطفية (وليس الزوجية)، وقد اقتحمت هذه الصورة القضاء باستمرار طيلة العقود الماضية، فعلى سبيل المثال، عاد احد الجنود من المعسكر ورأى محبوبته مع شاب آخر وهما يتبادلان الغرام فما كان من هذا الجندي إلا أن رفع بندقيته وأفرغ رصاصاتها في جسد الحبيبة الخائنة وحبيبها الجديد ثم أطلق على رأسه رصاصة فخر صريعاً. وسنجد أن الغيرة العاطفية تفضي إلى الكثير من السلوك العنيف، ومن القصص العالمية يمكننا أن نستلهم انتحار روميو وجولييت بسبب حبهما المقموع من أسرتيهما، لكن هذا ليس موضوعنا الجوهري، فموضوعنا الأساسي هو أن وجود الحب في حياة الإنسان يؤدي إلى تقليل ميوله للعنف. غير أن أحد معوقات البحث في هذا الموضوع هو أنه سيحتاج إلى المقارنة بين من لا يرتكبون الجريمة مع أولئك الذين يرتكبونها، وهذه المقارنة ستكون غير منضبطة لأنه ليس بالضرورة أن يكون توفر الحب في حياة الإنسان هو فقط سبب عدم اقترافه للجريمة، فقد يكون ذلك مثلاً لأنه جبان، أو غير محتاج اقتصادياً، أو ليس لديه ميل للعنف بصفة عامة..الخ، في ذات الوقت لا نستطيع أن نسأل مجرماً إن كان سبب جريمته هو عدم وجود حب في حياته. كما لا يمكن دراسة الحب وهو شيء معنوي باطني بأدوات مادية. ولكن بصفة عامة فإن الملاحظ في العشاق هو انزواءهم في عالم العشق، وعدم اكتراثهم لما حولهم، ويجعل الحب الرجل منهمكاً في بناء ذاته ليتمكن من حماية حبه بالمال أو العمل أو العلم أو كل ذلك، كما أن الحب المستقر بالاعتراف المتبادل بين الحبيبين يقلل من النزوع إلى السلوك المتهور لهثاً وراء ايجاد الحب الحقيقي الذي تغنى له الشعراء ورواه الروائيون والمسرحيون وتجلى في لوحات الرسامين والنحاتين عبر آلاف السنين. وأياً ما كانت طبيعة الحب (حقيقيٌّ أم وهمي) فإنه موجود ومؤثر، وبغض النظر عن الجدل الفلسفي حول جذوره فإنه يلعب دوراً إيجابياً في حياة الإنسان، وجعل العالم وردياً في عينيه، وأقل حزناً مما هو عليه. وكل هذه المشاعر، تقلل من الميل إلى العنف وارتكاب الجريمة.
أمل الكردفاني