بداية أود التطرق إلى بعض المسائل وإن كانت في ظاهرها تبدو بعيدة عن محاولتي المتواضعة في استقراء فحوى النص واستنطاق دلاليات مضمونه إلا أن لها به في جوهرها أكثر من علاقة و وشيجة .
أولها حديثي عن هذه الطبعة التي لولا شغفي بأدب الكاتب الكبير واسيني الأعرج وعظيم ولعي بسردياته الماتعة وإدماني المفرط على جميل ما يطرحه من خلال نصوصه من مواضيع رائعة ورؤى وأفكار راقية لكنت عزفت عن استكمال قراءتي لهذه التحفة الأدبية الخالصة .
بسبب ما انتابها من كثرة التصحيف خاصة في أولى فصولها .
إضافة إلى ما طالها من تشتيت لأفكارها المنثورة عبر فقرات مفصولة مبعثرة عملت على بتر كمالها ووقفت كعقبة صعبت سهولة إدراكها والإلمام بمقاصدها .
إن مسؤلية النشر لكاتب كبير بقامة واسيني الأعرج ولنص عظيم كهذا كأنها أوكلت لمجموعة من الهواة والمبتدئين لا إلى دار بات لها من الشهرة وذيوع الصيت ما يرفعها إلى مصاف دور النشر المرموقة المحترمة .
خاصة وقد بات لها رصيد تجربي معتبر وخبرات متراكمة لمسؤوليها المطبعيين الذي لهم إلمام تام بالطبع ومراحله المعقدة .
إن طبعة بهذا المستوى تعد إجحافا في حق الكاتب والنص وفي حق جمهرته العريضة من القراء والمتلقين الذين رغم غلاء الكتب فإنهم يسددون أثمانها لإعتبارها غذاءهم الفكري اللازم .
وإن عيبا كهذا من شأنه أن يفتح أبوابا للتشكيك بافتعاله عن تبييت نية وقصد مايقحم واقعنا الثقافي المأزوم أصلا في سجالات نحن في غنى عنها مع زمر الكسالى والثرثارين الذين يعتاشون على مثل هذه الأطباق الباردة وهذه الفرص المجانية المقدمة .
وإني أتوجه بصفة قارئ بسيط إلى القيمين على دار خيال للنشر آملا منهم تفادي تكرار مثل هذه الطبعات التي لا ترقى لمكانة الدار وحسن سمعتها .
وهي التي استضافت في الفاتح من شهر نوفمبر العام المنصرم الكاتب الكبير واسيني الأعرج واحتفت بجمهرة قرائه الكرام أيما احتفاء في الصالون الدولي للكتاب بالجزائر العاصمة .
ولي أن أعرج الآن على انطباعات أولئك المنتقدين للنص عبر مواقع التواصل الإجتماعي حتى من قبل أن يولد ويرى النور .
وليس لي أن أصف تعجلهم بغير حيضة فكرية جاءت في غير آوانها .
لست مخولا هنا بالمرافعة عن الكاتب الشهير واسيني الأعرج فهو حاصل على الأستاذية وأستاذ محاضر بجامعتي الجزائر والسوربون بفرنسا بإمكانه دحر كل تلك الهرطقات بأبسط آساليب الرد والحجاج لو أراد ذلك .
وإنما هو التزامي الأدبي ما يقتضي مني كبير الإحترام لمثل هذا الخلق الأدبي الرفيع ولهذا المنجز الإبداعي المائز .
مكرسا تقديري وتبجيلي للقيمة الجمالية والإبداعية اللتين حاز عليهما هذا العمل الروائي المتكامل .
مؤكدا بإعادة التذكير بأنه ليس بمستطاع أي كان هتك أستار الإبداع وتدنيس قداسة كعبة الأدب وتشويه مقاصده الإنسانية النبيلة مهما تدجج المغرضون بتهمهم المكرورة السمجة ومهما تترسوا بأحكامهم الرجعية الجاهزة .
لقد بات الجميع نقادا في ظل غياب سلطة نقدية وهو ما أفضى إلى مثل هذا الإستهلاك الشكلي للنصوص واستشراء داء الإنطباعية الصرف البعيدة كل البعد عن أي نقد أصيل .
إن أولئك الذين نصبوا أنفسهم حكاما على تحديد جودة النص وتفاهته متقنعين بقدرة نقدية زائفة طمعا في قيادة جمهرة القراء إلى المعنى ما هم في الحقيقة إلا أشباه نقاد عابرون كالزوابع وقد إعتمدت انتقاداتهم السريعة المولولة على ذائقة فاسدة ومعرفة مريضة وهم يطلقون أحكامهم الذاتية المعممة جزافا دون تدبر ولا تمحيص .
ما يؤكد على تجردهم من القيم النقدية ويكشف جهلهم المركب لسبل البحث عن معنى المعنى وعجزهم عن فهم قيمة القيمة .
ففاتهم بذلك فهم المعاني الظلية الهاربة وإدراك الأفكار الضمنية المخبوءة .
إن تلك الأقلام المسمومة التي اتهمت واسيني بالتحريف والكذب ووسمت نصه بالخرافة والوهم وغيرها من الأحكام الذاتية المتحيزة والآراء الشخصية القاصرة ما هي في الحقيقة إلا انحطاط في معايير النقد والتأويل وفساد في الذائقة الأدبية ووضاعة في مستوى الإستقراء والتحليل .
وإن كل تهجماتهم الضارية على ملكة الإبداع هي محاولة فاشلة للتخلص من الجمال وخصوبة الخيال .
وإن تبرأهم من قيمة النص الجمالية وتجاهلهم للقيمة الأدبية هو عداء للجمال والأدب .
وهو ما يكشف عن قصورهم النقدي الفاضح ونزوعاتهم الحاقدة ورغباتهم الجامحة في تحطيم أيقونة من أيقونات واسيني الأدبية .
وهو ما تبدى من خلال عملهم على تجويف النص وإفراغه من سحر جماله بتدميره من الداخل والحفر من ورائه لطمسه وردمه وإفقاره من أي جدارة فنية وعبقرية إبداعية مذهلة بحجة أن القيمة الجمالية التي يصنعها الخيال ما هي إلا أضرار ثقافية .
لم يكن لتلك الشرذمة من المقوقئين قدرة على لفت الإنتباه.لعجزهم الصارخ عن توجيه الذائقة وإخماد أشواقنا الأدبية لأنهم مدججون بثقافة سطحية فارغة إذ كان كل همهم من رواية حيزية أن يطوقوا نزعتها الجمالية الضافية وسحرها الباذخ .
فهل نقبل جمال نص حيزيا أم القبح الكامن في الرائي الذي تلقاه بسطحية تافهة ؟.
إنهم بذلك يطلبون منا أن ندير ظهورنا لإهتماماتنا الجمالية .
وإن كل ما يعيبون به واسيني الأعرج في الحقيقة هو قدرته الخارقة على الخلق الفني وعبقريته الفذة في الإبداع .
إن مرجع عجزهم وفشلهم الذريع في استنطاق النص عائد إلى عزل هذا العمل الفني عن سياقه الإجتماعي والتاريخي .
أي أنه كان يعوزهم فهمه في سياق لحظته الإجتماعية والتاريخية معا .
فتجاهلهم لهذه المظاهر وعدم فهمهم لهذه التوترات في تلك المرحلة فوت عليهم فهم رمزيات ودلاليات النص ففاتهم تباعا متعة الإستمتاع والإستئناس به.
لأنهم لم يدركوا أن القيمة الأدبية منغرسة في خصوصيات زمكانية المنجز والوضع القائم الذي يحكيه .
كما لم يدركوا أن القيمة الجمالية شيئ طبيعي يخص جوهر العمل وأنه ليس شيئا شكليا مصطنعا يصب في معناه إلى الغرابة والسذاجة والإفتراء .
إن التعامل مع لغة النص السردية بمعزل عن سياقاته التاريخية واجتثاثه من الزمكانية هو سقطة مدوية لأولئك الأدعياء المتعالمين .
والفرق الذي بيننا وبينهم هو أننا نستعمل النقد لغايات جمالية لا لأغراض شخصية حاقدة أو لإصدار أحكام جائرة وإبداء آراء جامدة لا علاقة لها بالقيمة الفنية لأي نص لا من قريب ولا من بعيد .
إننا على عكسهم نتعامل مع رواية حيزية في إطارها التاريخي ونفهمها في سياق لحظتها الثقافية .
ونصيحتي لكل من أقدم على قراءة هذا النص أن يفهم ديناميات السلطة القبلية حينها وأن يتعامل معه في إطاره التاريخي وأن يفهمه في سياقه الثقافي الإجتماعي الشعبي في ظرف كان ممهورا بمعاداة ولاء الإحتلال ونبذ الخضوع إضافة إلى صراعات محتدمة حول سلطة الزعامة وتيجان التسيد والمشيخة .
لقد أطنبت في الحديث عن هذه الرؤى القاصرة المعلولة نظرا لمدى ما تشكله من خطورة على المصداقية .
ولي الآن أن أحدثكم عن الرواية وبصمة واسيني الإبداعية المائزة .
لقد ماتت فقيدة الفكر وزهرة الأدب النضرة مي زيادة مظلومة وشبعت مواتا إلى أن جاء من بعد طول رحيلها واسيني الأعرج فأنصفها من خلال نصه الروائي الرائع ليالي إيزيس كوبيا .
ومثلما فعل مع مي زيادة هاهو يقيم حيزية من رمسها وينضو عن روحها الطاهرة اتربة النسيان ويزيح عنها ما تراكم من اكوام الكثبان الرملية الثقيلة وكل ما تكدس فوق قلبها من قهر وظلم وطغيان .
ليقيم لها نصبا تذكاريا فنيا يحفظ ذكرها ويخلد في التاريخ مأساتها الدامية .
وإن كان تجريده لإسمها من تاء تأنيث الأسماء المفردة جناية في حق اللغة فإن اللغة تغتفر له خطيئته لصدق نواياه ونبل مقاصده في تخليص حتى إسمها من قيود رمزية مبطنة ويكسر عنها كل أطواق حصارات القبيلة الذكورية البليدة ويحررها من أسر عادات العشيرة المتحجرة فيمنحها بذلك حرية مطلقة .
وهذا دأب واسيني الأعرج في إسماعه لصوت الذين أسكتوا قسرا من المهمشين وتأريخه لحكايا المنسيين قهرا دون وجه حق .
إن قصة حيزية لم تكن خرافة من الخرافات المختلقة ولا أسطورة من الأساطير الوهمية الغابرة
إنها حقيقة مرة يرويها واسيني بمنتهى الصدق والأمانة والوفاء .
إن حيزية شمعة مطفأة من شموع تراثنا العتيق إهتم الشعراء والملحنون بنور حبها .
بينما صب واسيني الأعرج كل اهتمامه حول احتراقاتها الداخلية الدامية فجاءنا بأبهر التفاصيل عن المرأة التي ظلمت وقتلت جورا بين بني قومها .
إن حيزية أمرأة قدر لها الضياع في مسالك الحب المغلقة التي أحالتها جميعها إلى الخذلان .
إنها قصة قلب أكلته حرائق الحب وأدمته سهام الخيبة والنكران .
لقد أحبت حيزية ابن عمها سعيد لكنهما كبرا في حب سيجته القبيلة بالدسائس والقهر من كل الجهات فحرموها من حق الإستمتاع بالحياة مع الرجل الذي تحب .
فجردوها من ملكية قلبها وخصوصية عواطفها حتى أن جسدها كان أيضا من ملك القبيلة التي قررت مصيرها البائس إذ سممها الحاقدون ممن تآكلت قلوبهم بالحسد من فرط الغيرة فارتقت روحها البريئة شهيدة حب صادقة لم تيمم قلبها إلا شطر قلب حبيبها كسنة عشقية لم يوجد لها تبديلا ولا تحويلا .
حيزية مأساة روتها حنا ميرا لخالد وتخلصت بذلك من سر أرقها طيلة عمر من الإنتظارات الحارقة .
ومن خلال النهاية المفتوحة للنص نتمنى من واسيني بحسه التاريخي وروحه المنغمسة في التاريخ أن يجعل من رواية حيزية ثنائية نعانق في ثاني جزئيها حلم أوبرا حيزية .
لقد كان للنص دلالات متعددة منها التاريخية والإجتماعية والسياسية والفكرية وهذا دليل على مدى عمقه وجماله وثرائه .
حيزية رواية تتجاوز التراث والتاريخ ببعدها العاطفي الإنساني الخالص بخصوبة لغتها السردية المشوقة وتعدد مقاصدها النبيلة وتأويلاتها المثيرة .
إنها قيمة جمالية مضافة من فراديس الخيال وقيمة جمالية من البناء الأدبي المتكامل .
إنها نافذة من النوافذ الأدبية المطلة على السياقات الإجتماعية التي تكرس أحقيتنا في الحلم والحب والعدالة والحرية .
حيزية إبداع روائي لا يخفى أثره الجمالي الساطع في سماءات الأدب .
إنني من خلال قراءتي المتواضعة للنص أمنح فرصة للمتلقين لرؤية مالم يروه في تلك الأحكام المسبقة الجائرة من جمال وأحيلهم على إعادة النظر في الآراء المستهلكة المتداولة .
إنها رواية جديرة بالقراءة تؤكد لكم أنه بإمكان الخيال الخلاق أن يضيئ عالمنا الواقعي المظلم .
وإن نصا كهذا لجدير بأن يضاء بالنقد وحسن التأويل .
وأختم متوجها للكاتب الجزائري الكبير الأستاذ واسيني الأعرج بأخلص عبارات المحبة ووافر التقدير ذلك الكاتب الذي لا نزال ندمن أدبه بمنتهى الشغف .
جمعي شايبي.
أولها حديثي عن هذه الطبعة التي لولا شغفي بأدب الكاتب الكبير واسيني الأعرج وعظيم ولعي بسردياته الماتعة وإدماني المفرط على جميل ما يطرحه من خلال نصوصه من مواضيع رائعة ورؤى وأفكار راقية لكنت عزفت عن استكمال قراءتي لهذه التحفة الأدبية الخالصة .
بسبب ما انتابها من كثرة التصحيف خاصة في أولى فصولها .
إضافة إلى ما طالها من تشتيت لأفكارها المنثورة عبر فقرات مفصولة مبعثرة عملت على بتر كمالها ووقفت كعقبة صعبت سهولة إدراكها والإلمام بمقاصدها .
إن مسؤلية النشر لكاتب كبير بقامة واسيني الأعرج ولنص عظيم كهذا كأنها أوكلت لمجموعة من الهواة والمبتدئين لا إلى دار بات لها من الشهرة وذيوع الصيت ما يرفعها إلى مصاف دور النشر المرموقة المحترمة .
خاصة وقد بات لها رصيد تجربي معتبر وخبرات متراكمة لمسؤوليها المطبعيين الذي لهم إلمام تام بالطبع ومراحله المعقدة .
إن طبعة بهذا المستوى تعد إجحافا في حق الكاتب والنص وفي حق جمهرته العريضة من القراء والمتلقين الذين رغم غلاء الكتب فإنهم يسددون أثمانها لإعتبارها غذاءهم الفكري اللازم .
وإن عيبا كهذا من شأنه أن يفتح أبوابا للتشكيك بافتعاله عن تبييت نية وقصد مايقحم واقعنا الثقافي المأزوم أصلا في سجالات نحن في غنى عنها مع زمر الكسالى والثرثارين الذين يعتاشون على مثل هذه الأطباق الباردة وهذه الفرص المجانية المقدمة .
وإني أتوجه بصفة قارئ بسيط إلى القيمين على دار خيال للنشر آملا منهم تفادي تكرار مثل هذه الطبعات التي لا ترقى لمكانة الدار وحسن سمعتها .
وهي التي استضافت في الفاتح من شهر نوفمبر العام المنصرم الكاتب الكبير واسيني الأعرج واحتفت بجمهرة قرائه الكرام أيما احتفاء في الصالون الدولي للكتاب بالجزائر العاصمة .
ولي أن أعرج الآن على انطباعات أولئك المنتقدين للنص عبر مواقع التواصل الإجتماعي حتى من قبل أن يولد ويرى النور .
وليس لي أن أصف تعجلهم بغير حيضة فكرية جاءت في غير آوانها .
لست مخولا هنا بالمرافعة عن الكاتب الشهير واسيني الأعرج فهو حاصل على الأستاذية وأستاذ محاضر بجامعتي الجزائر والسوربون بفرنسا بإمكانه دحر كل تلك الهرطقات بأبسط آساليب الرد والحجاج لو أراد ذلك .
وإنما هو التزامي الأدبي ما يقتضي مني كبير الإحترام لمثل هذا الخلق الأدبي الرفيع ولهذا المنجز الإبداعي المائز .
مكرسا تقديري وتبجيلي للقيمة الجمالية والإبداعية اللتين حاز عليهما هذا العمل الروائي المتكامل .
مؤكدا بإعادة التذكير بأنه ليس بمستطاع أي كان هتك أستار الإبداع وتدنيس قداسة كعبة الأدب وتشويه مقاصده الإنسانية النبيلة مهما تدجج المغرضون بتهمهم المكرورة السمجة ومهما تترسوا بأحكامهم الرجعية الجاهزة .
لقد بات الجميع نقادا في ظل غياب سلطة نقدية وهو ما أفضى إلى مثل هذا الإستهلاك الشكلي للنصوص واستشراء داء الإنطباعية الصرف البعيدة كل البعد عن أي نقد أصيل .
إن أولئك الذين نصبوا أنفسهم حكاما على تحديد جودة النص وتفاهته متقنعين بقدرة نقدية زائفة طمعا في قيادة جمهرة القراء إلى المعنى ما هم في الحقيقة إلا أشباه نقاد عابرون كالزوابع وقد إعتمدت انتقاداتهم السريعة المولولة على ذائقة فاسدة ومعرفة مريضة وهم يطلقون أحكامهم الذاتية المعممة جزافا دون تدبر ولا تمحيص .
ما يؤكد على تجردهم من القيم النقدية ويكشف جهلهم المركب لسبل البحث عن معنى المعنى وعجزهم عن فهم قيمة القيمة .
ففاتهم بذلك فهم المعاني الظلية الهاربة وإدراك الأفكار الضمنية المخبوءة .
إن تلك الأقلام المسمومة التي اتهمت واسيني بالتحريف والكذب ووسمت نصه بالخرافة والوهم وغيرها من الأحكام الذاتية المتحيزة والآراء الشخصية القاصرة ما هي في الحقيقة إلا انحطاط في معايير النقد والتأويل وفساد في الذائقة الأدبية ووضاعة في مستوى الإستقراء والتحليل .
وإن كل تهجماتهم الضارية على ملكة الإبداع هي محاولة فاشلة للتخلص من الجمال وخصوبة الخيال .
وإن تبرأهم من قيمة النص الجمالية وتجاهلهم للقيمة الأدبية هو عداء للجمال والأدب .
وهو ما يكشف عن قصورهم النقدي الفاضح ونزوعاتهم الحاقدة ورغباتهم الجامحة في تحطيم أيقونة من أيقونات واسيني الأدبية .
وهو ما تبدى من خلال عملهم على تجويف النص وإفراغه من سحر جماله بتدميره من الداخل والحفر من ورائه لطمسه وردمه وإفقاره من أي جدارة فنية وعبقرية إبداعية مذهلة بحجة أن القيمة الجمالية التي يصنعها الخيال ما هي إلا أضرار ثقافية .
لم يكن لتلك الشرذمة من المقوقئين قدرة على لفت الإنتباه.لعجزهم الصارخ عن توجيه الذائقة وإخماد أشواقنا الأدبية لأنهم مدججون بثقافة سطحية فارغة إذ كان كل همهم من رواية حيزية أن يطوقوا نزعتها الجمالية الضافية وسحرها الباذخ .
فهل نقبل جمال نص حيزيا أم القبح الكامن في الرائي الذي تلقاه بسطحية تافهة ؟.
إنهم بذلك يطلبون منا أن ندير ظهورنا لإهتماماتنا الجمالية .
وإن كل ما يعيبون به واسيني الأعرج في الحقيقة هو قدرته الخارقة على الخلق الفني وعبقريته الفذة في الإبداع .
إن مرجع عجزهم وفشلهم الذريع في استنطاق النص عائد إلى عزل هذا العمل الفني عن سياقه الإجتماعي والتاريخي .
أي أنه كان يعوزهم فهمه في سياق لحظته الإجتماعية والتاريخية معا .
فتجاهلهم لهذه المظاهر وعدم فهمهم لهذه التوترات في تلك المرحلة فوت عليهم فهم رمزيات ودلاليات النص ففاتهم تباعا متعة الإستمتاع والإستئناس به.
لأنهم لم يدركوا أن القيمة الأدبية منغرسة في خصوصيات زمكانية المنجز والوضع القائم الذي يحكيه .
كما لم يدركوا أن القيمة الجمالية شيئ طبيعي يخص جوهر العمل وأنه ليس شيئا شكليا مصطنعا يصب في معناه إلى الغرابة والسذاجة والإفتراء .
إن التعامل مع لغة النص السردية بمعزل عن سياقاته التاريخية واجتثاثه من الزمكانية هو سقطة مدوية لأولئك الأدعياء المتعالمين .
والفرق الذي بيننا وبينهم هو أننا نستعمل النقد لغايات جمالية لا لأغراض شخصية حاقدة أو لإصدار أحكام جائرة وإبداء آراء جامدة لا علاقة لها بالقيمة الفنية لأي نص لا من قريب ولا من بعيد .
إننا على عكسهم نتعامل مع رواية حيزية في إطارها التاريخي ونفهمها في سياق لحظتها الثقافية .
ونصيحتي لكل من أقدم على قراءة هذا النص أن يفهم ديناميات السلطة القبلية حينها وأن يتعامل معه في إطاره التاريخي وأن يفهمه في سياقه الثقافي الإجتماعي الشعبي في ظرف كان ممهورا بمعاداة ولاء الإحتلال ونبذ الخضوع إضافة إلى صراعات محتدمة حول سلطة الزعامة وتيجان التسيد والمشيخة .
لقد أطنبت في الحديث عن هذه الرؤى القاصرة المعلولة نظرا لمدى ما تشكله من خطورة على المصداقية .
ولي الآن أن أحدثكم عن الرواية وبصمة واسيني الإبداعية المائزة .
لقد ماتت فقيدة الفكر وزهرة الأدب النضرة مي زيادة مظلومة وشبعت مواتا إلى أن جاء من بعد طول رحيلها واسيني الأعرج فأنصفها من خلال نصه الروائي الرائع ليالي إيزيس كوبيا .
ومثلما فعل مع مي زيادة هاهو يقيم حيزية من رمسها وينضو عن روحها الطاهرة اتربة النسيان ويزيح عنها ما تراكم من اكوام الكثبان الرملية الثقيلة وكل ما تكدس فوق قلبها من قهر وظلم وطغيان .
ليقيم لها نصبا تذكاريا فنيا يحفظ ذكرها ويخلد في التاريخ مأساتها الدامية .
وإن كان تجريده لإسمها من تاء تأنيث الأسماء المفردة جناية في حق اللغة فإن اللغة تغتفر له خطيئته لصدق نواياه ونبل مقاصده في تخليص حتى إسمها من قيود رمزية مبطنة ويكسر عنها كل أطواق حصارات القبيلة الذكورية البليدة ويحررها من أسر عادات العشيرة المتحجرة فيمنحها بذلك حرية مطلقة .
وهذا دأب واسيني الأعرج في إسماعه لصوت الذين أسكتوا قسرا من المهمشين وتأريخه لحكايا المنسيين قهرا دون وجه حق .
إن قصة حيزية لم تكن خرافة من الخرافات المختلقة ولا أسطورة من الأساطير الوهمية الغابرة
إنها حقيقة مرة يرويها واسيني بمنتهى الصدق والأمانة والوفاء .
إن حيزية شمعة مطفأة من شموع تراثنا العتيق إهتم الشعراء والملحنون بنور حبها .
بينما صب واسيني الأعرج كل اهتمامه حول احتراقاتها الداخلية الدامية فجاءنا بأبهر التفاصيل عن المرأة التي ظلمت وقتلت جورا بين بني قومها .
إن حيزية أمرأة قدر لها الضياع في مسالك الحب المغلقة التي أحالتها جميعها إلى الخذلان .
إنها قصة قلب أكلته حرائق الحب وأدمته سهام الخيبة والنكران .
لقد أحبت حيزية ابن عمها سعيد لكنهما كبرا في حب سيجته القبيلة بالدسائس والقهر من كل الجهات فحرموها من حق الإستمتاع بالحياة مع الرجل الذي تحب .
فجردوها من ملكية قلبها وخصوصية عواطفها حتى أن جسدها كان أيضا من ملك القبيلة التي قررت مصيرها البائس إذ سممها الحاقدون ممن تآكلت قلوبهم بالحسد من فرط الغيرة فارتقت روحها البريئة شهيدة حب صادقة لم تيمم قلبها إلا شطر قلب حبيبها كسنة عشقية لم يوجد لها تبديلا ولا تحويلا .
حيزية مأساة روتها حنا ميرا لخالد وتخلصت بذلك من سر أرقها طيلة عمر من الإنتظارات الحارقة .
ومن خلال النهاية المفتوحة للنص نتمنى من واسيني بحسه التاريخي وروحه المنغمسة في التاريخ أن يجعل من رواية حيزية ثنائية نعانق في ثاني جزئيها حلم أوبرا حيزية .
لقد كان للنص دلالات متعددة منها التاريخية والإجتماعية والسياسية والفكرية وهذا دليل على مدى عمقه وجماله وثرائه .
حيزية رواية تتجاوز التراث والتاريخ ببعدها العاطفي الإنساني الخالص بخصوبة لغتها السردية المشوقة وتعدد مقاصدها النبيلة وتأويلاتها المثيرة .
إنها قيمة جمالية مضافة من فراديس الخيال وقيمة جمالية من البناء الأدبي المتكامل .
إنها نافذة من النوافذ الأدبية المطلة على السياقات الإجتماعية التي تكرس أحقيتنا في الحلم والحب والعدالة والحرية .
حيزية إبداع روائي لا يخفى أثره الجمالي الساطع في سماءات الأدب .
إنني من خلال قراءتي المتواضعة للنص أمنح فرصة للمتلقين لرؤية مالم يروه في تلك الأحكام المسبقة الجائرة من جمال وأحيلهم على إعادة النظر في الآراء المستهلكة المتداولة .
إنها رواية جديرة بالقراءة تؤكد لكم أنه بإمكان الخيال الخلاق أن يضيئ عالمنا الواقعي المظلم .
وإن نصا كهذا لجدير بأن يضاء بالنقد وحسن التأويل .
وأختم متوجها للكاتب الجزائري الكبير الأستاذ واسيني الأعرج بأخلص عبارات المحبة ووافر التقدير ذلك الكاتب الذي لا نزال ندمن أدبه بمنتهى الشغف .
جمعي شايبي.