مصطفى نصر - القصة القصيرة بين هذا وذاك

صديقي محمود قاسم لا يحب القصة القصيرة، وكثيرا ما يهاجمها ويقلل من شأنها على أساس أن الغرب لم يعد يهتم بها كما يهتم بالرواية، وأنا لا أزعم بأنني أعرف جيدا ما يحدث في الغرب. لكن الذي أعرفه إننا في مصر والبلاد العربية مازلنا في حاجة للقصة القصيرة، وسنواصل كتابتها حتى لو رفضها الغرب وإمتنع عن كتابتها.
كتب صديقي محمود قاسم مسرحية فصل واحد جيدة – نشرها بمجلة إبداع في زمن الدكتور عبد القادر القط، عن مجموعة من المثقفين يجلسون حول مائدة، ويذمون في زميلهم غير الموجود بينهم، وكل منهم يعلم إنه لو تركهم؛ سيذمونه هو بدلا من زميلهم الغائب، ويحاول البعض ألا يبتعد حتى ى يكون مادة للنيل منه، لكنه يضعف ويضطر أن يترك المكان، فيهاجمونه، وهكذا، كلما قام أحدهم هاجموه وسبوه وذكروا عيوبه، وقد عبرت المسرحية عن حالة المثقفين في مصر.
.....
وأعرف زميلا آخر يكتب القصة القصيرة بمهارة، فأنا أحب قراءة قصصه، لكنه لا يجيد كتابة الرواية، وكلما إجتمعنا للتجهيز لعقد مؤتمر أدبي في الإسكندرية؛ أهمس في أذن الزميل الذي يجاورني قائلا: دلوقتي "زميلنا فلان"، سيطالب بأن يكون المؤتمر للقصة القصيرة.
وبالفعل، يمد يده طالبا الكلمة، ذاكرا مزايا القصة القصيرة وأهميتها.
فأقول له في هدوء شديد: لا يختلف إثنان عن أهمية القصة القصيرة، لكن ليس من المعقول أن تكون كل المؤتمرات للقصة القصيرة وحدها، ولا تنس أن المؤتمر السابق كان عن القصة القصيرة أيضا، لماذا لا يكون هذا المؤتمر للرواية؟!
ويصمت مضطرا. فقد إعتدنا أن يكون المؤتمر مرة للقصة القصيرة، والمرة الثانية للرواية.
و" زميلنا " هذا يكره الروائيين – خاصة السكندريين – زملاءه – وقد أثنى الدكتور السعيد الورقي على أول رواياتي الصعود فوق جدار أملس وهو يناقشها مخطوطة في قصر ثقافة الحرية، هو الوحيد الذي قرأها بين رواد الندوة، فإتفقت معي المسئولة عن الندوة على طبعها فى عدد خاص من مجلة الكلمة التي يصدرها القصر، فكان زميلنا هذا يقابلني في مدخل باب القصر قائلا لي بغيظ: حاتطلعلك رواية؟!
ولم توف المسئولة بما وعدت رغم الإتفاق، ورغم موافقة الأستاذ محمد غنيم - مدير الثقافة – وتوقيعه على الطلب. ففي آخر يوم عمل له في القصر- قبل سفره لأمريكا ليعمل ملحقا ثقافيا هناك- إستدعاني، وإستدعى المسئولة الثقافية، وقال لي أمامها: أنا بقولك قدامها، هي إللي مش عايزة تطبعلك الرواية.
وكعادتي، صمت، وسحبت المخطوط، وللآن لا أعرف سر تغيرها ورفضها لطبع الرواية.
وبعد أن طبعت الرواية على حسابي، تصدى " زميلنا " هذا لي ولكل روائي الإسكندرية، وأذكر بأنه ناقش رواية لكاتب مبتدئ، وكانت مكتوبة بالقلم الرصاص، فتحمس لها، وصاح بأعلى صوته – لدرجة أن السائرين بجوار جدار القصر يسمعونه - قال: الرواية دي أفضل من كل الروايات التي نشرت في الإسكندرية.
وكان يسألني في دهشة: أنتم بتكتبوا الرواية إزاي؟!
.....
كلنا كنا نعرف بحكاية الخطاب الفني الذي أرسله الأديب أحمد ماضي إلى صديقه صبري أبو علم –
كتبه وهو يعالج في المستشفى العسكري من رصاصات أصابت ظهره بعد فتح ساتر ترابي في خط بارليف في حرب 73؛ سهل لباقي الجنود الوصول لسيناء وإستردادها.
خطاب طويل أذاعه وقرأه صبري على الجميع، وإنتهت الحرب وترك أحمد ماضي الجندية، وعمل مهندسا معماريا في السعودية، وعندما عاد لمصر أسس شركة عقارية ناجحة، كانت تبني عمارات ومدارس ومساكن شعبية.
تعامل " زميلنا هذا الذي أحكي عنه والذي يكره الرواية والروائيين" مع أحمد ماضي على أنه لن يعود ثانية للأدب، فطلب من صبري الخطاب المقدس الذي أرسله إليه أحمد ماضي، ونقل منه وكتب قصة نشرها، ثم طلب الخطاب ثانية، وحوله لرواية دون ذكر المصدر الذي نقل منه.
......
وعاد أحمد ماضي للأدب وللكتابة بقوة وإندفاع مما ورط زميلنا، فقد فازت رواية – الممر - لأحمد ماضي - وهي لم تخرج عن نص خطابه الذي سبق أن أرسله لصبري. فازت روايته الممر بالجائزة الأولى في مسابقة أقامتها القوات المسلحة، ثم نشرت في أهرام الجمعة على أربع حلقات في شهر أكتوبر. ثم طبعها في كتاب، كتب مقدمته صبري أبو علم، فذكر فيه أن " زميلنا هذا" إستعان بالخطاب مرتين، وعند مناقشة الكتاب في القاهرة أثار محمد محمود عبد الرازق هذا، ولمح صحفي أدبي عنه في جريدة المساء، وكعادة " زميلنا " وعصبيته إتصل بالصحفي وسبه وأغلق السكة في وشه، فشكا الصحفي لرئيس تحريره - فقال له " أذبحه "، فظل لأعداد كثيرة يهاجمه، حتى تدخل البعض وتوسلوا إليه لكي يكف عن مهاجمته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى