خالد جهاد - الإيمان والمجهول

لا يقتصر مفهوم الإيمان في حياة البشر على الشق الديني بل يحمل في طياته مضموناً أكثر تشعباً وعمقاً وحساسيةً ليشمل طيفاً واسعاً من الأفكار والمشاعر والمعتقدات التي يرتكز عليها التوازن النفسي والروحي لكلٍ منا مهما تنوعت وتناقضت وخالف بعضها ما اعتدنا عليه، فالإيمان هو حالة من التصديق والإعتقاد والتناغم مع مبدأٍ أو مجموعة من المبادئء التي تشبهنا وتبعث الطمأنينة في نفوسنا (بغض النظر عن صحتها من عدمها) وعادةً ما يتسبب غيابها بزعزعة حالة الإستقرار والأمان الداخلي وتقود إلى التخبط الذي يأخذ أشكالاً وأنماطاً مختلفة من السلوكيات وردات الفعل الناتجة عن خوف من المجهول أو الفراغ الذي يخلفه غياب (الإيمان)..

فنحن كبشر على اختلافاتنا ليس فقط في المنطقة العربية التي تحظى بتنوع عرقي وديني وثقافي كبير بل على مستوى العالم بدأنا نلمس شيئاً فشيئاً حالةً من التهيب والترقب والقلق والإستقطاب التي يمكننا تمييزها بسهولة ضمن محادثاتنا وتعاملاتنا مع الآخرين، وضمن ما نلحظه من اهتماماتهم والمواضيع التي تشغلهم حالياً مقارنةً بما كان يشغل البشر في مطلع القرن الحالي، ليس فقط بسبب الظروف الإنسانية والإقتصادية التي يمر بها العالم ككل في العديد من البلدان، بل بسبب الآثار والتبعات النفسية والإجتماعية لهذه الأحداث والتي انعكست على حياتنا اليومية وغيرت من مشاعر الناس، ففقدوا ايمانهم بالكثير من القيم والمبادىء والأحلام وحتى الأشخاص عندما اكتشفوا أن كلاً منهم (مجرد أشياء) متغيرة بدورها حسب الظرف والحالة أو أنها (شعارات) لا تنطبق على الجميع وتخضع لحسابات القوة والمال وغيرها من القيم المادية والعنصرية، مما جعلهم أكثر تحفزاً وتحفظاً وانغلاقاً وعدوانية وأقل شعوراً بالأمان، كما خلقت لديهم حالة من التذبذب في العواطف حيث توجد تلك الرغبة لدى الكثيرين في الإقتراب من الغير لكنها لا تلبث أن تتراجع عنها خوفاً من (عواقبها) تبعاً لوجهة نظرها في الإنسان اليوم، والذي بات (تهديداً محتملاً) لغيره كما يتداول العامة في أحاديثهم..

فبعد أن تسبب التطور والتقدم في التقارب (الشكلي) بين الناس وزيادة السلوك الاستهلاكي لهم، اختفت حالة (الشوق) من الحياة.. لأي شيء ولأي مناسبة وحتى لأغلب الأشخاص، واختفت معها البهجة والانتظار المرتبطين بها فسرقا الكثير من المعاني التي عاشها البشر على مدار التاريخ وجردتهم من مشاعرهم أو أضعفتها على الأقل، ونقلاهما من التفكير بشكل كان يحاول الموازنة بين القيم المعنوية الأدبية وبين المادية إلى تفكير يحول كل شيء إلى سلعة معروضة قابلة للبيع والشراء، حيث لا مكان لوجود فكرة أو قيمة خارج هذا الإطار أو خارج هذه المعادلة إن صح التعبير (الا فيما ندر) ولم يعد معه مكان للإيمان بأي شيء حديث مقابل حالة من الحنين الجارف إلى الماضي الذي لم يكن بهذه القسوة كما يرى قطاع لا يستهان به من الآراء حولنا..

وهو ما بتنا نلحظه في استقبال الناس لأي فكرة أو خبر أو حتى اسم (جديد) في أي مجال حتى وإن كان فنياً أو ثقافياً، فقد يكون هناك نوع من المتابعة والفضول وحتى الإعجاب تجاه البعض، لكن لم يعد هناك من الارتباط أو التعلق بأحدهم أو (الإيمان) بما يقوله أو يقدمه كما كنا نرى في العقود السابقة، والدليل هو عدم مقدرة أحدهم على تثبيت هويته أو اسمه في وجدان الشعوب (الا نادرا) رغم زحام الأسماء وكثافة الظهور و(الأعمال) و(التسويق) لأصحابها بشكل فج، خاصةً بعد أن تلقت على مدار السنوات الأخيرة العديد من صفعات الخذلان من أسماء كانت تشعر بأنها تشبهها وتنتمي إليها لكن الحقيقة هي أنها لم تنتمي يوماً سوى لمصلحتها، وهو ما خلق تلك الفجوة العميقة التي (قد) يستحيل ردمها مع الجماهير، وهو ما نراه جلياً في تقدير الناس وحبها واعتزازها بأسماء بعينها رغم ابتعادها أو قلة ظهورها أو رحيلها مقابل ردود فعل سلبية تجاه الأكثرية الموجودة حالياً، والسبب ببساطة هو تجسيد الفئة الأولى لقيم وأحلام (يؤمن) بها الناس أما الفئة الثانية فتجسد ما (تؤمن) به بشكل شخصي، لذا كان لوجود (الإيمان) في حياتنا على الدوام أهمية قصوى لمقدرة أي منا على الإستمرار رغم صعوبة ظروفنا جميعاً ورغم اختلافها، فالإيمان والإنتماء والثقافة والوعي هم جذورنا الراسخة في الأرض وهم ما يحمينا من اقتلاع العواصف الهوجاء لنا في هذه المرحلة الحرجة من عمر الإنسانية..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى