جدوى عبود - قراءة في قصة "مضاجعة"... لوحةٍ. للكاتب العراقي عبدالله جعيلان

النصُّ

مضاجعة لوحة

غالباً ما كنتُ أراوده، وأتبعه كظل له أو كقرين, لا أعرف بالضبط ما كنتُ أصلاً! سوى أني أردتُ التحرر من تلك التراكمات التي تُحيط بيّ.

كنت أطارده إلى كل مكان حتى يضرب رأسه، مرة استيقظ منتصف الليل، همَّ قدماه؛ كي لا يتبول على نفسه وتجلس هي الأخرى توبخه، هكذا هم المُسنين يبوخون بعضهم على ذنب هم يقترفونه أيضاً. جلس في المرحاض وهو يدعك مقدمة رأسه الصلعاء قائلاً:

_ماذا لو خلقت بعوضة حتى أدخل في أنفي وأتخلص من كل هذا.

كانت تلك الفرصة المناسبة لأقنعه، زاحمتُ تراكمات مخيلته ووقفت ببراءة.

جفل بعد أن غسل فرجه بعصبية:

_أنتِ فكرة سيئة ولا أقضي وقتي بكِ كلوحة تافهة كفِّي عنِّي واتركيني أفكر بآلامي بوضعي الاقتصادي، فبنطالٌ واحد قد قضيت به هذا العام كيف بالعام القادم، لا أعرف ربما سأكون بسروالي الداخلي أو قل سأقضيه عارياً وعندها ستسعد تلك العجوز التي تثقب رأسي بنكدها، شمطاء تعيرني بجاري أنه قوي جداً ولا تعلم أنه ثورُ هائج جنسياً كأنه لم يرضع حليب قط في صغره وإنما السائل المنوي لثور أمريكي فحل، كفّي عني أرجوك.

رقد إلى فراشه بعد أن زحزح عجوزهُ جانباً، نظر إلى الجدار الذي كان يرنو إليه ببعض الذكريات التي ترافقني في خياله، نظر إلى لوحاته القديمة, رأى فيها شيئاً من الراحة التي جفلها في ما مضى، تفحصها بعينين ضيقتين، لاحَّ له توقيعه في ذيل لوحة تتوسط الجدار الذي جعلت منه الشقوق لوحة مميزة تحمل خيباته، كان توقيعه بأحرفٍ مائلة متقاطعة بفنية عالية تبدأ بالحرف الأول من إسمه (الرسام رسلي)، فمنذ آخر مرة عكف فيها عن الرسم بسبب ضعف نظره، لا، قل ربما بسببي فهو لم يستطع أن يكمل اللوحة تلك أو يكملني!

غاص في نومه بعد أن قلب على جهته اليمنى واضعاً يديه تحت رأسه كما كان معتاداً، تراكمت تلك الأحلام على موعدها، أردت أن أتوسلها كي تمنح لي فرصة واحد لكن رغبته التي فقدها في واقعه جعلته ينتمي إلى احلامه ومخيلته، فغالباً ما كان يستل حلم من خياله ثم يعيشه كأحد الفلاسفة أو يقف على كرسي ضخم لا يشبه كرسي منزله المتكون من كراتين طبقات البيض فيجلس وهو يرى كل شيء له مما تطيب نفسه. ومرة يستلقي على ظهره ويرى إحدى مقدمات البرامج وهي تداعبه بجسدها الغض الممتلئ ومؤخرتها المميزة فيضاجعها ويملأ سرواله الداخلي برقعة بيضاء, توبخه بعدها العجوز ما أن تراها صباحاً بصوتها المزعج الذي يشبه المحركات المعطلة صارخةً بقوة:

_من هذه المرة؟ فخرية لو السمينة (الأيجة) جارتنا.

تسعل قليلاً حتى تكمل بجدث:

_جا شمالني أني حارمني.

بعد عناء طويل أخذتُ مكاني في مقدمة أحلامه. كنت في وقتها دون قدمين فهو لم يكملني منذ وقت طويل لا أعرف السبب أو أعرفه ولا أتذكره، فمنظره كشاب وسيم بقوام ممشوق مع ابتسامة تجعلتني أقفز من مكاني، لكن قدماي لم تسعفاني, قال: "اشتقتُ لكِ", كلمتان ألقت بيّ كل مشاعر الانتقام ولا أعلم أي انتقام أقصد لكن بؤبؤ عينيه وهو يتسع يجعلني أشعر بوخزة في أسفل قدميَّ اللتان لم يكتملا بعد، أخرج ريشته وهو ينظر في عينيّ وكأنه يعلم معاناة من يقضي حياته مقعداً أو أنه شعر بلذة رؤية فتاة كاملة بجسد ممتلئ أمامه هذا ما فسره ارتفاع حاجبيه الرفيعين وقضم شفته السفلى. بدأ بخط قدميّ وأنا أشعر ببرودة تنسل بين أصابعي، لمعت عيناه وهو يبتعد قليلاً، مسح ما عليَّ من ملابس، رسم نهدين كبيرين بالنسبة لفتاة مثلي، أحسست بخطر ريشة قاتلة، لكن قدميَّ المربوطتان لا يساعدانني على الهروب، همَّ نفسه عارياً.. سقط من سريره، وبخته زوجته قائلة بعد أن رأت سرواله المبلل..

_من سعيدة الحظ؟

_لوحة قديمة.

_تطور ملحوظ يا حبيبي، فنان يضاجع لوحته، يبدو عنواناً مناسباً، من يزيد ؟.
......................... .......................
القراءة
.........
# وما النفس إلّا مالا يُعَدُّ من رغباتٍ لحوحةٍ مُندفعَةٍ تريد أن تُقضى حاجاتها.

من هنا: "خُلقَ الانسانُ من عَجل"
صدق الله العظيم.

# ما إلحاح المرأة في ذاكرة الرسام والأديب رسلي، سوى صورة لم تكتمل .
# وإن اكتملت يوماً؛ فبالجسد العاري وإظهار المفاتن تكونُ فاكهةً مشتهاةً؛ وفي قدمين سَرَت فيهما برودةٌ مُنعشةٌ ../ حياة/.
# امرأة في لوحة رسامٍ هي مرآةُ ذاته وكلُّ لوحةٍ هي بَعْضُه،
أمّا كلُّهُ فَ:
"هو، ورصِيدُهُ من اللَّوحات وما لم يَرْسم بعد".

# زوجته التي تزعقُ مرآةٌ أخرى لِوَعيٍ كَريهٍ تُقيّده الشَّيخوخةُ والعجزُ الجنسيِّ والحاجةُ للمال،والفشل.

# تراكماتٌ تَداعَت في اهتمامات الرجل .
/طالما هرب منها/ وتجاهلها؛ تمنى أن يكون بعوضة تدخل من أنفه إلى رأسه فيستريح..
# استعاض عنها بتخيُّل المذيعة مرة و بالجارة أخرى.

# اليوم وصلتْ الى لا وعيه فرسمها بما لاءم الأمنية، يقول على لسانها: أحسست بخطر ريشةٍ قاتلةٍ .
ربطُ ساقيها يدلُّ على عجز يأكل دماغه، فيستلذ في تقييد امرأة مشتهاة .
رسلي العاشق الوسيم الذي لم تكفه الكتابة ليكتب ذاته مع المرأة والجمال
انطلق في الرسم فرسمها.
بينما زوجةٌ عجوز تعرف عجزه؛ تنتظر مزاداً جديداً لعل أحداً يزيد.
النَّصُّ موزَّعٌ بين لوحةٍ لم تكتمل وعجوزٍ لم تكتمل حاجته.
#. لاالنص سريالي ولا الكتابة عبثيةٌ، إنّما
في الذَّات تَراكُماتٌ جعلت البطلَ العجوز واهناً حالماً، و جعلت المرأة رهن ريشته يرسمها بشغفٍ وشوق كي تُحقِّق قيمة مرتجاةً بالنسبة له
وحضوراً مميزاً واضحاً أبدياً بالنسبة لها من حيث هي هاجسٌ وأمنية.
# في النصِّ أفكارٌ وتداعياتٌ ورغبةٌ وعجز..
# في الفكرة ظلالٌ بعيدةٌ وقريبةٌ
ممتدةٌ على طول الزَّمن بين رسَّامٍ وشغفه ولوحاته.
من وجهة نظر المرأة الصامتة في لوحةٍ؛ أرجأ البطلُ إنجاز ما تبقّى منها لسنواتٍ، بقيت في الذاكرة تتبعه وتسألُه أن يزيح تراكمات عمره وهمومه ويضع عليها لمساته الأخيرة كي تنضج، فكان أن أنجز من خلالها خلاصة إحساسه الذي لايمرُّ به ضعفٌ ولا عجز.
# في النَّصِّ ما رأيته يستحق:
لمَ قالت غسلَ "فرجَ...ُ "وهو رجلٌ
وهي راوٍ عليم؟
لمَ أظهرت غيرة الزَّوجة وبشاعة صوتها وهو الذي يتحدث عنها من خلال امرأة أخرى داخلَ لوحةٍ..
أهي غيرةٌ أخرى افترضها خيال الكاتب في البطل؟
# هل لي أن أقف قليلاً عند أخطاءٍ إملائية ونحويَّةٍ كان غيابها سيُعلي النَّصَّ وهو عالٍ كفكرةٍ وبُنَىً وسرد؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى