بعد خمسين عاما من كتابة الشعر, وجدته لا يتمكن من احتوائي, ليس قصورا فيه او بمقدرتي عليه, فتوجهت الى النثر وتمكنت من كتابة اول رواية لي.
لقد اعتقدت, وكنت مخطئا, ان الالتزام بكتابة القصيدة والنأي عن خوض حقول اخرى ستساعد في انضاج شعر متفرد, ذات يوم نصحني صديق مقرب كاتب <لك كفاءة بتحليل الشخصية سيكولوجيا فلماذا لا تكتب بهذا الحقل)... وجدت رأيه صائبا فشرعت اكتب في (مجهر على القاع), وكان هذا العنوان اضاءة كافية للمحتوى, انه غور في الاشياء والارواح المنسية والانفس المهمشة .انه كشف لما خلف الابواب وما تحت السطح من حياتهم واماكنهم.
صنفت بعض نصوصه ابان نشرها بانها قصص , لم اعترض لان الدراما في الكتاب وفيرة لكن التصنيف بحاجة الى دقة وترو.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(استكشاف الشارع المعبد)
رغم وصفهم لكنه لم يحاول , مضت ثلاث سنوات منذ اشار اليه جاره المسن ( امامك جسر تعبره ويقودك الدرب الى الشارع الرئيس ) , بقيت ساعة على الافطار , يمر الوقت متثاقلا على الصائم , فخطا نحو ذلك الجسر , تناول من حافة الدرب الترابي انبوبا بلاستيكيا ليصّيره عصا ...هل الفضول متكلس لديه ؟! ام انه شديد الفضول لاشياء دون غيرها ؟ الهذا لم يسافر ؟ لكنه في مراهقته قصد المحافظات مرارا .. ووطيء كل شبر في مدينته قبل ان ينزوي .
على بعد مئتي خطوة رأى على يساره بقايا بستان تحاصره البيوت الحديثة من جهتين وتتدفق منه شبكة اسلاك مثبتة على اعمدة او جذوع النخيل .. هنا صاحب المولدة الثقيل , في اول ايام انتقاله هنا زاره لاصلاح سلك اطاحت به شاحنة ولم يقصد المكان ثانية من ثلاث سنوات , وراى ان طريقه يعترضه شارع فوضوي وعليه ان يختار جهة اليمين او اليسار ليصل الجسر .. وبعد تردد توجه يسارا ولم يتوقع ذلك العدد من البيوت العصرية ,بعضها تم تشييده واخرى طور الانشاء ,لاحظ اكواما من الرمل والطابوق والشبابيك غير المطلية المكفئة على الشارع المترب والرملي .. فجوات بين البيوت يظهر منها نبات القصب , اذن هو يتقدم مع النهر الذي تلوح أثاره وتتوارى , وعلى اليسار سلك مولدة احمر ثبت في نخلة آيلة للسقوط تتقدم سياجا من الاسلاك المشبكة خلفها ارض حرثت واهملت فانتشرت نبتات شوكية واعشاب قزمية فيها , وبقع من الملح .. ينتهي البستان بمجزرة نخيل :اثنان منهما سقطتا على مرتفعات ترابية تذكره بسبطانات المدافع , بعض جذورها ارتفعت عن الارض وكشفت عن احشائها , كتلا مخروطية ضخمة ذكرته بخلفيات الخبازات حيث حفظ مثلا عنها في طفولته ,كانت الجذوع مثل جمع تفجر وسطهم لغم : جذع يحضن جذعا وبعض تخفي بعضا .. تتعانق او تتقاطع او تتجاور او تبتعد برؤوس متيبسة او مبتورة الا واحدة فهي هناك تهاوت فاسندها جدار من البلوك , في اقصى البستان . وعندها رأى الشارع مغلقا في طريق العودة , راى سدرة زاخرة بالنبق الزيتوني <كان ثمرها من عاصفة ليلة امس قد تناثر على الارض وتعلق بنبتات الاشواك وعلق بين الشقوق > , وحيدة وحزينة فاقترب منها والتقط ما تساقط من الثمر المصفر ثم استقام والتقط خمس نبقات فقط .. انه لا يتحمس لهذا الثمر الا اذا جناه بيديه .
تقدم جهة اليمين .. راى بابا مفتوحا ومراهقات واخوانهم يظهرون الى العتبة ويدخلون في هرج , حتما انهم غرباء من السكان الجدد فاهل هذا الحي لا تفتح ابوابهم ويتعذر رؤية شابة تقف في باب او تمضي وحيدة للتسوق او غيره .
ونادته شجرتا سدر وبرهامة معمرة شاهقتين على بقعة مرتفعة جوار نهر صغير : هنا باثوابهن النيلية والحجاب حفاة وتلك الاذرع السمر التي تئن الارض من سطوتها ان غارت فيها المسحاة , يجلسون لتناول التمر واللبن في الساعة التاسعة .. ولكنهم رحلوا وتلاشت الحسرات , فالاحفاد لا تربطهم بالمنجل والعثوق اية مشاعر او صلة .
وراى الترع التي طمرت تماما او خلفت آثارها , بعدما غادرتها الاسماك الثمينة والسلاحف ومبيدات البعوض وصنارات الصيد,والادعية التي تقيهم الهزات والاوبئة .
عثر على الجسر الصغير فعبره ,نافثا حسرته على النهر المسجى بكل ما يحمل من الاحساس بالوحدة والاهمال وباحشائه حاوية المزبلة ورائحته النتنة .
كان يدفعه بعصاه الانبوب والشمس من بعيد تمطر مذهباتها على الشجيرات القزمية واجنحة الطيور التي تقصد اعشاشها وهؤلاء المتسارعون لبيوتهم في انتظار مدفع الافطار .. اجتاز فروعا ضيقة فمر على عشرة اشخاص يتقابلون , ظهورهم لابوابهم, اصابه قليل من الحرج, فقد قرر ان يلغي التحية بعدما تاكد ان الناس غادروا بساطتهم وانفوا من ردها لكنه انتصر على طبيعته فغادرهم بلا همس حتى بالشفاه وهم ينظرونه مستغربين .. اخيرا ظهر له الشارع الرئيس المعبد , فهناك في البعيد عبرت مسرعة بعض العجلات اصغر من حجمها .. وعندما عاد اخطأ الطريق المؤدي الى الجسر بحجم قنطرة بانابيه الصدئة.. وتوغل بعيدا عنها ,.. رآهم يتجمهرون صاخبين - مسنين و صغار نساء وفتيات ورجال , قطط وكلاب - في الزقاق المتعرج الذي يتخصّر حتى الاختناق .. حبل الغسيل مرتفع وسط الزقاق ,فسالته متلفعة بالعباءة وشعر انها تمر بلحظة حرج فقد مالت رقبتها قليلا ولمست ارنبة انفها ,(تبحث عن ماذا ؟ ) .. <انه هناك وراءك >.. قبل ثلاث سنوات كان يصطاد مواجها ظهور منازلهم: اسيجة من المزابل والصفائح والاسلاك الشائكة والاشجار التي تنحني حتى منتصف النهر .. سمعهم : شجار لا ينقطع ومجمع للشتم والسباب ... دفعته جائحة كورونا ان يقصد المكان قريبا جدا من منزله قبيل اذان المغرب بساعة لكنهم منعوه .. انهم مصنع لتدوير وتصدير الازمات ..هؤلاء الذين ينشرون الغسيل علنا ويهجرون بيوتهم ويفترشون في الازقة الموبوءة .
بعد دقائق عنهم.. في اللحظة التي طرق فيها الباب ,سمع من يرفع الاذان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجدار الطيني
الحائط الطيني او السد او الطوفة ليس تراكما من الطين. قبل ان يعبد الشارع ويستبدل القصب والبواري بالطابوق والبلوك , قبل ان تدخل الكيمياويات لتعجل نموالمخضرات وتفقدها نكهتها,لم يكن المذياع الا لغزا والكهرباء حتى حلما ,استدعى ابو ناصر ذلك الشاب المفتول العضلات الرياضي الجسم ليقيم ذلك السد من الطين .. انه عثمان ورث الحرفة من ابائه واجداده , فاقبل ذلك الصباح مع قريبه المراهق واعّول التراب المتحجر من ضربات المسحاة والمجارف والمعاول والسواعد المفتولة السمراء .. حفرا في حافة بستان ابو ناصر المطل على طريق متعرجة طويلة تحفه النخيل واشجار الكروم من الجهتين , اشتغلا بحفرة بعرض ثلاثة امتار وبطول اربعة , فلما اقترب الظهر ملئت الحفرة بالماء واعيد لها التراب مع الروث والتبن وداساها بالارجل واضافا بعض الحشيش المتيبس وغادرا .
استغرقا عشرة ايام , كل فجر يصلان لتلك الحفرة , يقلبان طينها ويضيفان عليه الماء من النهر القريب ويدوسان بالاقدام المتمرسة حتى استقرت طينة ناضجة .....
بعدها في صباح مبكر شمر اولاد ابو ناصر واصدقاؤهم الذين ياتون بعنوان السخرة .. يسمونها (عونة )في ابي الخصيب شمروا عن سواعدهم السمر وحفروا اساسا بعرض متر ثم اهيل فيه التراب وخمّر في الماء وديس بالاقدام , فيما كانت الصغيرات والنساء يهيئن التمر واللبن والرغيف من تنور الطين والزبد والماء من الخوابي والخيار والفلفل الحا ر والبصل .. وتصدرت الشهية العارمة لتقود معركة الاشباع .
هل خطر في بال ابو ناصر بان ذلك الحصن الطيني الذي يمتد لثلاثمئة مترا سوف لا يوفر حماية لبستانه النابض.
في ليلة من ليالي ايلول , بعدما طمره الماء وبناء على موعد مسبق , اخترق ذلك السد العملاق شاب وسيم من احفاد عثمان ... عرّاها على التراب الندي .. ولم تكن قد جربت حرارة الجسد , انامها على التراب وسط حلفاء على وجهها وبلا مقدمات اضاعها تحت جسده .. مثل دوزر بشري .. انه من احفاد عثمان الاشداء ... حاولت الصراخ وخشيت الفضيحة قضمت التراب والطين المتحجر ومزقت حمالة الصدر لتنجو , قضمت عروق النخيل النافرة , تشبثت بالسوس , مكيجها الطين, انشبت اظافرها بيديه حتى ادمته ... كان مشغولا بها عنها ,والتراب الذي غطاهما يستصرخ مستنجدا , وتركها بلا وعي حتى استعادت صحوتها قبيل الفجر , فنهضت تسحب جثتها الخاوية .
عندما انتصب الجدار الطيني العملاق سارعت الاشباح لتستوطنه والافاعي والجرذان والظلال واخترقت الشمس ثقوبه ونما عليه الشعير , وراءه تستظل نبتات الفلفل البارد والحار في ظل سعف البرحي .. وزحف الطرح والبطيخ والبزاليا جوار الترع والانهر ونمت اشجار الرمان والبمبر ,وتكفل الدلو بالسقي .. وتوالت الايام ساكنة لا يفزعها اضطراب ... ارواح رضية مستقرة .
اجتمع في ظل الجدار الطيني مناضلون يراجعون خططهم بتوزيع الصحف والكتب السرية ويتفقون على رموز قبل ان تجهز على حماسهم معتقلات الصحارى .... اليوم نفق بعض هؤلاء المناضلين واستشهد اخر , وغزا الشيب من تبقى , وعندما توفر مناخ الديمقراطية وتحقق حلمهم , تآ زروا على الاعتكاف , ولم تحركهم موجة التحول .
في البدء كان السد الطيني يشّيد لارتفاع نصف متر ويترك لتجففه الشمس , ثم تراكم اياد ماهرة عليه الوحل الناضج .
استمع السد لتأوهات < صبرا > التي هجرها زوجها ولم تنفع معه حمرة ديرم وضعت بلا وشم او نجوم , ولا تلك الارجل التي صقلتها حجارة مفخورة نقعت زمنا في الماء ,ولم تشفع لها الحفافة الماهرة التي صيّرت الخدين والوجنات رمانا يتوهج .
وصلت صبرا في الساعة الثامنة من ليلة غزيرة المطر , تصحبها اثنتان من صديقاتها , وعقدت شوكة متيبسة برزت من السد , وتلت بعض الايات ثم عقدتها بخيط اصفر ورشتها بالماء وخاطبتها ( اخضّري وساذبح لك ديكي تبركا بجاه ... اريد ان يعود زوجي لي )
لم يدرك ابو ناصر التحولات اللاحقة , سترفض الارض الوان الشتلات, يتصحر البستان وقد جفت التربة ,وفقدت خصوبتها ووهن منسوب الماء واشتدت الملوحة ... سيتحول بستانه ميدانا للمزمجرات والمدافع الثقيلة , ستزدحم فيه الالغام وتستعمره الارضة , ستعاني نخيله من مقابر جماعية , سترتدي حفيداته البنطلون ولم يعد من رقيب اخلاقي عليهن سوى الفضائيات , سيغادر المسحاة احفاده , ويشتغلون بالمهن الحرة او يتوظفون , سوف يتيّتم المرود والناعور , وتتوالى صفعات الامطار والعواصف والعابثين والصدمات على الجدار , ....
وشيئا فشيئا يشيخ وينحني متأوها على عمود الكهرباء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(مذكرات معتزل)
نادرا اقصد السوق ..اليوم ذهبت اليه مستعجلا...كنت اتلبد عن الاصدقاء لامّرسريعا..فقائمة التبضع تدّوخ..اذا احد يمسك كتفي وبعد قبلات وهز ايادي وتكتيف..وترحيب..وشلونك ؟..كيف الاهل..تزوجت لو بعدك ؟..شنو غداكم ومئات الاسئلة المطرية. ..قال( ابشرك..تم اكتشاف داء للسرطان بخمسة ايام.)..فابتسمت وهممت بالوداع.. فامسك كتفي متحمسا( تدري شلون ...بالجرية...ولو هي حرام)... قلت موفقين ..وخطوت خطوتين...فلحق بي وامسكني كمتهم يحاول هربا..واكمل.. الجرية على نار ثم تعصر وتاخذ دهنها. وكل يوم تتناول ملعقة شاى...ابو محمد راح منه سرطان..وام سليمة الخبازة والحفافة مكية وابو مهدى... شكرته وخطوت خطوتين فلحق بي ..( اسمع وكشفوا دواء للسكر مجرب ) وراح يشرح....رايت الشمس تغرب وانا مكلف بتبضع...قلت في نفسي : صحيح هنا نطبق ( دعه يتوقف..ليس لديه عمل.).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الشقي الحبلى )
كنت صغيرا..حضرت عرسا..تواجد فيه احد اخطر شقاواة البصرة..حدث ذلك في بستان صغيرة تحده اكواخ من القصب .. الضوء باهت ..كان اهل العريس حييل متدينين ..فلم يسمحوا باحتساء الخمور اويستدعوا فرقة الخشابة < كما يكتفي الان من اصنافهم ب -المولود- >.
فرغب ان يلطف الجو رجل حسير الرأس اسمر قصير من اقرباء العريس , يرتدي دشداشة بيضاء فتوسط المحتفلين واخذ يروي حكاية دخل واحد على الدكتور وبحزامه الجلدي سكين وخنجر وهو يمسك قامة بيده وبوكس حديد..فعرفه الدكتور..وضاج منه قال في نفسه ــ لازم أادب هذا المستهتر ــ: فامره ان يتمدد على ظهره وركز بفحصه على بطنه ثم فقال له - ابني انت حامل-..
اجابه
ــ وسفة شلك بها الحجي وخرج...
مشى يكلم روحه ( الدكتور دارس وفاهم واخاف متوهم او اكو شي ...خل اروح لغير طبيب) فدخل على طبيب اخر وحدثه بتشخيص الطبيب الاول ...ففهم الدكتورالقضية .. وبعد ان فحصه : ( عمي انت حامل عليك سادس)... فصعق الشقي واستفسر :والحل؟ فقال له ( عمي تروح تبحث عن حفرة وتقضي حاجتك بعد ما تشرب هذا الدواء)....
ومضى الشقاوة ووجد حفرة فجلس عليها وافلت ريحا...فعبر جرذ ضخم من تحته ... فصرخ به : (( بن الكلب انت متربن (بدين ) مثل ابو ك!!))....
فارسل الشقي على المتحدث وأمسك رأسه بيديه وهو جالس...وصدم رأسه برأسه (كله) فسقط مغشيا عليه..... فحملوه الناس وزف العريس خلال دقائق وانتهت الحفلة تماما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(اليوم .. بالضبط اليوم )
غروبا كنت اجتاز الزقاق الضيق شبه المظلم ...عثرات( من اكوام رمل وحصى وسلع مهملة وبراميل بدينة واطفال يمرون مسرعين بدراجات هوائية .. واناس من داخل البيوت ترمي المياه العفنة وشبات كهرباء .... ومشبكات المكيفات تندفع لخارج البيوت لتلاقيها مشبكات من الجهة المقابلة .........)... في هذا الزقاق الخانق كنت اجتاز فتاتين تتعمدان ترقيص الجسد..واستعراض التقوسات .. احداهما تسبق الاخرى وتلتفت اليها مبتسمة .. كنت محرجا وحاولت الاجتياز فلم اتمكن ... شعرت انهما تتعمدان احراجي .. (شاهدت ما يكفي ولا يستقطبني الاستعراض وما جمال المراة ان وضع بدكان دلالية او مزاد __ دعوني امر ؟؟)...اخيرا وجدت فسحة فاسرعت مجتازا ... وفي لحظة المرور اعترضتنى من الارض قنينة ماء بلاستيكية .. كدت اهوي وهما مستمتعتان باحراجي .. هناك بشر مثل المكروبات .. يغزون عزلتك وافكارك ونخاعك الشوكي .. احتلال معاصر.. قد يتحول الاخرون الى جحيم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ثلاثة حوادث في شهر)
في شهر دهس زوجها رجلين فماتا,اثناءها كانت تسعى امتارا وتعود بعباءة رثة ,تحسبها اصيبت بخبل من قصر قامتها وترابية وجهها وتوتر يديها .... يسألها الجيران عن زوجها فتقول : ( لا ادري ).
افرج عن زوجها مرتين , بعد تسوية مع اهالي الضحايا , بديتين قاصمتين .. فلما انتهى الشهر وهدأ الضجيج , تقدمت لصبي جارهم البهي وخاطبته : (والله ساكسر يدك )..
ومضى الطفل , صارخا , يسح دم يده التي اصيبت بكسر بليغ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(فراغهم)
رجل في الثلاثين .. تزيده العوينات والغضون والصفرة وبقايا لحية مرقطة غموضا..بدشداشته الرصاصية يستقر على كرسي امامي .. بين حاسبات وشاشات اعدت للصيانة .. تأملني ساهما ثم رشني بالاسئلة المتلاحقة (الم تعرفني , انا ابو مهدي ) تحتاج فراسة لتلتقط ابتسامة نحتها بصعوبة .. (آسف لم اتذكر ) .
ــ تذكر جيدا...الا تعرف ام حمزة ؟
ــ جارتنا , لدى ابنها سيارة كية ..
ــ لا انهم ..
ـــ تذكرت , عائلة ابو حمزة السائق الطيب.
ـ نعم ..(هل لديك اخوان ؟ كم اخا ؟ اين تعمل ؟ هل ما تزالون بنفس داركم ؟هل تزوجت؟ كم طفلا ؟لماذا لم (تصعد ) ... الجميع صعدوا ... امك ابوك حيان يرزقان )...اجبته عن سؤالين..ثم التفت اليه :
ــ يا اخي سألت كثيرا .. والان اجبني (ما تفسيرك للآية ((وعسى الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم))..
فصعق وسرح قليلا وتقلص وجهه فقال :
ــ يعني ان الله يرزق من يشاء ...
اجاب متلعثما , كمن صعق وتغيرت ملامحه واعتصم بعدها بالسكوت .
في اليوم الاخر , قصدت ظهرا محل انشائيات ... لتسديد مبلغ بسيط .. كنت متعبا , وفاجأني ان محله مغلق ..فسألت احد المارة ( اين منزله ؟)
ـ هنااك , اخر الزقاق ...
فتدخل غلامان (تريد من؟ ) وقبل ان اجيب اتى طفل وسخ (ماذا تريد ؟) ... لم اجبه فسأل الغلامين .... فتقدمت في وابل من النظرات المستفسرة .. فدخلت زقاقا عرضه اقل من مترين, تجري فيه ساقية قذرة , فضغطت علي بيوت ضيقة انشئت لصقا من مخلفات الصفيح والبلوك والعصي والاشراك والطابوق العتيق والورق المقوى وابواب الثلاجات الخربة واذرع الاسرة ..وخنقني ما كتب عليها من تفاهات .. صناديق بشرية .. اشبه بزنزانات ..محرقة للنفوس ومضيعة للعمر ..اسلاك الكهرباء تتشابك مع اسلاك الامبير ...خارطة عنكبوتية ...بعد خطوات لحظت شابا قلقا .. كأنه تناول حبة مسكرة :
ــ (اين منزل صاحب الانشائيات؟ ),
ـ وماذا تريد منه ؟..فشرحت له.
قال(انه ابي اعطني المبلغ..او خلفك الباب فاطرق ).
وظهرت يد امراة (ما تريد منه ؟) ... وفسّرت .. فظهر الرجل .(انتظرني جوار باب المحل .. اشرب الشاي والتحقك .. لا فكة عندي الان )
انفس افرغت فتفسخت .. وارعبت فحذرت ...طحنها اليأس والتأجيل..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(سينما...)
الليلة ..التاسعة مساء...اغلقت الابواب..الظلمة وحدها تحتل الشوارع..قلت افكر بمشغلات انهي بها يومي..فجأة اصوات تعلو..عباءاتتتجمع..تصحوالبيوت..ترمي احشاءها البشرية..تتكدس قرب دكان بسطة ينفتح من جدار منزل ...البائعة تنهشهم وينهشون..تدعي اتلفوا سلعة واتى صغيرهم يعيدها..ينكرون...ينضج الصياح والسباب....يتفرقون....فاصل فيتجمهرون.....عتاب. ..انها الساعة العاشرة....يتدفق السبات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(قالع الاقنعة)
بقي الانسان قرونا يعاني ويتمزق من حقيقته حتى تمكن من اكتشاف القناع ...فاستقرت روحه .. وتجرأ ان ينظر لوجهه في المرايا باطمئنان ... فجأة ظهر قالع الاقنعة ودخل المدينة فاجتمع اهل القرية اجتماعا طارئا وقرروا اغتياله ليلا ..ولكنه تمكن من الافلات .. وظل يفزعهم في الليالي ..وظل شبحه يطاردهم ...حتى اخترعوا الوهم .وهكذا استقرت الارواح في مدينة الاشباح .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( زنجيات)
قبل ساعة ..فتحت الباب..ضحى بديع....شمس ناعسة..واكثر البيوت المتعبة كتب عليها بخط بدائي ( الدار للبيع )...لحظت كلبا زنجيا. يستلقي. على تراب..نومعميق..تعبث قربه الاطفال..تمر به العجلات...الستوتات..تخترقه اصوات مزعجة..وهو لا يتحرك..قلت في زمن الضجيج...وتكاثف التفاهات. ..هناك حلول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( مزعجات )
صحوت ثقيل الظل مجهدا ..على صوت رصاص لرأسي..مثل هجوم بصحراء على جند نائمين..انتﻻ تدري بنومك هل اسروا بك الى عمق السماء فتتلقفك العصي الغليضة جزاء لذنوبك..او عانيت من غرق في محيط..او فقدت محبوبا او ثروة او جزءا من جسدك...هل وقعت اسيرا بالف وربع...خس لومي فاش بالف..بصل..).... بايديمتوحشين..لكن سلامات ما حدث صوت وحشي تطلقه مكبرة صوت من عربة مرت بزقاق ضيق جوار شباك غرفتي....(اتﻻثة باذنجان بالف..برتقال.)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( عباس الكشاف)
كان جارنا كشافا (قارئ كف ), شبه ضرير وامراته القصيرة الملحاء البدينة , لا يعرف وجهها من ظهرها , تتمايل وهي تسعى بعباءتها الممزقة يمينا والى اليسار .شاهدته مرة ليلة الجمعة يقوده نجله وقنينة العرق (خمر قوي ) يظهر رأسها من جيب البرج من دشداشته كان يرسلني لصاحبة البسطة (ام شلتاغة ),فاشتري له باصورك وحمص ومكسرات عفنة بخمس فلوس .. فيعمل منها دواء للخايبات.. ومن لا تنجب عليها ان تنام ليلة في بيته ( ليعزم عليها )الجن فتمضي حبلى .المهم اتت له امرأة من الكويت .. ليذلل لها قلب زوجها , فهو يهجرها بالسرير ...فعمل لها رموزا بورقة واعطاها مطحون المكسرات العفنة لتتناولها ليلة الجمعة ... -فمضت المرأة للكويت وعادت بهدايا ثمينة للكشاف .. صار زوجها محبس...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( لا برصاصة طائشة )
ايها الموت اتفهم وفاءك.. وسنلتقي يوما...لا بد نلتقي..لا ادعي بطولة او استقبالك صوفيا كما في الهند...لي رجاء وحيد...ان نلتقي بمشهد مشرف..لا برصاصة يطلقها رجل مخدر..او بعجز جسدي.. منذ الصغر
عرفتها رحلة مختصرة ..تلك الايام التي نحرص فيها على الزائلات..وانك ستأتي لتحسم المعركة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( احتلال)
الطارقون ﻻ يتوقفون(بائعو الغاز..جباة الكهرباء...الطارقون خطأ باحثين عن بيت للايجار..موزعو بطاقات اﻻعراس والمااتم..الشحاذون....الدوارة ممن يشترون الطحين واﻻثاث المستهلك...)...غرفتي قرب الباب...اتعبني الطرق واﻻصوات البذيئة... اصعبها ان يطرق شحاذ في الثانية ظهرا.. طارقابعصاه..سالبا هجعتك...اي كلب بن الكلب اﻻ الظهر..ما عندك سم الحسن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(صداقة)
كنا نعتمد على خزين الذاكرة اكثر من الاوراق.. لهذا مزقنا او اهملنا كل الرسائل المتبادلة بيننا .. ورأبت ان اثبت هذين الرسالتين اللتين نجتا من المحرقة ويد الاهمال , معلما اثريا يعكس الصداقة التي امتدت لاكثر من ربع قرن ,
(( تمكنت من التحليق عميقا , لان اجنحتك صقرية ,, تألمت حد الفتك.. لكنا لنم نرك الا باسما (تمر بك الصفعات كلمى هزيمة ــ ووجهك وضّاح وثغرك باسم ) ,. تخاصمنا كثيرا وبردت بيننا الخطى وطالما مسّنا الثلج لكن صداقتنا صمدت . غضبت مني لاني كتبت عنك ( فيك النقيضان اقبال وادبار ) لكنك هكذا : عين الى السماء واخرى الى الجمال , والان يا صديقي , هل تتفق معي بان من المؤسف بعد ان دخلنا مصهرة الخمسين عاما .. ان نموت على الفراش ؟؟!!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(شهادة فاخرة من صديقي)
(الصديق وطن )
ردا على مقولة الاستاذ برقان النجفي <ك.ح.س >:
<الانسان كالالماسة يشع (نورا وظلمة ) الى كل الاتجاهات , ولعلك تتعرف الى اغلبه حين يسكن صداقتك . والاستاذ الواعي للكليات والمتبصر بالدقائق كانت لي معه سياحة مع الادب والجمال والمغامرات العصية على الاختباء . مذ تعرفت اليه وكتب لي في ظهيرة صيف :
( وعدت تطرق ابواب الرياح فلا
قلب سيفتح او كف سوى الذئب .
كم انت تنسى : قناع الريح هدأتها
وفي امانك الوان من الرعب ك .ح . س)..
كان الحصار حينها يعتصر الوجوه في مرحلة اخرى من الاضطهاد القسري القدري لشعب كان يوما صانعا للحضارة .
ومن يومها كان لروح الادب والفكر محطات وسهرات , مثلما التنقل بين جماليات المكان لتذوق نكهة التاريخ والانسان .
تعرفت الى هدوئه الندي وصمته الثر وهدير نقاشاته وهو يتنمر , واضاءت تحليلاته حدائق ومدافن النفوس البشرية معه ( شاهدت ما يكفي ) من سنوات كالصبار والندى او قوافل العطر والنساء الفاتنات .
والان نمضي بنضوج المخيلة . معا نكتشف ما تبقى من نوافذ ومعالم ونحاول منفذا الى اعماق السماء ونبتكر المباهج من جديد .
ما زلنا نتعرف كل يوم الى صباح جديد ..
شكرا ساقولها حين نكف عن الاكتشاف والتجوال والحب
ولن نكف !
بصرة 2018
×××××××××
يتبع
.../...
لقد اعتقدت, وكنت مخطئا, ان الالتزام بكتابة القصيدة والنأي عن خوض حقول اخرى ستساعد في انضاج شعر متفرد, ذات يوم نصحني صديق مقرب كاتب <لك كفاءة بتحليل الشخصية سيكولوجيا فلماذا لا تكتب بهذا الحقل)... وجدت رأيه صائبا فشرعت اكتب في (مجهر على القاع), وكان هذا العنوان اضاءة كافية للمحتوى, انه غور في الاشياء والارواح المنسية والانفس المهمشة .انه كشف لما خلف الابواب وما تحت السطح من حياتهم واماكنهم.
صنفت بعض نصوصه ابان نشرها بانها قصص , لم اعترض لان الدراما في الكتاب وفيرة لكن التصنيف بحاجة الى دقة وترو.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(استكشاف الشارع المعبد)
رغم وصفهم لكنه لم يحاول , مضت ثلاث سنوات منذ اشار اليه جاره المسن ( امامك جسر تعبره ويقودك الدرب الى الشارع الرئيس ) , بقيت ساعة على الافطار , يمر الوقت متثاقلا على الصائم , فخطا نحو ذلك الجسر , تناول من حافة الدرب الترابي انبوبا بلاستيكيا ليصّيره عصا ...هل الفضول متكلس لديه ؟! ام انه شديد الفضول لاشياء دون غيرها ؟ الهذا لم يسافر ؟ لكنه في مراهقته قصد المحافظات مرارا .. ووطيء كل شبر في مدينته قبل ان ينزوي .
على بعد مئتي خطوة رأى على يساره بقايا بستان تحاصره البيوت الحديثة من جهتين وتتدفق منه شبكة اسلاك مثبتة على اعمدة او جذوع النخيل .. هنا صاحب المولدة الثقيل , في اول ايام انتقاله هنا زاره لاصلاح سلك اطاحت به شاحنة ولم يقصد المكان ثانية من ثلاث سنوات , وراى ان طريقه يعترضه شارع فوضوي وعليه ان يختار جهة اليمين او اليسار ليصل الجسر .. وبعد تردد توجه يسارا ولم يتوقع ذلك العدد من البيوت العصرية ,بعضها تم تشييده واخرى طور الانشاء ,لاحظ اكواما من الرمل والطابوق والشبابيك غير المطلية المكفئة على الشارع المترب والرملي .. فجوات بين البيوت يظهر منها نبات القصب , اذن هو يتقدم مع النهر الذي تلوح أثاره وتتوارى , وعلى اليسار سلك مولدة احمر ثبت في نخلة آيلة للسقوط تتقدم سياجا من الاسلاك المشبكة خلفها ارض حرثت واهملت فانتشرت نبتات شوكية واعشاب قزمية فيها , وبقع من الملح .. ينتهي البستان بمجزرة نخيل :اثنان منهما سقطتا على مرتفعات ترابية تذكره بسبطانات المدافع , بعض جذورها ارتفعت عن الارض وكشفت عن احشائها , كتلا مخروطية ضخمة ذكرته بخلفيات الخبازات حيث حفظ مثلا عنها في طفولته ,كانت الجذوع مثل جمع تفجر وسطهم لغم : جذع يحضن جذعا وبعض تخفي بعضا .. تتعانق او تتقاطع او تتجاور او تبتعد برؤوس متيبسة او مبتورة الا واحدة فهي هناك تهاوت فاسندها جدار من البلوك , في اقصى البستان . وعندها رأى الشارع مغلقا في طريق العودة , راى سدرة زاخرة بالنبق الزيتوني <كان ثمرها من عاصفة ليلة امس قد تناثر على الارض وتعلق بنبتات الاشواك وعلق بين الشقوق > , وحيدة وحزينة فاقترب منها والتقط ما تساقط من الثمر المصفر ثم استقام والتقط خمس نبقات فقط .. انه لا يتحمس لهذا الثمر الا اذا جناه بيديه .
تقدم جهة اليمين .. راى بابا مفتوحا ومراهقات واخوانهم يظهرون الى العتبة ويدخلون في هرج , حتما انهم غرباء من السكان الجدد فاهل هذا الحي لا تفتح ابوابهم ويتعذر رؤية شابة تقف في باب او تمضي وحيدة للتسوق او غيره .
ونادته شجرتا سدر وبرهامة معمرة شاهقتين على بقعة مرتفعة جوار نهر صغير : هنا باثوابهن النيلية والحجاب حفاة وتلك الاذرع السمر التي تئن الارض من سطوتها ان غارت فيها المسحاة , يجلسون لتناول التمر واللبن في الساعة التاسعة .. ولكنهم رحلوا وتلاشت الحسرات , فالاحفاد لا تربطهم بالمنجل والعثوق اية مشاعر او صلة .
وراى الترع التي طمرت تماما او خلفت آثارها , بعدما غادرتها الاسماك الثمينة والسلاحف ومبيدات البعوض وصنارات الصيد,والادعية التي تقيهم الهزات والاوبئة .
عثر على الجسر الصغير فعبره ,نافثا حسرته على النهر المسجى بكل ما يحمل من الاحساس بالوحدة والاهمال وباحشائه حاوية المزبلة ورائحته النتنة .
كان يدفعه بعصاه الانبوب والشمس من بعيد تمطر مذهباتها على الشجيرات القزمية واجنحة الطيور التي تقصد اعشاشها وهؤلاء المتسارعون لبيوتهم في انتظار مدفع الافطار .. اجتاز فروعا ضيقة فمر على عشرة اشخاص يتقابلون , ظهورهم لابوابهم, اصابه قليل من الحرج, فقد قرر ان يلغي التحية بعدما تاكد ان الناس غادروا بساطتهم وانفوا من ردها لكنه انتصر على طبيعته فغادرهم بلا همس حتى بالشفاه وهم ينظرونه مستغربين .. اخيرا ظهر له الشارع الرئيس المعبد , فهناك في البعيد عبرت مسرعة بعض العجلات اصغر من حجمها .. وعندما عاد اخطأ الطريق المؤدي الى الجسر بحجم قنطرة بانابيه الصدئة.. وتوغل بعيدا عنها ,.. رآهم يتجمهرون صاخبين - مسنين و صغار نساء وفتيات ورجال , قطط وكلاب - في الزقاق المتعرج الذي يتخصّر حتى الاختناق .. حبل الغسيل مرتفع وسط الزقاق ,فسالته متلفعة بالعباءة وشعر انها تمر بلحظة حرج فقد مالت رقبتها قليلا ولمست ارنبة انفها ,(تبحث عن ماذا ؟ ) .. <انه هناك وراءك >.. قبل ثلاث سنوات كان يصطاد مواجها ظهور منازلهم: اسيجة من المزابل والصفائح والاسلاك الشائكة والاشجار التي تنحني حتى منتصف النهر .. سمعهم : شجار لا ينقطع ومجمع للشتم والسباب ... دفعته جائحة كورونا ان يقصد المكان قريبا جدا من منزله قبيل اذان المغرب بساعة لكنهم منعوه .. انهم مصنع لتدوير وتصدير الازمات ..هؤلاء الذين ينشرون الغسيل علنا ويهجرون بيوتهم ويفترشون في الازقة الموبوءة .
بعد دقائق عنهم.. في اللحظة التي طرق فيها الباب ,سمع من يرفع الاذان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجدار الطيني
الحائط الطيني او السد او الطوفة ليس تراكما من الطين. قبل ان يعبد الشارع ويستبدل القصب والبواري بالطابوق والبلوك , قبل ان تدخل الكيمياويات لتعجل نموالمخضرات وتفقدها نكهتها,لم يكن المذياع الا لغزا والكهرباء حتى حلما ,استدعى ابو ناصر ذلك الشاب المفتول العضلات الرياضي الجسم ليقيم ذلك السد من الطين .. انه عثمان ورث الحرفة من ابائه واجداده , فاقبل ذلك الصباح مع قريبه المراهق واعّول التراب المتحجر من ضربات المسحاة والمجارف والمعاول والسواعد المفتولة السمراء .. حفرا في حافة بستان ابو ناصر المطل على طريق متعرجة طويلة تحفه النخيل واشجار الكروم من الجهتين , اشتغلا بحفرة بعرض ثلاثة امتار وبطول اربعة , فلما اقترب الظهر ملئت الحفرة بالماء واعيد لها التراب مع الروث والتبن وداساها بالارجل واضافا بعض الحشيش المتيبس وغادرا .
استغرقا عشرة ايام , كل فجر يصلان لتلك الحفرة , يقلبان طينها ويضيفان عليه الماء من النهر القريب ويدوسان بالاقدام المتمرسة حتى استقرت طينة ناضجة .....
بعدها في صباح مبكر شمر اولاد ابو ناصر واصدقاؤهم الذين ياتون بعنوان السخرة .. يسمونها (عونة )في ابي الخصيب شمروا عن سواعدهم السمر وحفروا اساسا بعرض متر ثم اهيل فيه التراب وخمّر في الماء وديس بالاقدام , فيما كانت الصغيرات والنساء يهيئن التمر واللبن والرغيف من تنور الطين والزبد والماء من الخوابي والخيار والفلفل الحا ر والبصل .. وتصدرت الشهية العارمة لتقود معركة الاشباع .
هل خطر في بال ابو ناصر بان ذلك الحصن الطيني الذي يمتد لثلاثمئة مترا سوف لا يوفر حماية لبستانه النابض.
في ليلة من ليالي ايلول , بعدما طمره الماء وبناء على موعد مسبق , اخترق ذلك السد العملاق شاب وسيم من احفاد عثمان ... عرّاها على التراب الندي .. ولم تكن قد جربت حرارة الجسد , انامها على التراب وسط حلفاء على وجهها وبلا مقدمات اضاعها تحت جسده .. مثل دوزر بشري .. انه من احفاد عثمان الاشداء ... حاولت الصراخ وخشيت الفضيحة قضمت التراب والطين المتحجر ومزقت حمالة الصدر لتنجو , قضمت عروق النخيل النافرة , تشبثت بالسوس , مكيجها الطين, انشبت اظافرها بيديه حتى ادمته ... كان مشغولا بها عنها ,والتراب الذي غطاهما يستصرخ مستنجدا , وتركها بلا وعي حتى استعادت صحوتها قبيل الفجر , فنهضت تسحب جثتها الخاوية .
عندما انتصب الجدار الطيني العملاق سارعت الاشباح لتستوطنه والافاعي والجرذان والظلال واخترقت الشمس ثقوبه ونما عليه الشعير , وراءه تستظل نبتات الفلفل البارد والحار في ظل سعف البرحي .. وزحف الطرح والبطيخ والبزاليا جوار الترع والانهر ونمت اشجار الرمان والبمبر ,وتكفل الدلو بالسقي .. وتوالت الايام ساكنة لا يفزعها اضطراب ... ارواح رضية مستقرة .
اجتمع في ظل الجدار الطيني مناضلون يراجعون خططهم بتوزيع الصحف والكتب السرية ويتفقون على رموز قبل ان تجهز على حماسهم معتقلات الصحارى .... اليوم نفق بعض هؤلاء المناضلين واستشهد اخر , وغزا الشيب من تبقى , وعندما توفر مناخ الديمقراطية وتحقق حلمهم , تآ زروا على الاعتكاف , ولم تحركهم موجة التحول .
في البدء كان السد الطيني يشّيد لارتفاع نصف متر ويترك لتجففه الشمس , ثم تراكم اياد ماهرة عليه الوحل الناضج .
استمع السد لتأوهات < صبرا > التي هجرها زوجها ولم تنفع معه حمرة ديرم وضعت بلا وشم او نجوم , ولا تلك الارجل التي صقلتها حجارة مفخورة نقعت زمنا في الماء ,ولم تشفع لها الحفافة الماهرة التي صيّرت الخدين والوجنات رمانا يتوهج .
وصلت صبرا في الساعة الثامنة من ليلة غزيرة المطر , تصحبها اثنتان من صديقاتها , وعقدت شوكة متيبسة برزت من السد , وتلت بعض الايات ثم عقدتها بخيط اصفر ورشتها بالماء وخاطبتها ( اخضّري وساذبح لك ديكي تبركا بجاه ... اريد ان يعود زوجي لي )
لم يدرك ابو ناصر التحولات اللاحقة , سترفض الارض الوان الشتلات, يتصحر البستان وقد جفت التربة ,وفقدت خصوبتها ووهن منسوب الماء واشتدت الملوحة ... سيتحول بستانه ميدانا للمزمجرات والمدافع الثقيلة , ستزدحم فيه الالغام وتستعمره الارضة , ستعاني نخيله من مقابر جماعية , سترتدي حفيداته البنطلون ولم يعد من رقيب اخلاقي عليهن سوى الفضائيات , سيغادر المسحاة احفاده , ويشتغلون بالمهن الحرة او يتوظفون , سوف يتيّتم المرود والناعور , وتتوالى صفعات الامطار والعواصف والعابثين والصدمات على الجدار , ....
وشيئا فشيئا يشيخ وينحني متأوها على عمود الكهرباء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(مذكرات معتزل)
نادرا اقصد السوق ..اليوم ذهبت اليه مستعجلا...كنت اتلبد عن الاصدقاء لامّرسريعا..فقائمة التبضع تدّوخ..اذا احد يمسك كتفي وبعد قبلات وهز ايادي وتكتيف..وترحيب..وشلونك ؟..كيف الاهل..تزوجت لو بعدك ؟..شنو غداكم ومئات الاسئلة المطرية. ..قال( ابشرك..تم اكتشاف داء للسرطان بخمسة ايام.)..فابتسمت وهممت بالوداع.. فامسك كتفي متحمسا( تدري شلون ...بالجرية...ولو هي حرام)... قلت موفقين ..وخطوت خطوتين...فلحق بي وامسكني كمتهم يحاول هربا..واكمل.. الجرية على نار ثم تعصر وتاخذ دهنها. وكل يوم تتناول ملعقة شاى...ابو محمد راح منه سرطان..وام سليمة الخبازة والحفافة مكية وابو مهدى... شكرته وخطوت خطوتين فلحق بي ..( اسمع وكشفوا دواء للسكر مجرب ) وراح يشرح....رايت الشمس تغرب وانا مكلف بتبضع...قلت في نفسي : صحيح هنا نطبق ( دعه يتوقف..ليس لديه عمل.).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الشقي الحبلى )
كنت صغيرا..حضرت عرسا..تواجد فيه احد اخطر شقاواة البصرة..حدث ذلك في بستان صغيرة تحده اكواخ من القصب .. الضوء باهت ..كان اهل العريس حييل متدينين ..فلم يسمحوا باحتساء الخمور اويستدعوا فرقة الخشابة < كما يكتفي الان من اصنافهم ب -المولود- >.
فرغب ان يلطف الجو رجل حسير الرأس اسمر قصير من اقرباء العريس , يرتدي دشداشة بيضاء فتوسط المحتفلين واخذ يروي حكاية دخل واحد على الدكتور وبحزامه الجلدي سكين وخنجر وهو يمسك قامة بيده وبوكس حديد..فعرفه الدكتور..وضاج منه قال في نفسه ــ لازم أادب هذا المستهتر ــ: فامره ان يتمدد على ظهره وركز بفحصه على بطنه ثم فقال له - ابني انت حامل-..
اجابه
ــ وسفة شلك بها الحجي وخرج...
مشى يكلم روحه ( الدكتور دارس وفاهم واخاف متوهم او اكو شي ...خل اروح لغير طبيب) فدخل على طبيب اخر وحدثه بتشخيص الطبيب الاول ...ففهم الدكتورالقضية .. وبعد ان فحصه : ( عمي انت حامل عليك سادس)... فصعق الشقي واستفسر :والحل؟ فقال له ( عمي تروح تبحث عن حفرة وتقضي حاجتك بعد ما تشرب هذا الدواء)....
ومضى الشقاوة ووجد حفرة فجلس عليها وافلت ريحا...فعبر جرذ ضخم من تحته ... فصرخ به : (( بن الكلب انت متربن (بدين ) مثل ابو ك!!))....
فارسل الشقي على المتحدث وأمسك رأسه بيديه وهو جالس...وصدم رأسه برأسه (كله) فسقط مغشيا عليه..... فحملوه الناس وزف العريس خلال دقائق وانتهت الحفلة تماما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(اليوم .. بالضبط اليوم )
غروبا كنت اجتاز الزقاق الضيق شبه المظلم ...عثرات( من اكوام رمل وحصى وسلع مهملة وبراميل بدينة واطفال يمرون مسرعين بدراجات هوائية .. واناس من داخل البيوت ترمي المياه العفنة وشبات كهرباء .... ومشبكات المكيفات تندفع لخارج البيوت لتلاقيها مشبكات من الجهة المقابلة .........)... في هذا الزقاق الخانق كنت اجتاز فتاتين تتعمدان ترقيص الجسد..واستعراض التقوسات .. احداهما تسبق الاخرى وتلتفت اليها مبتسمة .. كنت محرجا وحاولت الاجتياز فلم اتمكن ... شعرت انهما تتعمدان احراجي .. (شاهدت ما يكفي ولا يستقطبني الاستعراض وما جمال المراة ان وضع بدكان دلالية او مزاد __ دعوني امر ؟؟)...اخيرا وجدت فسحة فاسرعت مجتازا ... وفي لحظة المرور اعترضتنى من الارض قنينة ماء بلاستيكية .. كدت اهوي وهما مستمتعتان باحراجي .. هناك بشر مثل المكروبات .. يغزون عزلتك وافكارك ونخاعك الشوكي .. احتلال معاصر.. قد يتحول الاخرون الى جحيم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ثلاثة حوادث في شهر)
في شهر دهس زوجها رجلين فماتا,اثناءها كانت تسعى امتارا وتعود بعباءة رثة ,تحسبها اصيبت بخبل من قصر قامتها وترابية وجهها وتوتر يديها .... يسألها الجيران عن زوجها فتقول : ( لا ادري ).
افرج عن زوجها مرتين , بعد تسوية مع اهالي الضحايا , بديتين قاصمتين .. فلما انتهى الشهر وهدأ الضجيج , تقدمت لصبي جارهم البهي وخاطبته : (والله ساكسر يدك )..
ومضى الطفل , صارخا , يسح دم يده التي اصيبت بكسر بليغ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(فراغهم)
رجل في الثلاثين .. تزيده العوينات والغضون والصفرة وبقايا لحية مرقطة غموضا..بدشداشته الرصاصية يستقر على كرسي امامي .. بين حاسبات وشاشات اعدت للصيانة .. تأملني ساهما ثم رشني بالاسئلة المتلاحقة (الم تعرفني , انا ابو مهدي ) تحتاج فراسة لتلتقط ابتسامة نحتها بصعوبة .. (آسف لم اتذكر ) .
ــ تذكر جيدا...الا تعرف ام حمزة ؟
ــ جارتنا , لدى ابنها سيارة كية ..
ــ لا انهم ..
ـــ تذكرت , عائلة ابو حمزة السائق الطيب.
ـ نعم ..(هل لديك اخوان ؟ كم اخا ؟ اين تعمل ؟ هل ما تزالون بنفس داركم ؟هل تزوجت؟ كم طفلا ؟لماذا لم (تصعد ) ... الجميع صعدوا ... امك ابوك حيان يرزقان )...اجبته عن سؤالين..ثم التفت اليه :
ــ يا اخي سألت كثيرا .. والان اجبني (ما تفسيرك للآية ((وعسى الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم))..
فصعق وسرح قليلا وتقلص وجهه فقال :
ــ يعني ان الله يرزق من يشاء ...
اجاب متلعثما , كمن صعق وتغيرت ملامحه واعتصم بعدها بالسكوت .
في اليوم الاخر , قصدت ظهرا محل انشائيات ... لتسديد مبلغ بسيط .. كنت متعبا , وفاجأني ان محله مغلق ..فسألت احد المارة ( اين منزله ؟)
ـ هنااك , اخر الزقاق ...
فتدخل غلامان (تريد من؟ ) وقبل ان اجيب اتى طفل وسخ (ماذا تريد ؟) ... لم اجبه فسأل الغلامين .... فتقدمت في وابل من النظرات المستفسرة .. فدخلت زقاقا عرضه اقل من مترين, تجري فيه ساقية قذرة , فضغطت علي بيوت ضيقة انشئت لصقا من مخلفات الصفيح والبلوك والعصي والاشراك والطابوق العتيق والورق المقوى وابواب الثلاجات الخربة واذرع الاسرة ..وخنقني ما كتب عليها من تفاهات .. صناديق بشرية .. اشبه بزنزانات ..محرقة للنفوس ومضيعة للعمر ..اسلاك الكهرباء تتشابك مع اسلاك الامبير ...خارطة عنكبوتية ...بعد خطوات لحظت شابا قلقا .. كأنه تناول حبة مسكرة :
ــ (اين منزل صاحب الانشائيات؟ ),
ـ وماذا تريد منه ؟..فشرحت له.
قال(انه ابي اعطني المبلغ..او خلفك الباب فاطرق ).
وظهرت يد امراة (ما تريد منه ؟) ... وفسّرت .. فظهر الرجل .(انتظرني جوار باب المحل .. اشرب الشاي والتحقك .. لا فكة عندي الان )
انفس افرغت فتفسخت .. وارعبت فحذرت ...طحنها اليأس والتأجيل..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(سينما...)
الليلة ..التاسعة مساء...اغلقت الابواب..الظلمة وحدها تحتل الشوارع..قلت افكر بمشغلات انهي بها يومي..فجأة اصوات تعلو..عباءاتتتجمع..تصحوالبيوت..ترمي احشاءها البشرية..تتكدس قرب دكان بسطة ينفتح من جدار منزل ...البائعة تنهشهم وينهشون..تدعي اتلفوا سلعة واتى صغيرهم يعيدها..ينكرون...ينضج الصياح والسباب....يتفرقون....فاصل فيتجمهرون.....عتاب. ..انها الساعة العاشرة....يتدفق السبات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(قالع الاقنعة)
بقي الانسان قرونا يعاني ويتمزق من حقيقته حتى تمكن من اكتشاف القناع ...فاستقرت روحه .. وتجرأ ان ينظر لوجهه في المرايا باطمئنان ... فجأة ظهر قالع الاقنعة ودخل المدينة فاجتمع اهل القرية اجتماعا طارئا وقرروا اغتياله ليلا ..ولكنه تمكن من الافلات .. وظل يفزعهم في الليالي ..وظل شبحه يطاردهم ...حتى اخترعوا الوهم .وهكذا استقرت الارواح في مدينة الاشباح .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( زنجيات)
قبل ساعة ..فتحت الباب..ضحى بديع....شمس ناعسة..واكثر البيوت المتعبة كتب عليها بخط بدائي ( الدار للبيع )...لحظت كلبا زنجيا. يستلقي. على تراب..نومعميق..تعبث قربه الاطفال..تمر به العجلات...الستوتات..تخترقه اصوات مزعجة..وهو لا يتحرك..قلت في زمن الضجيج...وتكاثف التفاهات. ..هناك حلول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( مزعجات )
صحوت ثقيل الظل مجهدا ..على صوت رصاص لرأسي..مثل هجوم بصحراء على جند نائمين..انتﻻ تدري بنومك هل اسروا بك الى عمق السماء فتتلقفك العصي الغليضة جزاء لذنوبك..او عانيت من غرق في محيط..او فقدت محبوبا او ثروة او جزءا من جسدك...هل وقعت اسيرا بالف وربع...خس لومي فاش بالف..بصل..).... بايديمتوحشين..لكن سلامات ما حدث صوت وحشي تطلقه مكبرة صوت من عربة مرت بزقاق ضيق جوار شباك غرفتي....(اتﻻثة باذنجان بالف..برتقال.)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( عباس الكشاف)
كان جارنا كشافا (قارئ كف ), شبه ضرير وامراته القصيرة الملحاء البدينة , لا يعرف وجهها من ظهرها , تتمايل وهي تسعى بعباءتها الممزقة يمينا والى اليسار .شاهدته مرة ليلة الجمعة يقوده نجله وقنينة العرق (خمر قوي ) يظهر رأسها من جيب البرج من دشداشته كان يرسلني لصاحبة البسطة (ام شلتاغة ),فاشتري له باصورك وحمص ومكسرات عفنة بخمس فلوس .. فيعمل منها دواء للخايبات.. ومن لا تنجب عليها ان تنام ليلة في بيته ( ليعزم عليها )الجن فتمضي حبلى .المهم اتت له امرأة من الكويت .. ليذلل لها قلب زوجها , فهو يهجرها بالسرير ...فعمل لها رموزا بورقة واعطاها مطحون المكسرات العفنة لتتناولها ليلة الجمعة ... -فمضت المرأة للكويت وعادت بهدايا ثمينة للكشاف .. صار زوجها محبس...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( لا برصاصة طائشة )
ايها الموت اتفهم وفاءك.. وسنلتقي يوما...لا بد نلتقي..لا ادعي بطولة او استقبالك صوفيا كما في الهند...لي رجاء وحيد...ان نلتقي بمشهد مشرف..لا برصاصة يطلقها رجل مخدر..او بعجز جسدي.. منذ الصغر
عرفتها رحلة مختصرة ..تلك الايام التي نحرص فيها على الزائلات..وانك ستأتي لتحسم المعركة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( احتلال)
الطارقون ﻻ يتوقفون(بائعو الغاز..جباة الكهرباء...الطارقون خطأ باحثين عن بيت للايجار..موزعو بطاقات اﻻعراس والمااتم..الشحاذون....الدوارة ممن يشترون الطحين واﻻثاث المستهلك...)...غرفتي قرب الباب...اتعبني الطرق واﻻصوات البذيئة... اصعبها ان يطرق شحاذ في الثانية ظهرا.. طارقابعصاه..سالبا هجعتك...اي كلب بن الكلب اﻻ الظهر..ما عندك سم الحسن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(صداقة)
كنا نعتمد على خزين الذاكرة اكثر من الاوراق.. لهذا مزقنا او اهملنا كل الرسائل المتبادلة بيننا .. ورأبت ان اثبت هذين الرسالتين اللتين نجتا من المحرقة ويد الاهمال , معلما اثريا يعكس الصداقة التي امتدت لاكثر من ربع قرن ,
(( تمكنت من التحليق عميقا , لان اجنحتك صقرية ,, تألمت حد الفتك.. لكنا لنم نرك الا باسما (تمر بك الصفعات كلمى هزيمة ــ ووجهك وضّاح وثغرك باسم ) ,. تخاصمنا كثيرا وبردت بيننا الخطى وطالما مسّنا الثلج لكن صداقتنا صمدت . غضبت مني لاني كتبت عنك ( فيك النقيضان اقبال وادبار ) لكنك هكذا : عين الى السماء واخرى الى الجمال , والان يا صديقي , هل تتفق معي بان من المؤسف بعد ان دخلنا مصهرة الخمسين عاما .. ان نموت على الفراش ؟؟!!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(شهادة فاخرة من صديقي)
(الصديق وطن )
ردا على مقولة الاستاذ برقان النجفي <ك.ح.س >:
<الانسان كالالماسة يشع (نورا وظلمة ) الى كل الاتجاهات , ولعلك تتعرف الى اغلبه حين يسكن صداقتك . والاستاذ الواعي للكليات والمتبصر بالدقائق كانت لي معه سياحة مع الادب والجمال والمغامرات العصية على الاختباء . مذ تعرفت اليه وكتب لي في ظهيرة صيف :
( وعدت تطرق ابواب الرياح فلا
قلب سيفتح او كف سوى الذئب .
كم انت تنسى : قناع الريح هدأتها
وفي امانك الوان من الرعب ك .ح . س)..
كان الحصار حينها يعتصر الوجوه في مرحلة اخرى من الاضطهاد القسري القدري لشعب كان يوما صانعا للحضارة .
ومن يومها كان لروح الادب والفكر محطات وسهرات , مثلما التنقل بين جماليات المكان لتذوق نكهة التاريخ والانسان .
تعرفت الى هدوئه الندي وصمته الثر وهدير نقاشاته وهو يتنمر , واضاءت تحليلاته حدائق ومدافن النفوس البشرية معه ( شاهدت ما يكفي ) من سنوات كالصبار والندى او قوافل العطر والنساء الفاتنات .
والان نمضي بنضوج المخيلة . معا نكتشف ما تبقى من نوافذ ومعالم ونحاول منفذا الى اعماق السماء ونبتكر المباهج من جديد .
ما زلنا نتعرف كل يوم الى صباح جديد ..
شكرا ساقولها حين نكف عن الاكتشاف والتجوال والحب
ولن نكف !
بصرة 2018
×××××××××
يتبع
.../...