تابع-3-
(مجنون يرتل)
كنت جالسا في محل صديق لبيع وصيانة الحاسبات وقطع غيارها, المحل ضيق يتكون من طابقين , يعمل فيه شاب ساكن واخر خبير بتأهيل الحاسبات , يتحرك بحيوية , قليل الكلام, وفتاة تعهدت امام مرآتها ان تظهر اناقة متزنة , تقف لتستنسخ او تشغل نفسها بتصفيح الانترنيت, العامل الثالث وصل متاخرا, مكتنز, معتدل القامة , دائم الحزن, الشارع من خلال البوابة الزجاجية يضج بضوء الضحى الساطع وحركة الناس السريعة القلقة..
دخل : قصير القامة , قوي السمرة , اشعث يرتدي سترة وبنطالا وسخين , عيناه تنضحان بمعان تصعب ترجمتها ,الق داكن, يبدو شعره مقنفذا , يضع ربعين من العملة الورقية على الطاولة: (انهم لا يعطون ,لا يخشون الله.. , اريد ربعا ) , قال صديقي صاحب المحل ـ وهو يتأمله مبتسما, , ضاغطا بيسراه على فخذي لانتبه ـ : (ساعطيك دينارا ـ واظهر العملة الورقية له ـ شرط ان تجوّد الآن ايات من القرآن ).
مباشرة بدأت التلاوة من عينين لا تعكسان الخشوع ولا السخرية , جادتين ( اذا الشمس كورت .....) واكمل حتى اخر السورة .
كان تجويدا مقلدا اداء القاريء المصري عبد الباسط , فتذكرت طفولتي , كان والدي يدير احدى المقاهي في ام البروم اخر الستينيات من القرن الماضي يوم كانت المقاهي ملاذا ومستقرا للمعارضين والجائعين والعاطلين , وللوافدين من المحافظات الجنوبية , طلبا للرزق او هربا من الثأر .
الصباح هناك يبدأ بعدس, وهو رجل تركماني سمين قصير , ترك الجدري آثاره على وجهه , حتما هذا ليس اسمه الا ان الفجر يبدأ معه,عربته ليست بعيدة عن المقهى , وهو يصدح -عدددس .. عدس - ضاربا بمسه الواسع المصفر على قدر واسعة ,تتوسط العربة والناس تزدحم ,لم يتعطل يوما, الا في ذلك الفجر الصاخب , يوم علق الجواسيس في مشانق على مقربة منه بام البروم. وعلى مسافة قصيرة , تستعد قبيل الغروب الملهى فتعد الكؤوس وتتأهب الراقصات, للاستعراض. في تلك اللحظة ــ حيث يبدأن بالتشاور لوضع زينتهن واختيار الازياء ــ تصدح كل غروب حنجرة الشيخ عبد الباسط بترتيل عصي على تقليده حتى ينتهي بأداء يخشع له الملحدون (بأي ذنب قتلت )
وتساءلت في نفسي عندما ختم المجنون ترتيله ودس الدينار , وهو صامت , في جيب سترته الزرقاء المتسخة : (كيف يجّود مجنون , وينسى المبصرون ذكر الله !!) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( خروف نذر )
فجرا في حي سجن بلا حرس او ابواب , يفضح ضوء الصباح صور الاولياء التي لصقت عليها, وتتجلى عناوين موحدة على ابوابها وجدرانها المتهرئة الملبوخة بالاسمنت, ,كتبت بمختلف الخطوط الرديئة والاصباغ المتنوعة ((الدار للبيع )), غالبا ما تمحى فتعاد ,لكن السكان الاصليين لم يتغيروا, ينتقلون فيه من زقاق لاخر , ولن يرحلوا بعيدا ,باب يقابل بابا , في فروع متوازية لا تتجاوزمائة متر طولا ولا يتسع عرضها لدخول سيارة , هذا الحي معمل للتفريخ , فقد ضاقت المساحات بالسكان والاطفال الذين يتكاثرون اكثر من النمل , السطوح واطئة ,تتكلم بدارك فيسمعك جارك فهو شريك معك بحديد السقف والجدران , كل بيتين بجدار واحد , فتعذر وضع الشبابيك .
ينشط هذا الحي ايام الاعراس والمآتم وتوزيع المواد الغذائية وايام عاشوراء , والمشاجرات ونصب السرادق لفض النزاعات العشائرية ,وينشط في ساعات قطع الكهرباء حيث تتحول البيوت مراجل ,في ايام الانتفاضات يتحول عاصفة من الرصاص , ويتجمع في رأس ازقته اناس من كلا الجنسين لازاحة ما تراكم من المياه الثقيلة النتة في فصل الشتاء .
فجرا , البائع متعب ومرح , عجوز تقترب تلف نفسها بعباءة تقف في انتظار ان ينضج الفلافل , الوشم يزدحم على رقبتها ويديها بشكل نجوم وصلبان وازهار , العطر البدائي يشع , الكحل يترسب : فاليأس وعجلات السنين والخيبة تكاد ان تطفيء عينيها ,
يمر قطيع من الماعز والخراف متسخ يعرج بعضه , يتشاجر , يتلفت , يسهو ,يتراكض الى موقع القمامة ,,
خروف مسن , علق شريط اخضر في رقبته ..: ( ما هذا ؟ ) فالتفتوا الى حيث يشير , .. (لماذا علق الشريط برقبة الخروف ؟!!)
قال البائع ـ وهو يقلب كريات الفلافل في دهن يغلي ـ (انه منذور للاولياء )
(لا ) , قالت العجوز... واكملت (انها حمت الرسول محمد (ص) اثناء هروبه من الكفار ).
الشركة التركية التي استوردتها الحكومة المحلية لتنظيف القمامة ـ بعدما سرحت اكثر عمال البلدية ـ لم تبق شيئا من الزاد لهذا القطيع , الماعز يأكل الورق المقوى بشهية ,خروف يدخل بوزه في علبة الصفيح طلبا للزاد, فتقبض على فمه ويعاني وهو يحاول الافلات منها ,صغار الماعز اكتسب خبرة بفتح اكياس النايلون السوداء واستخراج الطعام ... الماشية تتصارع .
في الضحى ,ستتضخم القمامة مرة اخرى , فيتقاتل عليها الصغار وجامعو القناني الفارغة واسلاك النحاس , اطفال ينقلون القمامة الى بيوتهم ,نساء اخريات يحملنها من البيوت لتعود لموقع القمامة مرة اخرى .. كأن القمامة اواني مستطرقة .
يعود عمال النظافة الناقمون, اليافعون الذين يقنّعون وجوههم ــ لانها حسب رؤيتهم مهنة هابطة ـ والرجال والشيوخ بزي موحد ويملؤون عجلة القمامة التركية .. التي تكبس الزبل وهي تجري وقد كتبت عليها بخط انيق عبارة لا يهتم بها احد (حافظ على نظافة مدينتك ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(مذكرات لالة)
لا اعرف من اين جاءت تسميتي, ولكنه اسم ممسوق شهير ,اكثر شهرة من علماء ذرة واشهى الحلويات ,افتخر ان اسم يضم مادة (لا ) التي لها وقع عميق في المساحة العربية والعراقية , وهي تسليني حينما تتصدر جملا ثلجية مثل ( لا تراجع ) , (لا عشائرية بعد اليوم ) , واحيانا تذكرني ب (لا ) اللغوية مثل ـ لا اكراه بالدين , او ـ لا تكن لينا ـ الاسم ليس مهما , انا لالة ام الفانوس .. وخلااص ,لقد خشيت كثيرا بعد سقوط النظام القبلي , ارعبوني , تصورتني موروثا في متحف ولن يعتني بي الا الفلكلور , ساصبح دمية غير نابضة بايادي الصغار او صورة مضحكة في مجلة تراثية .وصدقت مثل الناس بان المدن ستكون مضيئة , ولكن ارادة الله انقذتني , فلقد تطور شكلي , اهزلوني فترشقت واسمنوني وغيروا زجاجي فهو مستعاد من قناني الببسي, وتصدرت اهتمام المرأة والكتاب المتأرقين , لا تعرفون مدى فرحتي كلما انتكست الكهرباء او تعوقت المولدات , لانهم يسرعون لاطفائي عندما يعملان ,لا ادري لماذا اخبرتني صديقتي الشمعة ذات يوم : بان النبع الذي يحييني نادر ومجدول وان خبراء السدود يخشون من نفاذ الخزين ولهذا يوزعونه حسب البطاقات والاولويات....ولكني تساءلت كثيرا : (لماذا يذبح لساني اللاهب كل نصف ساعة او يوم فينطلق دخاني وتتثلج عواطفي واتحول الى جمرة,).
في ذات يوم زارني خطيبي الخجول وفضح السر, قال (ان روحك الرقيقة هي النفط الابيض ولكنها تختلط بالماء والكاري ومواد كيمياوية يصعب كشفها ولهذا يزرق او يكفهر زجاجك اللامع ويخبو لهبك , واراد ان يرعبني مرة اخرى فاضاف : ( ان هذا العام سيقودك للمقبرة ).. ولكني سخرت منه , فانا عراقية لا ترهبني التهديدات ولا ابالي بكمائن الكهرباء وسادافع عن ذاتي بكل شجاعة وسيسندني اصدقاء اوفياء يهمهم ان تتكرش جيوبهم وتحمر الوجنات .
خشنتني الحياة وكم تمنيت ان يوافقوا على تغيير اسمي ويصيحون (( لال ))او ان يكون اسمي مشتركا للذكر والانثى مثل كلمات (برقان وكفاح ), لا يهم , فللمرأة سطوتها ودهاؤها وقد تقود دولا في المخادع , ولو ان كل فتاة مثلي لها قدرتي على تحدي المراحل لفضلت النساء على الرجال .
اتذكر قبل اربعين عاما رفعني بيده عامل فقير رفعني عتال في البواخر ,عاليا باتجاه السماء وصرخ (ربي , لا طعام ورضينا فلماذا لا نفط ) كان يقصدني ... اذكر تلك الليلة فقد غادرني النوم وافزعني القلق ...
قبل خمسين عاما , كن منذ اول العصر ينشغلن بتلميع زجاجتي وادامتي فاصبح عروسا وياتي عمال البواخر واصحاب المقاهي وبائعو السجائر (الغازي )والصيادون فيستمتعون بضوئي الذي يفضح لغة الديرم على الشفاه الطازجة متحملين عشاقي المزعجين من البعوض وغيره ....
في يوم ما دخل يحملني لص الى مخدع راقصة في ملهى ليلي وسرق عقدا من الذهب , وفي صريفة قصب كسيت بالجص وضعه في الطاوة, وسلط نار البريمز تحتها ,بعد ساعتين لم يسل العقد حتى ارهبته امراته فلما برق الفجر رمى العقد الى النهر .
يوما ما صدمني قط زنجي في منطقة البرغوثية , وكأي سجين تتحطم قضبانه التهمت القصب واجهزت على حي باكمله , لكن السياسيين المغفلين قالوا (انها لعبة معارضين مخربين . ) ,في تلك الايام لم تكن مفردات مثل ـ الارهاب , المقاتلون , المتشددون ـ قد دخلت قاموس السياسة , ولم تكن احواض التيزاب قد اكتشفت في التعذيب, لعن الله ادوسن فلو لم اكن على بحر نفطي يسمى البصرة ولولا اكتشاف صدام ترشيد الكهرباء ولولا اصدقائي الجدد لسحقوني بالاحذية , او انقرضت , وانكرت الاجيال كفاحي الطويل,فأناامراة محايدة , اضأت للملوك والطغاة والمقابروقارئي الكف وعاصرت معتقل (نكرة السلمان وقصر النهاية واساطير الرضوانية )وحملت في الاعراس في غابات النخيل ليلا في أبي الخصيب ونهر جاسم ,ولم اعترض على مغتصب او رقاب تذبح ولم ابخل على كتاب المناشير السرية ..
انا الصبر العراقي المرير , انا فرعون العراق ومسيلمة القرن الواحد والعشرين , ان العازمين على اضاءة البصرة واستعادة عشارها الساهر بطيئون وربما سانجب طفلا اسميه (لولو ) ,قبل ان تتدفق الكهرباء .
واثقة انا وتعلمت من دروس التاريخ , انهم سينجحون لكني اطبق المثل الانكليزي (لا تفكر بعبور الجسر قبل الوصول اليه . ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(حكاية كتكوت)
من ايام يلحون علي الصغار ان اشتري لهم بشة , لكن الانسان وقد مرعليه وقد شهد في حياته 29 رئيسا يتثاقل من التوجه للسوق ..فعبد الكريم قاسم ظهر ت صورته في القمر .. وعبد السلام خاطب اهل البصرة (طاسة ا بطن طاسة والبحر غطاسة ) , وعبد الرحمن اخاه (لم يهش ولم يرش ــ وضع حديدة عن الطنطل ), واحمد حسن البكر العاقل وهو يخطب (ان امامنا معارك قادمة ).. وصدام حسين الذي ابتلاه الاستعمار الاخوة بان يبقى عقدين بالزي العسكري,ثم علاوي الذي ظهر بعد اغنية سعدي الحلي < علاوي يا علاوي>, وزرقته , ثم ثلاثين رئيسا في شهر , محسود انا , 30 رئيس ههه وبشهر ؟؟!!!.بعدها اتى السيد الجعفري كم شهر وكتروه (خطية ) كان احسن ملا رئيس.. بعدها اتى المالكي فثبت مصطلح (جيش يزيد وجيش الحسين .. ومقولة <<ما ننطيها >>.لكنه كان كريما فاعطى هدية 4 مدن لداعش...واتى ابو يسر د حيدر العبادي.. خوش ولد فاصلح ذات البين نسبيا لكنه سقط بالضربة القاضية لخصخصة الكهرباء...من يشهد كل هذا يتثاقل من الذهاب للسوق .. لكني احب احفادي ولعيونهم قصدت السوق مرتين بيومين فلم اجد بائع البشوش.. المهم بعد اربعة ايام اخذت الصغيرين وراينا دجاج عرب صغار كتاكيت.. وخيرتهم فانقسمت الاراء بين راغب بشراء كتكوت او بشة كطبع العراقي . مقسم قسمة طويلة ابدا بين عمر وعلي وحرب جمل وطلي,لكن القوة الامريكية تدخلت ووحدت الاراء اشترينا كتكوت دجاجة عرب مو معمل .. وحملوه فرحين ونحن نحاول تصنيفه ذكرا او انثى .. قلت ديك لانه يرفع رأسه واشد نشاطا .. الانثى رقة وانكسار رقبة (ولو الخجل قل منسوبه اليوم ).. ووضعناه بقفص لطيور الحب .. فاندلع الصراع ..احسهم يتهامسن (شنو هذا منين اجانة ) ولان الديك يحب الاماكن المرتفعة خاصة لحظة يعوعي )يصيح (.. فقد اعتلى بالقفص الطابق العلوي وهن طيور الحب هبطن لارضية القفص المشبك.. وامهم تصيح اعتقلوه لانهم سيترسنا فضلات ... في التاسعة ليلا اجبروني اظهره وكان نعسان.. احسه يقول (شلون طلابه يعنى الليلة ما انام ..صباحا اتوا لي بالحليب فلما فتحوا باب غرفتي اول صورة شاهدتها هي الكتكوت فالتقط له هذه الصورة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(مراهقة وكهولة)
في العشرينات ,
ثعابين النار تتدفق من بعيد في مؤسسة نفطية , فجرا , الموظفات اول من يدخل ,لم يكن الحجاب سائدا ,بحيوية تتقدم بعضهن واخريات بتثاقل ,يحملن الحقائب اليدوية , كان يسلي نفسه (سأحدس من تقرب لها زوجها , تلك فهي حيوية الجسد ,هذه لا, انها بخطى ثقيلة ,الاخرى نعم ــ لقد استمتعت ليلة امس , انظر لوجهها ... زاخر بالنشوة , .....
في الستين
مر في بيوت مستنقعة ..وقت معركة الغروب مع بقايا الضوء, يظهرن قرب العتبات محجبات ,او متلفعات بالاسود والعباءات ...يجتازمن يجلن قبله .. يلتقط اشياء اخرى , لم يعد يهمه الجسد , انه الان ينظرهن ويقرؤهن بوضوح ,انهن مغمورات بالخوف ,تلك تنتظر زوجا شرسا او لا مباليا ,الاخرى تعاني الفقد ,تلك تحدق في المجهول وقد اعتادت الانتظار ,بعضهن مر بيوم طاحن يصارع ما تبقى من اصرارها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(حزب السود في البصرة ــ حركة العراقيين الحرة ــ ).
عندما حضرت المؤتمر التاسيسي لحزب السود في البصرة ..قلت( ماذا تفعل الفتن باهلها) ..كانوا يتحدثون عن اهانة الانسان الاسود من خلال السخرية من لون بشرتهم...فيما السود انفسهم يفتخرون بلونهم ويخاطبون بعضهم بروح فكاهة:( ابو العبد).نحن في البصرة لا نحب السود فقط بل يصعب العيش بدونهم ...لانهم صناع البهجة وخلاقو الطرفة..ومن يحييون الاعراس بنغم ( الهيوة)...وقد برز منهم رجال دخلوا عمق الفلكلور. ..مثل تومان الذي يعزف ( الفيفرة. ..الماصول. ) بانفه.
وقد احتفلت حركة العراقيين الحرة بفوز باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة بإقامة حفل موسيقي في محافظة البصرة.
ويوجد الزنوج في العراق منذ عام 14 هجرية، عندما استقدمهم ملاكو الأراضي من إفريقيا للزراعة. وشهدت مدينة البصرة في 869 ــ 883 ما عرف بـ"ثورة الزنج"، الذين ثاروا على المالكين وأسسوا حكومة لهم كان مقرها مدينة المختارة (جنوب البصرة) قبل أن تنهار حركتهم بعد أقل من عقدين، وذلك عندما جندت الدولة العباسية كل إمكاناتها، فكانت أطول ثورات العصر العباسي وأخطرها.
وقد كان الرق مباحا حتى اجهزت عليه المملكة في العراق عام 1924 بمرسوم جمهوري .
و كانت كل عائلة عثمانية ثرية تشتري اسرة من العبيد لاغراض الخدمات ويعيشون في الطابق الارضي من المنزل فيما يستقل البيك والخواتم وابناؤهم الطابق السفلي .
اما اغنياء البصرة فهم يتبجحون بثرائهم عندما كانت عرباتهم تمر في الطرق محاطة بمجموعة من العبيد وهم يسيرون مشيا على الاقدام .
وقد لا يدرك بعض الناس بان السود ينحدرون من ثلاثة اصول احدها افريقيا , فقد كان يقبض عليهم من شرقها وغربها ليبيعوهم في العصر الاسلامي لغرض الخدمات ونصرة الدين ! إذ تم جلبهم من زنجبار "على سواحل كينيا وتنزانيا وجنوب الصومال" للالتحاق بصفوف جيش الخليفة العباسي جعفر المتوكل الذي كان يريد توسيع نفوذه.
عدد كبير من البصريين السود انضموا لفرق الخشابة فالفكاهة وحب الرقص وروح الطرب تسري بدمائهم .
عدد أعضاء فرقة الخشابة يتراوح بين عشرين شخصاً أو أكثر تختلف اختصاصاتهم، فهنالك قارئ المقام ومغني البسته واللوازيم ثم عازف الكاسور (وهو الايقاع الفخاري) اذ يستخدم الخشابة (البستوكة) بالدرجة الاساس للعزف، وفئة تؤدي التصفيق المنتظم.
ويكون قارئ المقام ذا اختصاص بتأدية المقام بلونه البصري المتوافق مع اللون البصري وأكثر المقامات المغناة بجلسات الخشابة هي البهيرزاوي ومقام الحكيمي ومقام الشرقي ومقام المخالف والمدمي وغيرها بما يتوافق مع الايقاعات واللون الخاص.
اشتهرت العديد من الفرق بهذا النوع من الغناء الذي يعد أساس الغناء في البصرة بشكل عام، ومن ثم انبثقت الايقاعات الخاصة لكل نوع من الغناء كالسامري والهيوه والبستة والابوذية.
وكانت تسمي فرقة الخشابة بـ(الشدة) من أشهر هذه الشدات شدة أبو دلم وشدة ربيِّع وشدة خلف السعيد وشدة ملة عدنان وشدة حسين بتور وشدة رمضان أبو راسين وشدة أبو ناظم وشدة أبو عقيل وشدة يوسف الزين وشدة سعد اليابس وشدة رشاد البصري.
أما الفرق النسائية المعروفة بالخشابة فمن أشهرها فرقة زكية الدكاكة وفرقة أم علي وفرقة أم كريم وفرقة.
لقد حدثني رجل اسود فكاهي بان الخشابة اصلا كانوا يعزفون على علب الصفيح ..وكنا ننتظر في مناطقنا الشعبية ليلة الجمعة بشغف .. لان السود يشرعون بممارسة طقوسهم بعد الغروب ..حيث يتعالى الايقاع ويتساقط البعض او تنهار نسوة في غيبوبة .. وقد تسمع احد ممن فيه مس تتغير لهجته فيقول (ابي بيض )أي احتاج بيضا..لست في معرض التفصيل بفنونهم وطقوسهم .. اريد ان اؤكد بان السود فاكهة البهجة في روح البصرة .. وما قيل عن اضطهادهم تصريح مدفوع الثمن .. ان الانتخابات والحاجة للاصوات باي ثمن دفع بمثل هذه الحركات للظهور .. حركات لا تصمد طويلا .. سيصهرها الواقع .. سيلفظها مثل زاد عسير الهضم .
وحين كتب صديقي الاسود البشرة <مهدي طه > عام 1975 : ( من انا غير شيء بلا أي شيء
ورماد صديء على علبة فاخرة ).. لم يكن ذلك بسبب لونه بل لشعوره بغربة الروح في مجتمع يسير للهاوية .. ولم اسجن اثر غرقه لانه اسود بل لاني قلت بان اياديا للسلطة وراء غرقه فاتهمت بمادة (قذف السلطة ) .. وقبعت لعام في سجن ابي غريب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(حجر كريم )
تخاله فرنا للصمون , لكن التوهج يظهر من موقد المقهى هومشعل يحمى عليه الشاي .
ربما تكون الاضاءة الباهتة هناك قد غذت هذا الشعور ...
عينان صفراوان وقحتان وسوار مثل سلسلة في يمناه , وضع امامنا قدحين من الشاي وحدجنا بنظرة من زاوية عينيه وهو يقف امام صاحب المقهى الجالس خلف الزجاج , واضح انه حلق حاجبيه وحف وجنتيه ..
التختان الوحيدان خارج واجهة المقهى يطلان على السوق , ثلاثة يجلسون على احدهما , على اليسار رجل اربعيني .. بدين جمجمة ضخمة فارغة , يضع عباءة سوداء شفافة على دشداشة بيضاء .. وقد اعتنى بشاربه الثخين .. قال رجل متورد الوجه مبتسما (انت بعت بخمسين .. والان مرتاح ) فشعر ببعض الزهو رجل على التخت قربي قد صبغ شاربه وحلق لحيته بعناية ورتب كوفيته البيضاء على رأسه .. فابتسم هذا له وقال (هذا سماوي ) مشيرا الى محبس في بنصره الايمن .. فتوثب فيّ فضول واستدرت اليه بنصف جسم , بعدما اختفى من جواره صاحبه وخلا المكان , فاقتربت منه متسائلا :
ــ انتم تتكلمون عن الحجر الكريم
ـ نعم
ـ هل لك خبرة بذلك ؟
ــ نعم افرز الاصيل من المغشوش .
ــ هل لديك فص للرزق؟
الرزق من الله , لا دخل للمحابس فيه , انظر الى هذا المحبس السماوي الذي اتقلده , انه رخيص الثمن بخمسة عشر الف دينار ,لكن هناك سماوي من النوع اليماني ,واخرج قداحة وسلط الضوء من مصباحها اسفل الفص وقال (انظر , لا ترى فيه شرايين ولا علامات, انه مزيف ).
ثم دس يده في جيب دشداشته واظهر محبسا بلون المشمش وسلط اسفله الضوء , وقال (الا ترى قطعا من المشمش متناثرة , انه يماني اصيل , وقد تستدل على الاصالة برؤية فقاعات داخل الفص تحت الضوء ).
كان صاحبي يضرب جانب ركبتي بساقه فارفع رأسي لالتقط امرأة تمر وانا اصغي لخبير المحابس ...
وفيما كان الرجل يشرح بهدوء تذكرت رجلا اقتنى فرج الضبعة ورأيته يضعه على منضدة قرب مسبحة وبخور واجاب حين سألته عنه : ( ان الكثير من المشتغلين يجهلون صناعة الطبخه الروحانية للفرج وان اكثره مغشوش وأن كانت الخامة من ضبعة حقيقية , لأن من شروطه العمل عليه و التحضير والاتقان ومن فوائده تسخير الرجال والنساء وجلب المحبة وعقد اللسان , وعليك شراؤه من عطار ثقة في الساعة الفلكية المذكورة وعند التلاوة حاول ان تبخّر بالجاوي او اي بخور طيب ولايصح حمله كاملا وينبغي ان يؤخذ القسم الأيسر فقط منه و روحنته) . وتخلصت من امطار ذاكرتي لاعود صاغيا بتفاعل لمحدثي البسيط.
فاستطرد :
<هناك نوع من الحجر نسميه شفة العبد لقوة سواده وان سلطت ضوءا عليه انقلب اخضر .. ان الغش في الحجر متفش والخداع تطور فقد تمكنوا من صنع شرايين وفقاعات في الفصوص وانت تحتاج لخبرة كي تفرز ...
الحجر موجود في البصرة بمنطقة الزريجي .. هناك موقع اثري تمكن البعض من الحصول على الكثير من الاحجار منه ايام الفوضى بعد سقوط النظام ... لكن الحجر الكريم متوفر في شمال العراق يجدونه كتلة حجرية في الجبال ويتم تقطيعه وقد تجده في البحر في العراق والخليج العربي ).
لكن الرجل البسيط والطيب هذا لم يكن يعلم بان ((الحجر التقليدي الذي يتم تصنيعه من الأحجار في المختبر عند التدقيق يمكن رؤية الشوائب وعيوب الحجر وعدم صفاء لونه ولمعانه , فالحجر الطبيعيّ عادةً ما يكون برّاقاً لامعاً صافياً، أمّا الحجر التقليديّ فيكون أقل شفافية وتظهر به نقاط داكنة، ويرى من كلّ زاوية بدرجة لون مختلفة مقارنةً مع الحجر الطبيعيّ الذي يبقى لمعانه واحداً من مختلف النقاط والزوايا.
اما الحجر الاصطناعي فيتم تحضيره مختبريا بنفس المواد التي يتكون منها الحجر الأصليَ، بعد محاولة محاكاة الظروف التي ينتج بها الحجر الأصليّ من حرارة وضغط لكن بزمن قياسيّ أقل، ويصعب تمييزه عن الحجر الأصليّ إلا باستخدام أدوات الخبراء، فيتم مثلاً فحص معامل الانكسار للحجر للتفريق بين الحجر الطبيعيّ او النفيس والاصطناعيّ الذي يتفوق على الحجر الأصلي من حيث قلة الشوائب فيه ويمكن أن تتنوع فيه الألوان؛ حيث يكون للقائمين على إنتاج هذه الأحجار القدرة على صبغها بألوان متنوّعة تحاكي الأنواع الأكثر ندرة في الطبيعة مثل الألماس الأصفر.
ان المقارنة بين الحجر الطبيعيّ والحجر الاصطناعيّ أكثر صعوبة،فلا يمكن التمييز بين الحجرين بالنظر، لكن يمكن اتّباع الخطوات التالية للتمييز بينهما: مسح السطح: إذا كان السطح خشناً أو رملياً سهل التكسر والتفتت يكون ذلك دليلاً على أنّه ليس حجراً كريماً. فحص لون الحجر: يعتمد في هذا الفحص جداول مفصلة وضعت لوصف ألوان الأحجار بدقة، وتقسم العملية إلى ثلاث مراحل هي: الأولى: فحص اللون العام للحجر، ومقارنته باللون في الجداول. الثانية: تحديد مدى شدة اللون، أي هل اللون قاتم أم أنه متوسط أم فاتح اللون؟ وأيضاً نعود للجداول المفصّلة لتحديد ذلك. الثالثة: الإشباع والتركيز للون: وهذا الفحص يساعد في تحديد مدى تركيز اللون، فيوصف الحجر بالبارد إذا كان اللون أخضر أو أزرق أو بنفسجياً، أو يوصف الحجر بأنّه ذو لون دافئ إذا كان لونه أحمر أو أصفر أو برتقالياً, الطرق على السطح، إذا كان السطح قابلاً للثني أو الطرق، هذا دليل على وجود معادن أكثر من أن يكون دليلاً على أن هذا الحجر كريم؛ لأنّ الحجر الكريم من صفاته الصلابة، ويشكل بالقص والجلخ <الشحذ> وليس الطرق والضغط. فحص التركيب الداخلي للحجر: الحجر الطبيعيّ له التركيبة المحوريّة، أما الحجر الاصطناعي فيكون تركيبه الداخليّ على شكل منحنيات. الحجر الاصطناعي يمكن طليه بالذهب أو البلاتين. قد تظهر على الحجر الاصطناعي بصمات الأصابع أو آثار لأظافر يمكن مراقبتها. الأحجار المقلّدة أخف وزناً من الأحجار الطبيعيّة. الفحص باستخدام أجهزة دقيقة، عادةً ما يُستخدم جهاز فحص معامل الانكسار، والذي يتوافر لدى الخبراء والصاغة، ومن خلال القراءة لمعامل الانكسار للضوء في الحجر يتم تمييز الحجر الطبيعيّ من الاصطناعيّ. تعتمد الآلية في هذا الجهاز على تحديد كيفيّة تغير مسار الضوء داخل الحجر، لكل حجر كريم معامل انكسار خاص به، لذا هذه الطريقة ممكن أن تُستخدم في حال عدم معرفة نوع الحجر لتمييزه، يتمّ حساب معامل الانكسار ثمّ العودة إلى جداول معامل الانكسار للأحجار الكريمة، فيظهر لنا نوع الحجر، وأيضاً من خلال معرفة معامل الانكسار يمكن تحديد إذا ما كان الحجر طبيعيّاً أم اصطناعيّاً.))
ورأيت شابا يكاد يقفز احد ردفيه مع كل خطوة وهو يرتدي بنطلونا اسود وقميصا مثله .. فاكتشفت حين تقدم بان قدميه معاقتان .
الرجال الثلاثة الذين يقابلوننا عل التخت يتهامسون .. ربما توقعوا ان صاحبهم وجد رجلا ساذجا وسيتمكن من خداعه وان يبيعه محبسا عاديا بسعر مرتفع .. فكانت عيونهم تعكس البهجة والحسد .
واشار صاحبي الى الشاب العامل في المقهى , رافعا سبابته, فلما نظره حركها كما تدور الملعقة في قدح الشاي , فاتى مرتديا بنطلون كابوي ضيقا,قلت (شاي فاتر) , فاجاب الرجل الوسيم امامي وهو يرتدي دشداشة سماوية (انه لم يخدر )..
لقد ندر زمان الشاي على الفحم في مقاهي زمان, تفوح منه رائحة الهيل , انهم الان يسمطونك بماء احمر بلا طعم ولا يقدمون لك الماء فعليك ان تشتريه فترن باذنك مناداة الزبون القديم (شاي وماي ).. من سنوات لم تعد تسمعها ..
المقاهي في هذا الزمان لاصحاب الناركيلات , الله اعلم ما يضعون فيها , لان من ادمنوها غالبا مخدرون , سارحون بعالم اخر ... والمقاهي لمن لا يصغون لبعضهم , ولم تعد محطات استراحة بعد يوم ثقيل وليست مهربا من صخب البيوت وعبث الصغار ولا مأوى للمشردين .. لم يبق من المقاهي الا اسمها , وهي في فصل الخريف .واتى رجل اصلع في الثلاثين بدشداشة سوداء يضع الكثير من المحابس في كلتا يديه , واندس بيننا , واستخرج حجرا اسطوانيا بلون كحلي , يمر فيه خيط .. الا ان محدثي طلب منه المغادرة قائلا (هذا الاخ صحفي واريد ان احدثه عن مشكلتي, فغادر الرجل , كابتا عشرات المعلومات عن الخواتم .
ــ (لقد منحوني رقما لقطعة ارض .. انا اعمل في الموانيء.. فدفنتها واتى عامل من الموانيء وزعم انها قطعته واظهرالمستند فكان رقم القطعتين متطابقا,ولم يعوضني عما خسرته ولقد خشيت على اخوتي فلم اطور الشجار, وامثالي عشرات اعطوهم ارقاما لقطع اراض متطابقة ).
في السوق امرأة صدئة من المعدان تبيع الحليب المغشوش في قنان والقيمر والروبة ..اشترينا واحدة بعد ان خفضت السعر قليلا قليلا في لحظات حتى قارب نصف سعره المعلن اول مرة ... وقد وضعت قنينتين فثلاثة وهي تكرهنا على الشراء وتسوطنا بلسان مدرب وباسلوب الالحاح والتخفيض كي نشتري..ووضعت لنا عددا من قطع القيمرموضوعة في علب مكشوفة من البلاستك الابيض ..وهي تخفض السعر وتزيد من الكمية ونحن نرفض وهي تلح ... قلت ربما الوقت مغيب وتخشى على سلعتها من التلف .. لكنه كان التفسير الخطأ.. لان اقرباء لي شمال البصرة حدثوني بان اسلوب الالحاح في البيع مترسخ لدى البائعات من المعدان ... وان شعارهن (عليك ان تشتري بالقوة او الرضا ).. ويتحاشى الناس الاحتكاك بالمعدان فهم لا يتورعون ان دهست شاة منهم ان يكرهوك على دفع فدية مضاعفة عنها وعن حملها المزعوم كذبا او عليك ان تواجه انواع الاسلحة , لا فرق لديهم بين قتل الانسان وسحق نملة .
سوق مسقوفة بقطع القماش والصفيح اللامع او الصديء... الزبائن المساومون اكثر من المشترين ...الكساد يشمل اغلب المحلات... مكبرات الصوت تصيح (السلعة بالف ) وهي التطور الطبيعي لبسطات ينادي اصحابها ( حاجة بربع )ما كان يحدث من عشر سنين ...
وحسبته دمية عرض للملابس بدينة ترتدي بنطلونا وقميصا اسودين وهو يطل من بين ملابس نسائية معلقة لكنه كان عاملا في المحل .... نحن الرجال نمر على محلات الزينة وازياء النساء مسرعين لا تسحرنا فيها الاشياء...خلافا لهن وهن يتسمرن بذهول عليها ..
لان الشاطيء قريب فالاسماك وفيرة .. انواع قد لا تراها باي مكان.. السعرمنخفض وقد تجد اسماكا حسبناها انقرضت ربما لقرب الحي من الاهوار .. فقد نسينا اسماك البني ارقى الاسماك والحمري والكطان .. لكنها تتوفر هنا ... وترى اسماكا حية تتحرك على دكة او في طسوت او احواض ثبتت في عجلات .. فهنا تشاع تربية الاسماك بوضعها في اقفاص مشبكة وتركها في ماء النهر قريبا من الضفة.. وترى الصيد بانواع الشباك او بمادة سمية او النتل بالكهرباء...وقد ترى المرادي والفالات وعصي الخيزران وانواع خيوط الصيد ومكائن تحريك الزوارق ..
المحال المترفة بالاضاءة والمعروضات واجمة تواجه السوق عبر الشارع الرئيس والحواجزالخرسانة , قلما يقصدها احد, اموال مجمدة عدا صيدلية ازدحم فيها الناس..الاسواق تصنعها ضرورات ويديمها تاريخها وطالما فشلت اسواق مستحدثة وقد ترى جهة حية في سوق وجهة اخرى منه تقابلها مية ..وكم تتمسك الاسواق بماضيها وتظل عصية على التنقل ..وقد تموت تدريجيا ان انتفت الحاجة لسلعها .. فهل يعقل ان تعيش اسواق الاسرّة من السعف وقد غزتها اسرّة الاخشاب والحديد..او ان يظل سوق المربد في البصرة مؤبدا؟!! ..
السوق مسورة بحواجز الكونكريت المرتفعة وقد وضعت لصق بعضها .. رسمت لوحة واحدة للهور فقط على واحدة منها.. البقية خطت عليها كتابات لترسيخ المحبة (اشيعوا المحبة لان الله سبحانه وتعالى رب المحبة والجمال ــ زكريا ).. غريب ان ترى كلمات لزكريا هنا .. حاجز اخر كتب عليه (يحيا الحشد ) واخر ابيات (لا يخدعنك هتاف الناس بالوطن
فالقوم في السر غير الناس في العلن ).
كتابات اخرى تؤكد على الوطنية .. وايات وادعية ....
ولان الطوفان حل بنا كنت اتمنى ان يجرأ احد فيخط <<وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم .وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين. وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ >>.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(كشك شاي كهف )
بجثته الثقيلة وبشرته الشهباء وعينيه الواسعتين المجهدتين يستقر خلف اواني الشاي وهو يرتدي دشداشة شكرية . كشك يشبه الكهف شكّل من بقايا الخشب وصفيح يشبه الصندوق , يتراجع مترين عن الشارع المعبد المتسخ وقد حجبته بسطة مرتفعة.. قدم لنا الشاي باوان من البلاستك مع قطعة من الكعك وضعت باناء, قال صاحبي ضاحكا :<كعك وشاي .. ههه>.
في دقائق رسم المشهد :
(( رجل ستيني متزوج من اربع نسوة, ولدان متزوجان واخران عاطلان يمتهنان التكنيك بالنت, وهو مقعد لاصابته بمرض السكري .. واضاف : -الايجار مرتفع .. احد حوسم المكان ونستاجره منه ...ومشيرا الى الكرسي المتحرك اضاف: ويطالبنا بالدفع -.)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(السيل البشري لا يبالي بالتوابيت)
وجه مدور عينان واسعتان تلتقط كلية المشاهد ,لا يستقر كثيرا خلف مكتبه حيث يصدر التوجيهات مراقبا عماله والقادمين بمهارة , ماكنة شوي الدجاج تتقدم المطعم وسط السوق ,وضعت اسفلها الدجاجة المشوية .. ما تزال ببخارها معتقلة باصابع من حديد.. يعالجها شاب وقور ملتحي..هاديء تتغلب حركات يديه على لسانه وعيناه في ركود .. اثر لسجود في جبينه .. وجهه مشرئب غالبا ..صاحب المطعم ذو العينين الناطقتين يوزع التحايا وجمل الترحيب بلا توقف..يظهر انه اعتادها وطور من قاموسه اللفظي , انه يقرا كل الزبائن , مهتم بكل احد منهم ... ولهذا ازدحم لديه معجمه حسب الانواع والمستويات (اهلا حاج . مراحب استاذ ... تأمري اختي ...احييك شيخ ..تدلل عمو .... ).. وهو يهديء من ضجر المنتظرين (لحظات ويصلك الطلب ) او لعامله بحدية (بسام تعطلوا وين خمسة تمن ). وهناك تأخذه سنة فيسند ظهره على الكرسي لحظة ويحدق بعينيه كذئب احس خطرا .. فينتفض كله بموجة الفاظ الترحيب يتابع زبونه متفحصا ويقصده ثم يصيح بعامله (3 نفر كباب )..سيظل هكذا حتى يرفس اول الظلمة شلال الحركة ويشل الاصوات ..لا ادري هل سيتمكن بعد وصوله منزله ان يلاطف اطفاله وقد تحول راسه لمرجل ..او يشعر زوجته بانوثتها .. ربما .. لكني اشك بذلك ..كان امامي رجل مسن يستقر خلف بسطته وتكاد دمية دب احمر ان تخفي اكثر حزنه فلم اتمكن من دراسة خلجاته وشعوره بالمرارة لتوالي الخيبات والصفعات , يضع طاقية على راسه ويهش الذباب بعصا ربطت بها باقة من ريش الطاووس ( في صباح اليوم الثاني سيعتلي درجات المطعم تحمله عكازتان يشد وسطه بذيل دشداشته ويبين منها سروال ابيض , يمسك بيده قنينة بلاستيكية صغيرة ويغادر بعد لحظات وقد ملأ البطل بالماء ...ان تعتلي درجات وانت شاب فتلك لحظة عابرة اما ان كنت معاقا واجتزت الستين فان صعود عتبة واحدة هي نزيف من القهر والمعاناة , ..جواره بائع الحلوى قال لنا (لحظات ترك دراجته فسرقت ... لا تتركوا دراجاتكم)..
غطست في السوق اتجنب عباءة فتدفعني اخرى ..صاح بائع (جوة السوك .. دجاج ) ففكرت بالمجاز (انقلبت مفردة تحت لمعنى التخفيض ) .. ورايت ذلك الصغير الذي دخل المطعم رثا وسخا واخذ كيسا من المطعم منتفخا وخرج .. كان يلهث خلف امه التي تحاول اللحاق بزوجها-قصير بدشداشته البيضاء ورقبته تدخل بين دفتيه - وتكشّف لي وجهها الضفدعي ووباء الفقر الذي نخرها وهي تحاول ان تعدل عباءتها على شبه حدبة اعلى ظهرها .. تمر محنكات- يسترن الحنك والفم بقطعة قماش سوداء -هؤلاء النسوة لا يضعن الكمامات ويحسبنها لعبة غربية - اذن هو لثام العفة القروية ...انت تفرزهن اتين من القرى النائية او الاهوار او المدن من خلال الوجوه والروائح والايادي والازياء .. بعض القرويات وبنات الاهوار ما يزلن يتمسكن بالحناء صبغة للشعر ولا يضعن من العطر سوى المسك والعنبر وامثاله .. تلتقط لون الكمون في ملابسهن والالوان المتناقضة ..ويثبتن الشيلات بكلّاب -جنكال وتخترق انوفهن خزّامة تتدلى :
(يابو محابس شذر يلشاد خزامات
يا ريل بالله بغنج من تجزي بام شامات
لا تمشي مشية قهر كلبي بعد ما مات ).
وتلتقط الوانا من الوشم الازرق -المثبت بغرز ابر ورش رماد عليه-على النحور والايادي والوجوه ... اما القلادات فهي من النوع الرخيص -خرز من البلاستك ينظم بخيط -.وماذا تنتظر من نساء تنتشي بالروث ورائحة البردي والاسماك الصغيرة تشوى على حطب حتى تتفحم.. حيث تضرب القبضات القوية رؤوس البصل حتى يدمع وياتي خبز التنور الطين الساخن وتبدأ معركة الالتهام ... ولكنهن غالبا فائقات الجمال .. مرة كنت في بيئتهم فاتى صغير يبيع السمك بصينية متبرما (امي انجبت طفلة وبقرتنا انجبت ولدا ).. حتى الصغار يتحيزون للرجل .ولا ينظرون للمرأة اكثر من آلة للكدح .هؤلاء النسوة ان هاجمت عشائرهم فينطلقن بالزغاريد وهوسات تشحذ الهمم .. لكنهن يطلقن عويلا يقطّع القلب على قتلاهن .. سالت امراة مرة لماذا تكدحين وانت مسنة اجابت (انا اكنز النقود لاجل الفصل -الدية , المفترضة .
ورايت في السوق اسماكا باحواض شحيحة الماء يحتضرن ...واخرى باحواض ,انبوب يصب عليهن الماء الدافق بعضها تهرب من مركز هبوطه واخرى يسبحن في قوة الماء .. اغلب المخضرات مستوردة في هذه البيئة الزراعية ... , اعتليت مدخل محل لبيع الملابس : صفان من الملكان .. يسارا نصب لصغيرات محدقات في الفراغ ولهن شعر مرسل مهمل يقابلهن صف من الملكان بلا رؤوس يتلفعن بالملابس المدرسية للصغيرات .. من المرتفع المبرد ارى السيل البشري يسح كتلته .. يحتلها الحزن والقلق ويسوّدها الرعب .. اسبوعان على بدء الدوام الرسمي ...موسم يشعر العوائل بالفزع .. بطالة وارتفاع الاسعار ..يجري السيل البشري متدافعا مفرغا من المعنى والبسمة والاحلام .. كانهم ينقلون في قطار الموت ... او ينقلون الى <قصر النهاية >..الباعة المسنون يتثاءبون وهم يتربعون امام بسطاتهم علب الكارتون .. خالية المحتوى الا من ازواج جوارب او علكة او بالونات صغيرة ودمى قماشية انهم ينظرون السيل يتخطاهم فلا يبالون به ولا يبالي .. تتخطاهم حركة الحياة ...وجدان مشغول برؤية التوابيت وعذاب القبر او الحسرات .. البسطات تحيطها اربع قوائم م.
(مجنون يرتل)
كنت جالسا في محل صديق لبيع وصيانة الحاسبات وقطع غيارها, المحل ضيق يتكون من طابقين , يعمل فيه شاب ساكن واخر خبير بتأهيل الحاسبات , يتحرك بحيوية , قليل الكلام, وفتاة تعهدت امام مرآتها ان تظهر اناقة متزنة , تقف لتستنسخ او تشغل نفسها بتصفيح الانترنيت, العامل الثالث وصل متاخرا, مكتنز, معتدل القامة , دائم الحزن, الشارع من خلال البوابة الزجاجية يضج بضوء الضحى الساطع وحركة الناس السريعة القلقة..
دخل : قصير القامة , قوي السمرة , اشعث يرتدي سترة وبنطالا وسخين , عيناه تنضحان بمعان تصعب ترجمتها ,الق داكن, يبدو شعره مقنفذا , يضع ربعين من العملة الورقية على الطاولة: (انهم لا يعطون ,لا يخشون الله.. , اريد ربعا ) , قال صديقي صاحب المحل ـ وهو يتأمله مبتسما, , ضاغطا بيسراه على فخذي لانتبه ـ : (ساعطيك دينارا ـ واظهر العملة الورقية له ـ شرط ان تجوّد الآن ايات من القرآن ).
مباشرة بدأت التلاوة من عينين لا تعكسان الخشوع ولا السخرية , جادتين ( اذا الشمس كورت .....) واكمل حتى اخر السورة .
كان تجويدا مقلدا اداء القاريء المصري عبد الباسط , فتذكرت طفولتي , كان والدي يدير احدى المقاهي في ام البروم اخر الستينيات من القرن الماضي يوم كانت المقاهي ملاذا ومستقرا للمعارضين والجائعين والعاطلين , وللوافدين من المحافظات الجنوبية , طلبا للرزق او هربا من الثأر .
الصباح هناك يبدأ بعدس, وهو رجل تركماني سمين قصير , ترك الجدري آثاره على وجهه , حتما هذا ليس اسمه الا ان الفجر يبدأ معه,عربته ليست بعيدة عن المقهى , وهو يصدح -عدددس .. عدس - ضاربا بمسه الواسع المصفر على قدر واسعة ,تتوسط العربة والناس تزدحم ,لم يتعطل يوما, الا في ذلك الفجر الصاخب , يوم علق الجواسيس في مشانق على مقربة منه بام البروم. وعلى مسافة قصيرة , تستعد قبيل الغروب الملهى فتعد الكؤوس وتتأهب الراقصات, للاستعراض. في تلك اللحظة ــ حيث يبدأن بالتشاور لوضع زينتهن واختيار الازياء ــ تصدح كل غروب حنجرة الشيخ عبد الباسط بترتيل عصي على تقليده حتى ينتهي بأداء يخشع له الملحدون (بأي ذنب قتلت )
وتساءلت في نفسي عندما ختم المجنون ترتيله ودس الدينار , وهو صامت , في جيب سترته الزرقاء المتسخة : (كيف يجّود مجنون , وينسى المبصرون ذكر الله !!) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( خروف نذر )
فجرا في حي سجن بلا حرس او ابواب , يفضح ضوء الصباح صور الاولياء التي لصقت عليها, وتتجلى عناوين موحدة على ابوابها وجدرانها المتهرئة الملبوخة بالاسمنت, ,كتبت بمختلف الخطوط الرديئة والاصباغ المتنوعة ((الدار للبيع )), غالبا ما تمحى فتعاد ,لكن السكان الاصليين لم يتغيروا, ينتقلون فيه من زقاق لاخر , ولن يرحلوا بعيدا ,باب يقابل بابا , في فروع متوازية لا تتجاوزمائة متر طولا ولا يتسع عرضها لدخول سيارة , هذا الحي معمل للتفريخ , فقد ضاقت المساحات بالسكان والاطفال الذين يتكاثرون اكثر من النمل , السطوح واطئة ,تتكلم بدارك فيسمعك جارك فهو شريك معك بحديد السقف والجدران , كل بيتين بجدار واحد , فتعذر وضع الشبابيك .
ينشط هذا الحي ايام الاعراس والمآتم وتوزيع المواد الغذائية وايام عاشوراء , والمشاجرات ونصب السرادق لفض النزاعات العشائرية ,وينشط في ساعات قطع الكهرباء حيث تتحول البيوت مراجل ,في ايام الانتفاضات يتحول عاصفة من الرصاص , ويتجمع في رأس ازقته اناس من كلا الجنسين لازاحة ما تراكم من المياه الثقيلة النتة في فصل الشتاء .
فجرا , البائع متعب ومرح , عجوز تقترب تلف نفسها بعباءة تقف في انتظار ان ينضج الفلافل , الوشم يزدحم على رقبتها ويديها بشكل نجوم وصلبان وازهار , العطر البدائي يشع , الكحل يترسب : فاليأس وعجلات السنين والخيبة تكاد ان تطفيء عينيها ,
يمر قطيع من الماعز والخراف متسخ يعرج بعضه , يتشاجر , يتلفت , يسهو ,يتراكض الى موقع القمامة ,,
خروف مسن , علق شريط اخضر في رقبته ..: ( ما هذا ؟ ) فالتفتوا الى حيث يشير , .. (لماذا علق الشريط برقبة الخروف ؟!!)
قال البائع ـ وهو يقلب كريات الفلافل في دهن يغلي ـ (انه منذور للاولياء )
(لا ) , قالت العجوز... واكملت (انها حمت الرسول محمد (ص) اثناء هروبه من الكفار ).
الشركة التركية التي استوردتها الحكومة المحلية لتنظيف القمامة ـ بعدما سرحت اكثر عمال البلدية ـ لم تبق شيئا من الزاد لهذا القطيع , الماعز يأكل الورق المقوى بشهية ,خروف يدخل بوزه في علبة الصفيح طلبا للزاد, فتقبض على فمه ويعاني وهو يحاول الافلات منها ,صغار الماعز اكتسب خبرة بفتح اكياس النايلون السوداء واستخراج الطعام ... الماشية تتصارع .
في الضحى ,ستتضخم القمامة مرة اخرى , فيتقاتل عليها الصغار وجامعو القناني الفارغة واسلاك النحاس , اطفال ينقلون القمامة الى بيوتهم ,نساء اخريات يحملنها من البيوت لتعود لموقع القمامة مرة اخرى .. كأن القمامة اواني مستطرقة .
يعود عمال النظافة الناقمون, اليافعون الذين يقنّعون وجوههم ــ لانها حسب رؤيتهم مهنة هابطة ـ والرجال والشيوخ بزي موحد ويملؤون عجلة القمامة التركية .. التي تكبس الزبل وهي تجري وقد كتبت عليها بخط انيق عبارة لا يهتم بها احد (حافظ على نظافة مدينتك ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(مذكرات لالة)
لا اعرف من اين جاءت تسميتي, ولكنه اسم ممسوق شهير ,اكثر شهرة من علماء ذرة واشهى الحلويات ,افتخر ان اسم يضم مادة (لا ) التي لها وقع عميق في المساحة العربية والعراقية , وهي تسليني حينما تتصدر جملا ثلجية مثل ( لا تراجع ) , (لا عشائرية بعد اليوم ) , واحيانا تذكرني ب (لا ) اللغوية مثل ـ لا اكراه بالدين , او ـ لا تكن لينا ـ الاسم ليس مهما , انا لالة ام الفانوس .. وخلااص ,لقد خشيت كثيرا بعد سقوط النظام القبلي , ارعبوني , تصورتني موروثا في متحف ولن يعتني بي الا الفلكلور , ساصبح دمية غير نابضة بايادي الصغار او صورة مضحكة في مجلة تراثية .وصدقت مثل الناس بان المدن ستكون مضيئة , ولكن ارادة الله انقذتني , فلقد تطور شكلي , اهزلوني فترشقت واسمنوني وغيروا زجاجي فهو مستعاد من قناني الببسي, وتصدرت اهتمام المرأة والكتاب المتأرقين , لا تعرفون مدى فرحتي كلما انتكست الكهرباء او تعوقت المولدات , لانهم يسرعون لاطفائي عندما يعملان ,لا ادري لماذا اخبرتني صديقتي الشمعة ذات يوم : بان النبع الذي يحييني نادر ومجدول وان خبراء السدود يخشون من نفاذ الخزين ولهذا يوزعونه حسب البطاقات والاولويات....ولكني تساءلت كثيرا : (لماذا يذبح لساني اللاهب كل نصف ساعة او يوم فينطلق دخاني وتتثلج عواطفي واتحول الى جمرة,).
في ذات يوم زارني خطيبي الخجول وفضح السر, قال (ان روحك الرقيقة هي النفط الابيض ولكنها تختلط بالماء والكاري ومواد كيمياوية يصعب كشفها ولهذا يزرق او يكفهر زجاجك اللامع ويخبو لهبك , واراد ان يرعبني مرة اخرى فاضاف : ( ان هذا العام سيقودك للمقبرة ).. ولكني سخرت منه , فانا عراقية لا ترهبني التهديدات ولا ابالي بكمائن الكهرباء وسادافع عن ذاتي بكل شجاعة وسيسندني اصدقاء اوفياء يهمهم ان تتكرش جيوبهم وتحمر الوجنات .
خشنتني الحياة وكم تمنيت ان يوافقوا على تغيير اسمي ويصيحون (( لال ))او ان يكون اسمي مشتركا للذكر والانثى مثل كلمات (برقان وكفاح ), لا يهم , فللمرأة سطوتها ودهاؤها وقد تقود دولا في المخادع , ولو ان كل فتاة مثلي لها قدرتي على تحدي المراحل لفضلت النساء على الرجال .
اتذكر قبل اربعين عاما رفعني بيده عامل فقير رفعني عتال في البواخر ,عاليا باتجاه السماء وصرخ (ربي , لا طعام ورضينا فلماذا لا نفط ) كان يقصدني ... اذكر تلك الليلة فقد غادرني النوم وافزعني القلق ...
قبل خمسين عاما , كن منذ اول العصر ينشغلن بتلميع زجاجتي وادامتي فاصبح عروسا وياتي عمال البواخر واصحاب المقاهي وبائعو السجائر (الغازي )والصيادون فيستمتعون بضوئي الذي يفضح لغة الديرم على الشفاه الطازجة متحملين عشاقي المزعجين من البعوض وغيره ....
في يوم ما دخل يحملني لص الى مخدع راقصة في ملهى ليلي وسرق عقدا من الذهب , وفي صريفة قصب كسيت بالجص وضعه في الطاوة, وسلط نار البريمز تحتها ,بعد ساعتين لم يسل العقد حتى ارهبته امراته فلما برق الفجر رمى العقد الى النهر .
يوما ما صدمني قط زنجي في منطقة البرغوثية , وكأي سجين تتحطم قضبانه التهمت القصب واجهزت على حي باكمله , لكن السياسيين المغفلين قالوا (انها لعبة معارضين مخربين . ) ,في تلك الايام لم تكن مفردات مثل ـ الارهاب , المقاتلون , المتشددون ـ قد دخلت قاموس السياسة , ولم تكن احواض التيزاب قد اكتشفت في التعذيب, لعن الله ادوسن فلو لم اكن على بحر نفطي يسمى البصرة ولولا اكتشاف صدام ترشيد الكهرباء ولولا اصدقائي الجدد لسحقوني بالاحذية , او انقرضت , وانكرت الاجيال كفاحي الطويل,فأناامراة محايدة , اضأت للملوك والطغاة والمقابروقارئي الكف وعاصرت معتقل (نكرة السلمان وقصر النهاية واساطير الرضوانية )وحملت في الاعراس في غابات النخيل ليلا في أبي الخصيب ونهر جاسم ,ولم اعترض على مغتصب او رقاب تذبح ولم ابخل على كتاب المناشير السرية ..
انا الصبر العراقي المرير , انا فرعون العراق ومسيلمة القرن الواحد والعشرين , ان العازمين على اضاءة البصرة واستعادة عشارها الساهر بطيئون وربما سانجب طفلا اسميه (لولو ) ,قبل ان تتدفق الكهرباء .
واثقة انا وتعلمت من دروس التاريخ , انهم سينجحون لكني اطبق المثل الانكليزي (لا تفكر بعبور الجسر قبل الوصول اليه . ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(حكاية كتكوت)
من ايام يلحون علي الصغار ان اشتري لهم بشة , لكن الانسان وقد مرعليه وقد شهد في حياته 29 رئيسا يتثاقل من التوجه للسوق ..فعبد الكريم قاسم ظهر ت صورته في القمر .. وعبد السلام خاطب اهل البصرة (طاسة ا بطن طاسة والبحر غطاسة ) , وعبد الرحمن اخاه (لم يهش ولم يرش ــ وضع حديدة عن الطنطل ), واحمد حسن البكر العاقل وهو يخطب (ان امامنا معارك قادمة ).. وصدام حسين الذي ابتلاه الاستعمار الاخوة بان يبقى عقدين بالزي العسكري,ثم علاوي الذي ظهر بعد اغنية سعدي الحلي < علاوي يا علاوي>, وزرقته , ثم ثلاثين رئيسا في شهر , محسود انا , 30 رئيس ههه وبشهر ؟؟!!!.بعدها اتى السيد الجعفري كم شهر وكتروه (خطية ) كان احسن ملا رئيس.. بعدها اتى المالكي فثبت مصطلح (جيش يزيد وجيش الحسين .. ومقولة <<ما ننطيها >>.لكنه كان كريما فاعطى هدية 4 مدن لداعش...واتى ابو يسر د حيدر العبادي.. خوش ولد فاصلح ذات البين نسبيا لكنه سقط بالضربة القاضية لخصخصة الكهرباء...من يشهد كل هذا يتثاقل من الذهاب للسوق .. لكني احب احفادي ولعيونهم قصدت السوق مرتين بيومين فلم اجد بائع البشوش.. المهم بعد اربعة ايام اخذت الصغيرين وراينا دجاج عرب صغار كتاكيت.. وخيرتهم فانقسمت الاراء بين راغب بشراء كتكوت او بشة كطبع العراقي . مقسم قسمة طويلة ابدا بين عمر وعلي وحرب جمل وطلي,لكن القوة الامريكية تدخلت ووحدت الاراء اشترينا كتكوت دجاجة عرب مو معمل .. وحملوه فرحين ونحن نحاول تصنيفه ذكرا او انثى .. قلت ديك لانه يرفع رأسه واشد نشاطا .. الانثى رقة وانكسار رقبة (ولو الخجل قل منسوبه اليوم ).. ووضعناه بقفص لطيور الحب .. فاندلع الصراع ..احسهم يتهامسن (شنو هذا منين اجانة ) ولان الديك يحب الاماكن المرتفعة خاصة لحظة يعوعي )يصيح (.. فقد اعتلى بالقفص الطابق العلوي وهن طيور الحب هبطن لارضية القفص المشبك.. وامهم تصيح اعتقلوه لانهم سيترسنا فضلات ... في التاسعة ليلا اجبروني اظهره وكان نعسان.. احسه يقول (شلون طلابه يعنى الليلة ما انام ..صباحا اتوا لي بالحليب فلما فتحوا باب غرفتي اول صورة شاهدتها هي الكتكوت فالتقط له هذه الصورة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(مراهقة وكهولة)
في العشرينات ,
ثعابين النار تتدفق من بعيد في مؤسسة نفطية , فجرا , الموظفات اول من يدخل ,لم يكن الحجاب سائدا ,بحيوية تتقدم بعضهن واخريات بتثاقل ,يحملن الحقائب اليدوية , كان يسلي نفسه (سأحدس من تقرب لها زوجها , تلك فهي حيوية الجسد ,هذه لا, انها بخطى ثقيلة ,الاخرى نعم ــ لقد استمتعت ليلة امس , انظر لوجهها ... زاخر بالنشوة , .....
في الستين
مر في بيوت مستنقعة ..وقت معركة الغروب مع بقايا الضوء, يظهرن قرب العتبات محجبات ,او متلفعات بالاسود والعباءات ...يجتازمن يجلن قبله .. يلتقط اشياء اخرى , لم يعد يهمه الجسد , انه الان ينظرهن ويقرؤهن بوضوح ,انهن مغمورات بالخوف ,تلك تنتظر زوجا شرسا او لا مباليا ,الاخرى تعاني الفقد ,تلك تحدق في المجهول وقد اعتادت الانتظار ,بعضهن مر بيوم طاحن يصارع ما تبقى من اصرارها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(حزب السود في البصرة ــ حركة العراقيين الحرة ــ ).
عندما حضرت المؤتمر التاسيسي لحزب السود في البصرة ..قلت( ماذا تفعل الفتن باهلها) ..كانوا يتحدثون عن اهانة الانسان الاسود من خلال السخرية من لون بشرتهم...فيما السود انفسهم يفتخرون بلونهم ويخاطبون بعضهم بروح فكاهة:( ابو العبد).نحن في البصرة لا نحب السود فقط بل يصعب العيش بدونهم ...لانهم صناع البهجة وخلاقو الطرفة..ومن يحييون الاعراس بنغم ( الهيوة)...وقد برز منهم رجال دخلوا عمق الفلكلور. ..مثل تومان الذي يعزف ( الفيفرة. ..الماصول. ) بانفه.
وقد احتفلت حركة العراقيين الحرة بفوز باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة بإقامة حفل موسيقي في محافظة البصرة.
ويوجد الزنوج في العراق منذ عام 14 هجرية، عندما استقدمهم ملاكو الأراضي من إفريقيا للزراعة. وشهدت مدينة البصرة في 869 ــ 883 ما عرف بـ"ثورة الزنج"، الذين ثاروا على المالكين وأسسوا حكومة لهم كان مقرها مدينة المختارة (جنوب البصرة) قبل أن تنهار حركتهم بعد أقل من عقدين، وذلك عندما جندت الدولة العباسية كل إمكاناتها، فكانت أطول ثورات العصر العباسي وأخطرها.
وقد كان الرق مباحا حتى اجهزت عليه المملكة في العراق عام 1924 بمرسوم جمهوري .
و كانت كل عائلة عثمانية ثرية تشتري اسرة من العبيد لاغراض الخدمات ويعيشون في الطابق الارضي من المنزل فيما يستقل البيك والخواتم وابناؤهم الطابق السفلي .
اما اغنياء البصرة فهم يتبجحون بثرائهم عندما كانت عرباتهم تمر في الطرق محاطة بمجموعة من العبيد وهم يسيرون مشيا على الاقدام .
وقد لا يدرك بعض الناس بان السود ينحدرون من ثلاثة اصول احدها افريقيا , فقد كان يقبض عليهم من شرقها وغربها ليبيعوهم في العصر الاسلامي لغرض الخدمات ونصرة الدين ! إذ تم جلبهم من زنجبار "على سواحل كينيا وتنزانيا وجنوب الصومال" للالتحاق بصفوف جيش الخليفة العباسي جعفر المتوكل الذي كان يريد توسيع نفوذه.
عدد كبير من البصريين السود انضموا لفرق الخشابة فالفكاهة وحب الرقص وروح الطرب تسري بدمائهم .
عدد أعضاء فرقة الخشابة يتراوح بين عشرين شخصاً أو أكثر تختلف اختصاصاتهم، فهنالك قارئ المقام ومغني البسته واللوازيم ثم عازف الكاسور (وهو الايقاع الفخاري) اذ يستخدم الخشابة (البستوكة) بالدرجة الاساس للعزف، وفئة تؤدي التصفيق المنتظم.
ويكون قارئ المقام ذا اختصاص بتأدية المقام بلونه البصري المتوافق مع اللون البصري وأكثر المقامات المغناة بجلسات الخشابة هي البهيرزاوي ومقام الحكيمي ومقام الشرقي ومقام المخالف والمدمي وغيرها بما يتوافق مع الايقاعات واللون الخاص.
اشتهرت العديد من الفرق بهذا النوع من الغناء الذي يعد أساس الغناء في البصرة بشكل عام، ومن ثم انبثقت الايقاعات الخاصة لكل نوع من الغناء كالسامري والهيوه والبستة والابوذية.
وكانت تسمي فرقة الخشابة بـ(الشدة) من أشهر هذه الشدات شدة أبو دلم وشدة ربيِّع وشدة خلف السعيد وشدة ملة عدنان وشدة حسين بتور وشدة رمضان أبو راسين وشدة أبو ناظم وشدة أبو عقيل وشدة يوسف الزين وشدة سعد اليابس وشدة رشاد البصري.
أما الفرق النسائية المعروفة بالخشابة فمن أشهرها فرقة زكية الدكاكة وفرقة أم علي وفرقة أم كريم وفرقة.
لقد حدثني رجل اسود فكاهي بان الخشابة اصلا كانوا يعزفون على علب الصفيح ..وكنا ننتظر في مناطقنا الشعبية ليلة الجمعة بشغف .. لان السود يشرعون بممارسة طقوسهم بعد الغروب ..حيث يتعالى الايقاع ويتساقط البعض او تنهار نسوة في غيبوبة .. وقد تسمع احد ممن فيه مس تتغير لهجته فيقول (ابي بيض )أي احتاج بيضا..لست في معرض التفصيل بفنونهم وطقوسهم .. اريد ان اؤكد بان السود فاكهة البهجة في روح البصرة .. وما قيل عن اضطهادهم تصريح مدفوع الثمن .. ان الانتخابات والحاجة للاصوات باي ثمن دفع بمثل هذه الحركات للظهور .. حركات لا تصمد طويلا .. سيصهرها الواقع .. سيلفظها مثل زاد عسير الهضم .
وحين كتب صديقي الاسود البشرة <مهدي طه > عام 1975 : ( من انا غير شيء بلا أي شيء
ورماد صديء على علبة فاخرة ).. لم يكن ذلك بسبب لونه بل لشعوره بغربة الروح في مجتمع يسير للهاوية .. ولم اسجن اثر غرقه لانه اسود بل لاني قلت بان اياديا للسلطة وراء غرقه فاتهمت بمادة (قذف السلطة ) .. وقبعت لعام في سجن ابي غريب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(حجر كريم )
تخاله فرنا للصمون , لكن التوهج يظهر من موقد المقهى هومشعل يحمى عليه الشاي .
ربما تكون الاضاءة الباهتة هناك قد غذت هذا الشعور ...
عينان صفراوان وقحتان وسوار مثل سلسلة في يمناه , وضع امامنا قدحين من الشاي وحدجنا بنظرة من زاوية عينيه وهو يقف امام صاحب المقهى الجالس خلف الزجاج , واضح انه حلق حاجبيه وحف وجنتيه ..
التختان الوحيدان خارج واجهة المقهى يطلان على السوق , ثلاثة يجلسون على احدهما , على اليسار رجل اربعيني .. بدين جمجمة ضخمة فارغة , يضع عباءة سوداء شفافة على دشداشة بيضاء .. وقد اعتنى بشاربه الثخين .. قال رجل متورد الوجه مبتسما (انت بعت بخمسين .. والان مرتاح ) فشعر ببعض الزهو رجل على التخت قربي قد صبغ شاربه وحلق لحيته بعناية ورتب كوفيته البيضاء على رأسه .. فابتسم هذا له وقال (هذا سماوي ) مشيرا الى محبس في بنصره الايمن .. فتوثب فيّ فضول واستدرت اليه بنصف جسم , بعدما اختفى من جواره صاحبه وخلا المكان , فاقتربت منه متسائلا :
ــ انتم تتكلمون عن الحجر الكريم
ـ نعم
ـ هل لك خبرة بذلك ؟
ــ نعم افرز الاصيل من المغشوش .
ــ هل لديك فص للرزق؟
الرزق من الله , لا دخل للمحابس فيه , انظر الى هذا المحبس السماوي الذي اتقلده , انه رخيص الثمن بخمسة عشر الف دينار ,لكن هناك سماوي من النوع اليماني ,واخرج قداحة وسلط الضوء من مصباحها اسفل الفص وقال (انظر , لا ترى فيه شرايين ولا علامات, انه مزيف ).
ثم دس يده في جيب دشداشته واظهر محبسا بلون المشمش وسلط اسفله الضوء , وقال (الا ترى قطعا من المشمش متناثرة , انه يماني اصيل , وقد تستدل على الاصالة برؤية فقاعات داخل الفص تحت الضوء ).
كان صاحبي يضرب جانب ركبتي بساقه فارفع رأسي لالتقط امرأة تمر وانا اصغي لخبير المحابس ...
وفيما كان الرجل يشرح بهدوء تذكرت رجلا اقتنى فرج الضبعة ورأيته يضعه على منضدة قرب مسبحة وبخور واجاب حين سألته عنه : ( ان الكثير من المشتغلين يجهلون صناعة الطبخه الروحانية للفرج وان اكثره مغشوش وأن كانت الخامة من ضبعة حقيقية , لأن من شروطه العمل عليه و التحضير والاتقان ومن فوائده تسخير الرجال والنساء وجلب المحبة وعقد اللسان , وعليك شراؤه من عطار ثقة في الساعة الفلكية المذكورة وعند التلاوة حاول ان تبخّر بالجاوي او اي بخور طيب ولايصح حمله كاملا وينبغي ان يؤخذ القسم الأيسر فقط منه و روحنته) . وتخلصت من امطار ذاكرتي لاعود صاغيا بتفاعل لمحدثي البسيط.
فاستطرد :
<هناك نوع من الحجر نسميه شفة العبد لقوة سواده وان سلطت ضوءا عليه انقلب اخضر .. ان الغش في الحجر متفش والخداع تطور فقد تمكنوا من صنع شرايين وفقاعات في الفصوص وانت تحتاج لخبرة كي تفرز ...
الحجر موجود في البصرة بمنطقة الزريجي .. هناك موقع اثري تمكن البعض من الحصول على الكثير من الاحجار منه ايام الفوضى بعد سقوط النظام ... لكن الحجر الكريم متوفر في شمال العراق يجدونه كتلة حجرية في الجبال ويتم تقطيعه وقد تجده في البحر في العراق والخليج العربي ).
لكن الرجل البسيط والطيب هذا لم يكن يعلم بان ((الحجر التقليدي الذي يتم تصنيعه من الأحجار في المختبر عند التدقيق يمكن رؤية الشوائب وعيوب الحجر وعدم صفاء لونه ولمعانه , فالحجر الطبيعيّ عادةً ما يكون برّاقاً لامعاً صافياً، أمّا الحجر التقليديّ فيكون أقل شفافية وتظهر به نقاط داكنة، ويرى من كلّ زاوية بدرجة لون مختلفة مقارنةً مع الحجر الطبيعيّ الذي يبقى لمعانه واحداً من مختلف النقاط والزوايا.
اما الحجر الاصطناعي فيتم تحضيره مختبريا بنفس المواد التي يتكون منها الحجر الأصليَ، بعد محاولة محاكاة الظروف التي ينتج بها الحجر الأصليّ من حرارة وضغط لكن بزمن قياسيّ أقل، ويصعب تمييزه عن الحجر الأصليّ إلا باستخدام أدوات الخبراء، فيتم مثلاً فحص معامل الانكسار للحجر للتفريق بين الحجر الطبيعيّ او النفيس والاصطناعيّ الذي يتفوق على الحجر الأصلي من حيث قلة الشوائب فيه ويمكن أن تتنوع فيه الألوان؛ حيث يكون للقائمين على إنتاج هذه الأحجار القدرة على صبغها بألوان متنوّعة تحاكي الأنواع الأكثر ندرة في الطبيعة مثل الألماس الأصفر.
ان المقارنة بين الحجر الطبيعيّ والحجر الاصطناعيّ أكثر صعوبة،فلا يمكن التمييز بين الحجرين بالنظر، لكن يمكن اتّباع الخطوات التالية للتمييز بينهما: مسح السطح: إذا كان السطح خشناً أو رملياً سهل التكسر والتفتت يكون ذلك دليلاً على أنّه ليس حجراً كريماً. فحص لون الحجر: يعتمد في هذا الفحص جداول مفصلة وضعت لوصف ألوان الأحجار بدقة، وتقسم العملية إلى ثلاث مراحل هي: الأولى: فحص اللون العام للحجر، ومقارنته باللون في الجداول. الثانية: تحديد مدى شدة اللون، أي هل اللون قاتم أم أنه متوسط أم فاتح اللون؟ وأيضاً نعود للجداول المفصّلة لتحديد ذلك. الثالثة: الإشباع والتركيز للون: وهذا الفحص يساعد في تحديد مدى تركيز اللون، فيوصف الحجر بالبارد إذا كان اللون أخضر أو أزرق أو بنفسجياً، أو يوصف الحجر بأنّه ذو لون دافئ إذا كان لونه أحمر أو أصفر أو برتقالياً, الطرق على السطح، إذا كان السطح قابلاً للثني أو الطرق، هذا دليل على وجود معادن أكثر من أن يكون دليلاً على أن هذا الحجر كريم؛ لأنّ الحجر الكريم من صفاته الصلابة، ويشكل بالقص والجلخ <الشحذ> وليس الطرق والضغط. فحص التركيب الداخلي للحجر: الحجر الطبيعيّ له التركيبة المحوريّة، أما الحجر الاصطناعي فيكون تركيبه الداخليّ على شكل منحنيات. الحجر الاصطناعي يمكن طليه بالذهب أو البلاتين. قد تظهر على الحجر الاصطناعي بصمات الأصابع أو آثار لأظافر يمكن مراقبتها. الأحجار المقلّدة أخف وزناً من الأحجار الطبيعيّة. الفحص باستخدام أجهزة دقيقة، عادةً ما يُستخدم جهاز فحص معامل الانكسار، والذي يتوافر لدى الخبراء والصاغة، ومن خلال القراءة لمعامل الانكسار للضوء في الحجر يتم تمييز الحجر الطبيعيّ من الاصطناعيّ. تعتمد الآلية في هذا الجهاز على تحديد كيفيّة تغير مسار الضوء داخل الحجر، لكل حجر كريم معامل انكسار خاص به، لذا هذه الطريقة ممكن أن تُستخدم في حال عدم معرفة نوع الحجر لتمييزه، يتمّ حساب معامل الانكسار ثمّ العودة إلى جداول معامل الانكسار للأحجار الكريمة، فيظهر لنا نوع الحجر، وأيضاً من خلال معرفة معامل الانكسار يمكن تحديد إذا ما كان الحجر طبيعيّاً أم اصطناعيّاً.))
ورأيت شابا يكاد يقفز احد ردفيه مع كل خطوة وهو يرتدي بنطلونا اسود وقميصا مثله .. فاكتشفت حين تقدم بان قدميه معاقتان .
الرجال الثلاثة الذين يقابلوننا عل التخت يتهامسون .. ربما توقعوا ان صاحبهم وجد رجلا ساذجا وسيتمكن من خداعه وان يبيعه محبسا عاديا بسعر مرتفع .. فكانت عيونهم تعكس البهجة والحسد .
واشار صاحبي الى الشاب العامل في المقهى , رافعا سبابته, فلما نظره حركها كما تدور الملعقة في قدح الشاي , فاتى مرتديا بنطلون كابوي ضيقا,قلت (شاي فاتر) , فاجاب الرجل الوسيم امامي وهو يرتدي دشداشة سماوية (انه لم يخدر )..
لقد ندر زمان الشاي على الفحم في مقاهي زمان, تفوح منه رائحة الهيل , انهم الان يسمطونك بماء احمر بلا طعم ولا يقدمون لك الماء فعليك ان تشتريه فترن باذنك مناداة الزبون القديم (شاي وماي ).. من سنوات لم تعد تسمعها ..
المقاهي في هذا الزمان لاصحاب الناركيلات , الله اعلم ما يضعون فيها , لان من ادمنوها غالبا مخدرون , سارحون بعالم اخر ... والمقاهي لمن لا يصغون لبعضهم , ولم تعد محطات استراحة بعد يوم ثقيل وليست مهربا من صخب البيوت وعبث الصغار ولا مأوى للمشردين .. لم يبق من المقاهي الا اسمها , وهي في فصل الخريف .واتى رجل اصلع في الثلاثين بدشداشة سوداء يضع الكثير من المحابس في كلتا يديه , واندس بيننا , واستخرج حجرا اسطوانيا بلون كحلي , يمر فيه خيط .. الا ان محدثي طلب منه المغادرة قائلا (هذا الاخ صحفي واريد ان احدثه عن مشكلتي, فغادر الرجل , كابتا عشرات المعلومات عن الخواتم .
ــ (لقد منحوني رقما لقطعة ارض .. انا اعمل في الموانيء.. فدفنتها واتى عامل من الموانيء وزعم انها قطعته واظهرالمستند فكان رقم القطعتين متطابقا,ولم يعوضني عما خسرته ولقد خشيت على اخوتي فلم اطور الشجار, وامثالي عشرات اعطوهم ارقاما لقطع اراض متطابقة ).
في السوق امرأة صدئة من المعدان تبيع الحليب المغشوش في قنان والقيمر والروبة ..اشترينا واحدة بعد ان خفضت السعر قليلا قليلا في لحظات حتى قارب نصف سعره المعلن اول مرة ... وقد وضعت قنينتين فثلاثة وهي تكرهنا على الشراء وتسوطنا بلسان مدرب وباسلوب الالحاح والتخفيض كي نشتري..ووضعت لنا عددا من قطع القيمرموضوعة في علب مكشوفة من البلاستك الابيض ..وهي تخفض السعر وتزيد من الكمية ونحن نرفض وهي تلح ... قلت ربما الوقت مغيب وتخشى على سلعتها من التلف .. لكنه كان التفسير الخطأ.. لان اقرباء لي شمال البصرة حدثوني بان اسلوب الالحاح في البيع مترسخ لدى البائعات من المعدان ... وان شعارهن (عليك ان تشتري بالقوة او الرضا ).. ويتحاشى الناس الاحتكاك بالمعدان فهم لا يتورعون ان دهست شاة منهم ان يكرهوك على دفع فدية مضاعفة عنها وعن حملها المزعوم كذبا او عليك ان تواجه انواع الاسلحة , لا فرق لديهم بين قتل الانسان وسحق نملة .
سوق مسقوفة بقطع القماش والصفيح اللامع او الصديء... الزبائن المساومون اكثر من المشترين ...الكساد يشمل اغلب المحلات... مكبرات الصوت تصيح (السلعة بالف ) وهي التطور الطبيعي لبسطات ينادي اصحابها ( حاجة بربع )ما كان يحدث من عشر سنين ...
وحسبته دمية عرض للملابس بدينة ترتدي بنطلونا وقميصا اسودين وهو يطل من بين ملابس نسائية معلقة لكنه كان عاملا في المحل .... نحن الرجال نمر على محلات الزينة وازياء النساء مسرعين لا تسحرنا فيها الاشياء...خلافا لهن وهن يتسمرن بذهول عليها ..
لان الشاطيء قريب فالاسماك وفيرة .. انواع قد لا تراها باي مكان.. السعرمنخفض وقد تجد اسماكا حسبناها انقرضت ربما لقرب الحي من الاهوار .. فقد نسينا اسماك البني ارقى الاسماك والحمري والكطان .. لكنها تتوفر هنا ... وترى اسماكا حية تتحرك على دكة او في طسوت او احواض ثبتت في عجلات .. فهنا تشاع تربية الاسماك بوضعها في اقفاص مشبكة وتركها في ماء النهر قريبا من الضفة.. وترى الصيد بانواع الشباك او بمادة سمية او النتل بالكهرباء...وقد ترى المرادي والفالات وعصي الخيزران وانواع خيوط الصيد ومكائن تحريك الزوارق ..
المحال المترفة بالاضاءة والمعروضات واجمة تواجه السوق عبر الشارع الرئيس والحواجزالخرسانة , قلما يقصدها احد, اموال مجمدة عدا صيدلية ازدحم فيها الناس..الاسواق تصنعها ضرورات ويديمها تاريخها وطالما فشلت اسواق مستحدثة وقد ترى جهة حية في سوق وجهة اخرى منه تقابلها مية ..وكم تتمسك الاسواق بماضيها وتظل عصية على التنقل ..وقد تموت تدريجيا ان انتفت الحاجة لسلعها .. فهل يعقل ان تعيش اسواق الاسرّة من السعف وقد غزتها اسرّة الاخشاب والحديد..او ان يظل سوق المربد في البصرة مؤبدا؟!! ..
السوق مسورة بحواجز الكونكريت المرتفعة وقد وضعت لصق بعضها .. رسمت لوحة واحدة للهور فقط على واحدة منها.. البقية خطت عليها كتابات لترسيخ المحبة (اشيعوا المحبة لان الله سبحانه وتعالى رب المحبة والجمال ــ زكريا ).. غريب ان ترى كلمات لزكريا هنا .. حاجز اخر كتب عليه (يحيا الحشد ) واخر ابيات (لا يخدعنك هتاف الناس بالوطن
فالقوم في السر غير الناس في العلن ).
كتابات اخرى تؤكد على الوطنية .. وايات وادعية ....
ولان الطوفان حل بنا كنت اتمنى ان يجرأ احد فيخط <<وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم .وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين. وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ >>.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(كشك شاي كهف )
بجثته الثقيلة وبشرته الشهباء وعينيه الواسعتين المجهدتين يستقر خلف اواني الشاي وهو يرتدي دشداشة شكرية . كشك يشبه الكهف شكّل من بقايا الخشب وصفيح يشبه الصندوق , يتراجع مترين عن الشارع المعبد المتسخ وقد حجبته بسطة مرتفعة.. قدم لنا الشاي باوان من البلاستك مع قطعة من الكعك وضعت باناء, قال صاحبي ضاحكا :<كعك وشاي .. ههه>.
في دقائق رسم المشهد :
(( رجل ستيني متزوج من اربع نسوة, ولدان متزوجان واخران عاطلان يمتهنان التكنيك بالنت, وهو مقعد لاصابته بمرض السكري .. واضاف : -الايجار مرتفع .. احد حوسم المكان ونستاجره منه ...ومشيرا الى الكرسي المتحرك اضاف: ويطالبنا بالدفع -.)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(السيل البشري لا يبالي بالتوابيت)
وجه مدور عينان واسعتان تلتقط كلية المشاهد ,لا يستقر كثيرا خلف مكتبه حيث يصدر التوجيهات مراقبا عماله والقادمين بمهارة , ماكنة شوي الدجاج تتقدم المطعم وسط السوق ,وضعت اسفلها الدجاجة المشوية .. ما تزال ببخارها معتقلة باصابع من حديد.. يعالجها شاب وقور ملتحي..هاديء تتغلب حركات يديه على لسانه وعيناه في ركود .. اثر لسجود في جبينه .. وجهه مشرئب غالبا ..صاحب المطعم ذو العينين الناطقتين يوزع التحايا وجمل الترحيب بلا توقف..يظهر انه اعتادها وطور من قاموسه اللفظي , انه يقرا كل الزبائن , مهتم بكل احد منهم ... ولهذا ازدحم لديه معجمه حسب الانواع والمستويات (اهلا حاج . مراحب استاذ ... تأمري اختي ...احييك شيخ ..تدلل عمو .... ).. وهو يهديء من ضجر المنتظرين (لحظات ويصلك الطلب ) او لعامله بحدية (بسام تعطلوا وين خمسة تمن ). وهناك تأخذه سنة فيسند ظهره على الكرسي لحظة ويحدق بعينيه كذئب احس خطرا .. فينتفض كله بموجة الفاظ الترحيب يتابع زبونه متفحصا ويقصده ثم يصيح بعامله (3 نفر كباب )..سيظل هكذا حتى يرفس اول الظلمة شلال الحركة ويشل الاصوات ..لا ادري هل سيتمكن بعد وصوله منزله ان يلاطف اطفاله وقد تحول راسه لمرجل ..او يشعر زوجته بانوثتها .. ربما .. لكني اشك بذلك ..كان امامي رجل مسن يستقر خلف بسطته وتكاد دمية دب احمر ان تخفي اكثر حزنه فلم اتمكن من دراسة خلجاته وشعوره بالمرارة لتوالي الخيبات والصفعات , يضع طاقية على راسه ويهش الذباب بعصا ربطت بها باقة من ريش الطاووس ( في صباح اليوم الثاني سيعتلي درجات المطعم تحمله عكازتان يشد وسطه بذيل دشداشته ويبين منها سروال ابيض , يمسك بيده قنينة بلاستيكية صغيرة ويغادر بعد لحظات وقد ملأ البطل بالماء ...ان تعتلي درجات وانت شاب فتلك لحظة عابرة اما ان كنت معاقا واجتزت الستين فان صعود عتبة واحدة هي نزيف من القهر والمعاناة , ..جواره بائع الحلوى قال لنا (لحظات ترك دراجته فسرقت ... لا تتركوا دراجاتكم)..
غطست في السوق اتجنب عباءة فتدفعني اخرى ..صاح بائع (جوة السوك .. دجاج ) ففكرت بالمجاز (انقلبت مفردة تحت لمعنى التخفيض ) .. ورايت ذلك الصغير الذي دخل المطعم رثا وسخا واخذ كيسا من المطعم منتفخا وخرج .. كان يلهث خلف امه التي تحاول اللحاق بزوجها-قصير بدشداشته البيضاء ورقبته تدخل بين دفتيه - وتكشّف لي وجهها الضفدعي ووباء الفقر الذي نخرها وهي تحاول ان تعدل عباءتها على شبه حدبة اعلى ظهرها .. تمر محنكات- يسترن الحنك والفم بقطعة قماش سوداء -هؤلاء النسوة لا يضعن الكمامات ويحسبنها لعبة غربية - اذن هو لثام العفة القروية ...انت تفرزهن اتين من القرى النائية او الاهوار او المدن من خلال الوجوه والروائح والايادي والازياء .. بعض القرويات وبنات الاهوار ما يزلن يتمسكن بالحناء صبغة للشعر ولا يضعن من العطر سوى المسك والعنبر وامثاله .. تلتقط لون الكمون في ملابسهن والالوان المتناقضة ..ويثبتن الشيلات بكلّاب -جنكال وتخترق انوفهن خزّامة تتدلى :
(يابو محابس شذر يلشاد خزامات
يا ريل بالله بغنج من تجزي بام شامات
لا تمشي مشية قهر كلبي بعد ما مات ).
وتلتقط الوانا من الوشم الازرق -المثبت بغرز ابر ورش رماد عليه-على النحور والايادي والوجوه ... اما القلادات فهي من النوع الرخيص -خرز من البلاستك ينظم بخيط -.وماذا تنتظر من نساء تنتشي بالروث ورائحة البردي والاسماك الصغيرة تشوى على حطب حتى تتفحم.. حيث تضرب القبضات القوية رؤوس البصل حتى يدمع وياتي خبز التنور الطين الساخن وتبدأ معركة الالتهام ... ولكنهن غالبا فائقات الجمال .. مرة كنت في بيئتهم فاتى صغير يبيع السمك بصينية متبرما (امي انجبت طفلة وبقرتنا انجبت ولدا ).. حتى الصغار يتحيزون للرجل .ولا ينظرون للمرأة اكثر من آلة للكدح .هؤلاء النسوة ان هاجمت عشائرهم فينطلقن بالزغاريد وهوسات تشحذ الهمم .. لكنهن يطلقن عويلا يقطّع القلب على قتلاهن .. سالت امراة مرة لماذا تكدحين وانت مسنة اجابت (انا اكنز النقود لاجل الفصل -الدية , المفترضة .
ورايت في السوق اسماكا باحواض شحيحة الماء يحتضرن ...واخرى باحواض ,انبوب يصب عليهن الماء الدافق بعضها تهرب من مركز هبوطه واخرى يسبحن في قوة الماء .. اغلب المخضرات مستوردة في هذه البيئة الزراعية ... , اعتليت مدخل محل لبيع الملابس : صفان من الملكان .. يسارا نصب لصغيرات محدقات في الفراغ ولهن شعر مرسل مهمل يقابلهن صف من الملكان بلا رؤوس يتلفعن بالملابس المدرسية للصغيرات .. من المرتفع المبرد ارى السيل البشري يسح كتلته .. يحتلها الحزن والقلق ويسوّدها الرعب .. اسبوعان على بدء الدوام الرسمي ...موسم يشعر العوائل بالفزع .. بطالة وارتفاع الاسعار ..يجري السيل البشري متدافعا مفرغا من المعنى والبسمة والاحلام .. كانهم ينقلون في قطار الموت ... او ينقلون الى <قصر النهاية >..الباعة المسنون يتثاءبون وهم يتربعون امام بسطاتهم علب الكارتون .. خالية المحتوى الا من ازواج جوارب او علكة او بالونات صغيرة ودمى قماشية انهم ينظرون السيل يتخطاهم فلا يبالون به ولا يبالي .. تتخطاهم حركة الحياة ...وجدان مشغول برؤية التوابيت وعذاب القبر او الحسرات .. البسطات تحيطها اربع قوائم م.