إبراهيم الديب - الأساطير...

أستمتع بقراءة الأساطير واعود إليها من حينا لآخر لأنها محاولة للإنسان الأولي للتعبير عن نفسه بخيال طليق منساب: تجاه الكون والأشياء واتخاذ موقفاً منها ، معرفة تغلب عليها القداسة والخوف ،اما استمتاعي بها لاعتقادي أو احساسي أنها تحمل خبرة جماعية عميقة ضبابية غامضة طازجة تحتوي بداخلها على كل ما خالج النفس البشرية في ماضيها السحيق وهذه الخبرة الملفوفة بالإبهام المتشحة بالغموض، معرفة ثرية بكر خام مستقرة في أغوار النفس الانسانية ، واللاشعور منذ عصر القبيلة والمجتمعات الاولى، وقد أولى الأسطورة عالم النفس والمحلل الشهير كارل جوستاف يونج ناقلا بذلك مجال البحث في النفس الإنسانية أو اللاشعور من الفرد إلى الابوين إلى القبيلة إلى اللاشعور الجمعي خلافا لأستاذه 'فرويد" الذي يولي الفرد الأهمية الأولى جاعلا من دراسته للفرد، و خاصةً من ماضية وأحلامه وآماله معاناته مدخلا أساسيا لتفسير النفس البشرية وكأن كل ما يقوم تعبير عن رغبات مكبوتة في السابق تعلن عن نفسها في سلوكه، أما الأسطورة أو المعرفة الاولى التي اتخذها يونج مادة لدراسته الإنسان فهي معرفة من وجهة نظره مستقرة في وعينا القابع ، تحت طبقات سميكة من الوعي هي التي تربطنا أسلافنا عابرة نفوس الآباء والأجداد الينا .

ذكر يونج أن هناك من الأدباء من تأثر بهذه الأساطير والمعرفة البدائية وكثيراً ما يكون الأديب تعبيراً عن الاسلاف عن وعي منه يشبه الحلم ،أو بدون شعور ،ولعل ذلك ما يفسر أن كثيراً من الأدباء والشعراء من يتخذون من أساطير الشعوب البدائية مادة لشعرهم فمن رأيهم أن القصيدة لا تنقل واضحة . ولكنه يحاول التعبير عن نفسه بالرمز والإشارة لا تستطيع تبين عن نفسه التي تموج بها مشاعر متباينة فجرى على لسانه الرمز والإشارة والايحاء والصورة الموحية، فاللغة هنا مبهمة أيضاً لا تعبر ألفاظها على مدلول واحد بل منفتحة على معاني شتي بقدر ما تحتوي الأسطورة والمعرفة البدائية التي نستخدمها وعاء لها.
هناك بعض الشعراء من لا يستطيع قراءتها إلى الصفوة المثقفة لأن الشاعر الذي وقف على سر هذه المعرفة البدائية أو اللاشعور الجمعي منهم على سبيل المثال: الشاعر محمد عفيفي مطر دارس الفلسفة الذي جعل منها ومن الأسطورة والمعرفة البدائية مادة لشعره ،ولحد ما شاركه الغموض والابهام الشاعر عبد الوهاب البياتي وادونيس ثالثهم في بعض دواوينه وهناك من استلهم الأسطورة من الشعراء ولكنه يتمتع بقدرة الاقتراب من المثقف والقارئ العادي على سبيل المثال أيضاً الشاعر الكبير: صلاح عبد الصبور .
أتفق مع كارل جوستاف يونج أن الأسطورة والمعرفة البدائية تحتوي بداخلها على الفلسفة والعلم والدين والشعر مجتمعة قبل أن تنفصل عن بعضها البعض قابعة في اللاشعور الجمعي للشعوب متسللا إليه من الأسلاف..

إبراهيم الديب/ مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى