كرة القدم السي حاميد اليوسفي - بالمختصر والمفيد... النهضة الكروية والشجرة التي تخفي الغابة

بعد تألق المنتخب المغربي لكرة القدم في كأس العالم بقطر، بدأنا نسمع الجميع يتحدث عن نهضة كروية كبيرة يعيشها المغرب، وقسم آخر من الناس يتكلم عن هوية للكرة المغربية، بعد التصريحات التي أدلى بها فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم..
اليوم وبعد تتويج المنتخب الأولمبي بالميدالية البرونزية، وهو إنجاز تاريخي لا يستهان به، وبقليل من الحظ والأخطاء كان يمكن أن تكون ميدالية ذهبية أو فضية، ذهب الجميع إلى أن الكرة المغربية تسير في الاتجاه الصحيح..
الجميع أيضا يعرف أسباب هذه الصحوة.. أكثر من 90 % من لاعبي المنتخب الذين شاركوا في مونديال قطر 2022، وكذلك في المنتخب الأولمبي من مزدوجي الجنسية.. شباب والديهم أو أحد والديهم من أصول مغربية.. شباب ينحدر من أسر هاجرت إلى أوروبا في فترات مختلفة للبحث عن لقمة العيش.. أسر رغم تفاوت أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، فقد تمكن بعضها من الاستثمار في الكرة، وقدم تضحيات كبيرة ليتعلم أبناؤهم في أشهر المدارس الكروية الأوروبية خاصة فرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا..
تواجد لاعبين محترفين من مزدوجي الجنسية في المنتخب المغربي، بدأ ينمو بشكل تدريجي.. في الثمانينيات كان عددهم جد محدود داخل المنتخب لا يتعدى لاعبا أو اثنين..
شباب بعد أن تم التعامل معه نسبيا بشيء من النزاهة والشفافية، وإعطاء الأولوية للكفاءة والمهارات، ومحاولة القطع مع متلازمة أبوك صديقي، كان أهل للثقة، وأبان عن كعب عال في مغازلة الكرة خلال مونديال قطر 2022 ثم في أولمبياد باريس بقيادة مدرب وطني، يساعده فريق تقني يتوفر على كفاءات عالية في مجال الطب الرياضي، وتحليل المقابلات، والإعداد البدني..
ونفس التألق يتكرر اليوم مع المنتخب الأولمبي.. لذلك المغرب في حاجة لتعميم هذه النزاهة وهذه الشفافية النسبيتان، والقطع مع والدك صديقي في باقي أنواع الرياضة، ومجالات أخرى مثل الاقتصاد والسياسة والثقافة وغيرها. ومنح الشباب في المهجر أو في الداخل، فرصة إثبات على أنه قادر على العطاء، إذا وفرنا له الحد الأدنى من الشروط والظروف المساعدة..
مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي شهدت أيضا طفرة كروية واضحة بلاعبين محليين بنسبة 95 % تمثلت في المشاركة في كأس العالم مرتين 1970 و1986، والتأهل في المشاركة الثانية للدور الموالي، والفوز بكأس أمم افريقيا 1976 بأديس أبابا..
باختصار كانت عندنا بطولة وطنية منتجة لنخبة وطنية قوية.. أي أن المغرب عرف نهضة كروية نسبيا حقيقية في ذلك الوقت..
اليوم يحدث العكس، ونحن على مشارف تنظيم كأس افريقيا 2025 وكأس العالم 2030 صحبة اسبانيا والبرتغال.. نعم الجامعة مشكورة استطاعت تشييد بنية تحتية رياضية قوية.. واستطاعت إقناع عدد كبير من الشباب المزدوج الجنسية للعب للمنتخبات الوطنية.. واستقطبت أكبر عدد من النجوم التي كانت تطمح منتخبات أوروبية في ضمها.. ووفرت فريق تقني للمنتخب بمواصفات عالمية..
الإشكال الذي يشبه الشجرة التي تخفي الغابة هو: ماذا قدّمت البطولة الوطنية للمنتخبات المغربية؟
هنا طاح الريال! هنا نلعبو عليه؟!
عندنا بطولة تصرف عليها الدولة ميزانية ضخمة، ولكنها بطولة عاقر، لا تستطيع إنتاج لاعبين معدودين على رؤوس الأصابع في الموسم..
الفرق التي تتألق عندنا في البطولة والكأس، وتشارك قاريا، لا تعرف الاستقرار.. يلمع فيها ثلاث لاعبين أو أربع، فتطير بهم أندية مصرية أو خليجية أو أوروبية.. ثم تغرق هذه الأندية عندنا موسمين أو أكثر لتعود لتألقها، وكأن همها الوحيد هو تكوين لاعبين أو ثلاثة، وبيعهم في السوق..
أما عالم التسيير، فيكفي التوقف عند متابعة رؤساء أشهر الفرق المغربية في قضايا مخدرات وفساد أزكمت الأنوف..
بين الداخل والخارج.. بدأ الحديث مؤخرا يروج حول وضع هوية كروية للمغرب تنافس الهويات الكروية اللاتينية والأوروبية والأسيوية..
فكرة ممتازة.. ولكن البحث والتطبيق يشوبه نوع من الغموض والارتباك.. الهوية الكروية لا تُخلق في السر، ومن فوق!.. عندي لاعبين خريجي مدارس أوروبية مختلفة أحاول إدماجهم في هوية كروية خاصة، ولازالت مجرد فكرة أو أفكار لم تتبلور بعد على صعيد الواقع..
الهوية الكروية يجب وضع أسسها (حسب وجهة نظري المتواضعة) في الداخل ومن أسفل.. من أكاديمية محمد السادس، ومن مدارس الفتح والرجاء والوداد والجيش وبركان والجديدة وطنجة ووو.. أذا كانت بعض هذه الفرق تتوفر على مدارس أو أكاديميات..
ثم من هي الأطر المؤهلة لوضع أسس هذه الهوية الكروية؟
بعض الأصابع تشير إلى أن الجامعة استشارت مع لويس فينكر للبحث عن هوية للكرة المغربية؟ وأن وليد الركراكي وطاقمه هما من سينفذ؟
إذا كانت الإشارة صحيحة، فهاد لويس فينكر ماذا يعرف عن عقلية اللاعب المغربي، والطريقة التي يفكر بها؟
وإذا كانت بوادر الهوية التي نبحث عنها للكرة المغربية تتمثل في الخطط التي يلعب بها وليد الركراكي، فقد ظهرت نتائجها في كأس افريقيا بالكوت ديفوار.. ولكي لا يرمي احد باللوم على اللاعبين، فقد كان عندنا لاعبين محترفين متمرسين على تنفيذ تعليمات المدربين بنسبة تفوق 90 %.
وأمام تألق جل لاعبي المنتخب الأولمبي، هل يملك الطاقم التقني الجرأة على إدماجهم كأساسيين في المنتخب الأول بدلا من جلوسهم على دكة الاحتياط والتعلل بصغر السن وقلة التجربة وغيرها من الخرافات..
الرجوع لله!
الهوية الكروية المغربية تحتاج إلى تنظيف البيت الداخلي، وأقصد به المكاتب المسيرة ووضع معايير دقيقة وموضوعية لاختيار رؤساء هذه المكاتب.. لا يكفي أن تكون ثريا و(مخلوضا) لتسير فريق في حجم الوداد أو الرجاء أو غيرهما.. المال مهم اليوم في الكرة ، لكن وحده غير كاف.. ثم لابد من إدماج رؤساء الأندية الأكفاء إلى جانب خيرة الأطر المغربية المهتمة بالكرة: مدربين وحكام مغاربة، ولاعبين قدامى، وصحفيين رياضيين متمرسين مشهود لهم بالكفاءة. تفتح معهم الجامعة نقاش، وتُشركهم في وضع الخطوط العريضة للبرنامج أو الاستراتيجية التي سيتم الاتفاق حولها لتحديد الهوية الكروية المغربية...
لا يجب البحث فقط عن الطرق السهلة لتحقيق النتائج بسرعة.. لم نقطع الوادي بعد، ولم تنشف رجلانا..
إذا أردت زرع القمح أو الشعير فيكفيك سنة من الرعاية والانتظار. أما إذا أردت زراعة الأشجار فعليك رعايتها والانتظار ما بين خمس وعشر سنوات حسب نوع الفاكهة التي تريد إنتاجها.. وإذا أردت أن تستثمر في البشر فأنت تحتاج إلى الرعاية والانتظار حوالي عشرين سنة.. وأي خطأ سيؤدي المجتمع ثمنه غاليا..
طريق الإصلاح طويل وصعب وشاق، أما الترقاع فقد تكون بعض نتائجه الآنية مثل الضباب الذي يتلاشى بسرعة مع سطوع نور الشمس، ولا تجني معه الشعوب غير الخيبة والإحباط واليأس..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى