عصري فياض - لا يطفىء الحرب إلا الحرب

منذ أحداث السابع من أكتوبر، وحكومة "اسرائيل" برئاسة نتنياهو، وجميع الاجهزة الامنية الاسرائيلية، وقيادات ووحدات الجيش الاسرائيلي، تعيش حالة أشبه بنوبة "الصرع الهستيري" في ردة الفعل على تلك الاحداث، سواء كانت هذه الحالة نابعة من رأس الهرم نتنياهو بمساعدة وزراء حكومته المتطرفة، أو بأثر قراراته الفظة والعنيفة التي يمليها على كافة وحدات جيشه، وأجهزته الامنية التي تنفذ بانسجام غالبا، وإما مُجْبِرِةْ تماشيا مع طبيعة الحكم في "اسرائيل"، وهذه الحالة التي استغلت بشكل كبير التعاطف الامريكي الاوروبي والغربي معها بداية الاحداث، ووقفت طويلا عند الدعم الامريكي اللامحدود معها، والذي كانت تتصيده منذ اجل بعيد، لتحقق هدفها في جَرّ رجل الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية لفتح مواجهة مفتوحة مع عدوتها اللدود ايران، والتي تعتبر غزة جزء من ساحات المواجهة معها.
وما الاصرار على الابقاء على حالة العدوان والحرب الوحشية التي تنفذها "اسرائيل" على قطاع غزة،وما نتج وينتج عنها من مذابح ومجازر وتَهديم وتدمير مُمَنْهَجْ ومُبَرْمَجْ كاد أن يغيِّر،بل غيَّر تضاريس القطاع رأسا على عقب، وقلب الديمغرافية والجغرافيا،وكأنه إقتطع ذلك الجزء من الوطن الفلسطيني، والقى به في وعاء من جهنم يغلي، هذا الاصرار على فعل ذلك منذ نحو احدى عشر شهرا، والتَنَكُّر لكل نداءات الانسانية والسياسية والاجتماعية في الكرة الارضية بوقف الحرب، ووقف شلال الدم النازف،ما هو إلا ضرب من نوبات تلك الحالة من الجنون الوحشي الذي اشعر العالم بكل قيمه الانسانية والحضارية والمدنية بعجزه عن معالجة هذه الحالة التي من شأن استمرارها أن يدمغ هذا التاريخ البشري مستقبلا بسمات تمقتها الاجيال والقرون القادمة، وتوصم جبين كلِّ الدول والشعوب والامم ومؤسساتها وهيئاتها بعار تطأطئ له الجباه طويلا على مر الازمنة،كلما ذُكر او دُرِّسَ أو استعادته الذاكرة.
إزاء ذلك، وإزاء تواصل الصلف الاسرائيلي الرافض لوقف الحرب العدوانية هذه،فإن الغاضبين لمثل هذا التصرف،والعاجزين عن ثني اسرائيل عن وقف عدوانها،يسرحون في خيالهم بعيدا في تخيل الحلول التي تلبي رغبة جامحة عارمة تتنماها البشرية كلَّ مطلع شمس وتطالب بها،في البحث عن اسلوب يوقف المذبحة والمحرقة مهما كان استثنائيا أو (أوفر)، أو غير نمطي،لأنه لايعالج الحرب فقط،بل يعالج نوبات هستيرية لا زالت تتحكم بالحرب،وتديم عمرها وزمانها،وتهدد بتوسيع رقعتها،ومن هذه الافكار،أو العلاج الضرورة،هو إطفاء الحرب بالحرب.تماشيا مع الحكمة أو المثل المأثور "داونــي بالتالي كانت هي الــداءُ".
جميعنا لا يريدها حربا اقليمية،لأسباب كثيرة،منها لان ذلك هو مطلب ورغبة نتنياهو وحكومته المتطرفة،لكن هذا لايعني بأي شكل من الاشكال السكوت والقبول بقيام حكومة "اسرائيل" بضرب عمق العاصمة الايرانية طهران،وقلب الضاحية الجنوبية لبيروت،واغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية والرجل الثاني في المقاومة الاسلامية اللبنانية فؤاد شكر،أو مهاجمة خزانات النفط ومحطات الكهرباء في الحديدية اليمنية،بل هذه الادعاءات السافرة،تجاوزت فضاءات الفعل العسكري النمطي التقليدي،إلى الاعتداء على قيم وأخلاقيات امم وشعوب وتنظيمات ومحور وقف ولا زال يقف بقوة لجانب مظلومية الشعب العربي الفلسطيني المسلم،لذلك الرد على ذلك العدوان حق واضح وصريح لا يستطيع احد أن ينكره على تلك الاطراف التي نالتها تلك الاعتداءات،وان هذه الردود مهما بلغت ومها كانت درجاتها وتداعياتها،والرد على تلك التداعيات،هو حق موصول ومكفول تكون الضرورة قد استلزمته،حتى لو ادى ذلك لحرب اقليمية واسعة،بل يمكن القول أن فضاء الشرق الاوسط الذي اشعلته اسرائيل نيرانا ودخانا واضطراب،وعجز العالم عن اطفائه،ربما يكون اطفاءه من خلال تلك الحرب،كون تلك الحرب سيترتب عليها حالة وتكاليف في اسرائيل لا تستطيع تحملها بشريا او اقتصاديا او اجتماعيا او سياسيا،وبالتالي تعمل الحرب على انهاك "اسرائيل"،وتجعلها تقف على حقيقة التهديد الملموس على وجودها وبقائها في منطقة الشرق الاوسط مهما وقفت الى جانبها الولايات المتحدة والغرب،فالخسائر في الجانب الاسرائيلي لا تقاس بمكيال واحد مع الخسائر في الجانب المعادي لها،لأسباب عدة وأهمها،أن دول وجماعات المحور هم أهل الاقليم وأبناءه،وأهل الشرق الاوسط تاريخياً وجغرافياً منذ آلاف السنين،ولهم فيها حضارات في عمق التاريخ والمكان،اما "اسرائيل" فهي جسد دخيل لازال مرفوضا مكروها من أُمَمّ وشعوب المنطقة رغم مرور اكثر من سبعين عاما على اقامته.
وإذا ما أذاقتها الحرب هوائل ما تصنعه بشعب غزة خاصة وشعب فلسطين عامة وبعض شعوب المنطقة،فربما تكون الحرب ونتائجها تلك الصدمة التي تعيد لها شيئا من رشدها،وتعالج فيها نوبات الجنون،أو تُسكِنُهَا وتجبرها على رفع يديها مستسلمة للحق.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى