علجية عيش - مختصر عن الرحلة الشنقيطية إلى بلاد المغرب العربي

في تندوف توقفت الرحلة الشنقيطية

تكشف الكتابات التاريخية عن الرحلة الشنقيطية، من بلاد شنقيط إلى بلاد المشرق و المغرب العربي و كيف استطاعت العلوم و المعارف أن تربط جسور التواصل الروحي بين الشناقطة و أهل شمال إفريقيا ، عندما وصلوا إلى بلاد "تندوف" و تزيل الأحقاد و الصراعات التي دارت بينهم من أجل الأوقاف

بدأ الحضور الموريتاني إبان الحقبة "المرابطة" عندما رحل عدد من الصنهاجيين إلى الشرق لأداء مناسك الحج و بقي عدد من الهلاليين و الحسّانوين و الشريفيـُّون، و منذ ذلك الحين عرف الموريتانيون بالـ: "الشناقطة"، و أطلق المشارقة على موريتانيا اسم شنقيط نسبة إلى الفقيه عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي في سنة 1814 و نسبة إلى مدينة شنقيط، البعض يسميها شنجيط، وكان الشناقطة ينضمون إلى السودان أثناء المماليك السودانية المسلمة على شرق موريتانيا قبل أن يستقلوا على عهد الفقيه الشنقيطي أحمد بن أحمد الحاج العلوي الذي كان جده أول من حج من مدينة شنقيط و كانت مدينة مزدهرة، سكانها يتكلمون اللغة الحسانية و هي لغة عربية ملحونة، كما كان يطلق عليهم اسم " البيضان".

تذكر بعض الكتابات التاريخية أن بعض رجالها المشهورين الشيخ الحسن المَسُّوفـِي التكروري ، نسبة إلى مدينة مسوفة التابعة لإحدى القبائل الصنهاجية، و التي تعتبر مسقط رأسه، كان شيخا عالما و فقيها ، هاجر إلى المدينة و بها دفن، و عن طريق الحج تنامى الحضور الشنقيطي في المشرق و خاصة مصر التي رحل إليها الكثير من المتصوفة الشناقطة، و هذا ما يشير إلى أن مدينة شنقيط نبغ منها شيوخ صوفية، و منهم الشيخ الصوفي الحسين بن النور علي بن عبد الشكور الحنفي الطائفيّ الحريريّ، و العلاّمة محمد بن يعقوب بن الفاضل الشمشاوي الشنقيطي، و قد دخل الاثنان في مناظرات علمية، و كانت لكل منهما آراءه الطرقية.

و من الفقهاء الشناقطة وقفت الكثير من الكتابات على العالم الفقيه "البغيغي" و هو لقب أطلق على الإمام الفقيه أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي بكر من مدينة تنبكت الشنقيطية، و ينتمي البغيغي إلى إحدى قبائل السودان اسمها " الونكر" نسبة إلى مدينة الونكر و هي مدينة عظيمة من بلاد التكرور، و كانت لهذا الشيخ كرامات و كلمته مسموعة و مقبولة، و كان سفر الشيخ محمد بن حبيب الله المجيدري اليعقوبي إلى مصر قد مكنه من اللقاء مع اللغوي المصري محمد مرتضى الزبيري، و كانت له معه مساهمة في صياغة كتاب: " تاج العروس"، غير أن أهل مصر كانوا كثيرا ما يعارضونه خلافا لأهل الحجاز الذين ارتبطوا به و تعلقوا به، و تقول الروايات أن علاقة الشناقطة بأهل الحجاز بدأت منذ عهد "التحبيس" الذي أقرّه الأسكيا محمد ملك السنغاي باسم آهل التكرور من سودانيين و شناقطة مما جعل هؤلاء ينالون حصة من أوقاف مسلمي غرب أفريقيا.

و من هنا ارتبطت علاقة الشناقطة بأهل المغرب باستقلال الشناقطة عن ممالك السودان العربي و ارتبطوا بأوقاف مغاربة الشمال الإفريقي، لكن صراعا وقع حول من له أحقية الوقف بين الشناقطة و أهل شمال إفريقيا، و تشير بعض الكتابات التاريخية أن الصراع كان بين أهل شنقيط و سكان الجزائر الذين رفضوا أن يكون للشناقطة نصيب من الأوقاف المغربية على اعتبار أنهم من السودان و ليسوا مغاربة، حسب الدراسة التي أجراها الدكتور حماه الله ولد السالم الشنقيطي من جامعة نواكشوط، فيما نفت بعض الكتابات وجود صراع من هذا القبيل، إلى أن أطلق الشيخ الزبيري بفتوى حق الشناقطة في الأوقاف المغربية طالما أصبحوا ينتمون إليها، و نجمت عن هذا الصراع مشكلة " الهوية" بين العرب و المسلمين، حينها وجد الشناقطة أنفسهم مطالبون بالدفاع عن مغربيتهم، و مثلما بقي تواصل الشناقطة بالمشرق العربي ، فقد نمى تواصلهم كذلك رغم الصراعات بالمغرب العربي، بل تقوى رابطهم ثقافيا مثل حبل الوريد ، عن طريق ابن التلاميذ الذي مثل صورة المثقف الشنقيطي، فقد رحل ابن التلاميذ إلى تندوف و مر بالفقيه ابن الأعمش العلوي الشنقيطي، و أخذ عنه علوم الحديث، كما شرح لامية العرب قبل أن يستقر بالقاهرة و يدفن فيها، و تقول بعض المصادر أن دخول الاستعمار إلى شمال إفريقيا قضى على هذه العلاقة و أنهى الرحلة الشنقيطية في بلاد المغاربة.

قراءة علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى