(لطالما تخيلت الجنّة علىٰ هيئة مكتبة )
بورخس
فتح علم السرد الحديث الباب على مصراعيه لدراسة النشاط السردي بكل أنواعه (الرسائل، المذكرات، اليوميات، السيرة، المقامات، ادب الرحلات، الرواية، القصة..) وما إلى ذلك من سرديات مدونة، الأمر الذي دفع الكتاب إلى استحداث سرديات جديدة تحمل من الرؤى الجمالية والمعرفية ما يمكن أن يكون إضافة تعكس وجهة النظر هذه أو تلك لكل ما يتعالق به الإنسان مع المكونات الوجودية الحافة بحياته، ومن هذه العلاقات هي علاقة الكاتب والقارئ على حد سواء بالكتاب وأماكن خزنها / المكتبة، لنؤسس سرديات جديدة، وأصدر عدد كبير من الكتاب والمفكرين كتباً تكشف علاقتهم بالكتاب والمكتبة وما تشكّله هذه العلاقة من أثر في تكوين شخصياتهم الإبداعية والفكرية مثل بورخس والبير كامو والبرتو مانغويل الذي أشار في كتابة (المكتبة في الليل) إلى (أن القراءة مفتاح العالم)... وسواهم من الكتاب الأجانب والعرب، حتى اقترنت سيرهم الحياتية بسيرة الكتاب والمكتبة، إلّا أن الاهتمام بتلك السرديات قد جاء بعد ظهور علم السرد الحديث منذ منتصف القرن الماضي على يد تودوروف وجيرار جينيت وٱخرين، وبذلك فقد استأثرت أنشطة الإنسان السردية ومنها سرديات المكتبة على اختلاف أنواعها باهتمام النقد المعاصر وعدّتها سرديات تمثل الجهد المعرفي الذي يبذله الإنسان لتشكيل شخصيته المعرفية والإنسانية.
فمن ورق الطين الٱشوري والبردي الفرعوني إلى الورق الأبيض الصيني والحرف المتحرك الغوتنبرغي ولدت المعرفة وولدت معها سيرة المكتبة كصرح بشري شكّل علاقة حميمية مع الكاتب تحديداً لتكون سيرته اذا ما نوى أن يكتب سيرته هي سيرة المعرفة التي تشعّها الكتب كما أشار القاص والروائي لؤي حمزة عباس في كتابه السردي (النوم الى جوار الكتب) الصادر عن دار شهريار الطبعة الأولى / 2017، إذ أشار إلى أنه (ليست سيرة الكاتب، على مايظن، سوىٰ رحلته مع الكتب... ص 10) فالكتاب شكّل قيمة معنوية تجاوزت حدود الإطلاع المعرفي على ما أنجزه الٱخرون من علوم وٱداب الىٰ خلق علاقة سرّية بين القاريء والكتاب أو قل علاقة روحية لايمكن التفريط بها أو تجاهل ٱثارها الإيجابية في تكوين وعي القاريء خاصة إذا ما كان هذا القاريء كاتباً في واحد من الفنون الأدبية أو أكثر ، ولو تصفحنا سرديات المكتبة التي ولج ٱفاقها كتاب عالميون كبار لوجدنا أن هنالك اتفاق ضمني على أن أفضل وسيط تواصلي معرفي من بين وسائط الاتصال المعروفة هو الكتاب الذي اتخذ وضعاً يحمل عبره مبررات التعلّق به أنيساً وخير جليس في زمن قلّ فيه الجلساء،
وعليه فإن سرديات المكتبة تنفتح على أكثر من مدخل يلجه الكاتب في الكشف عن علاقته الحميمية بالكتاب والمكتبة بعدّها مكاناً يستمد قيمته المعنوية من قيمة الكتاب ذاتها، ويختار الكاتب لؤي عباس حمزة في مؤلفه الٱنف الذكر مداخل عدة على شكل وحدات سردية امتدت على مساحة 109 صفحة خاض عبرها غمار رحلته / سيرته المعرفية كقاص وروائي وكاتب سردي امتلك الحرية في التجوال بين مثابات فكرية وابداعية أسهمت في تخليق وتكوين شخصيته الأدبية، ولعلّ في عنوان الكتاب (النوم الى جوار الكتب) مايشير إلى العلاقة الرحمية إن جاز التعبير بينه وبين الكتب التي وجد في النوم الى جوارها شعوراً بالأمن والأمان والدعة والطمأنينة وهو مايتوافق تماماً مع نزوعه المعرفي وإيمانه بأن مكانه الأثير هو (جوار الكتب) ، ومنذ أكثر من عقدين من السنين كانت المكتبة غرفته التي ينام فيها ، يتأمل رفوفها التي تراصّت فيها الكتب كما يتأمل فردوساً يعبق بشتى عطور الزهور أو رجل حكيم ينطق بحكمة المدن ولواعج الإنسان في جداله وصراعه من أجل أن يحيىٰ صانعاً للحياة تارةً وكاتباً لعملية الصنع هذه وفي هذه العملية يكمن خلود الكاتب الذي ينبغي البحث فيه لا في عدد الكتب التي صدرت عنه، حكمة أدركها وهو في مقتبل بناء علاقته بالأدب قاصا وروائيا، وفي عتبة الكتاب الثانية التي تضمنها (الاهداء) نقرأ ( إلى أبي ، عامل التأسيسات المائية في مصلحة الموانيء، وقد ذهب إلى الموت بدراجة المصلحة الهوائية الصفراء من دون أن يقرأ كتاباً في حياته، (ماحاجة العمال لقراءة الكتب؟) أنهم يصنعون الحياة فيما ينشغل المؤلفون بمحاولات كتابتها) فهذا النص السالف يختزل رؤية متقدمة لمهمة الكتابة في تبني أفعال من يصنع الحياة، اي أن محاولات المؤلفين هي غائية الكتابة، وبالتالي فإن الكتاب يعد ميثاقاً بين صنّاع الحياة والمؤلفين ، أنه الإنشغال الموضوعي الذي يجب أن تكون عليه الكتابة، ولطالما كانت الدراجة الهوائية حاضرة في أغلب قصص لؤي حمزة القصيرة ، فيما كانت صفحات كتابه هذا سياحة لاستعادة شغفه الذي تنبه له منذ خطواته الأولى وحتى إدراكه ضرورة سرد هذا الشغف الذي يؤرخ لعلاقة لايمكنه مفارقتها، لذا فإن المكتبة تشكّل سيرة معرفية لدىٰ لؤي حمزة عباس عبر ماتضمنته تلك السيرة وبطرق متعددة كما أوردها سرداً في كتابه منها اختياره للكتب التي عكست ميوله الفكرية والثقافية منذ بداية اهتمامه بالقراءة، مما أعطى فكرة عن اهتماماته وافكاره، كذلك تضمين مكتبته أعمالاً أدبية لكتاب ٱخرين امتلكت تأثيراً في أسلوبه ومواضيعه ممافي فهم تطور اسلوبه ، كما أن الموضوعات التي ركّز عليها الكاتب في أعماله السردية المتنوعة قد ظهرت في أغلب كتبه مما يعكس اهتماماته ومشاغله ، فضلاً عن ارتباط الكتب التي قرأها بتجاربه الشخصية مما أسهم في بناء سيرته المعرفية الذاتية ، إضافة الىٰ احتواء مكتبته على كتب من ثقافات مختلفة عكست انفتاح الكاتب على الأفكار الجديدة والمتنوعة، وتمثل ذلك في كتبه القصصية والروائية وفي الكتب السردية الأخرى التي دخلت على مناطق لسرديات جديدة مثل كتابه (الكتابة إنقاذ اللغة من الغرق) و (مدينة الصور) و(سرد الامثال) وغيرها و لعل في تتبع تطور مكتبته عبر الزمن انعكاس لتطور افكار الكاتب وٱراؤه ، وبذلك فقد كانت مكتبة لؤي حمزة عباس مرٱة عكست رحلته المعرفية وأسلوبه في التفكير والإبداع.
وبحدود اهتمامه الخاص بالقصة القصيرة بعدّه كاتباً لها، فإن لؤي حمزة عباس يقدم فهماً ماهوياً لفن القصة القصيرة في الوحدة السردية (الإنصات للقصة القصيرة) توصّل إليه عبر قراءته لسارويان وتشيخوف ويوسف ادريس وفي ذلك تعزيز لتشكّل رؤيته الفنية للقصة القصيرة بنائياً ومضموناً يحقق أهدافها الإنسانية الكبرى، فيشير إلى أن وليم سارويان كان ينصت في عمق نصه القصصي إلى العالم وهو يتنفس ، فيرحّل لؤي حمزة هذا المفهوم إلى (فبإمكان القصة القصيرة أيضاً أن تقتنص هذه اللحظة الخلّاقة ، لحظة الإنصات للعالم ، لتكون بحد ذاتها مركزية للتجربة الإنسانية بتعبير سوزان لوهافر ...ص62) وعبر استعادته لقراءة الكتب الخاصة بالقصة القصيرة أو للقصص التي قرأها في أزمان متفاوته فإن الكاتب بستشفّ منها بعض الٱراء والمواقف القصصية لتشييد خبرته لكتابة القصة ، فهو يستذكر جملة قرأها في قصة (يموت الزمّار ) ليوسف ادريس قبل خمس وعشرين سنه وهي ( قد يضطر الكاتب في أحيان إن يستعمل دلوه الداخلي الخاص للوصول إلى مياه الٱخرين العميقة ) إذ لازال تأثير ووقع هذه الجملة يرنّ في أذنه ، ليستخلص منها هذه الرؤية المنبثقة من الجملة السالفة ( فقد مثّلت إضاءة عميقة وموجزة عن اضطرار الكاتب للالتفات إلى الذات ، ومن خلالها الالتفات "إلى الم الٱخرين" أو التحديق من فوهة البشر خاصته إلى بئر الإنسان ....ص 63) وهذا درس معرفي تحصله الكاتب من خلال قراءته ليوسف ادريس ، درس سيشكّل رؤية فكرية يتم عبرها التعامل والتفاعل مع قضايا الانسان ليكون موقفاً شموليا حرص على فاعلية وجوده في مجمل نشاطه السردي والقصصي منه تحديداً ، كما أنه يتعلم الدرس من نجيب محفوظ في الوحدة السردية ( الحكمة الماهرة) ففي (احلام فترة النقاهة) يقص نجيب محفوظ لقاءه مع شيخه مصطفي عبد الرازق شيخ الازهر الذي اصطحبه إلى حديقة أمر بغرس نصفها الاول ورد بلدي وفي نصفها الثاني ورد افرنجي وهو يرجو أن يولد من الإثنين وردة جديدة كاملة في شكلها طيبة في شذاها ، ليتوصل لؤي حمزة عباس إلى تكوين رؤية حول المثقافة وتحقيق إمكانية المزاوجة بين المحلي والعالمي ويعدّ حكاية نجيب محفوظ مع شيخه مصطفى عبد الرازق بمثابة رسالة الى عالم محتدم شديد التناقض والاضطراب ، وتنتج تلك الحكاية ترميزها واهداف حلمها ، كما أن لرموز مدينته البصرة أدبياً وفكرياً حضور شكّل شخصيته الأدبية تأثراً ومضياً على هدى تجاربهم الأدبية الفاعلة ، فقد كان هنالك محمود عبد الوهاب والبريكان والسياب ومحمد خضير، هذه الرموز التي وسمت المدينة بسيماء المعرفة والتاريخ الأدبي الذي يعتز به كل بصري.
لقد تمتعت هذه السرديات بقدرة سردية تمثلت باللغة السردية المتقدمة على سبيل الفنون البلاغية وتعددية ضمائر السرد بين الراوي العليم وكلي العلم ليقدم لنا لؤي حمزة عباس مساهمة عراقية وعربية في مجال سرديات المكتبة وفق موجهات السرديات الحديثة والمعاصرة.
لقد كان (النوم الى جوار الكتب) سيرة مزدوجة للكاتب والكتاب توحّدت لتقدم السيرة الذاتية التي شكّلتها علائق الكاتب بالكتب لتسم سيرته بالمعرفة وتكوّن خطابه الإبداعي الذي تمثّل كل التجارب الإبداعية والفكرية التي تضمنتها مكتبته التي ٱثر النوم الى جانبها.
بورخس
فتح علم السرد الحديث الباب على مصراعيه لدراسة النشاط السردي بكل أنواعه (الرسائل، المذكرات، اليوميات، السيرة، المقامات، ادب الرحلات، الرواية، القصة..) وما إلى ذلك من سرديات مدونة، الأمر الذي دفع الكتاب إلى استحداث سرديات جديدة تحمل من الرؤى الجمالية والمعرفية ما يمكن أن يكون إضافة تعكس وجهة النظر هذه أو تلك لكل ما يتعالق به الإنسان مع المكونات الوجودية الحافة بحياته، ومن هذه العلاقات هي علاقة الكاتب والقارئ على حد سواء بالكتاب وأماكن خزنها / المكتبة، لنؤسس سرديات جديدة، وأصدر عدد كبير من الكتاب والمفكرين كتباً تكشف علاقتهم بالكتاب والمكتبة وما تشكّله هذه العلاقة من أثر في تكوين شخصياتهم الإبداعية والفكرية مثل بورخس والبير كامو والبرتو مانغويل الذي أشار في كتابة (المكتبة في الليل) إلى (أن القراءة مفتاح العالم)... وسواهم من الكتاب الأجانب والعرب، حتى اقترنت سيرهم الحياتية بسيرة الكتاب والمكتبة، إلّا أن الاهتمام بتلك السرديات قد جاء بعد ظهور علم السرد الحديث منذ منتصف القرن الماضي على يد تودوروف وجيرار جينيت وٱخرين، وبذلك فقد استأثرت أنشطة الإنسان السردية ومنها سرديات المكتبة على اختلاف أنواعها باهتمام النقد المعاصر وعدّتها سرديات تمثل الجهد المعرفي الذي يبذله الإنسان لتشكيل شخصيته المعرفية والإنسانية.
فمن ورق الطين الٱشوري والبردي الفرعوني إلى الورق الأبيض الصيني والحرف المتحرك الغوتنبرغي ولدت المعرفة وولدت معها سيرة المكتبة كصرح بشري شكّل علاقة حميمية مع الكاتب تحديداً لتكون سيرته اذا ما نوى أن يكتب سيرته هي سيرة المعرفة التي تشعّها الكتب كما أشار القاص والروائي لؤي حمزة عباس في كتابه السردي (النوم الى جوار الكتب) الصادر عن دار شهريار الطبعة الأولى / 2017، إذ أشار إلى أنه (ليست سيرة الكاتب، على مايظن، سوىٰ رحلته مع الكتب... ص 10) فالكتاب شكّل قيمة معنوية تجاوزت حدود الإطلاع المعرفي على ما أنجزه الٱخرون من علوم وٱداب الىٰ خلق علاقة سرّية بين القاريء والكتاب أو قل علاقة روحية لايمكن التفريط بها أو تجاهل ٱثارها الإيجابية في تكوين وعي القاريء خاصة إذا ما كان هذا القاريء كاتباً في واحد من الفنون الأدبية أو أكثر ، ولو تصفحنا سرديات المكتبة التي ولج ٱفاقها كتاب عالميون كبار لوجدنا أن هنالك اتفاق ضمني على أن أفضل وسيط تواصلي معرفي من بين وسائط الاتصال المعروفة هو الكتاب الذي اتخذ وضعاً يحمل عبره مبررات التعلّق به أنيساً وخير جليس في زمن قلّ فيه الجلساء،
وعليه فإن سرديات المكتبة تنفتح على أكثر من مدخل يلجه الكاتب في الكشف عن علاقته الحميمية بالكتاب والمكتبة بعدّها مكاناً يستمد قيمته المعنوية من قيمة الكتاب ذاتها، ويختار الكاتب لؤي عباس حمزة في مؤلفه الٱنف الذكر مداخل عدة على شكل وحدات سردية امتدت على مساحة 109 صفحة خاض عبرها غمار رحلته / سيرته المعرفية كقاص وروائي وكاتب سردي امتلك الحرية في التجوال بين مثابات فكرية وابداعية أسهمت في تخليق وتكوين شخصيته الأدبية، ولعلّ في عنوان الكتاب (النوم الى جوار الكتب) مايشير إلى العلاقة الرحمية إن جاز التعبير بينه وبين الكتب التي وجد في النوم الى جوارها شعوراً بالأمن والأمان والدعة والطمأنينة وهو مايتوافق تماماً مع نزوعه المعرفي وإيمانه بأن مكانه الأثير هو (جوار الكتب) ، ومنذ أكثر من عقدين من السنين كانت المكتبة غرفته التي ينام فيها ، يتأمل رفوفها التي تراصّت فيها الكتب كما يتأمل فردوساً يعبق بشتى عطور الزهور أو رجل حكيم ينطق بحكمة المدن ولواعج الإنسان في جداله وصراعه من أجل أن يحيىٰ صانعاً للحياة تارةً وكاتباً لعملية الصنع هذه وفي هذه العملية يكمن خلود الكاتب الذي ينبغي البحث فيه لا في عدد الكتب التي صدرت عنه، حكمة أدركها وهو في مقتبل بناء علاقته بالأدب قاصا وروائيا، وفي عتبة الكتاب الثانية التي تضمنها (الاهداء) نقرأ ( إلى أبي ، عامل التأسيسات المائية في مصلحة الموانيء، وقد ذهب إلى الموت بدراجة المصلحة الهوائية الصفراء من دون أن يقرأ كتاباً في حياته، (ماحاجة العمال لقراءة الكتب؟) أنهم يصنعون الحياة فيما ينشغل المؤلفون بمحاولات كتابتها) فهذا النص السالف يختزل رؤية متقدمة لمهمة الكتابة في تبني أفعال من يصنع الحياة، اي أن محاولات المؤلفين هي غائية الكتابة، وبالتالي فإن الكتاب يعد ميثاقاً بين صنّاع الحياة والمؤلفين ، أنه الإنشغال الموضوعي الذي يجب أن تكون عليه الكتابة، ولطالما كانت الدراجة الهوائية حاضرة في أغلب قصص لؤي حمزة القصيرة ، فيما كانت صفحات كتابه هذا سياحة لاستعادة شغفه الذي تنبه له منذ خطواته الأولى وحتى إدراكه ضرورة سرد هذا الشغف الذي يؤرخ لعلاقة لايمكنه مفارقتها، لذا فإن المكتبة تشكّل سيرة معرفية لدىٰ لؤي حمزة عباس عبر ماتضمنته تلك السيرة وبطرق متعددة كما أوردها سرداً في كتابه منها اختياره للكتب التي عكست ميوله الفكرية والثقافية منذ بداية اهتمامه بالقراءة، مما أعطى فكرة عن اهتماماته وافكاره، كذلك تضمين مكتبته أعمالاً أدبية لكتاب ٱخرين امتلكت تأثيراً في أسلوبه ومواضيعه ممافي فهم تطور اسلوبه ، كما أن الموضوعات التي ركّز عليها الكاتب في أعماله السردية المتنوعة قد ظهرت في أغلب كتبه مما يعكس اهتماماته ومشاغله ، فضلاً عن ارتباط الكتب التي قرأها بتجاربه الشخصية مما أسهم في بناء سيرته المعرفية الذاتية ، إضافة الىٰ احتواء مكتبته على كتب من ثقافات مختلفة عكست انفتاح الكاتب على الأفكار الجديدة والمتنوعة، وتمثل ذلك في كتبه القصصية والروائية وفي الكتب السردية الأخرى التي دخلت على مناطق لسرديات جديدة مثل كتابه (الكتابة إنقاذ اللغة من الغرق) و (مدينة الصور) و(سرد الامثال) وغيرها و لعل في تتبع تطور مكتبته عبر الزمن انعكاس لتطور افكار الكاتب وٱراؤه ، وبذلك فقد كانت مكتبة لؤي حمزة عباس مرٱة عكست رحلته المعرفية وأسلوبه في التفكير والإبداع.
وبحدود اهتمامه الخاص بالقصة القصيرة بعدّه كاتباً لها، فإن لؤي حمزة عباس يقدم فهماً ماهوياً لفن القصة القصيرة في الوحدة السردية (الإنصات للقصة القصيرة) توصّل إليه عبر قراءته لسارويان وتشيخوف ويوسف ادريس وفي ذلك تعزيز لتشكّل رؤيته الفنية للقصة القصيرة بنائياً ومضموناً يحقق أهدافها الإنسانية الكبرى، فيشير إلى أن وليم سارويان كان ينصت في عمق نصه القصصي إلى العالم وهو يتنفس ، فيرحّل لؤي حمزة هذا المفهوم إلى (فبإمكان القصة القصيرة أيضاً أن تقتنص هذه اللحظة الخلّاقة ، لحظة الإنصات للعالم ، لتكون بحد ذاتها مركزية للتجربة الإنسانية بتعبير سوزان لوهافر ...ص62) وعبر استعادته لقراءة الكتب الخاصة بالقصة القصيرة أو للقصص التي قرأها في أزمان متفاوته فإن الكاتب بستشفّ منها بعض الٱراء والمواقف القصصية لتشييد خبرته لكتابة القصة ، فهو يستذكر جملة قرأها في قصة (يموت الزمّار ) ليوسف ادريس قبل خمس وعشرين سنه وهي ( قد يضطر الكاتب في أحيان إن يستعمل دلوه الداخلي الخاص للوصول إلى مياه الٱخرين العميقة ) إذ لازال تأثير ووقع هذه الجملة يرنّ في أذنه ، ليستخلص منها هذه الرؤية المنبثقة من الجملة السالفة ( فقد مثّلت إضاءة عميقة وموجزة عن اضطرار الكاتب للالتفات إلى الذات ، ومن خلالها الالتفات "إلى الم الٱخرين" أو التحديق من فوهة البشر خاصته إلى بئر الإنسان ....ص 63) وهذا درس معرفي تحصله الكاتب من خلال قراءته ليوسف ادريس ، درس سيشكّل رؤية فكرية يتم عبرها التعامل والتفاعل مع قضايا الانسان ليكون موقفاً شموليا حرص على فاعلية وجوده في مجمل نشاطه السردي والقصصي منه تحديداً ، كما أنه يتعلم الدرس من نجيب محفوظ في الوحدة السردية ( الحكمة الماهرة) ففي (احلام فترة النقاهة) يقص نجيب محفوظ لقاءه مع شيخه مصطفي عبد الرازق شيخ الازهر الذي اصطحبه إلى حديقة أمر بغرس نصفها الاول ورد بلدي وفي نصفها الثاني ورد افرنجي وهو يرجو أن يولد من الإثنين وردة جديدة كاملة في شكلها طيبة في شذاها ، ليتوصل لؤي حمزة عباس إلى تكوين رؤية حول المثقافة وتحقيق إمكانية المزاوجة بين المحلي والعالمي ويعدّ حكاية نجيب محفوظ مع شيخه مصطفى عبد الرازق بمثابة رسالة الى عالم محتدم شديد التناقض والاضطراب ، وتنتج تلك الحكاية ترميزها واهداف حلمها ، كما أن لرموز مدينته البصرة أدبياً وفكرياً حضور شكّل شخصيته الأدبية تأثراً ومضياً على هدى تجاربهم الأدبية الفاعلة ، فقد كان هنالك محمود عبد الوهاب والبريكان والسياب ومحمد خضير، هذه الرموز التي وسمت المدينة بسيماء المعرفة والتاريخ الأدبي الذي يعتز به كل بصري.
لقد تمتعت هذه السرديات بقدرة سردية تمثلت باللغة السردية المتقدمة على سبيل الفنون البلاغية وتعددية ضمائر السرد بين الراوي العليم وكلي العلم ليقدم لنا لؤي حمزة عباس مساهمة عراقية وعربية في مجال سرديات المكتبة وفق موجهات السرديات الحديثة والمعاصرة.
لقد كان (النوم الى جوار الكتب) سيرة مزدوجة للكاتب والكتاب توحّدت لتقدم السيرة الذاتية التي شكّلتها علائق الكاتب بالكتب لتسم سيرته بالمعرفة وتكوّن خطابه الإبداعي الذي تمثّل كل التجارب الإبداعية والفكرية التي تضمنتها مكتبته التي ٱثر النوم الى جانبها.