كتبت منذ نحو عامين أو ما يزيد مقالاً حاولت فيه تسليط الضوء على الصعوبات التي يعيشها أبناء مهنة التمريض بصفتي أحدهم، بعيداً عن حقيقة شغفي بالكتابة والذي يطغى على كل ما سواه..
فلاقى حينها ردود أفعال متباينة بين ترحيب وتفهم وغضب من البعض وصل إلى درجة القطيعة التي لم ألقي لها بالاً، برغم أن كل من يقرأ لي مشكوراً يعرف أن التعميم غير موجود في مقالاتي وأنني أحاول قدر المستطاع أن أقف على مسافة واحدة من الجميع دون تفضيل لأي فئة، حيث تأتي الأولوية فقط لمعايير الأخلاق والموهبة والكفاءة والأحقية الإنسانية لا غير، ومع ذلك فإن الكثيرين يرفض النقد (وهذه واحدة من مآسي مجتمعاتنا) حتى وان لم يكن موجهاً إليه على اعتبار أنه ينتمي إلى فئة أكبر وأعظم من أن تنقد ولو كان ذلك بشكل غير مباشر.. وهو ما لا أؤمن به حيث لا تعميم وحيث يمثل كل منا حالة خاصة قائمة بحد ذاتها ولا تقارن بغيرها..
واليوم أكتب هذه السطور للتعليق على حادث مؤسف يعد مؤشراً هاماً على ما نعيشه من تدهور مخيف على الصعيد الإجتماعي بعد تكراره على امتداد بلادنا.. فكان حديث الناس في جمهورية مصر الشقيقة مؤخراً وأثار غضبي تماماً كما أثار غضب الغالبية العظمى من المصريين وهو تعدي (أحد الوجوه المعروفة) الذي لن أعطيه صفة فنان حفظاً لقيمة ومعنى وجوهر الفن على طبيب أثناء تأدية عمله بشهادة زملائه من الأطباء المحترمين والأساتذة الجامعيين المشهود لهم عدا عن تصدير معلومات غير منطقية للرأي العام بهدف كسب تأييده، وهو ما استدعى إصرار الجامعة التي يتبع المستشفى لها على تحويل هذه الواقعة إلى القضاء، خاصةً بعد سلسلة من التعديات المستمرة واستسهال الإدعاءات المنتشرة على العاملين في الحقل الطبي، والتعدي لمن لم يعايش هذا النوع من المواقف ويعرف كواليسه يبدأ برفع الصوت والتعامل السيء وتوجيه الإتهامات جزافاً بالتقصير والتي تتطور إلى السب والشتم الذي قد يؤدي إلى التلامس ثم التشابك والعراك الذي أدى في بعض الحالات إلى القتل بكل أسف..
وهنا لا نتحدث عن عدم وجود أخطاء كما يحدث في أي مجال حيث لكلٍ منا تجربته ورأيه الذي ينبغي أن يأخذ بعين الإعتبار لكن الهدف من المقال هدف أخلاقي وانساني بحت يحاول إعطاء الحق لصاحبه، خاصةً عندما يحاول البعض استغلال شهرته أو مكانته كسلاح ضد الآخرين للإستقواء عليهم وقد يصل في بعض الأحيان إلى تهديدهم، عدا عن كون هذه الظاهرة من الإعتداءات والإستفزازات متكررة ومستمرة وتحتاج إلى وقفة صارمة..
فتراجع نسبة المقبلين على العمل في القطاع الطبي وتفضيل كوادره للهجرة ينبع من حوادث مشابهة، خاصةً عندما يبذل الكثير من المجتهدين أبناء الطبقة المتوسطة كل ما في وسعهم للإرتقاء بذاتهم ومستقبلهم ثم يجد أنه لا يحظى حتى بمجرد التقدير والإحترام لجهوده عدا عن انخفاض الأجور والضغوطات والشعور المستمر بالقلق، وتناسي أنه انسان عادي يعمل كأي موظف في أي مجال محكوم بلوائح وأنظمة وقواعد قد تختلف من مكان لآخر لكنه ملزم بالتقيد بها، وهو ما لا يريد الكثيرون رؤيته أو استيعابه أو قياسه على وضعه الشخصي في عمله، وهو ما يعيدنا إلى التساؤلات التي بات يطرحها الكثيرون حول القدرة على تحقيق أحلامهم وجدوى ما يقدمونه، خاصةً وأن أغلب ما نعيشه ونتخذه من خطوات بات أشبه بعملية حسابية تقيم فيها الأمور بمعيار مادي بحت لا مكان فيها لإعتبارات أدبية، وللبعض أن يتخيل حالة من يعمل في المشافي المجانية منها وحتى الخاصة والتي تشهد زحاماً شديداً في أقسام الطوارئ، فيصعب على الكثيرين أن ينتظر دوره أو أن يتفهم وجود حالات أكثر خطورة وجدية قد تستغرق ساعات طويلة من الإجراءات الطبية اللازمة لإستقرارها أو محاولة إنقاذها مما ينتج عنه هذه الحوادث المشابهة، والتي يعمل الأطباء والطاقم التمريضي فيها لساعات طويلة ومناوبات مستمرة دون راحة كافية تحت ضغط كبير، ثم يجد من البعض استخفافاً وتقليلاً من مجهوده عدا عن المزايدات فيما لا يعرفونه..
ونحن هنا لا نقدم صورة وردية تنكر حدوث أخطاء أو تقصير أو تجاوز لكن مسلسل التعدي على الآخرين يجب أن يتوقف في كل المجالات ويجب أن لا ينساق الناس خلف أخبار غير موثوقة ومواقف مجتزئة، فجميع من لا يحظى بالتقدير سيرحل على الفور حينما يجد فرصةً أفضل.. فهل نتخيل حال مجتمعاتنا نظراً لهذه السلوكيات بلا أطباء أو معلمين أو عمال أو مزارعين أو عاملي نظافة ؟ خاصةً وأن الكوادر الطبية اليوم تقف على خط النار وتقوم عبر كفائتها وصمودها الأسطوري بمعجزات إنسانية في قطاع غزة المنكوب وبأبسط الإمكانيات وسط حرب طاحنة وابادة جماعية تاريخية تستخدم فيها أعتى الأسلحة المحرمة دولياً وتشهد حالات بالغة التعقيد تبلغ فيها التشوهات والإصابات درجات غير مسبوقة..
واليوم في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا ستخسر مجتمعاتنا الكثير ان لم تتعامل بمسؤولية مع واقعها خسارةً قد لا يمكن تعويضها أبداً ولا ينفع معها شكوى أو بكاء..
#خالد_جهاد
فلاقى حينها ردود أفعال متباينة بين ترحيب وتفهم وغضب من البعض وصل إلى درجة القطيعة التي لم ألقي لها بالاً، برغم أن كل من يقرأ لي مشكوراً يعرف أن التعميم غير موجود في مقالاتي وأنني أحاول قدر المستطاع أن أقف على مسافة واحدة من الجميع دون تفضيل لأي فئة، حيث تأتي الأولوية فقط لمعايير الأخلاق والموهبة والكفاءة والأحقية الإنسانية لا غير، ومع ذلك فإن الكثيرين يرفض النقد (وهذه واحدة من مآسي مجتمعاتنا) حتى وان لم يكن موجهاً إليه على اعتبار أنه ينتمي إلى فئة أكبر وأعظم من أن تنقد ولو كان ذلك بشكل غير مباشر.. وهو ما لا أؤمن به حيث لا تعميم وحيث يمثل كل منا حالة خاصة قائمة بحد ذاتها ولا تقارن بغيرها..
واليوم أكتب هذه السطور للتعليق على حادث مؤسف يعد مؤشراً هاماً على ما نعيشه من تدهور مخيف على الصعيد الإجتماعي بعد تكراره على امتداد بلادنا.. فكان حديث الناس في جمهورية مصر الشقيقة مؤخراً وأثار غضبي تماماً كما أثار غضب الغالبية العظمى من المصريين وهو تعدي (أحد الوجوه المعروفة) الذي لن أعطيه صفة فنان حفظاً لقيمة ومعنى وجوهر الفن على طبيب أثناء تأدية عمله بشهادة زملائه من الأطباء المحترمين والأساتذة الجامعيين المشهود لهم عدا عن تصدير معلومات غير منطقية للرأي العام بهدف كسب تأييده، وهو ما استدعى إصرار الجامعة التي يتبع المستشفى لها على تحويل هذه الواقعة إلى القضاء، خاصةً بعد سلسلة من التعديات المستمرة واستسهال الإدعاءات المنتشرة على العاملين في الحقل الطبي، والتعدي لمن لم يعايش هذا النوع من المواقف ويعرف كواليسه يبدأ برفع الصوت والتعامل السيء وتوجيه الإتهامات جزافاً بالتقصير والتي تتطور إلى السب والشتم الذي قد يؤدي إلى التلامس ثم التشابك والعراك الذي أدى في بعض الحالات إلى القتل بكل أسف..
وهنا لا نتحدث عن عدم وجود أخطاء كما يحدث في أي مجال حيث لكلٍ منا تجربته ورأيه الذي ينبغي أن يأخذ بعين الإعتبار لكن الهدف من المقال هدف أخلاقي وانساني بحت يحاول إعطاء الحق لصاحبه، خاصةً عندما يحاول البعض استغلال شهرته أو مكانته كسلاح ضد الآخرين للإستقواء عليهم وقد يصل في بعض الأحيان إلى تهديدهم، عدا عن كون هذه الظاهرة من الإعتداءات والإستفزازات متكررة ومستمرة وتحتاج إلى وقفة صارمة..
فتراجع نسبة المقبلين على العمل في القطاع الطبي وتفضيل كوادره للهجرة ينبع من حوادث مشابهة، خاصةً عندما يبذل الكثير من المجتهدين أبناء الطبقة المتوسطة كل ما في وسعهم للإرتقاء بذاتهم ومستقبلهم ثم يجد أنه لا يحظى حتى بمجرد التقدير والإحترام لجهوده عدا عن انخفاض الأجور والضغوطات والشعور المستمر بالقلق، وتناسي أنه انسان عادي يعمل كأي موظف في أي مجال محكوم بلوائح وأنظمة وقواعد قد تختلف من مكان لآخر لكنه ملزم بالتقيد بها، وهو ما لا يريد الكثيرون رؤيته أو استيعابه أو قياسه على وضعه الشخصي في عمله، وهو ما يعيدنا إلى التساؤلات التي بات يطرحها الكثيرون حول القدرة على تحقيق أحلامهم وجدوى ما يقدمونه، خاصةً وأن أغلب ما نعيشه ونتخذه من خطوات بات أشبه بعملية حسابية تقيم فيها الأمور بمعيار مادي بحت لا مكان فيها لإعتبارات أدبية، وللبعض أن يتخيل حالة من يعمل في المشافي المجانية منها وحتى الخاصة والتي تشهد زحاماً شديداً في أقسام الطوارئ، فيصعب على الكثيرين أن ينتظر دوره أو أن يتفهم وجود حالات أكثر خطورة وجدية قد تستغرق ساعات طويلة من الإجراءات الطبية اللازمة لإستقرارها أو محاولة إنقاذها مما ينتج عنه هذه الحوادث المشابهة، والتي يعمل الأطباء والطاقم التمريضي فيها لساعات طويلة ومناوبات مستمرة دون راحة كافية تحت ضغط كبير، ثم يجد من البعض استخفافاً وتقليلاً من مجهوده عدا عن المزايدات فيما لا يعرفونه..
ونحن هنا لا نقدم صورة وردية تنكر حدوث أخطاء أو تقصير أو تجاوز لكن مسلسل التعدي على الآخرين يجب أن يتوقف في كل المجالات ويجب أن لا ينساق الناس خلف أخبار غير موثوقة ومواقف مجتزئة، فجميع من لا يحظى بالتقدير سيرحل على الفور حينما يجد فرصةً أفضل.. فهل نتخيل حال مجتمعاتنا نظراً لهذه السلوكيات بلا أطباء أو معلمين أو عمال أو مزارعين أو عاملي نظافة ؟ خاصةً وأن الكوادر الطبية اليوم تقف على خط النار وتقوم عبر كفائتها وصمودها الأسطوري بمعجزات إنسانية في قطاع غزة المنكوب وبأبسط الإمكانيات وسط حرب طاحنة وابادة جماعية تاريخية تستخدم فيها أعتى الأسلحة المحرمة دولياً وتشهد حالات بالغة التعقيد تبلغ فيها التشوهات والإصابات درجات غير مسبوقة..
واليوم في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا ستخسر مجتمعاتنا الكثير ان لم تتعامل بمسؤولية مع واقعها خسارةً قد لا يمكن تعويضها أبداً ولا ينفع معها شكوى أو بكاء..
#خالد_جهاد