٠مذكرات
كان زقاقا ضيقا يضم كل التناقضات السلوكية فجوار ما يعرف ببيت ( المؤمن )هناك عائلة ( و) ا لتي تدعو كل ليلة جمعة ناقري الدفوف وعازفي الابواق وضاربي الطبول ومعهم الطنبورة ( طاردة الجن ) بستت اوتار او المزمار ( صرناي ) وهي الة بوقية ينفخ فيها ويجتمع اغلبهم من اصول افريقية فيرقصون حتى المنتصف في حفلة استشفاء من الجن نسميها محليا جلسة الزيران تتصاعد الايقاعات شيئا فشيئا ويتوتر البعض وهم يرقصون بعنف حتى يتهاوى بعضهم الى الارض متوترا وغاطسا بالعرق فتتغير لهجته ونبرة صوته فيتسارع اليه عارفاتهم وعرافوهم ليساعدوه على الشفاء .
الثرثارات والصامتات هنا العفيفات والاباحيات , القبح والجمال , والصادقون .
هناك حفلات موسمية تقام في بيت مقابل تخصص برقصة الهيوة وهم يستغلون اية مناسبة تمر بهم ليغنوا ويرقصوا ويتبادل بعضهم نظرات الهيام او التعارف او اللقاء بحبيباتهم فلا احد يبالي بسلوك احد , الجميع مشدود لسحر الطبلة وايقاع الدفوف والصرناي .
ولا يخلو الجو من مخبري السلطة فهم يلحظون ويسجلون ولسان حالهم يقول افعل ما شئت الا المساس بالسلطة وكانت مطلع السبعينيات حتى وسطها لم تكن السلطة قد تمكنت من اطباق شبكتها الخفية على كل شيء حتى دبيب النمل .
وحين ترحمهم شمس الصيف وتخفف من جحيمها يظهرن لتكنس كل امراة المساحة الترابية امام منزلها لتبدا حفلة الثرثرة في جو من الضحك وتشريح الاخرين وخلال ساعات تستمع لهذه الاذاعة البشرية وهي تزودك بكل ما جرى منذ طلوع الفجر فلا يصمد باب ولا يعصي شباك تتسرب كل الاسرار في جلسة واحدة
وقد يتشاجرن صبحا غالبا لاجل الصغار فيندلع التوتر والسباب ويشهرن الحجارة والعصي لكن لا احد يسال منه دم ثم يتصالحن عصرا فيفترشن العتبات بالسجادات البالية وحصران الخوص والبسط القديمة الملونة على التراب المرشوش .
لكن اهالي الزقاق والحي لا يتوتر احد منهم من سلوك الاخر فهذا الذي يقضي نهاره مرتلا ولياليه الخميسية بالمجالس الحسينية في داره لا يانف من جاره السكير مثلا وتلك التي ترسخ في ضميرها ايمان بسيط وراسخ تجالس تلك التي تمضي ليلا لبيوت موحلة .
كانت الجبهة قائمة في العراق وللشيوعيين جريدتهم طريق الشعب ومجلاتهم ومقراتهم واجتماعاتهم مع مسؤولي النظام.
كان الصديق د في المتوسطة كان يصغرني كثيرا ولم نكن كما هذه الايام نعاني من قفزات سلوكية بالمجايلة .
عرف عنه بياض بشرته وزرقة عينيه وعفوية ابتسامته ورغم ان ابا صديقي عرف عنه قوته الجسدية وولعه بالخمرة والنساء الا ان غيرة صحبته فكان يقول (من منهن فاسقة افوت عليها من الجيران اما العفيفة فليست من اهتمامي ) لكن زوجته الفاضلة كانت لا تبالي فحين يعود متاخرا ثملا ليلا تسعّر له التنور الطين في السطح وتشوي له الدجاج وكنا نرى وميض النار من سطحهم الترابي المنخفض وهذا ليس ضعفا بالغيرة منها انما هي من تلك النساء الاوليات اللواتي يبكرن للخبز بتنور الطين والحطب وتحمل كيس الطحين وهي حامل اما التبرج فربما هي اخر من تفكر فيه.
لقد ورثت الحكمة من جداتها , منها كتم سرها فتقول ( حدثتني امي بان ابوح بسري في المرحاض ان ضاق صدري به ).
لقد انهكتها الفاقة منذ اليوم الاول الذي انفردت ببيت بسيط عن عائلة زوجها فكانت تهز مهد رضيعها في المهد الخشبي وتقول( كطعوا والله عيب يكطع )أي وقت تخلّو فرحمة الله لا تغيب .
لكن عائلتهم عرفت بكنية ابيهم .
حين تعرفت على د كان في المتوسطة فزودته بكتب ماركس ولينين وانجلز مطلع الثمانينيات ولم تكن اليسارية قد فقدت بريقها كان ما يزال هناك امل رغم ان الشيوعيين في العراق هجروا في النصف الثاني من سنة 1978.
واندفع صاحبي يلتهم تلك الكتب ونبهني اخوه الذ ي يصغره الى مقدرته على النظام وولعه بتجميل غرفته فدخلتها يوما فاقتنعت بان له ذوقا جميلا في غير بيئته واندفاعا لتنظيم الاثاث ورغم افتقارقه للمكوى فقد ابتكر بديلا فكان ينشر ملابسه على حبل الغسيل دون ان يعصرها من الماء فتظهر كانها مكوية.
عن مغامراته الحميمية لم اعرف عن د شيئا سوى عن فتاة صغيرة جارة جميلة ومنفصلة كنت اسميها بدوية الحسن , واقول له انها تنادينا فلا نستجيب لانها جارة ولامها التي تتسكع ليلا فضل علينا , بعدها بسنة اسرّ ني د بانه كاد يصرخ حين اقول له هذا عنها لانه تمكن منها في ليال عدة .
ذات يوم قصدنا مركز المدينة وفي البار تضببت الذاكرة واخذ منا السحر مفعوله في جمجمة صاحبي
عدنا قبيل المنتصف وفي وسط العشار السوق المركزية للبصرة وكان هناك القليل من المارة عائدون من السينمات او مشردون او متجولون بحثا عن المتعة
فجاة راى صاحبي صورا لانتخابات المجلس الوطني فاندفع لتمزيقها ومن حسن الصدف كانت صور اخرى لعارضات وممثلات مبعثرة على اسفلت الشارع فاختلطت الصور .
لم امنعه بل كنت ابتسم , اذا برجال الامن يعتقلوننا وهناك حين صحونا في مديرية الاجرام كان احد الموقوفين يحاول سرقة مسدس الشرطي لينتحر لقد اغتصب امه بمفعول الخمر. اخذوني الى غرفة ما حافيا امشي على زجاح مكسر , وقبل ان اجيب تلقيت صفعة اجهزتني ارضا .
قال احد المسؤولين ( هذان سينقلان الى جهة اخرى )
عندها اصبت بالوجوم .
لم اكن اخشى على نفسي فقد خبرت الاعتقال والسجن من سنوات لكني خشيت على صاحبي , فربما لا يصمد امام التعذيب فيورطنا .
كان زقاقا ضيقا يضم كل التناقضات السلوكية فجوار ما يعرف ببيت ( المؤمن )هناك عائلة ( و) ا لتي تدعو كل ليلة جمعة ناقري الدفوف وعازفي الابواق وضاربي الطبول ومعهم الطنبورة ( طاردة الجن ) بستت اوتار او المزمار ( صرناي ) وهي الة بوقية ينفخ فيها ويجتمع اغلبهم من اصول افريقية فيرقصون حتى المنتصف في حفلة استشفاء من الجن نسميها محليا جلسة الزيران تتصاعد الايقاعات شيئا فشيئا ويتوتر البعض وهم يرقصون بعنف حتى يتهاوى بعضهم الى الارض متوترا وغاطسا بالعرق فتتغير لهجته ونبرة صوته فيتسارع اليه عارفاتهم وعرافوهم ليساعدوه على الشفاء .
الثرثارات والصامتات هنا العفيفات والاباحيات , القبح والجمال , والصادقون .
هناك حفلات موسمية تقام في بيت مقابل تخصص برقصة الهيوة وهم يستغلون اية مناسبة تمر بهم ليغنوا ويرقصوا ويتبادل بعضهم نظرات الهيام او التعارف او اللقاء بحبيباتهم فلا احد يبالي بسلوك احد , الجميع مشدود لسحر الطبلة وايقاع الدفوف والصرناي .
ولا يخلو الجو من مخبري السلطة فهم يلحظون ويسجلون ولسان حالهم يقول افعل ما شئت الا المساس بالسلطة وكانت مطلع السبعينيات حتى وسطها لم تكن السلطة قد تمكنت من اطباق شبكتها الخفية على كل شيء حتى دبيب النمل .
وحين ترحمهم شمس الصيف وتخفف من جحيمها يظهرن لتكنس كل امراة المساحة الترابية امام منزلها لتبدا حفلة الثرثرة في جو من الضحك وتشريح الاخرين وخلال ساعات تستمع لهذه الاذاعة البشرية وهي تزودك بكل ما جرى منذ طلوع الفجر فلا يصمد باب ولا يعصي شباك تتسرب كل الاسرار في جلسة واحدة
وقد يتشاجرن صبحا غالبا لاجل الصغار فيندلع التوتر والسباب ويشهرن الحجارة والعصي لكن لا احد يسال منه دم ثم يتصالحن عصرا فيفترشن العتبات بالسجادات البالية وحصران الخوص والبسط القديمة الملونة على التراب المرشوش .
لكن اهالي الزقاق والحي لا يتوتر احد منهم من سلوك الاخر فهذا الذي يقضي نهاره مرتلا ولياليه الخميسية بالمجالس الحسينية في داره لا يانف من جاره السكير مثلا وتلك التي ترسخ في ضميرها ايمان بسيط وراسخ تجالس تلك التي تمضي ليلا لبيوت موحلة .
كانت الجبهة قائمة في العراق وللشيوعيين جريدتهم طريق الشعب ومجلاتهم ومقراتهم واجتماعاتهم مع مسؤولي النظام.
كان الصديق د في المتوسطة كان يصغرني كثيرا ولم نكن كما هذه الايام نعاني من قفزات سلوكية بالمجايلة .
عرف عنه بياض بشرته وزرقة عينيه وعفوية ابتسامته ورغم ان ابا صديقي عرف عنه قوته الجسدية وولعه بالخمرة والنساء الا ان غيرة صحبته فكان يقول (من منهن فاسقة افوت عليها من الجيران اما العفيفة فليست من اهتمامي ) لكن زوجته الفاضلة كانت لا تبالي فحين يعود متاخرا ثملا ليلا تسعّر له التنور الطين في السطح وتشوي له الدجاج وكنا نرى وميض النار من سطحهم الترابي المنخفض وهذا ليس ضعفا بالغيرة منها انما هي من تلك النساء الاوليات اللواتي يبكرن للخبز بتنور الطين والحطب وتحمل كيس الطحين وهي حامل اما التبرج فربما هي اخر من تفكر فيه.
لقد ورثت الحكمة من جداتها , منها كتم سرها فتقول ( حدثتني امي بان ابوح بسري في المرحاض ان ضاق صدري به ).
لقد انهكتها الفاقة منذ اليوم الاول الذي انفردت ببيت بسيط عن عائلة زوجها فكانت تهز مهد رضيعها في المهد الخشبي وتقول( كطعوا والله عيب يكطع )أي وقت تخلّو فرحمة الله لا تغيب .
لكن عائلتهم عرفت بكنية ابيهم .
حين تعرفت على د كان في المتوسطة فزودته بكتب ماركس ولينين وانجلز مطلع الثمانينيات ولم تكن اليسارية قد فقدت بريقها كان ما يزال هناك امل رغم ان الشيوعيين في العراق هجروا في النصف الثاني من سنة 1978.
واندفع صاحبي يلتهم تلك الكتب ونبهني اخوه الذ ي يصغره الى مقدرته على النظام وولعه بتجميل غرفته فدخلتها يوما فاقتنعت بان له ذوقا جميلا في غير بيئته واندفاعا لتنظيم الاثاث ورغم افتقارقه للمكوى فقد ابتكر بديلا فكان ينشر ملابسه على حبل الغسيل دون ان يعصرها من الماء فتظهر كانها مكوية.
عن مغامراته الحميمية لم اعرف عن د شيئا سوى عن فتاة صغيرة جارة جميلة ومنفصلة كنت اسميها بدوية الحسن , واقول له انها تنادينا فلا نستجيب لانها جارة ولامها التي تتسكع ليلا فضل علينا , بعدها بسنة اسرّ ني د بانه كاد يصرخ حين اقول له هذا عنها لانه تمكن منها في ليال عدة .
ذات يوم قصدنا مركز المدينة وفي البار تضببت الذاكرة واخذ منا السحر مفعوله في جمجمة صاحبي
عدنا قبيل المنتصف وفي وسط العشار السوق المركزية للبصرة وكان هناك القليل من المارة عائدون من السينمات او مشردون او متجولون بحثا عن المتعة
فجاة راى صاحبي صورا لانتخابات المجلس الوطني فاندفع لتمزيقها ومن حسن الصدف كانت صور اخرى لعارضات وممثلات مبعثرة على اسفلت الشارع فاختلطت الصور .
لم امنعه بل كنت ابتسم , اذا برجال الامن يعتقلوننا وهناك حين صحونا في مديرية الاجرام كان احد الموقوفين يحاول سرقة مسدس الشرطي لينتحر لقد اغتصب امه بمفعول الخمر. اخذوني الى غرفة ما حافيا امشي على زجاح مكسر , وقبل ان اجيب تلقيت صفعة اجهزتني ارضا .
قال احد المسؤولين ( هذان سينقلان الى جهة اخرى )
عندها اصبت بالوجوم .
لم اكن اخشى على نفسي فقد خبرت الاعتقال والسجن من سنوات لكني خشيت على صاحبي , فربما لا يصمد امام التعذيب فيورطنا .