لم تقدّم روسيا للعالم فلاسفة كبارا، على غرار المانيا، مثلا، لكن العالم يشهد بأنها قدمت أدباء فلاسفة، أي إن الروس سرّبوا فلسفتهم للحياة من خلال الأدب، ولعلهم وصلوا بها الى جميع انحاء العالم وقرأتها شرائح مجتمعية مختلفة وتسلمت رسائلها العميقة بطريقة سلسة! إذ مازال علماء الإجتماع والمفكرين والباحثين والنقاد ينقبون في كنوز الأدب الروسي ويستخرجون منه دررا معرفية واضاءات فلسفية واجتماعية ونفسية كثيرة. فأعمال مثل (الجريمة والعقاب) و(الأبله) لدستوفسكي و(الحرب والسلام) لتولستوي و(المعطف) ل غوغول .. انطوت على ثيمات كبيرة عالجت قضايا كونية من خلال موضوعات محلية. وهنا تكمن اهمية الأدب العميق الذي يفرزه الزمن عن السطحي المنشغل بمشاكل وأحداث آنية تستهلكه بداخلها، فالكثير من الأعمال التي اعتقد كاتبوها إنها تعالج مشاكل الإنسان، لاسيما تلك التي تأتي مثقلة برغبة كتّابها في إدانة جهة ما وبقصد الإدانة وحدها، لاتصمد بعد أن يمرّ زمن غير طويل عليها وتتجاوزها الأحداث، كونها تستنفد حمولتها المرحلية وتغدو فارغة المعنى، وقل إن هذا هو مآل ما يعرف بالأعمال التعبوية التي تكتب في ظرف وقصد معينين .. والتعبئة هنا لاتعني فقط ما يتعلق بالميدان العسكري وحده، لان هذه المفردة اقترنت اعلاميا بها، وانما بشكل عام سواء كانت سياسية او اجتماعية وغيرها.
اهمية النص الأدبي تكمن في قدرته على جعل القارئ يتأمل، ويحث الذهن على مشاركة المبدع وهو يسبر أغوار الإنسان وجوانياته العميقة التي يصلها من خلال قراءته اسقاطات الحدث عليه وسط ازماته التي يجتهد الإنسان في محاولته تخطيها او معالجتها وما يرافق ذلك من تداعيات ذاتية وموضوعية، قد تكون في اطارها العام تمثل عنوان الحدث وبوابته الكبيرة التي يتيه وسطها الكاتب العادي، لكن المبدع هو من يعرف كيف يصل الى اعماق ابطاله ويستجلي مكنوناتهم ويطرحها بصيغة نص متوهج ومؤثر على غرار ما قام به قسطنطين جيورجيو في روايته الشهيرة (الساعة الخامسة والعشرون) على سبيل المثال، فالقارئ لهذه الرواية لايرى مآسي الحرب العالمية الثانية فقط، وانما يدخله الروائي اعماق ابطاله وهم يواجهون خراب النفوس وانهيار القيم، حين يساق الناس الى جحيم الحروب باسم الدفاع عن القيم العليا والأفكار المثالية! وهنا يكمن السؤال الفلسفي الذي اراد الروائي ايصاله، أي إن متانة القيم لاتتجسّد في التمسك غير الواعي بقشور العقائد، الفكرية منها والسياسية، وانما في كيفية تمثّلها انسانيا بما يجنب الإنسان الفخاخ التي تمسخ عقله وروحه وتحوّله الى أداة للقتل والخراب بإسمها، ومن أبرز تلك الفخاخ هي الحرب بإسم الدفاع عن الإنسان! وهنا تكمن قضية الأدب العميق ورسالته التنويرية الكبيرة.
كثيرون من الأدباء يكتبون نصوصا مقبولة وتصلح للنشر في الصحف والمجلات، لكنها تنسى بعد حين وإن كتبت بلغة جميلة واسلوب جيد، والسبب هو خواؤها الداخلي وفراغها من المعنى العميق الذي يمنحها القوة على البقاء والتأثير، خلافا لما يفعله الأدب الكبير الذي يبقي يتنقل من جيل الى جيل ويترجم الى مختلف اللغات ويوصف بالعالمي، مع إن موضوعاته محلية. فشخصية سانتياغو بطل رواية (العجوز والبحر) لهمنغواي جسّدت قوة الإرادة بطريقة مبهرة، حين جعله الروائي يقارع محنة عزلته وسط البحر، ليعود بصيده (السمكة – القرش) التي خلّدتها تلك الرواية الكبيرة .. والأمر نفسه مع (الكولونيل نيكولاس ريكاردو ماركيز ميخيا) بطل رواية (ليس لدى الكولونيل من يكاتبه) ل غابريل غارسيا ماركيز ، وهو يواجه مستقبلا غائما بعد أن تداعت الأمور في بلده (كولومبيا) ووجد نفسه عجوزا مع زوجته ينتظران المجهول الذي تمثله حال البلاد التي خدمها، أي إن ماركيز لم يقدم لنا كولونيلا وإنما انسانا تجول بداخله بإبداع وجعل من أزمته الذاتية، قضية انسانية تتجاوز واقعها ومسمياتها المحلية.
نرى ان المبدع كلما كان اكثر ثقافة واطلاعا، كان نصه اكثر عمقا واشتباكا مع القضايا الكبيرة والخروج منها برؤى كبيرة ومهمة، وسيكون اديبا متفلسفا وإن لم يكن فيلسوفا!
اهمية النص الأدبي تكمن في قدرته على جعل القارئ يتأمل، ويحث الذهن على مشاركة المبدع وهو يسبر أغوار الإنسان وجوانياته العميقة التي يصلها من خلال قراءته اسقاطات الحدث عليه وسط ازماته التي يجتهد الإنسان في محاولته تخطيها او معالجتها وما يرافق ذلك من تداعيات ذاتية وموضوعية، قد تكون في اطارها العام تمثل عنوان الحدث وبوابته الكبيرة التي يتيه وسطها الكاتب العادي، لكن المبدع هو من يعرف كيف يصل الى اعماق ابطاله ويستجلي مكنوناتهم ويطرحها بصيغة نص متوهج ومؤثر على غرار ما قام به قسطنطين جيورجيو في روايته الشهيرة (الساعة الخامسة والعشرون) على سبيل المثال، فالقارئ لهذه الرواية لايرى مآسي الحرب العالمية الثانية فقط، وانما يدخله الروائي اعماق ابطاله وهم يواجهون خراب النفوس وانهيار القيم، حين يساق الناس الى جحيم الحروب باسم الدفاع عن القيم العليا والأفكار المثالية! وهنا يكمن السؤال الفلسفي الذي اراد الروائي ايصاله، أي إن متانة القيم لاتتجسّد في التمسك غير الواعي بقشور العقائد، الفكرية منها والسياسية، وانما في كيفية تمثّلها انسانيا بما يجنب الإنسان الفخاخ التي تمسخ عقله وروحه وتحوّله الى أداة للقتل والخراب بإسمها، ومن أبرز تلك الفخاخ هي الحرب بإسم الدفاع عن الإنسان! وهنا تكمن قضية الأدب العميق ورسالته التنويرية الكبيرة.
كثيرون من الأدباء يكتبون نصوصا مقبولة وتصلح للنشر في الصحف والمجلات، لكنها تنسى بعد حين وإن كتبت بلغة جميلة واسلوب جيد، والسبب هو خواؤها الداخلي وفراغها من المعنى العميق الذي يمنحها القوة على البقاء والتأثير، خلافا لما يفعله الأدب الكبير الذي يبقي يتنقل من جيل الى جيل ويترجم الى مختلف اللغات ويوصف بالعالمي، مع إن موضوعاته محلية. فشخصية سانتياغو بطل رواية (العجوز والبحر) لهمنغواي جسّدت قوة الإرادة بطريقة مبهرة، حين جعله الروائي يقارع محنة عزلته وسط البحر، ليعود بصيده (السمكة – القرش) التي خلّدتها تلك الرواية الكبيرة .. والأمر نفسه مع (الكولونيل نيكولاس ريكاردو ماركيز ميخيا) بطل رواية (ليس لدى الكولونيل من يكاتبه) ل غابريل غارسيا ماركيز ، وهو يواجه مستقبلا غائما بعد أن تداعت الأمور في بلده (كولومبيا) ووجد نفسه عجوزا مع زوجته ينتظران المجهول الذي تمثله حال البلاد التي خدمها، أي إن ماركيز لم يقدم لنا كولونيلا وإنما انسانا تجول بداخله بإبداع وجعل من أزمته الذاتية، قضية انسانية تتجاوز واقعها ومسمياتها المحلية.
نرى ان المبدع كلما كان اكثر ثقافة واطلاعا، كان نصه اكثر عمقا واشتباكا مع القضايا الكبيرة والخروج منها برؤى كبيرة ومهمة، وسيكون اديبا متفلسفا وإن لم يكن فيلسوفا!