عبدالأمير المجر - بائع الكتب...

قال الرجل وهو يضم الرزمة الكبيرة الى صدره بعد أن غطّاها بجريدة قديمة؛
- إنها سلسلة نادرة وصادرة عن دار رصينة..
طلب بائع الكتب رفع الغطاء الذي يضمها، لكي يقلّبها ويطّلع عليها بشكل جيد، لكن الرجل تردد لكي لاتتأثر طريقة رزمها الأنيقة، وقد أردف وهو يحاول اغراء البائع بالصفقة؛
- لو لم يقولوا لي إنك تقدّر قيمة الكتاب لما جئت اليك .. واثناء ذلك ازاح الجريدة ورفع الغطاء وظهرت سلسلة الكتاب المطبوع بعشرة اجزاء .. كان عنوانه ( رحلة الاخلاق في زمن النفاق) لمؤلفة العلامة (ابن جرير المهاويني) ...لقد قرأ بائع الكتب العنوان، وتذكّر .. قبل سنين عديدة جاءه رجل يحمل كيسا كبيرا كان قد وضعها فيه وقال له؛
- إنها سلسلة من أجزاء لكتاب مهم .. واعتقد إنها تفيدك ..
لم يعرف بائع الكتب الرجل الذي اشتراها منه، لكنه عرف لاحقا إنه باع مكتبته كلها على مراحل اثناء الحصار ... ارتفع سعر السلسلة، والأصح إن قيمة العملة انخفضت كثيرا وبات سعرها بأضعاف الذي دفعه لشرائها قبل عام واكثر .. باعها وقبض الثمن وكان مرتاحا ذلك اليوم، لكنه ندم بعد أشهر على ذلك، فسعرها اصبح مضاعفا ايضا ولو انتظر لباعها بسعر اعلى بكثير، وفي خضم بيعه وشرائه اليومي نسي حكاية السلسلة تلك وشغلته عنها سلاسل اخرى باعها ومعها الكثير من الكتب المختلفة ..
انتبه البائع لصوت الرجل وهو يقول له؛ أتشتريها أم اذهب ..؟
مدّ البائع يده للرزمة الكبيرة وقلّب اجزاءها بين يديه، وتأكد من أن الغطاء الأنيق الذي يضمها هو نفسه الذي اشتراه قبل اكثر من عشرين عاما .. ثم اخذ يتأمل في السوق الذي تتزاحم فيه الناس ويعلو ضجيجها، قبل ان يرفع رأسه ويقول للرجل؛ لا اعتقد إن أحدا سيشتريها .. واعادها لصاحبها الذي ضمها الى صدره ومضى حانيا رأسه وسط الزحام والضجيج.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى