عبد علي حسن - النقد وشرط الحرية...

* تميزت سنوات السبعينات من القرن الماضي بظهور ملامح لحركة نقدية واضحة التوجهات الفكرية والجمالية ، وقد كونت هذه الملامح عدد من المنهجيات النقدية منها وعلى نحو مؤثر وراكز ، النقد الإجتماعي / النقد الانطباعي / النقد السايكولوجي /النقد البلاغي وسواها من المناهج ،الا ان المناهج الأكثر حضورا وتأثيرا في ملاحقة المنجز الابداعي العراقي هما المنهج الاجتماعي المتبني لموجهات النقد الماركسي والمنهج الانطباعي ، ولاشك بأن تميز هذين المنهجين كان نتيجة لجملة من الظواهر التي استوجبتها حركة الابداع العراقي واستجابته للمتغيرات الحاصلة في البنية الاجتماعية والسياسية العراقية منذ ستينيات القرن الماضي وكذلك المتغيرات الحاصلة في الخارطة العالمية والعربية ، وفي الوقت الذي تمكن فيه المنهج الاجتماعي من تأكيد الموجهات اليسارية والتقدمية في المنجز الابداعي العراقي الى المستوى عد فيه التوجه الى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والطبقية هو المعيار لنفاذ المنجز الى حيز الاهتمام والتأثير ، ومقابل ذلك أسهم النقد الانطباعي الذي تربع على عرشه الناقد الراحل علي جواد الطاهر وفيما بعد تلميذه الوفي الناقد الراحل عبد الجبار عباس الذي وصفه الطاهر بأنه (فتى النقد العراقي) ولاشك بان هذا التوصيف ينم عن معرفة الطاهر معرفة دقيقة بقدرات عبد الجبار النقدية وتمكنه من الخوض في موجهات النقد الانطباعي الذي تمكن من حضوره في النقد العربي والعالمي قبل ظهور مناهج النقد الحديثة التي بدأت بالبنيوية .
ولاشك بأن تبنيه للنقد الانطباعي منهجا لمقارباته النقدية في الشعر والقصة والرواية قد كان مدار بحث من قبل النقاد والباحثين ، الأمر الذي دعاه الى التصريح أكثر من مرة عن فخره بتبنيه هذا المنهج دون المناهج الأخرى ، كما انه أفرد مقالة خاصة في كتابه (مرايا جديدة) بعنوان (دفاعا عن الانطباعية) ضمنه وجهة نظره ازاء المشهد النقدي العراقي والعربي ، اذ صب دفاعه في محورين اساسيين الأول هو أن المنهج الانطباعي يصطف مع المناهج النقدية الأخرى كالأجتماعي والنفسي وسواها من المناهج وهذا يعني ايجابية تعدد وجهات النظر ازاء المنجز الابداعي ، كما ان الناقد الانطباعي ينأى عن المطلب الايديولوجي والمنهجي الصارم ويجد رأيه حرا في طرح وجهات نظره التي تحافظ وتحث على رؤية المنجز من خلال حديثه عن نفسه ومرجعياته الفكرية والجمالية اذ (يتم اخضاع الانطباعات للنص الادبي بدلا من اخضاع النص لانطباعات الناقد ) ، وحول المناهج النقدية الحديثة البنيوية خاصة فقد أشار الى (ان تعجل النقد بتقديم طروحات ونظريات وفرضيات جديدة قد لايكون هاجسا صحيا يخدم الإبداع، مادامت حركة الإبداع فيه ماتزال تناضل لارساء دعائم الحداثة وإشاعة مفاهيمها لدى الجمهور المتلقي ،فالنظريات الجديدة في النقد انما تكتسب أهميتها من مساندتها لهذه الحركة لا في تجاوزها بطموحات مفترضة يمكن ان تكون عقبة ومعولا في صروح الإبداع الحديث..........مرايا جديدة ص263) .
وبإمكاننا ان نخرج بمعطيات نقدية من الموقفين اللذين أشار لهما الناقد الراحل في دفاعه عن المنهج الانطباعي /التأثري ، ومن هذه المعطيات ان المنهج الانطباعي يتيح للناقد فسحة اوسع في تفاعله مع النص الابداعي دون خضوعه لمسطرة المطلب المنهجي القسري الذي سوف لايظهر غير شخصيته--المنهج-- اذ يكون الناقد حينئذ أسير موجهات المنهج الذي يتحدث عن المنجز دون الناقد وبمعنى آخر فإن مهمة الناقد ستكون التطبيق القسري والحرفي لمطلب المنهج الايديولوجي ، والمعطى الآخر فهو ان الناقد الراحل عبد الجبار عباس يشير الى قضية غاية في الأهمية وهي ان الخطاب النقدي يتطور وفق تطور المنجز الابداعي ، فكلما تطور المنجز لزم منهجا جديدا متجاوزا للمناهج السابقة ليحايث المنجز الادبي الجديد المتطور ، وفي حالة المنجز الادبي العراقي في مرحلة الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانيات من القرن الماضي فإنه --حسبما يراه الناقد عبد الجبار-- فإنه في مرحلة صيرورة وتأسيس حداثوي قياسا الى المنجز الادبي الاوربي الذي استوجب مناهج نقدية جديدة متجاوزة للمناهج السابقة من اجتماعية وانطباعية ونفسية وبلاغية وسواها من المناهج الفاعلة في مرحلة ماقبل البنيوية .
مما سلف ذكره نتبين الموقف الموضوعي للناقد الراحل عبد الجبار عباس وهو يدافع عن منهجه الذي تبناه ووجده ضروريا في مرحلة مهمة تمر بها الحركة الأدبية في العراق ، فهو لم يتنكر الى المناهج الفاعلة في الساحة النقدية العراقية قديمها وجديدها مؤكدا على ماتمنحه حرية الرأي الشخصي المنتج من مرجعية الناقد المعرفية والجمالية وبما يثري موجهات النص الأدبي .

عبد علي حسن

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى