فتحي عثمان - كيف تطعم سيد في الشهر السادس من العمر...

الطفل في الشهر السادس من العمر سيد بالمعنى الكامل للكلمة، وتمتد "سيادته" هذه حتى عمر ستة أعوام بسيطرته التامة على التلفزيون ومحاربته الشرسة للأخبار والمقابلات.
والطفل "السيد" في الشهر السادس في مرحلة عمرية يمكن تسميتها "بالمرحلة الوزارية"؛ لأنه بسبب التسنين وازعاجه "يحول" أي شي تصله يداه إلى فمه، ويختلف عن الوزير بأن هذه المرحلة في عمره هي مرحلة مؤقتة.
إطعام الطفل السيد في هذه السن يختلف عند الأب منه عند الخال أو عند الجد (والجد هو المرحلة الأخيرة في سلم الأعمار الدارويني)؛ فالأب والخال نواياهما عند إطعام الطفل (ليست بريئة) لأنهما يفكران في دفس الطفل بالطعام لينعس ثم ينام بسرعة ويتخلصا منه. ولكن الملاحظ أن الطفل يكون أكثر دهاء منهما ويستطيع بقليل من العناد والبكاء والرفس أن يحبط مخططاتهما كلها.
المرحلة الإعدادية:
مرحلة إعداد الطفل لتناول وجبة طعام تسبق مرحلة "الفوضى الخلاقة"، فالجد الحريف يستطيع أن يحدد "استراتيجية" التعامل مع الطفل بدء من تحديد نوع الوجبة: هل هي وجبة رئيسية أم "قنطرة" بين وجبتين. طبعا، الطفل يكون قبلها قد دخل عالم الأكل قبل شهر أو شهرين، ولا يعرف المسكين بأنه مع أول ملعقة من الطعام سيكون قد دخل عالماً منقسماً "أيديولوجيا" بين آكلي اللحوم المفترسين وبين متناولي الخضروات المسالمين، وطبعاً، ولحساسية معدته، يحشر مع الفئة الثانية.
ورغم المواهب الوزارية المبكرة للطفل لكن طعامه الأولي يكون "مهروسا" من الجزر، أو البطاطس أو الكوسا، أو الزبادي المحلى بين الوجبات. فتحديد "البعد الاستراتيجي" للوجبة يحدد "تكتيكات" التعامل اللاحق"
الملعقة:
يفضل أن تكون الملعقة كثيرة الألوان، ابتعد عن ملعقة الشاي الفضية والمسيخة والباهتة من أي لون. تخدم الألوان لاحقا، في تشتيت الانتباه عند التلويح بها. وعليها ان تكون مائلة "القدوم" من الأمام حتى يسهل حشرها في فم الطفل في حال "الزرقنة" والإصرار على تشميع الفم، إذ يمكن الضغط بقعر الملعقة على الشفة السفلى مع رفعها من الأمام حتى تدخل محتواها في الفم. تحديد شكل الملعقة مهم لفتح البوز عند العصلجة. بالطبع عندما تنجح في حشرها في فم السيد الصغير سيقوم بتحريك رأسه يمنة ويسرة وللأعلى وللأسفل وهنا تكون قد بدأت ملامح الدقن والشنب الأبيض بالظهور على وجه الطفل. ويفضل أن تكون لديك ملعقة "احتياطي مركزي" لأن الطفل في الغالب يستطيع الإمساك بالملعقة بين أصابعه والإطاحة بها تحت طاولة التلفزيون حيث لا يمكن العثور عليها الا عند تنظيف المنزل في ليلة العيد.
ويكون الحصول على ملعقة بديلة صعبا، خاصة إذا كان الطفل في حجرك، لأنك لن تستطيع وضعه على المقعد حتى لا ينكفئ على وجه، ولا تستطيع الانحناء وأنت تحمله لتناول الملعقة المفقودة. إذن الخبرة العملية ترجح الاستفادة من ملعقة احتياطية للطوارئ.
لا يمكن التقليل من ردود فعل الأطفال تجاه الطعام (ردة فعل الطفل تجاه الخضار غير المبهر هي نفس ردة فعل المريض تجاه أكل المستشفى، الفرق في أن أحدهما سيد والآخر مسود) وعند النجاح في تمرير الملعقة الأولى من الخضار إلى داخل فمه سيتكور الوجه على بعضه وتجد الطفل قد رفع اليك رأسه ناظرا اليك في غضب، في هذه الحالة لا تظن أنه يسألك عما حشرته توا في فمه بل الترجمة الوحيدة لمشاعره الظاهرة هي واحدة ولا ثاني لها: "ايه دا يا معفن؟"
والخبراء الذين أخذوا كورسات في لغة الجسد ممكن يستخرجوا معاني أخرى لتعبيرات الوجه هذه – الغريب أنها تستمر لثوان بدون أي حركة لأعضاء الطفل الأخرى
أما إذا كان الوجبة زبادي محلى بالفواكه المنوعة فتكون ترجمة التعبير: "أيوه كدا يا عم، حسسني إني في بيت مش في مستشفى"؟
وحتى لا تنخدع بالمظاهر فإن الوضع في الحالتين لن يمر بسلام كما تتمنى، لأن الشياطين تكمن في التفاصيل. اليدان في المرحلة الوزارية هذه تكون قد تعودت على الإمساك العشوائي بأي شيء، فأحرص أن تكون علبة الزبادي بعيدة عن متناول اليد، واحذر من تناول القهوة والشاي أثناء اطعام الطفل فجر الطفل للكوب من يدك قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها.
طبعا حركة الوجه نحو الأعلى والأسفل واليسار تكون قد أكملت رسم قناع أبيض على وجه الطفل (في حال إنك فنان تشكيلي يمكنك الاستفادة من القناع في وجه الطفل والذي يشبه قناع لأحد رجال الدين البدائيين وهو يؤدي طقوسا تضحية، وطبعا سيراودك الشعور بأنك الضحية في مذبح المعبد)
يمكن استخدام المريلة لإزالة هذا القناع، لكن المريلة لها مشاكلها، فهي قطعة قماش معلقة على رقبة الطفل ذات وجهين ناعم وخشن، والوجه الخشن يبدو "كصنفرة الخشب الرملية" وإذا مسحت بها وجه الطفل فسوف تتحول الوجبة إلى مناحة، فإحذر المريلة واستعمل بدلا عنها المناديل الورقية (وهذه طبعا يمكن عضها ويستحيل اخراج باقيها من الفم، اللهم إلا إن تناول الطفل جرعة ماء بعدها، لأن حشر أصبعك في فم الطفل ليس مخاطرة بتفريغ بطنه بل هو كذلك تصرف لا يقبله اتيكيت المائدة.
طبعا، إذا بكى الطفل يمكنك رفعه إلى كتفك، وإذا كنت مرتديا قميصا داكن اللون فستحصل في كتفك على رتبة مارشال بعد ان يمسح الطفل حنكة يمنة ويسره على كتفك، وستكون سعيدا لحصولك على هذه الرتبة دون جهد أو قتال تماما كما هو حال مارشالاتنا الكبار.
طبعا، وأثناء مرحلة الفوضى الخلاقة هذه تكون قد خسرت وجه الطفل وملابسك والصبر الذي أصبح في قاع صحنك، كل هذه والطفل لم يأكل ربع علبة الزبادي ذات 250 غراما. وتحاول مرة أخرى مدفوعا بأن يكمل صاحبك نصف العلبة فقط.
هنا وبحركة برازيلية لا تجدها الا عند رونالدينهو وغيره من النجوم الكبار يغرز صاحبنا كعب قدمه في علبة الزبادي ويطيح بها من الطاولة ليتدفق محتواها في أرضية الصالون، وعندما تنظر إليه متسائلا تجد ابتسامة غياظة على وجهه؟
وتتعوض الله وتسلم بأن تسقيه جرعة ماء كهدنة مؤقتة. يتناول صاحبنا الجرعة الأولى والثانية يسيل نصفها في المريلة أما الجرعة الثالثة ف "بوووووووه" نافورة تصل إلى ذقنك، وتعرف ان مرحلة الفوضى الخلاقة قد انتهت وبدأنا مرحلة اللعب. وهذه المرحلة لا يعكرها الا غازات المعدة، وغازات المعدة في بطن الطفل كنقطة الماء في ميزان البناء: دوما صاعدة وهابطة، باحثة عن فمه أو مؤخرته، وفي بحثها هذا يتلوى الطفل ويتعذب معه حامله؟
ويأتي الفرج كجشوة قوية وغالبا من تكون موجهة نحو فمك مباشرة: نعم بدون إحم ولا دستور.
وبها تكون الحلقة قد شارفت على الانتهاء وانتهي العمل بالخطط الخمسية والبديلة وكل ذلك على علبة زبادي نصفها في ملابس الطفل ووجه ونصفها الآخر في أرضية الصالون.
وإذا نظر إليك ناظر فسوف ينفجر من الضحك من شعرك وقميصك الملطخ والكائن الضاحك الجالس في حجرك.
وبينما أنت تنظر إلى النواحي الاستراتيجية والعملية لإطعام طفل بالتعامل مع المهددات الأمنية التي يمثلها تكون الأم، كالعادة، قد اطعمت الطفل أثناء حديثها مع صديقتها بالتلفون ومراقبتها للملابس في الغسالة ويدها المشغولة بتحريك طنجرة طعام غداء العائلة.
عاش التواطؤ
المجد للأمهات.




فتحي عثمان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى