د. أحمد الحطاب - الله يبعث، على رأس كل مائة سنة، لأمة الإسلام مَن يُجدِّد لها دينَها

عنوان هذه المقالة، هو، في الحقيقة، حديثٌ نبوي شريف. وهذا الحديث النبوي، في حدِّ ذاتِه، إن كان، حقّاً، صادرا عن الرسول (ص)، فهو اعترافٌ صريح من طرَف مَن اختاره اللهُ، سبحانه وتعالى، من بين بشرٍ كثيرين ليُبلِّغَ للناس أجمعين رسالة الإسلام، بأن الدين يجب أن يتجدَّدَ.

فتعالوا نضع هذا الحديثَ تحت مِجهرِ العقل لنرى هل، فعلا، يتلاءم مع الواقع ومع مُجرياته؟ و وضْعُ هذا الحديث تحت مجهر العقل يُحتِّم علينا أن نطرحَ على أنفسنا عِدَّةَ أسئلة، من بينها، على الخصوص :

1.ما هو المقصود من عبارة "الله يبعث"؟
2.لماذا، بالضبط، "على رأس كل مائة سنة"، وليس أقل أو أكثر؟
3.ما هو المقصود مِن "مَن يُجدِّد لها دينَها"؟

والآن، سأحاول أن أجيبَ على هذه الأسئلة الثلاثة، واحداً تلو الآخر ، مستعملاً ما رزقني الله، سبحانه وتعالى، وإياكم من عقل ِ

جوابا على. السؤال الأول، أي : "ما هو المقصود من عبارة "الله يبعث؟"

كلنا نعرف أن النَّبيَ والرسولَ، محمد (ص)، هو آخر الأنبياء والرسل. واللهُ، سبحانه وتعالى، أشار إلى هذه الخاتِمِية في القرآن الكريم، من خلال الآية رقم 40 من سورة الأحزاب، التي نصُّها : "مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (الأحزاب، 40).

وكلنا نعرف أن صلةَ الوصل بين الله، سبحانه وتعالى، والأنبياء والرسل، هي الوحي. وما يقبله العقلُ، هو أن الوحيَ توقَّف مع توقُّفِ الرسالات السماوية، حين أراد اللهُ، سبحانه وتعالى، أن يكون محمدٌ (ص) هو آخر الرسل والأنبياء.

وكلنا نعرف أن الوحيَ الذي كان ينزل على الرسول (ص)، هو القرآن الكريم. فلما أراد، سبحانه وتعالى، أن يكونَ محمدٌ (ص) هو آخر الرسل والأنبياء، فإنه أرادَ، كذلك أن يحفظَ هذا الوحيَ، أي القرآن الكريم من كل تحريفٍٍ وتزويرٍ، فقال، جلَّت قدرتُه، في الآية رقم 9 من سورة الحجر التي نصُّها : "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر، 9).

وفعل "بَعَثَ"، في حلِّ الآيات التي ورد فيها هذا الفعل، مقترنُ إما ب"بَعْثِ" الرسل والأنبياء، أي إرسالُهم إلى الناس لهِدايتِهم، وإما بإحياء الموتى بعد موتِهم.

فهل يُعقَل أن يكون هناك تناقضٌ بين ما ينطق به الرسول (ص) من أحاديث وما ينصُّ عليه القرآن الكريم؟ أو بعبارة أخرى، ماذا نصدِّق؟ هل نصدِّق القرآنَ الكريمَ الذي هو قطعي الثبوت، والذي نصَّ على أن محمداً (ص) هو آخر الرسل والأنبياء أم نصدِّق الأحاديث التي هي ظنِّية الثبوت؟ علما أن الرسول (ص)، كرسولٍ، لا ينطق عن الهوى.

جوابا على. السؤال الثاني، أي : "لماذا، بالضبط، "على رأس كل مائة سنة"، وليس أقل أو أكثر؟

إنه، فعلاً، رقمٌ يُثيرُ شيئا من الغرابة والاستفهام. فهل هذا يعني أن التَّديُّن، أي ممارسة الدين الذي هو الإسلام، في حالتنا هذه، لا يتغيَّر ويبقى ثابتا إلى أن "يبعثَ" الله، سبحانه وتعالى، أحدَ الناس ليُجدِّدَ للمسلمين دينَهم، أي الإسلام.

والحقيقة أن التَّديُّنَ الذي هو تطبيقٌ للإسلام على أرض الواقع، يتغيَّر يوميا من شخص إلى آخر، حسب إدراكِهما للدين، هل هو إدراكٌ عميقٌ ومتبصِّر أم هو إدراكٌ سطحي لهذا الدين. ثمَّ إن كثيرا من الناس لا ينتظرون، طيلةَ مائة سنة، أحدا ليُجدِّدَ لهم دينََهم. أو بعبارة أخرى، كثيرٌ من المسلمين يُصبحون، يوميا، مُلحِدين أو مسيحيين، وكثيرٌ من المُلحِدين أو المسيحيين يعتنقون، هم الآخرون يوميا، الإسلامَ.

وجوابا على. السؤال الثالث، أي : "ما هو المقصود مِن "مَن يُجدِّد لها دينَها"؟

قبل الجواب على هذا السؤال، تجب إثارة الانتباه إلى أن الدين فيه ما هو ثابت وفيه ما يقبل التَّغييرَ. ما هو ثابت، هو ما جاء به القرآن الكريم. وما هو غير ثابت، أي ما هو قابل للتَّغيير، هو ما أنتجه العقل البشري لتوضيح الإسلام وجعله في متناول الإدراك والفهم، أولا، من طرف، ثم من طرف المُهتمين. فإذا كان هناك تجديدٌ، فلا يمكن، على الإطلاق، أن يطالَ ما هو ثابت بنصٍّ قرآني. لماذاّ؟

لأن اللهَ، سبحانه وتعالى، قال : "...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا… (المائدة، 3).

لكن السؤالَ المهم الذي يفرضه علينا العقلُ، هو : "هل فعلا، منذ وفاة الرسول (ص)، بعث الله، سبحانه وتعالى، ناسا ليُجدِّدوا لأمة الإسلام دينََها. والتَّجديد، كما سبق الذكرُ، لا يمكن أن يطالَ إلا ما أنتجه العقلُ البشري، لتوضيح الإسلام وجعله في متناول الإدراك والفهم. وإذا بعثهم، فمَن هم هؤلاء المبعوثون؟ بكل صراحة، لا أحدَ يعرفهم.

وإذا افترضنا أن علماءَ وفقهاءَ الدين، الذين جاءوا مباشرةً بعد وفاة الرسول (ص) أو بعد وفاتِه بعشرات أو بمئات السنين، فهل فعلا جدَّدوا للأمة إسلامَها؟

ما هو معروف ومشهودٌ به، هو أن هؤلاء العلماء والفقهاء عقَّدوا الإسلام وأضافوا له ما لم ينص عليه القرآن الكريم من اعتداءٍ وقتلٍ وغزوٍ وسبيٍ… وعلى رأسهم البخاري الذي أساء للرسول (ص) بنشره لأحاديث، يقول إنها صحيحة، وهي، في الحقيقة، تخدش الحياء والمروءة… بل لا يقبلها العقل السليم، المُحِبِّ لمَن اختاره الله، سبحانه وتعالى، من بين كثيرٍ من الناس، ليكون رحمةً للعالمين، وليس، ليُخالفَ ما أمرَه، عزَّ وجلَّ، ما أراد أن يُبلِّغَه للناس.

ما أختم به هذه المقالة، هو أنني لم أستطِعْ ولن أستطيعَ أن أقول أن هذا الحديث صحيحٌ أو غير صحيحٍ. لكن، ما هو واضحٌ لمتدبِّر آيات القرآن الكريم، هو أنه لا يصمُد أمامَ النقد والتّحليل الفكريين. بل إنه يتناقض مع كثيرٍ من آيات هذا القرآن.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى