ثقافة شعبية ميلود خيزار - "حيـزيّة" امرأة "حقيقيّة" لرواية عشق "ملفّـقة"؟

1-
ترد أحداث الرّواية "الحقيقيّة" في سياق مشحون بصراع مرير على السّلطة بين عائلة "وافدة" (بن قانة)، المغتصبة للمشيخة بمصاهرة الأتراك و التي واصلت الاغتصاب بموالاتها للاحتلال الفرنسي في المنطقة (الزيبان و العرب)، و بين عائلة عريقة (بوعكاز)، تنتسب إلى قبيلة معروفة: (الذواودة)، الوارثة للمشيخة منذ الدولة الحفصيّة.
و لهذا، تبتدئ "لازمة" القصيدة برباعيّة:
"جاب العسكر معاه
و القـــومان وراه
طلبـــــت ملـقـــاه
كل آخر بهــــديّـة"
ثمّ،
"ناقل سيف الهنود
يومي غي بـالـيـيد
يقسم طرف الحديد
و اللّـــي صمّـيـّة"
ثمّ،
مــا قتّل من عباد
من قوم الحســّاد
يمشي مشي العناد
بالفـنطــــازيـة"
ثمّ،
ما نشكرش الباي
جرّد يا غــنّــاي
بنت احمد بالباي
شُكري وغــنايا".
هذا الاستهلال هو أهمّ جزء في القصيدة، من حيث:
- كونها تحدّد "عنوان الرّسالة" و "المرسل إليه" و "صفاته" (حتّى لا يلتبس الأمر على القارئ بين "الباي" و "احمد بن الباي".
- و أنّ الموضوع (أي حيزيّة)، هو مجرّد هامش لهذه الرّسالة/الإهانة. في مجتمع "محافظ جدّا" و تؤطّر سلوكيّاته و مواقفه الأعراف القبليّة و القيم الدينيّة.
- لقد أدرك الشّاعر "بن قيطون" ثورة العامري "البوازيد" و هو منهم، و عايش أحداثها (إذ يفترض أنّ عمره يكون في حدود 31 سنة أثناء قيامها) و كذلك مرارة الهزيمة و ما تلاها من سيطرة "ال بن قانة" على المنطقة"، بحكم كونهم "خدم الاحتلال الفرنسيّ" بعد رحيل الأتراك.
- الشّاعر "بن قيطون" ذاته، لم تذكر له قصيدة غزل واحدة في حياته، فـ "حيزية" هي وحيدته، و معظم شعره "مدائح نبويّة" و "فخر" و "هجاء" و "وصف للثورات" (الزعاطشة و العامري).
- فبالعودة إلى نص ثورة "الزعاطشة"، مثلا، نلاحظ التطابق الكبير بينه و بين نصّ "حيزية" الرّباعيين:
"كانوا مجموليـن
و احصُر و فراشات مبسوطين
عادوا مسجونين
في حبس لا شافتو عيني"

2-
محمد بن قيطون (1843 - 1907)
و معنى ذلك أنه يحمل ذاكرة عن "ثورة الزعاطشة" (الشيخ بوزيان و الدرقاوي) 1849. و عاصر كل مراحل و أحداث ثورة العامري "البوازيد": 1874/1876. إذ كان عمره حوالي 31 سنة. و لا ذكر لمشاركته فيها زغم أنه كتب عنها.
الدكتور أحمد الأمين (رحمة الله عليه)، و هو ابن المنطقة "(سيدي خالد)، أثار في أحاديثه عن قصيدة حيـزية"الملابسات التاريخيّة و السّياسيّة و الاجتماعية و النّصيّة (الصّراع بين "ال بوعكاز" و "ال بن قانة" على "مشيخة" العرب)، عدّة "تساؤلات" "وجيهة" و "موضوعية"، في مناسبات عديدة و كلّها "تصبّ" في اتّجاه:
- "استحالة" أن يكون النصّ "غزليّا" صرفا (كما يبدو للقارئ "المتعجّل" أو "السّطحيّ").
- استحالة أن يصدر ذلك "التشبيب" و "الوصف" بتلك "الوقاحة" عن "عاشق حقيقيّ و وفيّ" لمحبوبته (فهذا ما لا تقبله قيم و أعراف المنطقة).
- استحالة أن يصدر عن الشّاعر" كلّ ما ورد في القصيدة دون أن يكون قد "أمّن" على نفسه (من جهة نافذة) من غضب "احمد بن الباي".
ختاما (و قد تكون لنا عودة تفصيلية للموضوع):
"فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ "(ال عمران.7).

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى