برفقة عمّي (عمر)، ذهبت جدّتي إلى.. البلدة التي تعيش فيها أختها.. والتي تتبع لهذه (المنطقة)، وكان الوقت مساء، لذلك ومن المؤكّد، بأنّها ستنام هناك.. أمامها ثلاثة بيوت، يتوجّب عليها زيارتهم، دار أختها (فطيم)، التي هي من تقصدها في الأساس، لخطبة حفيدتها لأبي، والدّار الثّانية هي لأخيها (الحج محمد) وهو يملك خانأً في البلدة، لبيع القمح، وكان في السّابق متطوّعا في الشّرطة، ولكنّه طرد منذ فترة، بعد ضبطه في حالة أخذه الرّشوة.. وهو زوج عمّة أبي، شقيقة جدّي (أبو حسين)، المرحومة (أمّ قدّور)، ماتت منذ زمن بعيد.. أمّا عن الدّار الثّالثة والأخيرة، فهي دار أخيها الحجي (أحمد) أبو (محمود).. وهو شرطّي، لم يطرد، رغم أنه يتقاضى الرّشوة.. لكن من حسن حظّه، لم يكشف أمره بعد.
وكانا حج محمد (أبو قدّور)، و الحجي أحمد (أبو محمود)، أخويّ جدّتي، مزواجين.. فقد تزوّج (أبو قدّور)، سبع مرّات.. وكذلك أخوه (أبو محمود) كان أيضاً قد تزّوج أربعة مرّات.. وكان لكلِّ واحد منهما، أولاد كثر، ومن الصّعب عليه، أن يحفظ كلّ الأسماء، أومعرفة من تكون من زوجاته أمّا لهذا الولد أو ذاك؟!.
كانا الأثنان محبوبين، من قبل النّساء
، لوسامة شكليهما، وجمال جسديهما، وبريق وسحر عيونهما، وحلاوة لسانهما، وبراعة تغزّلهما بالنّسوة.. فهما قادران على الإغواء، ولفت الإنتباه.. فسرعان ما تقع الواحدة منهنّ، في غرامهما، وتقبل بالزّواج من أحدهما، وتكون قد وقعت في الفخ، والمصيدة.. ثمّ يطالها الظّلم، والمهانة، والضّرب المبرح، والإستهتار، والهجران، وبتحويل اسمها، إلى (أمّ عصّ)، أو (أمّ قويق)، أو (العورة)، أو (العرجاء)، أو (القحبة)، أو (المدوّدة)، أو (النّجسة)، أو غيرها من الألقاب الكثيرة، التي لا حصر ولا عدّ لها.
ومن ضحايا خال والدي، (أبو قدور)، أنّه ذهب إلى (مصر)، بعد حرب (السويس) وأقام في (القاهرة) عدّة أشهر، وخلال هذه الأشهر تمكّن من التّعرف على فتاة جميلة، أوهمها أنّه صاحب رزق وأملاك في سورية، وأنّه عازب غير متزّوج ، وهو واقع في غرامها، وعرض عليها الزّواج، وواففت المسكينة، وتزوّج منها، وثمّ عاد إلى بلده، وأحضرها معه إلى بلدته.. وهنا وجدته متزوجاً من أربعة نساء، وكان عليه أن يطلّق واحدة منهنّ، ليفسح لها مكاناً، وتدخل على خانته، وتصبح زوجته.. لكنّه بعد فترة قصيرة، فاجأها بإحضار، زوجة جديدة. بعد أن طلّق أقدم ضرة عندها.. وحوّلها إلى خادمة، له و لزوجته الأخيرة، ولأولاده، والدّار الكبيرة.. ولمّا أكتظت داره بالسّكان، أفراد أسرته، وبقيّة زوجاته، ولم يعد للزوجة المغتربة، مكان تقعد فيه، أمرها ان تصعد إلى السّقيفة الموجودة في غرفته.. وتّتخذ منها مكاناً لإقامتها، والنّوم فيها، رغم برودتها، وقلّة هوائها، وبشاعة رائحتها، وظلمتها، ووطء سقفها، وفداحة الجلوس فيها.. قال لها آمراً:
- ادخلي هنا.. وارقدي بالدّاخل، ونامي هناك.. وحاذري أن تنزلي لتحت، أو أن تقتربي من باب السّقيفة، وتستمعي إلى كلامنا، أو أحاديثنا، أنا وضرّتك الجديدة، أو أن تسترقي النّظر إلينا.. ونحن في خلوتنا.. حينها، وأقسم لك بالله العظيم، لو فعلت ذلك، لأقلع لك عينك، وأقطع لك لسانك يا (جقمة) الفم.. هل فهمت؟.
وظلّت الزّوجة الشقيّة، صابرة تنام في كلّ ليلة، فوق السّقيفة الحقيرةِ، محبوسة، ومهدّدة بأفظع العقوبات، إن بدرت منها، أيّة حركة.. إلى أن جاء يوم واستطاعت أن تهرب، وتعود إلى بلدها.
في صباح اليوم التّالي، عادت جدّتي
إلى دارها، وإلى مدينتها، والفرحة
تكاد ألّا تسعها، فقد وافقت أختها (الحاجة فطيم)، وابن أختها (حمدو)، على طلب يد ابنتهم (فاطمة)، إلى والدي.. وقالت لجدّي ولأبي، وهي فرحة بما تحمله لهما من أخبار:
- الحمد لله.. كنت أعرف أن أختي، (الحاجة فطيم)، وابنها (حمدو)، لن يرفضا طلبي لإبنتهم (فاطمة)، قال لي (حمدو):
- لي كلّ الشّرف، أن أعطي ابنتي لإبنك (محمد)، فهي لك هديْة، بلا مقدْم، ولا مؤخر.. وبإمكانك أن تأخذيها معك، خادمة لك وإلى (أبو حسين) الغالي، ولإبنك، صاحب الأخلاق العالية.
لم يفرح أبي، مثلما فرح جدّي.. بل كانت صدمته كبيرة.. إلى درجة أن خيّبت له أمله، الذي كان يسكن قلبه.. ويمنحه عزيمة الصّبر والإحتمال.. كان يظن، ويعتقد، ويتمنّى، أن تعود أمّه، خائبة الرّجاء، وتقدّر خالته وضعه، فهو متزوّج ومتعلّق بزوجته، وله منها طفل
غال على قلبه، لم يتجاوز الشّهرين من عمره بعد.
كان على أبي ان يتخذ قراره، فهو عاجز عن تحدّي والده، وعن ارغام والد أمّي، عن الإفراج عنها.. وهو لم يحقق لهم ما يسعون إليه.. لن يتزوج مرّة ثانية، سيتمسك بأمّي وأخي لاّخر لحظة من عمره.. سيهرب.. سيهجر أهله، بل سيغادر مدينة.. لا عيش له هنا.. أمّي محبوسة في دار أبيها، ممنوع عليها المغادرة، أو الخروج.. أو زيارة دار جدّها (الحاج حسن)، كي لا تلتقي بعمّاتي، أو تصادف أبي، أو أحد من اهله.. وأخي مغيب عنه، لا يمكنه أن يراه.. هل يرتكب جريمة؟.. هل يقتل جدّي (عبيد)؟.. أم يوافق على شروطه، ويتحدّى مشيئة أبيه؟.. رباه!!.. هو في وضع فظيع، صعب، ولا يطاق.
مصطفى الحاج حسين.
يتبع.. الجزء السابع.
وكانا حج محمد (أبو قدّور)، و الحجي أحمد (أبو محمود)، أخويّ جدّتي، مزواجين.. فقد تزوّج (أبو قدّور)، سبع مرّات.. وكذلك أخوه (أبو محمود) كان أيضاً قد تزّوج أربعة مرّات.. وكان لكلِّ واحد منهما، أولاد كثر، ومن الصّعب عليه، أن يحفظ كلّ الأسماء، أومعرفة من تكون من زوجاته أمّا لهذا الولد أو ذاك؟!.
كانا الأثنان محبوبين، من قبل النّساء
، لوسامة شكليهما، وجمال جسديهما، وبريق وسحر عيونهما، وحلاوة لسانهما، وبراعة تغزّلهما بالنّسوة.. فهما قادران على الإغواء، ولفت الإنتباه.. فسرعان ما تقع الواحدة منهنّ، في غرامهما، وتقبل بالزّواج من أحدهما، وتكون قد وقعت في الفخ، والمصيدة.. ثمّ يطالها الظّلم، والمهانة، والضّرب المبرح، والإستهتار، والهجران، وبتحويل اسمها، إلى (أمّ عصّ)، أو (أمّ قويق)، أو (العورة)، أو (العرجاء)، أو (القحبة)، أو (المدوّدة)، أو (النّجسة)، أو غيرها من الألقاب الكثيرة، التي لا حصر ولا عدّ لها.
ومن ضحايا خال والدي، (أبو قدور)، أنّه ذهب إلى (مصر)، بعد حرب (السويس) وأقام في (القاهرة) عدّة أشهر، وخلال هذه الأشهر تمكّن من التّعرف على فتاة جميلة، أوهمها أنّه صاحب رزق وأملاك في سورية، وأنّه عازب غير متزّوج ، وهو واقع في غرامها، وعرض عليها الزّواج، وواففت المسكينة، وتزوّج منها، وثمّ عاد إلى بلده، وأحضرها معه إلى بلدته.. وهنا وجدته متزوجاً من أربعة نساء، وكان عليه أن يطلّق واحدة منهنّ، ليفسح لها مكاناً، وتدخل على خانته، وتصبح زوجته.. لكنّه بعد فترة قصيرة، فاجأها بإحضار، زوجة جديدة. بعد أن طلّق أقدم ضرة عندها.. وحوّلها إلى خادمة، له و لزوجته الأخيرة، ولأولاده، والدّار الكبيرة.. ولمّا أكتظت داره بالسّكان، أفراد أسرته، وبقيّة زوجاته، ولم يعد للزوجة المغتربة، مكان تقعد فيه، أمرها ان تصعد إلى السّقيفة الموجودة في غرفته.. وتّتخذ منها مكاناً لإقامتها، والنّوم فيها، رغم برودتها، وقلّة هوائها، وبشاعة رائحتها، وظلمتها، ووطء سقفها، وفداحة الجلوس فيها.. قال لها آمراً:
- ادخلي هنا.. وارقدي بالدّاخل، ونامي هناك.. وحاذري أن تنزلي لتحت، أو أن تقتربي من باب السّقيفة، وتستمعي إلى كلامنا، أو أحاديثنا، أنا وضرّتك الجديدة، أو أن تسترقي النّظر إلينا.. ونحن في خلوتنا.. حينها، وأقسم لك بالله العظيم، لو فعلت ذلك، لأقلع لك عينك، وأقطع لك لسانك يا (جقمة) الفم.. هل فهمت؟.
وظلّت الزّوجة الشقيّة، صابرة تنام في كلّ ليلة، فوق السّقيفة الحقيرةِ، محبوسة، ومهدّدة بأفظع العقوبات، إن بدرت منها، أيّة حركة.. إلى أن جاء يوم واستطاعت أن تهرب، وتعود إلى بلدها.
في صباح اليوم التّالي، عادت جدّتي
إلى دارها، وإلى مدينتها، والفرحة
تكاد ألّا تسعها، فقد وافقت أختها (الحاجة فطيم)، وابن أختها (حمدو)، على طلب يد ابنتهم (فاطمة)، إلى والدي.. وقالت لجدّي ولأبي، وهي فرحة بما تحمله لهما من أخبار:
- الحمد لله.. كنت أعرف أن أختي، (الحاجة فطيم)، وابنها (حمدو)، لن يرفضا طلبي لإبنتهم (فاطمة)، قال لي (حمدو):
- لي كلّ الشّرف، أن أعطي ابنتي لإبنك (محمد)، فهي لك هديْة، بلا مقدْم، ولا مؤخر.. وبإمكانك أن تأخذيها معك، خادمة لك وإلى (أبو حسين) الغالي، ولإبنك، صاحب الأخلاق العالية.
لم يفرح أبي، مثلما فرح جدّي.. بل كانت صدمته كبيرة.. إلى درجة أن خيّبت له أمله، الذي كان يسكن قلبه.. ويمنحه عزيمة الصّبر والإحتمال.. كان يظن، ويعتقد، ويتمنّى، أن تعود أمّه، خائبة الرّجاء، وتقدّر خالته وضعه، فهو متزوّج ومتعلّق بزوجته، وله منها طفل
غال على قلبه، لم يتجاوز الشّهرين من عمره بعد.
كان على أبي ان يتخذ قراره، فهو عاجز عن تحدّي والده، وعن ارغام والد أمّي، عن الإفراج عنها.. وهو لم يحقق لهم ما يسعون إليه.. لن يتزوج مرّة ثانية، سيتمسك بأمّي وأخي لاّخر لحظة من عمره.. سيهرب.. سيهجر أهله، بل سيغادر مدينة.. لا عيش له هنا.. أمّي محبوسة في دار أبيها، ممنوع عليها المغادرة، أو الخروج.. أو زيارة دار جدّها (الحاج حسن)، كي لا تلتقي بعمّاتي، أو تصادف أبي، أو أحد من اهله.. وأخي مغيب عنه، لا يمكنه أن يراه.. هل يرتكب جريمة؟.. هل يقتل جدّي (عبيد)؟.. أم يوافق على شروطه، ويتحدّى مشيئة أبيه؟.. رباه!!.. هو في وضع فظيع، صعب، ولا يطاق.
مصطفى الحاج حسين.
يتبع.. الجزء السابع.