كنا مجموعة من الطلبة تقطّع بنا الحبل.. أنهينا الامتحانات بنجاح، وحصلنا على الإجازة.. لكن بقينا لبعض الوقت محاصرين في فاس.. لا نملك المال الكافي لنعود إلى مراكش.. علينا الانتظار حتى نتمكن من بيع بعض الأثاث، ونرى إذا كان ثمنه يكفي لاقتناء تذاكر السفر..
كنا نتابع عن كثب حصار بيروت 1982 بحي الصبليون بفاس عبر الاذاعات العالمية.
شاب أمازيغي يعمل بكشك يبيع الدخان والجرائد بالجوار، تعرف عليه الشاعر عبد العزيز حجاج رحمه الله، فأصبح يسلفنا بعض الجرائد والمجلات الاسبوعية التي تغطي الحدث مثل القبس الكويتية، ومجلة بلا حدود اليسارية التي تصدر اظن في بلجيكا او فرنسا. اشتريت منها نسختين لأنها تغطي الحدث بالصور والمقالات التي يكتبها صحافيون أكفاء وملمون بالصراع العربي الاسرائيلي، فضحيت بما تبقى من مصروف الطعام والسجائر.
كنا نستمع من حين لآخر لشريط خاص بأغاني فرقة الميادين التي يقودها المطرب اللبناني مارسيل خليفة، ونتوقف عند اغنية (يا شوارع بيروت الحرب اليومية) بصوت أميمة خليل العذب، وهو يقاوم الخراب الذي أحدثته الحرب في نفوسنا.
المقاومة اللبنانية والفلسطينية تستبسل اكثر من شهر ونصف في وجه اعتى الآلات الحربية الإسرائيلية.. أطفال المخيمات بدل لعب الكرة، أو متابعة مباريات كأس العالم، يحملون صواريخ الار بي جي على الاكتاف. يبللون قطعة من الثوب بالماء، ويضعونها على الكتف. يصطادون الدبابات الإسرائيلية العمياء بين منحرفات الشوارع والازقة، ونار الصواريخ تحرق أكتافهم واعناقهم. ظلت قلوبنا تحترق وتعتصر بالألم مع تواطؤ نشرات الاخبار اكثر من شهر..
وقد شارك في هذه الحرب بعض كتائب الجيش السوري، لكنها لم تستطع وقف اجتياح شارون، واحتلاله لثلث أراضي لبنان، ودخوله إلى بيروت الشرقية، ومحاصرة المقاومة الفلسطينية واللبنانية في غرب بيروت، ومنع دخول الدواء والطعام إليها..
تزامن الحصار مع كأس العالم. الجزائر تنتصر على المانيا، والجماهير تخرج الى الشارع لتحتفل بالحدث. مظاهرة لنساء عمان تتضامن مع الشعبين الفلسطيني واللبناني يتم قمعها.. شارون يهدد بحرق بيروت إذا لم تخرج منها منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة عرفات.. تجري مفاوضات.. بالكاد تحصل المنظمة على ضمانات دولية بعدم تعرض الجيش الاسرائيلي ومليشيا الكتائب للمخيمات الفلسطينية.. تخرج المقاومة الفلسطينية من لبنان تحت حماية الاقوات الدولية الى الشتات من جديد..
حوالي 14 الف مقاوم يحملون ما خف من سلاح، ويلوحون به في الأعلى يتوجهون صوب الميناء.. يتبادلون رصاص الوداع مع رفاقهم في المقاومة اللبنانية..
تُقلهم المراكب الى تونس بعيدا عن حدود فلسطين.. كان مشهدا يدمي القلب..
بعد ذلك تكفل كأس العالم بالتغطية على مذبحة صبرا وشاتيلا..
طوت منظمة التحرير حقبة ودخلت في حقبة جديدة.. بعد خمس سنوات ستظهر الانتفاضة الأولى كشكل احتجاجي..
ذكريات مؤلمة تحييها هذه الأغنية في ذاكرة جيل بأكمله..
حاميد اليوسفي
كنا نتابع عن كثب حصار بيروت 1982 بحي الصبليون بفاس عبر الاذاعات العالمية.
شاب أمازيغي يعمل بكشك يبيع الدخان والجرائد بالجوار، تعرف عليه الشاعر عبد العزيز حجاج رحمه الله، فأصبح يسلفنا بعض الجرائد والمجلات الاسبوعية التي تغطي الحدث مثل القبس الكويتية، ومجلة بلا حدود اليسارية التي تصدر اظن في بلجيكا او فرنسا. اشتريت منها نسختين لأنها تغطي الحدث بالصور والمقالات التي يكتبها صحافيون أكفاء وملمون بالصراع العربي الاسرائيلي، فضحيت بما تبقى من مصروف الطعام والسجائر.
كنا نستمع من حين لآخر لشريط خاص بأغاني فرقة الميادين التي يقودها المطرب اللبناني مارسيل خليفة، ونتوقف عند اغنية (يا شوارع بيروت الحرب اليومية) بصوت أميمة خليل العذب، وهو يقاوم الخراب الذي أحدثته الحرب في نفوسنا.
المقاومة اللبنانية والفلسطينية تستبسل اكثر من شهر ونصف في وجه اعتى الآلات الحربية الإسرائيلية.. أطفال المخيمات بدل لعب الكرة، أو متابعة مباريات كأس العالم، يحملون صواريخ الار بي جي على الاكتاف. يبللون قطعة من الثوب بالماء، ويضعونها على الكتف. يصطادون الدبابات الإسرائيلية العمياء بين منحرفات الشوارع والازقة، ونار الصواريخ تحرق أكتافهم واعناقهم. ظلت قلوبنا تحترق وتعتصر بالألم مع تواطؤ نشرات الاخبار اكثر من شهر..
وقد شارك في هذه الحرب بعض كتائب الجيش السوري، لكنها لم تستطع وقف اجتياح شارون، واحتلاله لثلث أراضي لبنان، ودخوله إلى بيروت الشرقية، ومحاصرة المقاومة الفلسطينية واللبنانية في غرب بيروت، ومنع دخول الدواء والطعام إليها..
تزامن الحصار مع كأس العالم. الجزائر تنتصر على المانيا، والجماهير تخرج الى الشارع لتحتفل بالحدث. مظاهرة لنساء عمان تتضامن مع الشعبين الفلسطيني واللبناني يتم قمعها.. شارون يهدد بحرق بيروت إذا لم تخرج منها منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة عرفات.. تجري مفاوضات.. بالكاد تحصل المنظمة على ضمانات دولية بعدم تعرض الجيش الاسرائيلي ومليشيا الكتائب للمخيمات الفلسطينية.. تخرج المقاومة الفلسطينية من لبنان تحت حماية الاقوات الدولية الى الشتات من جديد..
حوالي 14 الف مقاوم يحملون ما خف من سلاح، ويلوحون به في الأعلى يتوجهون صوب الميناء.. يتبادلون رصاص الوداع مع رفاقهم في المقاومة اللبنانية..
تُقلهم المراكب الى تونس بعيدا عن حدود فلسطين.. كان مشهدا يدمي القلب..
بعد ذلك تكفل كأس العالم بالتغطية على مذبحة صبرا وشاتيلا..
طوت منظمة التحرير حقبة ودخلت في حقبة جديدة.. بعد خمس سنوات ستظهر الانتفاضة الأولى كشكل احتجاجي..
ذكريات مؤلمة تحييها هذه الأغنية في ذاكرة جيل بأكمله..
حاميد اليوسفي