محمد العرجوني - بمناسبة اليوم العالمي للترجمة... حول الترجمة الشعرية

الحديث عن ترجمة الشعر، حديث ذو شجون، تتقاسمه عدة آراء كلها تنبثق من التجربة. هناك من يجعل من هذه الترجمة شيئا مستحيلا وهناك من يعتبرها خيانة للنص الأصلي لا يعتد بها، وهناك من يضيف عليها صفة الجمال، فيتحدث عن الخيانة الجميلة. وهناك من يوضح بأن النص الشعري المترجم يكون بدون روح. روحه الأصلية تتلاشى مع الترجمة لأن تفاعل المترجم بقاموسه اللغوي، سواء قاموس لغة المنطلق أو قاموس لغة الهدف، مع النص الأصلي يكون له تأثير كبير على النص الهدف، تأثير تطبعه أيضا ثقافته حسب مداها. وهناك من يتحدث عن الإبداع في الترجمة حينما يكون المترجم قادرا على الحفاظ على روح النص الأصلي و صياغته بفنية عالية قد يفوق جماليا النص الأصلي.
حينما نقرأ مثل هذه الآراء، حول ترجمة الشعر، لا يمكن أولا إلا أن نتفق معها. فترجمة الشعر ليست بالأمر السهل، وأمر طبيعي تكثر الآراء. لكن على ما يبدو أن هذه الآراء المتضاربة ناتجة عن إغفال نقطة مهمة، تتعلق باعتباطية اللغة، سواء لغة المنطلق أو لغة الهدف. فلا ننسى، حسب الأبحاث العلمية أن الإنسان الأول القاطن الكهوف، بدأ يتواصل فيما بينه بالرسومات التي تركها على جدران الكهوف. ثم بعدها طور وسيلة التواصل، فأصبح يتحدث بالأصوات. فكانت لغته الأولى، ثم بعد ذلك انتقل إلى اللغة. هكذا إذن ترسخت الاعتباطية. ورغم ذلك تطور التواصل، لكن لم يكن ولن يكون تواصلا جيدا في المطل، لهذا تحدث الإنسان عن التأويلات. فاستعان بالسياق وبتحديد وظائف اللغة الخ.. ورغم ذلك تبقى عملية التأويل حاضرة دائما، خاصة فيما يتعلق بالنصوص الأدبية. لهذا في نظري، رجوعا إلى الترجمة، وجب القول ما دامت اللغة اعتباطية، أن ما ينتج عنها أدبيا، يمكن اعتباره ترجمة، أي محاولة للتعبير ولو من داخل ما يسمى باللغة الأم. ما يؤدي بنا إلى القول بأن ذلك هو ما يشفع للترجمة من لغة إلى أخرى. وكما كانت تتم الترجمة بفضل الأصوات، فقد تكون خشنة، مقارنة بالصوت الأصلي االرخيم أو العكس.
أ*+*+*
أ30-9-2024

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى