شهادات خاصة خالد سلامة - الدكتور عمر الإبوركي... شخصية علمية وأكاديمية لها حضورها في المغرب

فور تنمية: خالد سلامة


الدكتور عمر الإبوركي شخصية علمية وأكاديمية لها حضورها في المغرب، له مسار غني ومعمق في علم الاجتماع، حيث قدم إسهامات رائدة حول السلطة التقليدية والقائدية في المجتمع المغربي. قصته الشخصية ومساره الأكاديمي يبرزان ليس فقط جهوده الفردية، بل أيضاً تأثير المحيط الاجتماعي والثقافي الذي نشأ فيه.
النشأة والتأثر بالقائد العيادي:
ولد عمر الإبوركي في مدينة ابن جرير خلال فترة الستينيات، وهي فترة كانت تشهد تحولات مجتمعية وسياسية في المغرب. تعلم القراءة والكتابة في مسجد مارشي القشلة، الذي كان مكانًا لتعليم أبناء الأحياء الشعبية في تلك الفترة. نشأته وسط حيي القشلة والبلوك، حيث كانت الظروف الاجتماعية متواضعة إلى حد ما، منحته فهماً عميقًا للحياة اليومية للمجتمع القروي والسلطة المحلية.
كان للقائد العيادي، وهو شخصية تقليدية ذات نفوذ واسع في الرحامنة ، دور كبير في تشكيل وعي الإبوركي حول السلطة والمجتمع. خلال سنواته الأولى في مدرسة الزاوية، كان عمر الإبوركي وزملاؤه يتابعون باهتمام خروج القائد العيادي للصلاة، وهو رمز الهيبة والسلطة في أذهانهم الطفولية. وفاته في عام 1964 تركت أثرًا كبيرًا على الإبوركي، وكان لهذه الحادثة تأثير طويل الأمد في تكوين نظرته إلى السلطة القائدية. هذا الاهتمام انعكس لاحقًا في أبحاثه ودراساته حول مفهوم السلطة في المجتمع المغربي.
الدراسة والتحصيل الأكاديمي:
انتقل عمر الإبوركي إلى مراكش لاستكمال تعليمه الثانوي، حيث درس في ثانوية محمد الخامس باب أغمات، وهي إحدى المؤسسات التعليمية المرموقة في تلك الفترة. حصوله على البكالوريا سنة 1976 كان بمثابة خطوة نحو مسار أكاديمي واعد. بعد ذلك، التحق بجامعة محمد الخامس في الرباط، حيث درس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تخصص الفلسفة، وعلم الاجتماع، وعلم النفس. كان لهذه المرحلة أهمية كبيرة في تكوينه الفكري، حيث تأثر بعدد من الأساتذة الكبار مثل محمد عابد الجابري، وعلي سامي النشار، وعبد السلام بنعبد العالي، وسالم يفوت، ومحمد جسوس، وفاطمة المرنيسي.
التكوين الفكري الذي تلقاه الإبوركي على يد هؤلاء المفكرين والعلماء عزز اهتمامه بالدراسات الاجتماعية والنقدية. أعد بحثًا لنيل الإجازة حول قبيلة الرحامنة وعلاقتها بالمخزن تحت إشراف الأستاذ المكي بنطاهر، وهو موضوع يعكس اهتمامه بالديناميات الاجتماعية للسلطة في المناطق القروية المغربية. حصل على الإجازة في علم الاجتماع سنة 1981، وبدأ مسيرته في التدريس، حيث عمل كأستاذ لمادة الفلسفة في السلك الثانوي.
البحث الأكاديمي والدراسات العليا:
تحت إشراف عالم الاجتماع المغربي بول باسكون، الذي كان له تأثير كبير على تطور علم الاجتماع في المغرب، هيأ عمر الإبوركي رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا حول موضوع “الظاهرة القائدية”، حيث تناول شخصية القائد العيادي كنموذج. هذا البحث كان بمثابة حجر الأساس لأطروحته لنيل الدكتوراه في السوسيولوجيا حول موضوع “السلطة القائدية والتغير الاجتماعي في العالم القروي”. من خلال هذه الدراسات، استطاع الإبوركي تقديم تحليل عميق للسلطة القائدية، وكيفية تفاعلها مع التغيرات الاجتماعية في المغرب القروي، مما جعله واحداً من أبرز الباحثين في هذا المجال.
المسيرة المهنية والمساهمات الفكرية:
على الرغم من حصوله على التقاعد الرسمي، إلا أن عمر الإبوركي استمر في التدريس والإشراف على أبحاث طلبة الماجستير والدكتوراه في عدة جامعات مغربية، منها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، وكلية الآداب بنمسيك في الدار البيضاء. شارك في تأطير أجيال من الباحثين في مجال علم الاجتماع، وساهم بشكل كبير في تطور الفكر السوسيولوجي في المغرب.
الإبوركي نشر مجموعة من الكتب والدراسات التي تناولت مواضيع متعددة حول السلطة، المجتمع، والسياسة في المغرب. من أبرز أعماله:
“الظاهرة القائدية بالمجتمع المغربي: القائد العيادي الرحماني نموذجا” (2000م): يتناول هذا الكتاب شخصية القائد العيادي وتحليل دوره في المجتمع القروي المغربي.
“السلطة والمجتمع: القائد المغربي الجذور والامتدادات” (2017م): دراسة معمقة عن القائدية في المغرب وعلاقتها بالسلطة السياسية والاجتماعية.
بالإضافة إلى هذه الكتب، نشر الإبوركي العديد من المقالات والدراسات السوسيولوجية والتربوية في المجلات المتخصصة والجرائد الوطنية. كما شارك في ندوات أكاديمية وطنية ودولية، وأدلى بدلوه في عدة برامج تلفزيونية وإذاعية، حيث كان يناقش القضايا الاجتماعية والتربوية من منظور علم الاجتماع.
الإرث الفكري والاجتماعي:
الإبوركي يُعد من الشخصيات التي استطاعت أن تجمع بين العلم النظري والتطبيق العملي في فهم المجتمع المغربي، خاصة في القرى والمناطق القروية. أبحاثه حول السلطة القائدية لم تقتصر على الجانب الأكاديمي فقط، بل ساهمت في إغناء النقاش حول التحولات الاجتماعية والسياسية في المغرب. يعتبر من الجيل الذي ساهم في بناء الفكر السوسيولوجي في المغرب، وترك بصمة واضحة في فهم علاقات السلطة التقليدية والحديثة في المجتمع المغربي.
ختامًا، فالدكتور عمر الإبوركي هو مثال حي على الباحث الذي تمكن من الجمع بين التراث الثقافي والاجتماعي العميق، وبين الفكر الأكاديمي الحديث. عمله في مجال علم الاجتماع، سواء من خلال التدريس أو البحث، يمثل إسهامًا قيمًا في دراسة السلطة والمجتمع في المغرب، وهو ما جعله شخصية مؤثرة في الفكر الاجتماعي بالمغرب.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى