الدكتور أحمد فرحات - الإيقاظ الشعوري للتاريخ والواقع المعيش - قراءة نقدية في رواية "فارس برمنجهام" للأديب المصري أحمد عبدالله اسماعيل

كتب أحمد عيد الله إسماعيل - دون أن يدري- تاريخًا، ‏وقد اعتبر جورج لوكاتش أن كل أنواع الرواية بالمنظور الكلي الشامل تكاد تكون رواية تاريخيّة؛ فالرواية التاريخية - وفقًا لما قاله - تأخذ شكلا أدبيا يستمد قيمته الفنية من تعلقه بسياق اجتماعي وسياسي، أي إن خطاب الرواية التاريخية يتحدد من خلال ما تقوله لا من خلال ما تنقله، ولا يهم تكرار سرد الأحداث التاريخية، بل إحياء وبعث الكينونات التي كانت شاهدة على تلك الأحداث، وسيكون مُهمّا أن نحيا ثانية البواعث الاجتماعية والإنسانية التي قادت الناس إلى التفكير والإحساس والتصرف بهذه الطريقة أو تلك كما هي في الواقع التاريخي.
وقد قال جورج لوكاتش في نظريته:
"إن ما يهم في الرواية التاريخية ليس إعادة سرد الأحداث التاريخية الكبيرة؛ بل الإيقاظ الشعري للناس الذين برزوا في تلك الأحداث، وما يهمّ، هو أن نعيش مرة أخرى الدوافع الاجتماعية والإنسانية؛ التي أدت بهم إلى أن يفكروا ويشعروا ويتصرفوا كما فعلوا ذلك تماماً في كتب أحمد عيد الله إسماعيل - دون أن يدري- تاريخًا، ‏وقد اعتبر جورج لوكاتش أن كل أنواع الرواية بالمنظور الكلي الشامل تكاد تكون رواية تاريخيّة؛ فالرواية التاريخية - وفقًا لما قاله - تأخذ شكلا أدبيا يستمد قيمته الفنية من تعلقه بسياق اجتماعي وسياسي، أي إن خطاب الرواية التاريخية يتحدد من خلال ما تقوله لا من خلال ما تنقله، ولا يهم تكرار سرد الأحداث التاريخية، بل إحياء وبعث الكينونات التي كانت شاهدة على تلك الأحداث، وسيكون مُهمّا أن نحيا ثانية البواعث الاجتماعية والإنسانية التي قادت الناس إلى التفكير والإحساس والتصرف بهذه الطريقة أو تلك كما هي في الواقع التاريخي.
وقد قال جورج لوكاتش في نظريته:
"إن ما يهم في الرواية التاريخية ليس إعادة سرد الأحداث التاريخية الكبيرة؛ بل الإيقاظ الشعري للناس الذين برزوا في تلك الأحداث، وما يهمّ، هو أن نعيش مرة أخرى الدوافع الاجتماعية والإنسانية؛ التي أدت بهم إلى أن يفكروا ويشعروا ويتصرفوا كما فعلوا ذلك تماماً في الواقع التاريخي". [١]
على الرغم من أن مقولة جورج لوكاتش –السابقة- مختصة بتحديد موقفه من علاقة الرواية بالتاريخ؛ فإنها في الوقت نفسه تكشف عن جانب مهم من المعضلات الحقيقية التي تواجه علاقة الأدب في مجمله بالتاريخ، وذلك انطلاقاً من بعدها البسيط المتعلق بتحديد ماهية هذه العلاقة، التي يبدو فيها التاريخ شبه محايد؛ باعتباره ممثلاً للحقيقة الثابتة التي لا يعتريها التغيير في كينونتها الماضوية، وفي الجانب الآخر يظهر الأدب بوصفه متطفلاً على هذه الحقيقة؛ وذلك حينما يقرر الأديب في مرحلة تاريخية ما إعادة ترهينها زمنياً وأيديولوجيا في سياق الحاضر أو المستقبل، وهنا يبرز البُعد الإشكالي للعلاقة؛ الذي يتجاوز الذات المبدعة ليشمل العملية الإبداعية في إطارها العام أثناء تعاملها مع الحقيقة التاريخية الراسخة.
وعلى هذا النحو فقد أرّخت رواية فارس برمنجهام للواقع المعيش، ولا يعنينا الأحداث الكبرى؛ لأن الدوافع التي طرأت وتتصل بهذه الأحداث، حيث أن التفاصيل الدقيقة والعلاقات الجزئية هي التي تُحدث الفارق وتكوّن لنا صورة كلية.
أعجبتني فكرة الرواية؛ إذ تصور العلاقة بين العرب والأوروبيين، وهذه الفكرة جيدة لأننا نعيش ونتجاور ولا نعيش بمفردنا، بل نتعايش معهم شئنا أم ابينا؛ ‏فالشعوب تمتزج وتختلط ببعضها بعضا؛ ‏ولهذا فإن الفكرة جيدة للغاية.
‏قسّم الأديب أحمد عبدالله إسماعيل الرواية إلى ثلاثة أقسام، قام بالتأسيس في الفصل الأول ثم نزع في الفصل الثاني ‏إلى حد ما منزعًا نفسيا، أما ‏في الفصل الأخير فقد أبرز الصراع والمشكلة والعقدة وأنهى الرواية.
اعتمد الكاتب في الرؤية السردية على الراوي العليم، وأجاد استخدامه للغاية طوال الفصل الأول، وإن كنت أتمنى أن ينزع إلى تعدد الضمائر، وخصوصا في الفصل الثاني إذ كان يناسبه ضمير المتكلم، أما في الفصل الثالث فكان بحاجة إلى تعدد الأصوات؛ ليبرز الأحداث بصورة كبرى.
أعجبني الإهداء للغاية "إلى كل من فقد أمه صغيرًا فعاش ليسعدها حتى بعد موتها" [٢]؛ لأن فارسًا يحب أمه الحقيقية ويريد أن يُهدي إلى روحها السعادة رغم نومها الطويل الذي لا صُبح بعده، ثم يجد البطل في أحداث الرواية امرأة تشبه أمه؛ إذ يحب إيلين كأم وجد فيها الحنان والعطف، وقد بحثت له عن عمل وظلت تتابعه وتسأل عنه؛ لتقوم بكل واجبات الأم نحو ولدها، وكأن دور الأم الكبرى مصر تمثل في حفاظه على قيمه وحُسن تمثيلها بالخارج ليكون نموذجًا لكل عربي؛ فحافظ على قيمه وصورته في أعين الآخرين، وإن كانت صورة البطل النبيل الذي لا يخطئ ولا يرتكب سقطة واحدة قد انتهت منذ زمن طويل؛ لأنه لا يوجد من يتصف بالمثالية بنسبة مائة بالمائة، وعندما اختار الزوجة مال إلى من تشبه أمه، ‏وهنا أعترف بأن هذا الأديب يتصف بالذكاء الشديد؛ لأنه جعل البطل يفضل امرأة ستينية على امرأة ثلاثينية، مع أنه شاب ناجح ولم يسبق له الزواج، حيث جعل أهواء النفس أكبر بكثير من أهواء الوظيفة، واستعان بذكاء فرويد ويونج من بعده، لأن فارسا قابل إيلين في الشارع العام ثم قبّلها قبلة عنيفة وكتب الأديب في نصه :
"ذهب عقلها حين رأته يتجه نحوها غير مكترث لمن حوله، وقبّلها بعنف أعاد إليها روحها التائهة، وظل يقبلها حتى ارتوت من ريقه، ثم احتضنها طويلا؛ فذكّرها بأنها أنثى، وظلت هكذا للحظات". [٣]
نُقلة جيدة للغاية انتقل فيها من الأم إلى الحبيبة، ورغم حاجة المشهد إلى غرفة نوم أو مكان مغلق لكنه جعل البطل يقبلها في الشارع؛ ولهذا ظهرت الفكرة ذكية للغاية، وقد خرجت عن المألوف؛ ليسمح الأديب لخياله أن ينطلق إلى آفاق لا يتوقعها القارئ، فيتحول حب فارس إلى إيلين من حب أم إلى حب عشيقة ثم زوجة، ولهذا يُحمد للكاتب توظيفه للرغبة الجنسية في هذا المشهد.
وفي الختام، أشكر الكاتب أحمد عبدالله إسماعيل على هذا العمل، وأتطلع إلى مواصلته رحلته الأدبية علنا نظفر منه بكنز سرديّ.

المصادر
١- لذة التجريب الروئي د. صلاح فضل، ط1 2005م .
٢- رواية فارس برمنجهام أحمد عبدالله إسماعيل، ط 2 2024.
٣- رواية فارس برمنجهام أحمد عبدالله








































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































على الرغم من أن مقولة جورج لوكاتش –السابقة- مختصة بتحديد موقفه من علاقة الرواية بالتاريخ؛ فإنها في الوقت نفسه تكشف عن جانب مهم من المعضلات الحقيقية التي تواجه علاقة الأدب في مجمله بالتاريخ، وذلك انطلاقاً من بعدها البسيط المتعلق بتحديد ماهية هذه العلاقة، التي يبدو فيها التاريخ شبه محايد؛ باعتباره ممثلاً للحقيقة الثابتة التي لا يعتريها التغيير في كينونتها الماضوية، وفي الجانب الآخر يظهر الأدب بوصفه متطفلاً على هذه الحقيقة؛ وذلك حينما يقرر الأديب في مرحلة تاريخية ما إعادة ترهينها زمنياً وأيديولوجيا في سياق الحاضر أو المستقبل، وهنا يبرز البُعد الإشكالي للعلاقة؛ الذي يتجاوز الذات المبدعة ليشمل العملية الإبداعية في إطارها العام أثناء تعاملها مع الحقيقة التاريخية الراسخة.
وعلى هذا النحو فقد أرّخت رواية فارس برمنجهام للواقع المعيش، ولا يعنينا الأحداث الكبرى؛ لأن الدوافع التي طرأت وتتصل بهذه الأحداث، حيث أن التفاصيل الدقيقة والعلاقات الجزئية هي التي تُحدث الفارق وتكوّن لنا صورة كلية.
أعجبتني فكرة الرواية؛ إذ تصور العلاقة بين العرب والأوروبيين، وهذه الفكرة جيدة لأننا نعيش ونتجاور ولا نعيش بمفردنا، بل نتعايش معهم شئنا أم ابينا؛ ‏فالشعوب تمتزج وتختلط ببعضها بعضا؛ ‏ولهذا فإن الفكرة جيدة للغاية.
‏قسّم الأديب أحمد عبدالله إسماعيل الرواية إلى ثلاثة أقسام، قام بالتأسيس في الفصل الأول ثم نزع في الفصل الثاني ‏إلى حد ما منزعًا نفسيا، أما ‏في الفصل الأخير فقد أبرز الصراع والمشكلة والعقدة وأنهى الرواية.
اعتمد الكاتب في الرؤية السردية على الراوي العليم، وأجاد استخدامه للغاية طوال الفصل الأول، وإن كنت أتمنى أن ينزع إلى تعدد الضمائر، وخصوصا في الفصل الثاني إذ كان يناسبه ضمير المتكلم، أما في الفصل الثالث فكان بحاجة إلى تعدد الأصوات؛ ليبرز الأحداث بصورة كبرى.
أعجبني الإهداء للغاية "إلى كل من فقد أمه صغيرًا فعاش ليسعدها حتى بعد موتها" [٢]؛ لأن فارسًا يحب أمه الحقيقية ويريد أن يُهدي إلى روحها السعادة رغم نومها الطويل الذي لا صُبح بعده، ثم يجد البطل في أحداث الرواية امرأة تشبه أمه؛ إذ يحب إيلين كأم وجد فيها الحنان والعطف، وقد بحثت له عن عمل وظلت تتابعه وتسأل عنه؛ لتقوم بكل واجبات الأم نحو ولدها، وكأن دور الأم الكبرى مصر تمثل في حفاظه على قيمه وحُسن تمثيلها بالخارج ليكون نموذجًا لكل عربي؛ فحافظ على قيمه وصورته في أعين الآخرين، وإن كانت صورة البطل النبيل الذي لا يخطئ ولا يرتكب سقطة واحدة قد انتهت منذ زمن طويل؛ لأنه لا يوجد من يتصف بالمثالية بنسبة مائة بالمائة، وعندما اختار الزوجة مال إلى من تشبه أمه، ‏وهنا أعترف بأن هذا الأديب يتصف بالذكاء الشديد؛ لأنه جعل البطل يفضل امرأة ستينية على امرأة ثلاثينية، مع أنه شاب ناجح ولم يسبق له الزواج، حيث جعل أهواء النفس أكبر بكثير من أهواء الوظيفة، واستعان بذكاء فرويد ويونج من بعده، لأن فارسا قابل إيلين في الشارع العام ثم قبّلها قبلة عنيفة وكتب الأديب في نصه :
"ذهب عقلها حين رأته يتجه نحوها غير مكترث لمن حوله، وقبّلها بعنف أعاد إليها روحها التائهة، وظل يقبلها حتى ارتوت من ريقه، ثم احتضنها طويلا؛ فذكّرها بأنها أنثى، وظلت هكذا للحظات". [٣]
نُقلة جيدة للغاية انتقل فيها من الأم إلى الحبيبة، ورغم حاجة المشهد إلى غرفة نوم أو مكان مغلق لكنه جعل البطل يقبلها في الشارع؛ ولهذا ظهرت الفكرة ذكية للغاية، وقد خرجت عن المألوف؛ ليسمح الأديب لخياله أن ينطلق إلى آفاق لا يتوقعها القارئ، فيتحول حب فارس إلى إيلين من حب أم إلى حب عشيقة ثم زوجة، ولهذا يُحمد للكاتب توظيفه للرغبة الجنسية في هذا المشهد.
وفي الختام، أشكر الكاتب أحمد عبدالله إسماعيل على هذا العمل، وأتطلع إلى مواصلته رحلته الأدبية علنا نظفر منه بكنز سرديّ.
المصادر
١- لذة التجريب الروئي د. صلاح فضل، ط1 2005م .
٢- رواية فارس برمنجهام أحمد عبدالله إسماعيل، ط 2 2024.
٣- رواية فارس برمنجهام أحمد عبدالله إسماعيل، ط 2 2024.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى